2017/07/20

التقرير الأول لبوريس نيمتسوف "بوتين – النتيجة المالية"/ الفصل الأول: الفساد وتآكل روسيا.



التقرير الأول لبوريس نيمتسوف "بوتين – النتيجة المالية"/ الفصل الأول: الفساد وتآكل روسيا.



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً





الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الأول:
بوتين – النتيجة المالية
(موسكو – شباط/ فبراير 2008)

تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)

نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2008)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)


(Путин. Итоги (первое издание доклада


Boris Nemtsov’s White Paper in Full

Putin: the Bottom Line
(February 2008) 
first edition

by Boris Nemtsov
First Deputy Prime Minister of the Russian Federation, 1997-1998
and
Vladimir Milov
Deputy Minister of Energy, 2002

Translated from the Russian by Dave Essel (2008

(Translated from English to Arabic by Hussein Ahmad Sabra (2016



الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف، زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.


الفصل الأول
الفساد وتآكل روسيا



بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
إنَّ واحداً من أسوأ نتائج رئاسة فلاديمير بوتين وأكثرها سواداً هو غوص روسيا في مستنقعٍ غير مسبوق من الفساد. فروسيا الآن هي رسمياً واحدة من أعلى الدول في العالم في ما يتعلَّق بمستوى السرقة من قبل الموظفين الحكوميين، فقد تراجعت روسيا إلى المرتبة 143 في التصنيف العالمي لمستوى الفساد، الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية"، مما يجعل بلادنا واحدةً من أكثر الدول فساداً على الكرة الأرضية. أما جاراتُنا التي تُحاذينا في القائمة فهي غامبيا وإندونيسيا وتوجو وأنجولا وغينيا بيساو، في حين أننا أكثر فساداً من دول مثل زامبيا (التي تأتي في المرتبة 123)، وأوكرانيا (المرتبة 118)، ومصر (المرتبة 105)، وجورجيا (المرتبة 79)، وجنوب أفريقيا (المرتبة 43). وسابقاً في عام 2000 كنا إلى حدٍّ ما في مرتبةٍ "أفضل"، حيث كنا في المرتبة 82، ولكننا الآن أصبحنا قريبين من القاع. ووفقاً لمؤسسة "إنديم" [INDEM/ Information Science for Democracy/ منظمة "علم المعلومات من أجل الديمقراطية"، وهي منظمة روسية غير حكومية تأسست عام 1990]، فإنَّ حجم الفساد في المشاريع التجارية في روسيا قد ارتفع من أقل من 40 مليار دولار عام 2001 إلى 300 مليار دولار اليوم(*).
_______________________________________
(*) المصدر: منظمة "إنديم"/ INDEM، "ديناميات الفساد الروسي 2001 – 2005"/  www.indem.ru.
______________________________________
لقد أصبح الإبتزاز والرشى من قبل الموظفين الحكوميين موجودين في كل مكان.   
لقد أثبتَ بوتين بدهاءٍ شديد أنَّ القِلَّة الحاكمة (الأوليجارشية) وغيرهم من أنصار الفساد هم الذين امتصُّوا – كطفيليين – إصلاحات تسعينيات القرن الماضي. صحيحٌ أنه كان هناك أيضاً الكثير من الفساد في التسعينيات، بيد أنه كان مرئياً بحيث أنه كان بإمكان الصحافة الحرة أن تقدِّم تقريراً عن حوادث الفساد، مع وجود عوائق. ففي عام 1997 تمَّ فصل بعض الأعضاء من الحكومة لتلقِّيهم سلفةً بــــ90 ألف دولار لكلٍّ منهم نظيرَ كتابٍ حول الخصخصة. أما الآن فإنَّ هذا المبلغ الهزيل يثيرُ ضَحِكَ ممارسي الفساد في هذه الأيام. 
فالسرقة، التي يقوم بها الموظفون الحكوميون اليوم، تُقاس بالمليارات، وهي مخفية عن أعين الناس: فنسبة كبيرة من مالكي الأسهم يُغَطُّون العشرات من المستفيدين السريين من "أصدقاء الرئيس بوتين"، المختبئين وراء ظهور "مُلاَّك الأسهم"، والمعلومات عن هوية المالكين الحقيقيين مُحْتَفَظٌ بها بعناية من قبل أجهزة الإستخبارات، وإثارة موضوع فساد الذين هم في أعلى مستويات السلطة هي من المحرَّمات في وسائل الإعلام التابعة للكرملين.  
وفي الوقت نفسه أصبحت الرشوة وتقرُّب الموظفين الحكوميين من المشاريع التجارية قاعدةً على جميع مستويات الحكومة: الإتحادية والإقليمية والمحلية. ورغم تشدُّقهم بعبارات عن "الإنتقام من القِلَّة الحاكمة"، فإنَّ روسيا تشهد إثراءً سريعاً لأوليجارشية بوتين الجُدُد والأكثر قوة، وكلُّ ذلك على حسابي وحسابك. فالأصول يتم نزعُها من ملكية الدولة وتسليمها لأشخاصٍ من الخاصَّة لتصبح تحت سيطرتهم ، ثم يُعاد شراء الملكية مرةً أخرى وبأموال الدولة من الأوليجارشية بأسعارٍ مذهلة. كما بدأ ينشأ احتكارٌ لتصدير النفط من قبل أصدقاء بوتين. وأيضاً يتم تمويل "الخزنة السوداء" للكرملين. تلك هي لمحة موجَزة عن النظام الإجرامي للحكومة المشكَّلة في عهد بوتين(*).
______________________________________
(*) المصدر: مجلة "نيو تايمز" الروسية، 10 كانون الأول/ ديسمبر 2007، العدد 44 – "خزنة الكرملين السوداء". 
_______________________________________
الفائز بجائزة الأوسكار في نقل الأصول المهمة إلى أيدي أطرافٍ ثالثة سرية هو شركة "غازبروم" (Gazprom/ Газпром). ففي غضون ثلاث سنواتٍ فقط، ودون أي نوعٍ من أنواع المناقصات وعن طريق إجراءٍ مُبْهَم، تمَّ نقل ثلاثة أصول هامة، توفِّر للشركة تدفقاً نقدياً، إلى ملكية طرفٍ ثالث. وكان أول هذه الأصول شركةُ التأمين "سوغاز" (Sogaz/ Согаз) التابعة لــ"غازبروم": ففي عام 2005 تمَّ نقل ملكية "سوغاز" إلى فروع مصرف " روسيا بنك" (Rossiya Bank/ Россия Банк) في بطرسبورج، وقد بلغت قيمة أصول "روسيا بنك" في وقت النقل مليار دولار، أي القيمة نفسها التي لشركة "سوغاز". ومع ذلك فإنَّ "سوغاز" لم يتم بيعها في المزاد العلني، لكنها نُقِلَت ببساطة إلى ملكية المصرف في بطرسبورج.
في عام 2006 تمَّ تسليم مصرف "روسيا بنك" (Rossiya Bank) إدارةَ صناديق التقاعد التابعة لــ"غازفوند" (Gazfond) والتي تحتوي على أكثر من 6 مليار دولار. وفي أواخر عام 2006 وأوائل عام 2007 استُخدمت هذه الأموال لشراء 50% من أسهم مصرف "غازبروم بنك" (Gazprombank)، الذي أصبح أكبر مصرف من حيث الأصول بعد مصرف "سبير بنك" (Sberbank) في أواخر عام 2007 (مصادر هذه الفقرة والفقرة السابقة هي مقالاتٌ في صحيفة "فيدوموستي" الروسية: "بيع سوغاز إلى بطرسبورج: روسيا بنك يفوز بأكبر شركة تأمين في روسيا وأكثرها ربحاً"، 21 كانون الثاني/ يناير 2005// "سقوط 3% من غازبروم: سوغاز تشتري إدارة شركة غازفوند"، 23 آب/ أغسطس 2006// "في أيدٍ أمينة: غازبروم تنقل مصرفَها إلى غازفوند").
وفقاً لوسائل الإعلام، فإنَّ من جملة الأمور التي قام بها مصرف "روسيا بنك" عام 1990 تعيين المدير العام لمكتب الحزب الشيوعي في منطقة لينينغراد يوري كوفالتشوك (الذي هو الآن رئيس "روسيا بنك")، والذي هو على معرفة شخصية بالرئيس بوتين منذ أن كان الأخير يعمل في بطرسبورج [لينينغراد سابقاً]. أما القائمة الكاملة لمالكي المصرف فهي مجهولة.   
إنَّ واحدة من أكبر الصفقات التي قام بها أصدقاء بوتين في "بنك روسيا" هي الإستيلاء على ملكية وسائل الإعلام العملاقة التابعة لــ"غازبروم" (Gazprom-Media)، والتي تتضمَّن القناتين التلفزيونيَّتَين "أن. تي. في" (NTV) و"تي. أن. تي" (TNT) ومصالح إعلامية أخرى. وقبل سقوط مصرف "غازبروم بنك" في أيدي كوفالتشوك وشركاه تمَّ نقلُ مصالح "غازبروم" الإعلامية (مجموعة "غازبروم ميديا" والأسهم في قناتَي "أن. تي. في" و"تي. أن. تي") إلى المصرف في تموز/ يوليو 2005 وقد دفعوا مقابلها 166 مليون دولار فقط(*).
_____________________________________
(*) المصدر: حسابات "غازبروم بنك" السنوية لعام 2005، وقد وُضعت هذه الحسابات وفق المعايير الدولية للتقارير المالية.
_______________________________________
وبعد ذلك بعامين، أي في تموز/ يوليو 2007، قدَّرَ نائبُ رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف قيمةَ أصول شركة "غازبروم ميديا" بأنها 7,5 مليار دولار(*).
______________________________________
(*) المصدر: صحيفة "فيدوموستي" الروسية، 6 تموز/ يوليو 2007، "وسائل الإعلام باهظة الثمن: غازبروم ميديا قد تصل قيمتها إلى 7,5 مليار دولار".
_____________________________________
ويبدو أنَّ "غازبروم" أعطَتْ أصولَها لأصدقاء الرئيس بوتين مقابل جزءٍ من قيمة هذه الأصول الحقيقية! وبالمقارنة مع هذه الصفقة فإنَّ قروض مزادات الأسهم تبدو نموذجاً للصدق والشفافية.  
إنَّ لوحات "روسيا بنك" تعلن بسخرية في وسط بطرسبورج في شارع نيفسكي براسبكت وكاتدرائية القديس إسحاق أنَّ "روسيا – أرض الإمكانات". وبعد أن أمسك يوري كوفالتشوك بكلتا يديه بالأصول الإعلامية، فإنَّ هذه الأصول ليست مجرَّد مشاريع تجارية، بل إنها وسيلة سياسية واسعة النطاق تستخدَم في التأثير القوي على الرأي العام. وفي الواقع فإنَّ كوفالتشوك يسيطر على أملاك وسائل الإعلام العملاقة وغير الحكومية، والتي هي اليوم تشمل 4 قنواتٍ تلفزيونية ("أن. تي. أن"/ NTV/ "تي. أن. تي"/ TNT/ "رين تي. في"/ REN TV/ و"قناة بطرسبورج الخامسة"/ Channel 5 St Petersburg)، وواحدة من أوسع الصحف انتشاراً في البلاد (كمسمولسكايا برافدا)، وعشرات من وسائل الإعلام الصغيرة من محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف.
هذه الإمبراطورية الضخمة كلها – أي وسائل إعلام بوتين – تقوم بمنافسة جدية مع قنوات التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى، وقوَّة تأثيرها أكبر من أن تُقارَن مع قوة التأثير السابق لوسائل إعلام [مَلِك الإعلام] فلاديمير جوسينسكي و[الملياردير] بوريس بيريزوفسكي. ومن الصعب أن  نتصوَّر أنَّ هذه الوسيلة لن تُستخدَم لتعزيز المصالح السياسية لبوتين.
إنَّ ميخائيل كوفالتشوك – شقيق يوري كوفالتشوك – ، يرأس "معهد كورتشاتوف" للطاقة الذرية وأصبح في الآونة الأخيرة القائم بأعمال نائب رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم. وإنه هو تحديداً الذي قام بتوزيع الــ 130 مليار روبل [4,2 مليار دولار] المخصَّصة لتنمية تكنولوجيا النانو. كما أنَّ بوريس كوفالتشوك – إبن يوري كوفالتشوك – هو مستشارٌ سابق لرئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، والآن هو رئيس إدارة "المشاريع الوطنية ذات الأولوية" التابعة للحكومة الروسية، مع الإشارة إلى أنَّ هذه الإدارة تشرف على الأموال المخصَّصة لــ"المشاريع الوطنية".  
إنَّ "غازبروم" ليست الكيان الوحيد الذي تعرَّض للنهب في عهد بوتين. ففي عام 2004، ونتيجةً لإصدار أسهمٍ إضافية في مصرف "سفياز بنك" (SvyazBank/ Связь Банк)، وهو المصرف الذي أُنشىء في التسعينيات خصيصاً لخدمة مؤسسات الإتصالات التابعة للدولة، فإنَّ أكثر من 50% من الأسهم دخلت إلى ملكية شركة تسمَّى "آر. تي. كي. ليزينج" (RTK-Leasing/ РТК-Лизинг) [وهي مشروعٌ ضخم لتأجير التقنيات العالية]. وعقب مسألة الأسهم تلك فإنَّ الشركات العاملة في مجال الإتصالات، والتي كانت تستخدم في السابق خدمات المصارف الأخرى، بدأت تحرك حساباتها إلى "سفياز بنك". وفي أوائل عام 2005 توجَّهت جمعية حماية حقوق المستهلك بطلبٍ إلى مكتب النائب العام ووزارة الداخلية ووزارة الخزانة لإعادة النظر في ما تمَّ تنفيذه(*).
_______________________________________
(*) المصدر: صحيفة "فيدوموستي" الروسية، 26/ 5/ 2005 – "لتقييد سعاة البريد والمصرفيين".
______________________________________
ومع ذلك، لم يُفْعَل شيءٌ يُذْكَر.
لقد قيل إنَّ صاحب "آر. تي. كي. ليزينج" (RTK-Leasing) هو جفري جالموند(*).
______________________________________
(*) المصدر: "فيدوموستي"، 5/ 7/ 2006 – "المليارات الروسية: كم يبلغ رصيد جفري جالموند؟".
______________________________________
إنَّ كثيراً ما يرتبط إسمه بإسم الوزير الروسي لتقنية المعلومات والإتصالات ليونيد ريمان. ولكن، مَنْ هم المستفيدون الحقيقيون؟
هذه هي الطريقة التي تمَّ بها – في ظل حكم بوتين – نقل الأصول الضخمة من سيطرة الدولة لتقع في أيدي الأفراد.
وحصل اتفاقٌ تاريخي آخر في أيلول/ سبتمبر 2005 تمثَّل بالإستحواذ على 75% من أسهم شركة "سيبنفط" (Sibneft/ Сибнефть) من قبل صديق بوتين، الأوليجارشي رومان أبراموفيتش، مقابل 13,7 مليار دولار(*).
______________________________________
(*) المصدر: حسابات شركة غازبروم السنوية لعام 2005، وقد وُضِعَت هذه الحسابات وفقاً لمعايير الإبلاغ المالي الدولية.
 _____________________________________
كان يمكن للدولة بسهولة ألَّا تشتري شركة "سيبنفط" (وقت البيع فإنَّ "سيبنفط" كانت أصغر شركات روسيا النفطية المتكاملة رأسياً، وكان لديها هبوط في الإنتاج). وكان يمكن أن يُدْفَع أقل بكثيرٍ من ذلك، خاصةً إذا أخذنا في الإعتبار أنَّ أبراموفيتش اكتسب أصلاً السيطرة على الشركة مقابل 100 مليون دولار.
ومع ذلك تمَّ شراء "سيبنفط" بأعلى مبلغٍ ممكن وبسعرٍ مصطنع ومبالغٍ فيه(*).
______________________________________
(*) المصدر: "فيدوموستي"، 28/ 9/ 2005 – "تضخُّم سيبنفط".
______________________________________
 وعلاوةً على ذلك فإنَّ نصف المبلغ تمَّ تمويله من قبل الدولة بشكلٍ مباشر. وفي حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو عام 2005، فإنَّ الدولة دفعت لشركة "غازبروم" 7,2 مليار دولار وحصلت بالمقابل على 10,7% من أسهم "غازبروم"، وذلك من خلال شركة تدعى "روس نفط غاز" [RosNefteGaz] والتي أُنْشِئَتْ خصيصاً لهذا الغرض(*).
_______________________________________
(*) المصدر: حسابات شركة غازبروم السنوية لعام 2005، وقد وُضعت هذه الحسابات وفق المعايير الدولية.
_____________________________________
وهذه الأسهم كانت هي نفسها قد تمَّ تخصيصها للشراء بالقسائم، وذلك قبل 12 عاماً بمرسومٍ من الرئيس يلتسين عام 1993 موجَّه إلى شركة "غازبروم" (النقطة الرابعة من المرسوم الرئاسي رقم 58 من يوم 26 كانون الثاني/ يناير 1993). وكان يمكن للدولة أن تزيد من حصتها في شركة "غازبروم" مجاناً باستخدام هذه الأسهم.   
فلماذا دَفَعَ أبراموفيتش أكثر من 7 مليار دولار من أموال الدولة لزيادة مساهمة الدولة في "غازبروم" (بقية المال جاءت لميزانية "غازبروم") في وقتٍ كانت الدولة تسيطر على الشركة بكل أهدافها ومقاصدها؟ فماذا يمكن أن يُسمَّى ذلك سوى تحويلٍ للأصول؟
لماذا يُدْفَع 13,7 مليار دولار لشراء شركة "سيبنفط" (Sibneft) في وقتٍ نستطيع فيه دفع مبلغٍ أقل من ذلك؟ وهل ذهب هذا المبلغ إلى جيب أبراموفيتش؟ يُقال إنَّ أبراموفيتش هو صاحب شركة "ميلهاوس" (Millhouse)، التي باعت "سيبنفط" لـــ"غازبروم"، ولكن في الواقع لا أحد يعرف أسماء المالكين الحقيقيين لــ"ميلهاوس". يُشار إلى أنَّ لأبراموفيتش شريكاً في ملكية "ميلهاوس" صاحبَ نفوذٍ، فمَنْ هو هذا الشريك؟
في الواقع، لماذا احتاجت شركة "سيبنفط" لأن تؤمَّم أصلاً؟ لقد تمَّ شراؤها من قبل مالكين من القطاع الخاص، ومن شبه المؤكَّد أنَّ كفاءتها لن تتراجع مثلما تراجعت في ظل إدارة "غازبروم"، وأنَّ الدولة لم يكن عليها أن تدفع كل هذه الأموال لشرائها.
بالمناسبة، ووفقاً لحسابات "غازبروم"، فإنَّ رسملة الشركة والشركات التابعة لها تضمَّنت، في منتصف عام 2004،  17,5% من أسهم شركة "غازبروم"، وبحلول 30 أيلول/ سبتمبر 2007، 0,5%(*).
_______________________________________
(*) المصدر: النصف الأول من حسابات غازبروم السنوية لعام 2007 وفقاً لمعايير التقارير المالية الدولية.
______________________________________
وفي عام 2005 استعادت الدولة 10,7% من أسهم الشركة عن طريق شرائها. فأين ذهبت الــــ6,3% الأخرى من أسهم "غازبروم"، والتي تُقَدَّر قيمتها اليوم بنحو 20 مليار دولار؟ ومَنْ الذي يملكها؟
لماذا تتقاسم "غازبروم" سنوياً مئات ملايين الدولارات، المتأتية من رسوم العبور وإعادة تصدير الغاز من آسيا الوسطى، مع شركاء الشركة التجارية السويسرية "روس أوكر إينيرجو" (RosUkrEnergo)؟ ومَنْ يقف وراء هذا الوسيط؟
كل هذه الصفقات المذكورة أعلاه والتي قامت بها شركة "غازبروم" إنما تمَّت أثناء فترة رئاسة خليفة بوتين، ديمتري ميدفيديف، ورئيس مجلس إدارتها. فما الدور الذي لعبه ميدفيديف شخصياً في كل هذه الصفقات، وهل أنَّ اختياره خلفاً كان ربما نتيجةً لذلك؟
وهناك قضية أخرى حدثت خلال فترة بوتين ألا وهي التنامي المتواصل لأعمال شركةٍ تجارية نفطية سويسرية غير معروفة حتى اليوم وهي شركة "جونفور" (Gunvor)، التي ينفَّذ من خلالها ثلث صادرات روسيا من النفط (كلها تقريباً من إنتاج شركة "سورجوت" [Surgutneftegaz] النفطية، ونسبة كبيرة من شركة "غازبروم نفط" [Gaspromneft] وشركة "روسنفط" [Rosneft] وغيرها). وتسيطر "جونفور" على صادرات النفط بحث تصل قيمتها إلى ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً.
عندما جاء بوتين لتوِّه إلى السلطة جرت مناقشةٌ نشطة حول احتكار الدولة لصادرات النفط الروسية. هذا الإحتكار كان مطروحاً لأول مرة بجميع النوايا والمقاصد، ولكن ليس كإحتكارٍ من قبل الدولة وإنما بالأحرى كإحتكارٍ من قبل القطاع الخاص. إنَّ مَنْ يقف وراء شركة "جونفور" هو جينادي تيمتشنكو، وهو رفيقٍ قديم لبوتين منذ أيام بطرسبورج(*).
_______________________________________
(*) المصدر: لوك هاردينج، صحيفة "الجارديان" البريطانية، 22/ 12/ 2007 – الشركة النفطية الكتومة تنفي امتلاك بوتين لأي حصة في ملكيَّتها.
______________________________________
في رسالةٍ إلى صحيفة "الجارديان" البريطانية اعترف ثوربورن تورنكفيست، الشريك الآخر السويدي في ملكية "جونفور"، بأنَّ أسرة الشركة النفطية القوية [أي "جونفور"] لديها "شريكٌ ثالثٌ في المُلكية". إنه ربما ما يزال غير معروف. 
ومن غير الواضح أيضاً مَنْ الذي يملك شركة "سورجوت" (Surgutneftegaz)، المورِّدَ الرئيس للنفط والغاز إلى شركة "جونفور". ويُعتقَد أن مَنْ يتحكَّم بالشركة هو الرئيس التنفيذي الحالي فلاديمير بوجدانوف عبر سلسلةٍ من الشركات الوسيطة. ومع ذلك فإنَّ هناك روايةً أخرى يتم تداولها: وهو أنه بالعودة إلى عامي 2002 – 2003 فإنَّ بوجدانوف باع أسهمَهُ إلى أشخاصٍ مجهولين، وهم يمثِّلون أعلى مراتب السلطة الروسية، ومن بينهم تيمتشنكو وربما بوتين أيضاً. وهذا ما يتعيَّن علينا التحقق منه. أما شركات النفط الخاصة الأخرى (لوك أيل/ Lukoil – يوكوس/  Yukos – تي أن كي بي بّي/ TNK-BP) فقد كشفت عن أسماء أصحابها الحقيقيين قبل سنواتٍ قليلة، في حين أنَّ الهيكل الحقيقي لمُلكية "سورجوت" ما يزال غير شفاف(*).
_______________________________________
(*) المصدر: صحيفة "فيدوموستي" الروسية، 3/ 8/ 2007 – بوجدانوف يثق بناسِهِ: موظَّفو "سورجوت" يديرون أسهماً بقيمة نصف تريليون دولار.
______________________________________
بيد أنَّ اصطياد بوتين وشركائه بالجرم المشهود أمرٌ صعب، ذلك إنهم يغطُّون طُرُقَهُم في الأعمال القذرة بشكلٍ مهنيٍّ جداً، ومن الواضح أنهم تعلَّموا من الدكتاتور صدام حسين، بحيث لم يعثر الأميركيون على أدلة وثائقية حول أنشطته الفاسدة على الرغم من أنَّ صدَّام وأبناءه استحمُّوا في الترف ولم يكونوا يحرمون أنفسهم من أي شيء.
ومن ناحيةٍ، فإنَّ السلطات الروسية تستطيع في بعض الأحيان أن تكون قابضةً بيديها على دُرجِ النقود. ففي أيار/ مايو 2006 أعربت محكمة زيوريخ للتحكيم عن أسفها من أنَّ مالِكِي صندوق "آي. بّي. أو. سي" (IPOC) للتنمية الدولية في جزر برمودا، والذي يملك حصةً مسيطرة في شركة الهاتف المحمول "ميجافون" (Megafon)، قد نهب المال لصالح المستفيد الحقيقي من الصندوق وهو مجهول الهوية ويُطلق عليه إسم "الشاهد رقم 7"، وهو نَعْتٌ ينطبق تماماً على ليونيد ريمان، وزير الإتصالات، وهو من مدينة بطرسبورج، ورفيق الرئيس بوتين منذ فترةٍ طويلة(*).
_______________________________________
(*) المصدر: فيدوموستي، 23/ 5/ 2006 – الشاهد رقم 7).
______________________________________
 والصاحب الإسمي لصندوق "آي. بّي أو. سي" هو المحامي الدنماركي جفري جالموند، الذي يمتلك أيضاً شركة "تيليكوم إنفست" (TelekomInvest) وشركة "ترانزيت تيليكوم" (Tranzittelekom) المناطقية، و50% مشغِّل الهاتف المحمول "سكاي لينك" (Sky Link). وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 طلبت سلطات جُزُر فيرجن البريطانية ونظيراتها في الولايات المتحدة الأميركية المساعدة في التحقيق في تورُّط ليونيد ريمان في أنشطة غير قانونية(*).
______________________________________
(*) المصدر: فيدوموستي، 15/ 11/ 2007 – ما هي التُهَم ضد ليونيد ريمان؟ وقد وجدت سلطات جزر فيرجن البريطانية "الأدلة الدامغة" حول أنَّ لوزير تكنولوجيا المعلومات والإتصالات صلاتٍ بصندوق "آي. بّي. أو. سي".
______________________________________
بيد أنَّ الوزير ريمان ما يزال يعيش عيشةً هنيئة وبصحة جيدة، وما يزال في منصبه.
وما تزال هناك أسئلة كثيرة جداً وغير سارَّة تُوَجَّه إلى بوتين والمحيطين به: مَنْ هو الشريك الحقيقي في ملكية شركات "سورجوت" و"ميجافون" و"سكاي لينك"، وشركة "ميلهاوس" التابعة لرومان أبراموفيتش، وشركة النفط التجارية الضخمة "جونفور"؟ فهل حقاً يمكن لبعض رجال الأعمال الدنمركيين والسويديين والفنلنديين والتشيكيين أن يُقْبِلوا على امتلاك نصف ما هو جيد في روسيا دون تقاسُمٍ مع بوتين؟ وأين تذهب المبالغ الضخمة المتأتية من مبيعات الأسلحة عبر شركة "روسو بورون إكسبورت" (Rosoboronexport) والتي يرأسُها صديق بوتين، سيرجي شيميزوف؟ وهل صحيح – كما ورد في وسائل الإعلام – أنَّ هناك "خَزْنة سوداء" في منظومة الكرملين لنقل النقود سراً من مصادر غير معروفة والتي تُسْتَخْدَم بعد ذلك لتمويل حملات ما قبل الإنتخابات أو لأغراضٍ أخرى؟
لذا فإنه ليس من المستغرَب أنَّ خبراء وعلماء السياسة يتنافسون في محاولاتهم لتقدير ثروة بوتين الشخصية، واضعين رقماً ما بين 20 و 30 مليار دولار، والبعض يقول إنها أكثر من ذلك.
إنَّ هذا النظام الإستبدادي المجرم، الذي تشكَّل خلال سنوات حكم بوتين، يهدِّد جداً مستقبل بلادنا، وتملك السلطات كلَّ شيءٍ لتَخْسَرَهُ، وإذا ما نشأت وسائل الإعلام الحرة في روسيا مرةً أخرى في أي وقتٍ جنباً إلى جنبٍ مع منافَسةٍ في السياسة فإنَّ التعامل الأسوَد لحكام روسيا اليوم سَيَبانُ على السطح. وإذا حدث ذلك فإن هؤلاء الحكام سيفقدون مناصبهم في أحسن الأحوال، إلى جانب أنهم سيفقدون الوسائل التي تتيح لهم كسب المليارات الإضافية. وفي أسوأ الأحوال سيفقدون حرِّيتهم. إنَّ تحويل الأصول المملوكة من قبل الدولة، وفي طليعتها طبعاً أصول "غازبروم"، واستخدام الوسطاء الأجانب لشراء النفط الروسي بأسعارٍ تمَّ تخفيضها بشكلٍ مصطنَع (وهو ما اتُّهم به ميخائيل خودوركوفسكي وسُجِنَ بسببه)، هذا التحويل للأصول المملوكة من قبل الدولة أصبح يُمارَس على نطاقٍ واسعٍ وبدرجةٍ أكبر بكثير بين "أصدقاء بوتين".  
إننا في حاجةٍ إلى وضع حدٍّ لهذا كله، ونحن في حاجةٍ إلى أن نطوي هذه الصفحة المشينة في تاريخنا، وفي حاجةٍ إلى أشخاصٍ ذوي أيدٍ نظيفة ليأتوا إلى السلطة، وناسٍ لا يوجد في ماضيهم فضائحُ فسادٍ وصِلاتٌ بغيضة. إننا في حاجةٍ إلى خفضٍ جذري لصلاحيات الموظفين الحكوميين في جميع أنحاء البلاد وذلك للحد من سلطتهم ومن أجل سحب البساط من تحت أقدام العملاء الفاسدين واللصوص في مواقع السلطة. ويجب الحد من صلاحيات الدولة بحيث أنها غير مؤهَّلة للإحتفاظ بالشركات وتدفقاتها النقدية. ونحن في حاجةٍ إلى أن نرى ولادةً جديدة لممارسة الخصخصة، مفتوحةً ونزيهةً، والتي بدأت تأخذ مكانها في أعوام 1997 – 2002.
يجب أن تكون هناك حدود حول المدة الزمنية التي يستطيع كبار موظفي الحكومة أن يبقوا في وظائفهم خلالها، وعلى جميع المستويات: الإتحادية والإقليمية والمحلية. وهذا مطلوبٌ من أجل منع هؤلاء الناس من إنشاء تحالفاتٍ مع رجال الأعمال، وينبغي أن يكون لخلفائهم الحق في التحقيق علناً مع أسلافهم إذا ما دعت الحاجة. كما ينبغي أن يكون هناك مبدأٌ عالمي: خدمة لثماني سنوات وبدون "إضافات"، وليس بالخداع للحفاظ على وضعك (مثل الإنتقال إلى رئاسة الوزراء)(*).
___________________________________
(*) المعرِّب: هنا يغمز المؤلفان من قناة فلاديمير بوتين، الذي انتقل من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الوزراء منذ العام 2008، ثم انتقل إلى رئاسة الجمهورية مرةً ثانية منذ العام 2012.
__________________________________
نحتاج إلى قوانين ضغطٍ وتضارب المصالح، وقوانينَ نهيٍ للموظفين الحكوميين ولأي اتصالٍ معهم للدخول في مجال الأعمال التجارية. كما أننا في حاجة إلى حرمان الموظفين الحكوميين من الأهلية، أولئك الذين نجد أنهم يشاركون في الممارسات الفاسدة، بحيث لا يمكن لهم في حياتهم أبداً تَبَوُّء وظيفة حكومية مرةً أخرى. 
نحن في حاجةٍ إلى إعادة تنشيط تطبيق القانون لدينا، وعلى ووجه الخصوص الجزء المتعلق بالتحقيق في ممارسات الفساد. إنَّ روسيا تحتاج إلى قسمٍ مستقل للتحقيقات الإتحادية، بحيث لا ينتسب إليه أي أحد يُحْتَمَل أن يمارس أنشطة فساد أو يُحْتَمَل أن يغطي على المتهَمين بارتكاب جرائم خطيرة، كما حدث على سبيل المثال أثناء التحقيق مع المشتبه بهم في عملية التهريب التي تديرها شركة "تريكيتا" للأثاث بحيث أنَّ العاملين في مكتب النائب العام وفي لجنة التحقيق اضطهدوا المحققين في هذه القضية.
كما نحتاج إلى رقابة عامة صارمة على أنشطة السلطات، وإلى ولادة جديدة لحرية التعبير، وإلى إلغاء الرقابة على القنوات التلفزيونية الإتحادية، وإلى تهيئة الظروف العادلة للمعارضة السياسية. ويجب أن تكون هناك مناقشةٌ عامة مفتوحة لقضايا مثل الفساد في الحكومة، وأن يلقى الموظفون الحكوميون الفاسدون العقوبة الجنائية. كما على الصحافيين أن يكونوا قادرين على التحقيق حول فضائج الفساد بحرية.
إنَّ المحاكم المستقلة هي شرطٌ مسبق وحيوي للمعركة ضد الفساد. ففي حين ما تزال المحاكم بجميع النوايا والمقاصد تحت سيطرة السلطة التنفيذية فلا وسيلةَ للنظر في حالات الفساد بموضوعية أو لمعاقبة المذنبين.
إنَّ الشيء الوحيد الذي سيوقف النهب الكُلِّي لروسيا هي الديمقراطية في البلاد، ودخول السياسيين المسؤولين والصادقين إلى السلطة ليحِلُّوا محل المسؤولين الفاسدين، وتخلي روسيا عن الحياة وفق شريعة اللصوص، والعودة إلى إحلال سيادة القانون.

الفصل التالي:

الحديث السابق:





















 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق