التقرير الأول لبوريس نيمتسوف:
"بوتين – النتيجة المالية"/ الفصل الثاني: الجيش الذي تمَّ نسيانه.
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الأول:
بوتين – النتيجة المالية
(موسكو – شباط/ فبراير 2008)
تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي
عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)
نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2008)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)
(Путин. Итоги (первое издание доклада
Boris Nemtsov’s White Paper
in Full
Putin: the Bottom Line
(February 2008)
first edition
by Boris Nemtsov
First Deputy Prime Minister of the Russian Federation, 1997-1998
and
Vladimir Milov
Deputy Minister of Energy, 2002
(Translated from the Russian by Dave Essel (2008
(Translated from English to Arabic by Hussein Ahmad Sabra (2016
الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف،
زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً
من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.
الفصل الثاني
الجيش الذي تمَّ نسيانه
بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
إنَّ بوتين احتاج فعلاً إلى استخدام
عائدات النفط في البلاد للمساعدة في تلبية احتياجات تحديث القوات المسلَّحة
الروسية.
وكان هذا أوان تسليح الجيش بشكلٍ كافٍ.
ولكن، مع ذلك، كانت شحنات الأسلحة الفعلية بل وحتى خطط إعادة التجهيز منخفضةً
بشكلٍ فاضح. ووفقاً للبيانات الصادرة عن مجلس الإستراتيجية الوطنية نُشِرَت في
تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2007 في تقريرٍ بعنوان "نتائج في ظل فلاديمير
بوتين: الأزمة واضمحلال الجيش الروسي"، فإنَّ القوات المسلحة بين عامي 2000
و2006 تلقَّت فقط 27 صاروخاً عابراً للقارات (رأساً حربياً)، في حين تمَّ شطب 294
صاروخاً. في حين أنه في سنوات الإفلاس بين عامي 1992 و1999 تلقَّى الجيش 92
صاروخاً عابراً للقارات. كما أنه منذ العام 2000 لم يتم تسليم الجيش سوى 3 طائرات
جديدة: واحدة "توبوليف 160" واثنتين "سوخوي 34". في حين أنه
تمَّ تسليم الجيش في التسعينيات نحو 100 طائرة. ومنذ العام 2000 تمَّ شراء ما يزيد
بقليلٍ عن 60 دبابة "تي 90"، في حين كان مجموع ما تمَّ شراؤه من دبابات
في التسعينيات 120 دبابة. كما أنه في حين تمَّ تسليم القوات البحرية وقوات الحدود
البحرية في التسعينيات أكثر من 50 سفينة سطح وتحت السطح، فإنه في العقد الحالي [أي
العقد الأول من الألفية الثالثة] لم يتم تسليم الجيش سوى أقل من عشرة(*).
______________________________________
(*) المصدر: معهد
الإستراتيجية الوطنية، "نتائج في ظل فلاديمير بوتين: الأزمة واضمحلال الجيش
الروسي"، تشرين الثاني/ نوفمبر 2007؛ صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتا"،
21/ 9/ 2007: "رئيس الوزراء الجديد – مشاكل قديمة"، بقلم أ. خرامتشيكين،
رئيس قسم التحليل، معهد السياسة والتحليل العسكريين.
______________________________________
ويخطِّط برنامج تسلُّح الدولة لأعوام
2007 – 2015 لتقديم مجرَّد 60 طائرة للقوات المسلحة خلال هذه المدة، وهذا يعني
أنَّ الأمر سيستغرق 80 عاماً لتجديد أسطولنا الجوي الراهن!
بيد أنَّ الضربة الرئيسة كانت ضد أهم
عنصر في الإمكانيات العسكرية الروسية ودعم سيادة البلاد، ألا وهي القوات النووية
الإستراتيجية. فخلال سنوات بوتين اضمحلَّت القوات النووية الإستراتيجية الروسية
بنسبةٍ مخيفة، ويُبَيِّن المزيد من البيانات الصادرة عن تقرير مجلس الإستراتيجية
الوطنية المذكور أعلاه أنَّ القوات النووية الإستراتيجية حذفت بين عامي 2000
و2007، 405 وحدات تسليم و2498 رأساً حربياً (مقابل حذف 505 رؤوس حربية فقط في
التسعينيات، مع الإشارة إلى أنه خلال هذه الفترة تمَّ شراء 60 وحدة تسليم جديدة،
في حين أنَّ الجيش تسلَّم 1960 قاذفة استراتيجية من نوع توبوليف – 95 وتوبوليف –
160). أما في ظل حكم بوتين فلم يتم سوى إنتاج 27 صاروخاً، أي أقل ما أُنتج في
التسعينيات بثلاث مرات. وبالتالي، أصبح الحد من قدرات روسيا النووية في عهد بوتين
يمثِّل تهديداً خطيراً للأمن القومي، في حين أنَّ روسيا كانت قادرة عموماً خلال
التسعينيات على الحفاظ على تلك القدرات النووية التي ورثتها من الإتحاد السوفياتي.
وعلاوةً على ذلك، وفي حين انخفضت أعداد
صوامع الصواريخ ذات الرؤوس النووية (RT-23) والمنيعة نسبياً والمسيَّرة بواسطة عربات
السكك الحديدية من نوع (ICBM) (التي هي عربات مبرَّدة ومن الصعب إقتفاء
أثرَها)، فإنَّ القوات المسلَّحة واصلت إنتاج الوحدات الحاملة للصواريخ
"توبول" (Topol)
والتي هي صواريخ غير منيعة (يبلغ وزنُها 100 طن، ويبلغ طول عربة السكك
الحديدية التي تحملها 22 متراً، ويمكن العثور عليها بسهولة من قبل أجهزة
الإستخبارات بالوسائل البصرية والرادار والأشعة تحت الحمراء).
لا يحتاج الواحد منَّا إلى الحديث عن
مدى أهمية القوة النووية الإستراتيجية بالنسبة إلى سيادة أي بلد، حتى أنه يمكن
للمرء أن يقول: لا قوة نووية استراتيجية، إذاً لا سيادة. وما تبقَّى اليوم من
قواتٍ مسلَّحة من المرجَّح أنها غير قادرة على مقاومة هجومٍ واسع النطاق من قبل
مُعْتَدٍ قوي. وإذا ما استمرَّت الترسانة النووية الروسية بالتقلُّص بالمعدلات
الحالية فإنَّ قوة روسيا النووية الإستراتيجية لن يكون تحت تصرُّفها أكثر من 300
صاروخ عابر للقارات و600 رأسٍ نووي بحلول منتصف العقد المقبل [أي عام 2015]. وفي
هذه الحالة من المشكوك فيه أن يكون هذا العدد من الصواريخ والرؤوس النووية قادراً
على أداء وظيفة الردع النووي، إذ أنه يصبح من الممكن للمعتدي القيام بضربة غير
نووية من أجل إخراج هذا السلاح من ساحة القتال، وبالتالي القضاء عملياً على قوة
روسيا في الضرب النووي، وإبطال فاعلية العدد القليل من الصواريخ المضادة للصواريخ.
وهكذا فإنَّ القوة النووية الإستراتيجية للصين ستتساوي مع تلك التي لدى روسيا في
السنوات العشرة المقبلة، أو ربما تتجاوزها.
ولكن ليس هناك استجابةٌ ملموسة لهذه
الثرثرة اللامتناهية حول "السيادة" طالما أنَّ الهدف الرئيس لسياسات
بوتين قد أثَّر تأثيراً سلبياً على الردع النووي الإستراتيجي، في حال كان الردع
النووي واقعياً هو العامل الرئيس في تلك السيادة.
وفي حين يتلقَّى الجيشُ قدراً ضئيلاً –
بشكلٍ فاضح – من التسلُّح، فإنَّ معظم ما يُنْتَج يذهب للتصدير. لقد بلغت صادرات
الأسلحة الروسية في التسعينيات بمعدلٍ يزيد بقليلٍ عن مليار دولار في السنة. أما
في عام 2007 فقد بلغت الإيرادات من صادرات الأسلحة 7 مليار دولار. وهكذا بتنا
نسلِّح الجيوش الأجنبية، بمن في ذلك جيوش الدول المعارِضة المحتمَلة، مثل الصين
أولاً وقبل أي شيء، وبتنا نوفِّر لهذه الجيوش الأجنبية سلاحاً أكثر بمراتٍ عديدة
ما نوفِّره لجيشنا. وعلى فكرة، فإنَّ تصدير السلاح يتم احتكارُهُ من قبل شركة
"روس بورون إكسبورت" (Rosoboronexport)، التي يرأسها صديقٌ أخر لبوتين وهو سيرجي
تشيميزوف. فكيف يبقى استخدام الدخل من صادرات الأسلحة أمراً مبهماً تماماً، في
الوقت الذي ينبغي أن يُستخدم حتماً في تمويل قواتنا المسلَّحة؟
وتبقى الكفاءة في مجمَّعنا الصناعي –
العسكري منخفضة ويتم تأخير توزيع الأسلحة الحديثة على القوات المسلَّحة باستمرار.
وعلى الرغم من أنَّ الحكومة وَعَدَت بأنها سوف تختبر قريباً الجيل الخامس من
الطائرات المقاتلة، إلا أنه لم يتم تطوير أي محرِّكٍ بعد. كما أنَّ النماذج الأولى
من النظام الجديد للسلاح المضاد للطائرت/ المضاد للصواريخ، أس 400 (S-400) لم تُنشر
إلا مؤخراً فقط في عام 2007 على الرغم من أنها في البداية أُعِدَّت لعام 2000.
وانتشار ناقلة "إسكندر" (أو SS-26-Stone) لنقل الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية،
والتي وُعِدَ بإنتاجها لعام 2003، لم تأخذ مكانها بعد، ذلك بأنه لم يتم بعد
الإنتهاء من التجارب. كما أنَّ تجربة الصاروخ البحري "بولافا" (Bulava/ SS-NX-30) هي غير
ناجحة حتى الآن. وهناك ثلاث غواصات إستراتيجية غير مكتملة تنتظر في حوض
سيفيرودفينسك لبناء السفن. ولا أحد يعرف ماذا سيحدث للصواريخ البحرية والغواصات إن
لم يُصَر إلى نشر "بولافا" أبداً ومَن الذي سيكون مسؤولاً عن إهدار
المال على إنتاجها.
إنَّ التراجع في تكنولوجيا المجمَّع
الصناعي – العسكري ومجيئه في مرتبةٍ أدنى من بلدانٍ أخرى آخذٌ في الإزدياد. ولم
يُجْرَ على الطائرة المقاتلة سوخوي – 34 ودبابة تي – 90 سوى تعديلاتٍ طفيفة على
الطراز السابق. كما لم يُوضع برنامج واضح للبحث والتطوير لأسلحة ومعدات المستقبل، وعلاوةً
على ذلك، وفي ظل عدم وجود عقيدة عسكرية واضحة، فإنه من المستحيل تحديد استراتيجية
مناسبة لتزويد القوات المسلَّحة بالأسلحة والمعدات، حتى أننا لا نفهم بشكلٍ صحيح
مَنْ هم أصدقاؤنا ومَنْ هم أعداؤنا المحتمَلين، وما يزال جنرالاتنا يذهبون إلى
تحضير حربٍ واسعة النطاق مع الولايات المتحدة الأميركية في حين ما تزال روسيا غير
مستعدة وبدون دفاعٍ ضد التهديدات الحقيقية ولا سيما من الصين (التي سنتحدَّث
بالمزيد عنها في الأسفل).
وفي ظل غياب الرقابة العامة الفاعلة
على نفقات الدفاع العسكري فإنَّ تفشِّي الفساد وتكلفة طلبات الحكومة يتضخَّمان
بشكلٍ كبير. لقد قال الوزير الإتحادي ونائب رئيس القطاع الصناعي – العسكري
فلاديسلاف بوتيلين في يكاتيرينبورج في 19 نيسان/ أبريل 2007: "إنَّ المبلغ
الذي فَشِلْنا به في تلبية الطلبات الدفاعية للحكومة يتزايد سنوياً، والنسبة
المئوية لفَشَلِنا في تلبية زيادة الطلب تتناسب تناسباً طردياً مع زيادة الميزانية
المخصصة للطلبات الدفاعية". وفي عام 2006 كان سعر الدبابة تي – 90، المصنَّعة
في مصنع "أورال فاجون زافود" 42 مليون روبل [1,4 مليون دولار]، وفي عام
2007 وصل سعرها إلى 58 مليون روبل [1,93 مليون دولار]. وخلال مدة 11 عاماً، والتي
استغرقتها صناعة الغواصة النووية الإستراتيجية "يوري دولجوركي"، إرتفعت
تكاليف تطويرها إلى عاملٍ من سبعة.
وهناك مبادرات مشبوهة من قبل بوتين
لإنشاء "ممتلكات" في الصناعة الدفاعية يديرها أصدقاؤه من أيام مدينة
بطرسبورج، وهذه المبادرات لم تساعد في حل الأمور. إنَّ احتكار البحث والتطوير في
الأسلحة وإنتاجها هو طريقٌ مسدود. وحتى في زمن الإتحاد السوفياتي فإنَّ المنافسة
بين مكاتب البحث والتطوير من جهة والمشاريع الصناعية العسكرية من جهةٍ أخرى كانت
مستمرة لضمان القدرة التنافسية. ويجري الآن اقتراح إنشاء احتكارات ليس فقط في مجال
البحث والتطوير وإنتاج الأسلحة ولكن أيضاً إيجاد مزوِّدٍ محتكِرٍ للقوات المسلحة
(وهي الوكالة الشرائية الوحيدة والتي تسمَّى "روسِّيسكي تيخنولوجي" (Rossiiskie Tekhnologii) لتكون مرؤوسةً أيضاً من قبل صديق بوتين، تشيميزوف ليس إلاه. كما
أنَّ الشركات التابعة للدولة تتضاعف، وأصدقاء بوتين يزدادون غنىً، في حين أن الجيش
يبقى من دون الأسلحة والمعدات التي يحتاجها.
وما تزال هناك أكثر من 157 ألف أسرة
للجنود دون سكن، من بينهم أكثر من 70 ألف أسرة ليس لديها مكان دائم للمبيت(*).
______________________________________
(*) المصدر: صحيفة "نيزافيسيمايا
جازيتا" الروسية، 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 – مساكن من قِبَل الرئيس.
_____________________________________
وفي عام 1997، فإنَّ أحد كتَّاب هذه
الوثيقة (أي بوريس نيمتسوف) عندما كان وزيراً في الحكومة، عمل أولاً على عمل شيءٍ
ما جدِّي حول هذه المشكلة: لقد صدر مرسومٌ رئاسي رقم 1062 في 30 أيلول/ سبتمبر
1997 ونصَّ "على تحسين الإسكان لأفراد الموظفين ولبعض الفئات الأخرى".
في ذلك الوقت كان دخل البلاد من الصادرات ضئيلاً ولكن بطريقةٍ أو بأخرى لم نزل
ننجح في إيواء حوالى مائة ألف أسرة من الجنود في إطار هذا البرنامج.
لقد كان يمكن القيام بالكثير حينما
كانت أسعار النفط مرتفعة، إلا أنَّ عدد الجنود الذين لا مأوىً لهم لم ينخفض. ففي
عام 2006 أعلن بوتين في بداية برنامجه "الرئاسي" الجديد (الذي حَمَل
عنوان 15 + 15) لتوفير السكن للجنود، فإنه لم يُقَدَّم للجنود في ذلك العام سوى
6500 شقة جديدة جاهزة. لقد تمَّ التخطيط لبناء 12 ألف شقةٍ أخرى لعام 2007. أي
أنَّ شيئاً ما يجري القيام به، ولكن لماذا تأخر هذا الأمر كلَّ هذه الفترة
الطويلة؟
لقد فشلت كلُّ المحاولات لإصلاح تزويد
القوات المسلَّحة بالجنود، ذلك أنَّ التحوُّل لإستدعاء الشباب إلى الخدمة العسكرية
لعامٍ واحدٍ فقط لم يكن فكرةً قويمة، بل وجعلت الأمور أكثر سوءاً. وبحلول عام 2009
سوف تصطدم وزارة الدفاع بأزمة لا مفر منها حول عديد الجيش: فبسبب الإستدعاء لسنةٍ
واحدةٍ فقط سوف يحتاج الجيش إلى أن يلتحق به 700 ألف شاب كلَّ عام، ولكن بحلول عام
2009 فقط فإنَّ 84,3 ألف من هؤلاء الشباب سوف يصلون إلى سن الثامنة عشرة، وسوف
يتعيَّن على السلطات إلغاء جميع التأجيلات، وهذا ما سوف يضع نظام التعليم الحالي
كلَّه في حالةٍ من الفوضى.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ نوعية
الكتيبة التي تُستدعى للخدمة في الجيش لا تلبي احتياجات الجيوش المشكَّلة بهذه
الطريقة. ففي كانون الثاني/ يناير 2008 أَخْبَرَ نائبُ رئيس هيئة الأركان العامة
فاسيلي سميرنوف الصحافيين بأنَّ 30% من العدد الإجمالي للشبَّان الذين تمَّ
استدعاؤهم في جولة الخريف وُجدوا غير صالحين للخدمة العسكرية، وبأنَّ أكثر من 50%
منهم يعانون من مشاكل صحية تحول دون انتسابهم إلى القوات المسلَّحة المتخصِّصة(*).
_______________________________________
(*) المصدر: صحيفة
"رِيا نوفوستي" الروسية، 22 كانون الثاني/ يناير 2008.
_______________________________________
وبعبارةٍ أخرى فإنَّ هذا يعني أننا
ببساطة لا نملك العدد الكافي من السكان للحفاظ على تزويد الجيش بالعناصر البشرية
من خلال التعبئة العامة، وأي حديث عن كونها مرفوضة – من أجل التخلص من الخدمة
العسكرية – هو مجرد غوغائية رخيصة.
وبدلاً من وضع نظامِ تعبئةٍ احتياطي
للمواطنين في حالات الطوارىء المحتملة، تُواصل وزارة الدفاع مع سياستها بملء
الثكنات بالشباب المستدعى إلى الخدمة. وفي الوقت نفسه فإنَّ مشكلة العنف الجسدي
والإيذاء النفسي اللذين يتعرَّض لهما المجنَّدين الجدد في الجيش الروسي من قبل
كبار السن (dedovshchina/ дедовщи́на) هما غير
بعيدين. ومن المهم أن نفهم أنَّ "المعاكسات" (أي العنف الجسدي والإيذاء
النفسي) ليست مجرَّدَ "شيءٍ ما يحدث" في بعض الوحدات، ولكنه نظامٌ
مزروعٌ عمداً ويتم التغاضي عنه، الأمر الذي يوفِّر وسيلةً إجرامية لإدارة القوات
المسلَّحة من خلال السماح لكبار السن بإساءة معاملة الصغار. من هنا يجب وضع حدٍّ
لهذه الممارسة الإجرامية، ويجب على الجيش الروسي أن يتمِّم نفسَهُ قبل أن يصبح
قوةً متقلِّصة.
إنَّ إلغاء استدعاء قوات الإحتياط لن
يكون سهلاً، بيد أنه ضروري جداً. ومن المألوف في هذه الأيام الحديث عن تطوير
"الإمكانيات البشرية" لروسيا باعتبارها واحدةً من الأهداف الرئيسة
لسياسة الحكومة. ومع ذلك، فإنه من الصعب أن نتخيَّل حدوث ضربة أكبر للإمكانيات
البشرية للأمة الروسية من استدعاء صغارها في زهرة الشباب إلى العبودية القسرية.
إنَّ طريقة بوتين في تحويل الجيش إلى
قوةٍ محترفة تبدو إما هراءً أو تخريباً: فالمجنَّدون المهنيون تُدْفَع لهم مبالغ
زهيدة، مع الإشارة إلى أنَّ متوسط الرواتب في روسيا بلغ 12 ألف روبل [400
دولاراً]، في حين لا يتجاوز متوسط الأجر للجنود المتعاقدين 6 إلى 8 آلاف روبل [من
200 إلى 266 دولاراً](*).
_______________________________________
(*) المصدر: صحيفة
"نيزافيسيمايا جازيتا"، 12 كانون الأول/ ديسمبر 2007 – "جيش
المحترفين يواجه جيش المبتزِّين"، بقلم إيجور بلوجاتاريف.
________________________________________
هذا هو ما تبدو عليه القوات المسلَّحة
إذا ما نَظَرَ المرء إلى ما وراء ستار إدارة بوتين: جنودٌ مهمَلون، سيِّئوا
التجهيز، ومتقاضون أجوراً زهيدة، ولا مأوىً لهم، وتجنيد غير الصالحين للقتال،
والعنف الجسدي والإيذاء النفسي. لذا فإنَّ روسيا تحتاج إلى إصلاحٍ واسع النطاق في
جيشها.
إنَّ الغاية من هذا الإصلاح ليس تماماً
مجرد إحداث تغيير في سياسة التجنيد، ذلك أنَّ تقلُّص الجيش ليس مترادفاً مع الجيش
المهني. لذا فإنَّ الغاية هي أنَّ روسيا تحتاج إلى أن تكون واضحة بشأن الخطط طويلة
الأجل في ما يتعلق بالجيش وتحتاج إلى تطوير قوة فاعلة ومعاصرة وجديدة جذرياً.
إنَّ مثل هكذا جيشٍ سوف يحتاج إلى
نظامٍ أكثر انفتاحاً، كما سيتطلَّب الأمر قدراً أكبر من الرقابة العامة على تمويل
وتسعير المعدات الجديدة. إنَّ النظام
القديم والفاسد وغير الشفَّاف في شراء الأسلحة يجب إلغاؤه، إذ لا نريد المزيد من
الإحتكارات. ويجب أن تكون الميزانية العسكرية مُعْلَنة أمام الجميع، باستثناء بعض
الأمور مثل تطوير أسلحة جديدة وغيرها من أعمال التصميم السرية. وينبغي نشر
الميزانية الشرائية للجيش وقواعد المنافسة المعمول بها، على شبكة الإنترنت (مثل ما
يقوم به الجيش الأميركي).
إننا في حاجةٍ إلى إعادة تقليص الجيش
في أقرب وقتٍ ممكن، أولاً في الوحدات ذات التقنية الفائقة، وبعد ذلك في باقي
الأمور. هذا التغيير في مبدأ التجنيد ينبغي أن يُستخدم بأكبر قدرٍ ممكن لتشكيل
وحداتٍ جديدة بالتوازي مع تلك الموجودة من أجل الحفاظ على الوحدات الجديدة نظيفةً
من عبء التقاليد السلبية القديمة من الفساد وسوء معاملة الرجال. وينبغي زيادة أجور
الجنود المتعاقدين بقدرٍ كبير إلى المستوى المناسب لمهاراتهم. وينبغي أن يكون أجر
الجيش أعلى بما يقرب من 20% من متوسط الأجور في روسيا، حيث أنَّ ذلك سيؤدي إلى جعل
الجيش قادراً على المنافسة في سوق العمل. وينبغي أن يكون الجنود المتعاقدون قادرين
على الحصول على قروض الرهن لعقاراتهم السكنية، وبعد 10 سنوات تصبح خدمة السكن
مجانية.
الفصل التالي:
الفصل السابق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق