لو أنك سألتَ أيَّ
شيعيٍّ يبكي على الإمام الحسين: لماذا تبكي عليه؟ سيأتيك ردُّه: لأنَّ الإمام
الحسين مات مظلوماً... ومثل هذا الجواب سيستدعي منك سؤالاً استيضاحياً: ما معنى
"مات مظلوماً"؟ فيجيبك: لقد قُطع رأسُهُ، ومات عطشاناً.. هنا علينا أن
نبدأ بسؤالٍ بسيط نوجِّهه إلى الشيعة الباكين على الإمام الحسين: تبكون على إمامٍ
لكم قُتل مظلوماً، فهل أنَّ الإمام علي قُتل ظالماً حتى لا تبكون عليه؟!
إنزل إلى أسفل لقراءة
الموضوع كاملاً
كتاب
البكاء السياسي عند الشيعة
تأليف: حسين احمد صبرا
(2015)
(تصدياً لمخطط نشر التشيُّع الفارسي بين
العرب المسلمين)
الإهداء
إلى كل شيعي لا يؤمن بعصمة الأئمة ولا بولاية الإمام
علي
الفصل الأول
سؤال يجب علينا طرحه (1 من 2)
لماذا يبكي الشيعة على الإمام الحسين
ولا يبكون على الإمام علي؟!
حسين احمد صبرا
لو أنك سألتَ أيَّ
شيعيٍّ يبكي على الإمام الحسين: لماذا تبكي عليه؟ سيأتيك ردُّه: لأنَّ الإمام
الحسين مات مظلوماً... ومثل هذا الجواب سيستدعي منك سؤالاً استيضاحياً: ما معنى
"مات مظلوماً"؟ فيجيبك: لقد قُطع رأسُهُ، ومات عطشاناً..
هنا علينا أن نبدأ
بسؤالٍ بسيط نوجِّهه إلى الشيعة الباكين على الإمام الحسين: تبكون على إمامٍ لكم
قُتل مظلوماً، فهل أنَّ الإمام علي قُتل ظالماً حتى لا تبكون عليه؟! فهل من
المعقول أن لا يذرف الشيعة دمعةً واحدةً على الإمام علي، الذي هو الأصل في أئمة
الشيعة بكافة فِرَقِهم، وذلك منذ أن بدأت النياحة العلنية على الإمام الحسين قبل
ما يزيد على ألف عام! لقد قُتل الإمام علي وهو يصلي، أو في الطريق إلى المحراب
ليصلي، حتى بات يُطلَق عليه لقب "شهيد المحراب".. لقد طعنه واحدٌ من
شيعته (عبد الرحمان بن ملجم) ممن انشقوا عنه بعد حرب صفّين بين علي ومعاوية
وأُطلقت عليهم تسمية الخوارج، وهم الذين كفَّروا الإمام علي بعدما قَبِلَ بالتحكيم
وعقد هدنة مع معاوية.. أي أنَّ إمام الشيعة الأول قُتِلَ وهو يصلّي (أو ذاهبٌ
للصلاة) على يد التكفيريين الشيعة، وحتى الآن لا يبكي عليه الشيعة، بل يذرفون كلَّ
دموعهم على ابنه الإمام الحسين.. أوليس الأمر مدعاةً للعجب؟!
دعونا نفنِّد المسألة
من حيث بدأنا حديثنا، فالشيعة يبرِّرون بكاءهم على الإمام الحسين ليس لأنه قُتل،
فالإمام علي قُتل أيضاً بخنجر مسموم، والإمام الحسن قُتل بدس السمّ في طعامه..
إنما بكاء الشيعة على الإمام الحسين يبرَّر بأنه قد قُطِعَ رأسُهُ بالسيف بعدما
قُتل بالسهام، وقُتل وهو عطشان، ومن هنا نبدأ النقاش:
هناك قَتْلٌ حَدَثَ،
لا اعتراضَ للشيعة عليه بل سلَّموا أمرَهم إلى الله، وإلا لكانوا إلى الآن يبكون
على الإمام علي وعلى الإمام الحسن أيضاً ويطالبون بالثأر، فالحسن أخو الحسين،
وعليٌّ أبو الحسنين.. لكنَّ اعتراض الشيعة هو على قطع رأس الإمام الحسين بالسيف في
اليوم العاشر من موقعة كربلاء بما يمثِّل تشويهاً للجثة.. وهذا أمرٌ غريبٌ عجيب،
لماذا؟!
لقد قُتل عمُّ الرسول
حمزة بن عبد المطلب في السنة الثالثة للهجرة (625ميلادية) وهو يحارب الكفّارَ إلى
جانب الرسول في معركة أُحُد التي انهزم فيها المسلمون، وتمَّ التمثيل بجثَّته على
نحوٍ يبدو معه قطع رأس الإمام الحسين أمراً هيِّناً.. لقد بَقَرَ الكفّارُ بطنَ
حمزة وانتزعوا كَبِدَهُ وقطعوا أنفه وأذنيه.. بيد أنَّ الرسول لم يُحْيِ ذكرىً
سنوية لحمزة ولا أقام المناحة واللطم
والتطبير (أي ضرب الإنسان رأسه بالسيف لإسالة الدم منه) ولا طلب من المسلمين
الإحتفال بأن يمثِّلوا ما جرى كلَّ سابعٍ من شهر شوّال من كل سنة، ولا فعل ذلك
المسلمون بعد وفاة الرسول وحتى يومنا هذا..
أما إذا كانت عملية
قتل الإمام الحسين موجعة للشيعة، فلماذا لم تكن عملية قتل الإمام علي موجعةً أيضاً
وقد بقي يتعذَّب ويتألَّم من جراح الخنجر المسموم ثلاثة أيامٍ إلى أن لفظ أنفاسه
الأخيرة.. وبقي الإمام الحسن ساعاتٍ عديدة وهو يتلوَّى من تمزُّق أحشائه بفعل السم
الذي وُضع في طعامه.. فلماذا يبكي الشيعة على إمامٍ لهم قُطع رأسه ولا يبكون على
أخيه الذي تم سَمُّهُ، وهم الناسبون إلى الرسول أنه قال: "الحسن والحسين
سيِّدا شباب أهل الجنَّة".. ولماذا لا يبكون على أب الإثنين، أبي الحسنين،
إمام الشيعة الأكبر الذي طُعن بالخنجر، والذي ينسب الشيعة إليه "نهجَ
البلاغة" (كمضاهاةٍ لبلاغة القرآن!) وفَتْحَ باب خيبر وحَمْلِهِ بيدٍ واحدة
وجَعْلِهِ ترساً، ونومه على ركبة الرسول ومغيب الشمس دون أن يصلّي صلاة العصر ما
دفع بالرسول إلى إعادة الشمس ثانيةً ليتمكَّن الإمام علي من الصلاة.. إنه علي بن
أبي طالب أمير المؤمنين، ابنُ عمِّ الرسول وصهره (وكأنَّ النبوَّة عائلية!)، والذي
ينسب الشيعة إلى الرسول أنه قال: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها"، وأنه
وصيُّه وخليفته، وأنه مساوٍ للرسول في كلِّ شيء إلا في النبوَّة...؟! ثمَّ هل معنى
ذلك أنَّ الشيعة لا يبكون على الإمام علي لأنه لم يكن عطشاناً لحظة طعنه بالخنجر،
وأنهم لا يبكون على الإمام الحسن لأنه مات شبعاناً ورَيَّاناً وقد ملأ معدته
بالشراب والطعام، ولأنَّ الإمام علي والإمام الحسن لم يتم قطع رأسهما بعد قتلهما، بينما
يبكون على الإمام الحسين وينوحون لأنه قُتل وهو عطشانٌ ظمآن ثم قُطع رأسه، أم أنَّ
هنالك سببٌ آخر في الباطن؟!
هذا ما يتيح لنا الآن
أن ندخل في صلب الموضوع، فالشيعة قد مضى عليهم أكثر من ألف عام بقليل وهم يرفعون
شعار "يا لثارات الحسين"، مما يعني ببساطة أنَّ الشيعة وعلى مدى 1050
عاماً إنما يتعمَّدون البكاء على الإمام الحسين والنياحة عليه ليبقوا مستنفرين
ومتأهبين يتحيَّنون الفرصة بغية الثأر له.. وهنا السؤال: الثأر ممَّن؟! مِنْ
قاتله؟! من بني أمية جميعاً؟! فجميعهم ماتوا وشبعوا موتاً.. إذاً، ممَّن يريد
الشيعة الثأر للإمام الحسين على مدى عشرة قرون من النياحة العلنية ولماذا، لكي
يبكوا عليه لوحده كلَّ هذا البكاء وينوحوا عليه لوحده كلَّ تلك النياحة؟!
لقد بدأت قصة البكاء
والنياحة على الإمام الحسين أول ما بدأت (أي في أعقاب قتله عام 61 للهجرة/ 680
ميلادية وعلى مدى قرنين كاملين من الزمن) كتعبيرٍ واضح جداً ولا لبس فيه عن عقدة
الذنب التي استحكمت في شيعة العراق، وهو تفسيرٌ لا يحتاج لأن يناقشنا أحدٌ فيه.. فشيعة
العراق هم الذين تسبَّبوا في مقتل الإمام الحسين بعدما استدعوه من مكة (التي اعتكف
بها) إلى الكوفة، على عهدٍ منهم أن يبايعوه بالخلافة بعدما مات معاوية وخَلَفَهُ
ابنُه يزيد ناقضاً الإتفاق الذي سبق أن عُقِدَ بين معاوية والإمام الحسن على أن
تكون الخلافة للإمامين الشقيقين بعد وفاة معاوية.. لقد غدر شيعة العراق بالإمام
الحسين وخانوه وطعنوه في الظهر مجرَّد أن هدَّدهم يزيد بالحرب عليهم إن لم
يتراجعوا عن تأييد الإمام الحسين.. وكانت النتيجة أن ذهب الإمام الحسين ضحية هذا
الغدر وتلك الخيانة وذلك الطعن في الظهر، والتي تنم جميعُها عن جبن شيعة العراق،
الذين راحوا –كما ذكرنا قبل قليل – يجلدون أنفسهم ويعاقبونها في صورةٍ واضحة من
صور المازوخية، تعبيراً عن عقدة الذنب بأن يبكوا وينوحوا في بيوتهم ومجالسهم
الخاصة في كلِّ ذكرى سنوية لمقتل الإمام الحسين قائلين: "يا ليتنا كنَّا معكم
فنفوز فوزاً عظيما" و"هيهات مِنَّا الذِلَّة"، مع أنَّ الإمام
الحسين بقي محاصراً في كربلاء عشرة أيام، ولم يجرؤ نفرٌ واحدٌ من شيعة العراق على
نجدته!!
إذاً، بقي شيعة العراق
يمارسون البكاء والنياحة على الحسين كلَّ عامٍ في بيوتهم ومجالسهم الخاصة فحسب،
وذلك على مدى قرنين كاملين من الزمن.. إلى أن تمكَّن أعداء العرب والإسلام، أحفاد
كسرى أنو شروان ويزدجرد وسابور ذي الأكتاف (الذي كان يقطع أيادي العرب قبل الإسلام
من الكتف) من السيطرة على السلطة في العراق عام 334ه/ 945م وتأسيس ما يسمَّى بدولة
البويهيين في العراق وإيران، وهم من الفرس الذين لبسوا لباس التشيُّع لإخضاع العرب
وإذلالهم ومحاربة الإسلام والعروبة، وقد اضطروا مُكْرَهين إلى الإبقاء على الخلافة
العباسية كواجهة دينية شكلية يستترون خلفها لكون العباسيين أولاً هاشميين وأبناء
عم الرسول، ولكون العباسيين ثانياً يتَّبعون المذاهب السُنِّيَّة التي يتَّبعها
أغلب العراقيين وباقي العرب.. ونظراً للخطر الذي كان يستشعره الفرس البويهيون على
نظام حكمهم في العراق وفي عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وَجَدَ الحاكمُ الفارسي
معزُ الدولة أحمدُ بن بويه أنَّ أفضل وسيلة لتوطيد سيطرته على العرب هو تحريض شيعة
العراق (وهم موالون له بطبيعة الحال) ضد العرب السنَّة وإشعال الفتنة المذهبية في
ما بينهم بغية شد العصب الشيعي وجعله في حالة عداوة دائمة مع العرب (وغالبيَّتهم
من السُنَّة) وفي حالة استنفارٍ دائم للدفاع عن الحكم الفارسي المتشيِّع، وللتصدي
لأي محاولة لرجوع الحكم العباسي العربي (بغض النظر عن كونه سُنِّيّاً).. فأَمَرَ
معزُّ الدولة البويهي الفارسي بأن يتحوَّل البكاء والنياحة على الإمام الحسين في
العاشر من شهر محرَّم من كل عام إلى احتفالٍ رسمي علني وأضاف عليها طقوساً
استمدَّها من الديانة المجوسية، وذلك عام 352ه/ 963م، أي بعد 29 عاماً من سيطرة
معز الدولة البويهي على الحكم في العراق.. يقول المؤرِّخ العربي ابنُ الأثير في
"الكامل في التاريخ": "في هذه السنة (352ه) عاشر المحرَّم أمر
معزُّ الدولة الناسَ أن يغلقوا دكاكينهم ويُبْطِلوا الأسواقَ والبيعَ والشراءَ،
وأن يُظهروا النياحة، ويلبسوا قباباً (الأصح: قَبَاء، مفرد أقبية، وهو ثوب يُلبس
فوق الثياب مثل القِنْباز) عملوها بالمُسُوح (أي القماش الخشن)، وأن يخرج النساءُ
مُنْشَرَات الشعور مُسَوَّدات الوجوه، قد شققن ثيابهنَّ، يَدُرْنَ في البلد
بالنوائح ويَلْطُمْنَ وجوهَهُنَّ على الحسين بن عليّ رضي الله عنهما، ففعل الناس
ذلك. ولم يكن للسُنِّيَّة قدرة على المنع لكثرة الشيعة ولأنَّ السلطانَ (معز
الدولة البويهي) معهم".
إذاً، الأمر الذي
أصدره المحتل الفارسي للعراق بإحياء ذكرى عاشوراء علناً وجعله يوم عطلة رسمية،
إنما جاء لأسبابٍ سياسية سلطوية، أي لغاياتٍ دنيوية، ألا وهي شد عصب الشيعة
وتحريضهم بشكلٍ مستمرٍّ ودائم ضد العرب المسلمين وافتعال فتنةٍ بينهم إلى أبد
الآبدين، وكان معزّ الدولة الفارسي قد افتتح هذه الفتنة، التي ما زالت مستمرة حتى
يومنا هذا، بأن أمر في العام الذي سبق (أي 351ه/ 962م) بكتابة عبارات على المساجد
في بغداد يُلْعَنُ فيها صحابة الرسول، وكما ذكر ابنُ الجوزي في "المنتظَم في
تاريخ الملوك والأمم": "وفي شهر ربيع الآخر (351ه) كتب العامَّةُ (من الشيعة)
على مساجد بغداد: لُعِنَ معاوية بن أبي سفيان، ولُعِنَ مَنْ غَصَبَ فاطمةَ فَدَكاً
(والمقصود أبو بكر)، ومَنْ أخرج العباس من الشورى (والمقصود عمر بن الخطاب)، ومَنْ
نفى أبا ذَرٍّ الغَفاري (والمقصود عثمان بن عفان)، ومَنْ مَنَعَ من دَفْنِ الحسن
عند (قبر) جَدِّه (والمقصود مروان بن الحكم)، ولم يمنع معزُّ الدولة من
ذلك".. أما ابنُ الأثير فيتَّهم معزَّ الدولة الفارسي صراحةً بأنه هو مَنْ
أصدر الأمر وأنَّ الخليفة العباسي المطيع لله لم يكن ليستطيع مَنْعَهُ، قائلاً:
"فأمَّا الخليفة فكان محكوماً عليه لا يقدر على المنع، وأما معز الدولة
فبأمره كان ذلك".
إذاً،
الصورة أمامنا الآن باتت واضحة كلَّ الوضوح، فكلَّما أتى حاكمٌ فارسي (بعد
الإسلام) يريد احتلال أرض العرب وإخضاع سكانها، لَبِسَ لباسَ التشيُّع واستغلَّ
بكل ثقله مجالسَ عاشوراء لتحريض أتباعه من الشيعة العرب على المسلمين العرب، ليبقى
الفارسي متسيِّداً ومتسلِّطاً ومتألِّهاً، تَحْكُمُهُ عُقَدُ التاريخ ضد العرب
والعروبة والإسلام.. هكذا فعل بنو بويه، أحفاد كسرى قبل ألف عام، وهكذا فعل الصفويون
قبل خمسمائة عام، وهكذا فعل الخميني ويفعل نظام الولي الفقيه في عصرنا الحالي..
وانطلاقاً من ذلك سنجيب في حديثنا المقبل عن السؤال الذي طرحناه حول الأسباب التي
تجعل الشيعة يبكون وينوحون على الإمام الحسين ولا يذرفون ولا دمعة واحدة على
الإمام علي.
(نُشر هذا الموضوع في مجلة
"الشراع" اللبنانية بتاريخ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 –
العدد 1670).
الحديث التالي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق