لنأْتِ الآن إلى اللهجة المصرية، حيث نجد أنَّ
باستطاعتنا بكل سهولة أنْ نصيغَ جُمَلاً على وزن التفعيلات الشِعرية العربية، ما
يجعلنا نَخَالَها لغةً عربيةً فصحى بِغَضِّ النظر عن قواعد الإملاء والنحو. فعلى
وزن "مُسْتَفْعِلُنْ" (/ه/ه//ه) نستطيع أنْ نقول: مِشْ قُلْتِ لَكْ (وكتابتُها
العَرُوضيَّة: مِشْ قُلْ تِلَكْ) –أُسْكُتْ بَقَىْ (أُسْ كُتْ بَقَىْ) –قَرَّبْ
هِنَا (قَرْ رَبْ هِنَاْ) –وَسَّعْ يَا لَهْ (المقصود: يا وَلَهْ) (وَسْ سَعْ
يَلَاْ) –مَـبْرُوْكْ عَلِيْهْ (مَبْ رُكْ عَلِيْ)... إلى آخره.
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
دراسة في اللغة
والموسيقى
لهذه الأسباب اللهجة المصرية محبوبة (2من4)
أنا احْوَلِّيتْ يا رِجَّالَة..
على وزن مَفَاْعِيْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ
حسين احمد صبرا
قلنا في الحلقة السابقة إنَّ اللهجة المصرية لا تبدأ
بساكن، كما لا يلتقي فيها ساكنان.. وهاتان الميزتان هما اللتان تجعلان من اللهجة
المصرية لهجةَ تفعيلةٍ شِعريَّة، فتعطيها
تلك الرنَّة الموسيقية السلسة التي تمتاز بها لغتنا العربية الفصحى دوناً عن باقي
لغات العالم قديمِها وحديثِها.. وبما أنَّ اللهجة المصرية تنفرد بذلك دوناً عن
باقي اللهجات العربية الأخرى، فإنها بالتالي تغدو وريثة الفصحى من ناحية التفعيلة
الشعرية، ما يجعل لهذه اللهجة تأثيراً ثقافياً وسياسياً وفنياً واسعاً في دنيا
العرب في عصرنا الحالي من المحيط إلى الخليج بفضل تطوُّر وسائل الإتصالات في القرن
العشرين ولا سيما النصف الثاني منه.
وكون اللهجة المصرية لهجة تفعيلة شِعرية فهذا يعـني أنَّ
باستطاعتنا أنْ نكوِّن من مفرداتها جُمَلاً عامية يقوم وزنُها على وزن بحور الشعر
العربية الستة عشر، أو على شطورٍ منها أو مجـتزَآت، أو في أبسط الحالات على وزن
التفعيلات الشعرية العربية المختلفة.
وقبل أنْ نبدأ بإعطاء أمثلة، نقوم بجولة قصيرة لنذكِّر
القارىء بأبحر الشِعر العربية وتفعيلاتها.. فبحور الشِعر العربية الستة عشر هي:
الطويل –المديد –البسيط –الكامل –الوافِر –الرَمْل –الهَزْج – الرَجْز –المُنْسَرِح
–السريع –الخفيف –المُقْتَضَب –المضارع –المُجْتَثّ –المتقارِب –المتدارَك.
أما التفعيلات الأساسية فـهي سبعة: مُسْتَفْعِلُنْ –فاعِلُنْ
–فَعُوْلُنْ –فاعِلاتُنْ –مُتَفَاعِلُنْ –مَفَاعِلَتُنْ (أو مَفَاعِيْلُنْ) –مَفْعُوْلاتُ.
إنَّ البحر الطويل، على سبيل المثال، يُبـنى على الوزن
التالي: فَعُوْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ/ فَعُوْلُنْ
مَفَاعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ.
ومنه قول المتنبي:
أَفي كلِّ يومٍ تحتَ ضِبْنِي شُوَيْعِرٌ/ ضعيفٌ
يُقاوِيْنِي قصيرٌ يُطَاوِلُ.
والبحر البسيط يُبـنى على التالي: مُسْتَفْعِلُنْ
فَاعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ/ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
فَاعِلُنْ.
ومنه قولُ المتنبي:
عيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ/ بما مضى أَم لأَمرٍ
فيكَ تجديدُ.
والبحر الكامل: مُتَفَاعِلُنْ مُتَفَاعِلُنْ
مُتَفَاعِلُنْ/ مُتَفَاعِلُنْ مُتَفَاعِلُنْ مُتَفَاعِلُنْ.
ومنه قولُ المتنبي:
وإذا أتَتْكَ مَذَمَّتي مِنْ ناقِصٍ/ فهيَ الشَّهادَةُ
ليْ بأَنِّيَ كامِلُ.
والتفعيلاتُ الشِعرية مؤلَّفة من عُنْصُرَي الحركة
والسُكُون، فلو أخذنا تفعيلة "مُسْتَفْعِلُنْ" وفكَّكناها إلى أحرفٍ نجد
أنَّ الحرفَ الأوَّل "الميم" متحرِّكٌ بالضَمَّة، والحرف الثاني
"السين" ساكنٌ، والثالث "التاء" متحرِّكٌ بالفَتْحة، والرابع
"الفاء" ساكنٌ، والخامس "العين" متحرِّكٌ بالكَسْرة، والسادس
"اللام" متحرِّكٌ بالضَمَّة، والسابع "النون" ساكن.. ولو
أَشَرْنا إلى الحركة بهذه العلامة (/)
وإلى السُكُون بهذه العلامة (ه)، يصبح لدينا هذه
العلامات (/ه/ه//ه) التي ترمز إلى مُسْتَفْعِلُنْ.. وعلى وزنها يمكن أنْ
نقول: "أَنْتَ الذي"، فنكتبها كتابةً عَرُوضيَّة، بمعنى أَنْ نلتزم
بالكتابة وفق اللفظ، لا وفق قواعد الإملاء والنحو، فتُكْتَبُ كالتالي:
"أَنْتَلْ لَذِيْ".. ومثْلُها أيضاً: مُسْتَشْهِدٌ –ضَاعَ الفَتَى –إِصْبِر
على –يا ناعِماً... إلى آخره.
وعلى وزن "فَاعِلُنْ": الفَتَى –إِنْطَوَىْ –يَهْتَدِيْ
–أَيْنَ مِنْ...
وعلى وزن "فَعُوْلُنْ": رَحِيْمٌ –بِلادِيْ –زَمَانٌ
–وَأَنْتُمْ...
وعلى وزن "فَاعِلاتُنْ": راغِباتٌ –إِنَّها في
–يا حبيبي –لَسْتَ قلبي...
وعلى وزن "مُتَفَاعِلُنْ": مُتَضَارِبٌ –يَتَجَوَّلوا
–وَمَضَى بها –وَلَعَلَّهُمْ...
وعلى وزن "مَفَاعِيِلُنْ": أُجَافِيْكُمْ –عَسَى
رَبِّي –لقد ناموا –هنا لندنْ...
وعلى وزن "مَفَاعِلَتُنْ": مُصَاحَبَةٌ –وليسَ
لَهُمْ –إِذا وَصَلوا –سَيُسْعِدُها...
وعلى وزن "مَفْعُوْلاتُ"، وهي التفعيلة
الأساسية الوحيدة التي لا تنتـهي بسكون وإنما بحركة: الأَعْيادُ –الصفصافُ –لَنْ
يَفْدِيْكَ –هَلْ تَهْتَمُّ...
ونذكر على سبيل الإشارة أَنَّ هذه التفعيلات قد يطرأ
عليها ما يسمَّى بالزحاف، فيُحْذَفُ سكونٌ من هنا أو حركةٌ من هناك، أو
يُسْتَبْدَلُ سكونٌ بحركةٍ أو العكس.. فمثلاً قد يُحْذَفُ السكونُ الأوَّلُ من
"مُسْتَفْعِلُنْ" (أي حرف السين) فتصبح "مُتَفْعِلُنْ" (أي
مَفَاعِلُنْ)، ونرمز إليها بالعلامات التالية: //ه//ه،
بعد أنْ كانت على هذا النحو: /ه/ه//ه.. كما
قد يُحْذَفُ السكون الثاني فتصبح "مُسْتَعِلُنْ" (أي فَاعِلَتُنْ)
ويُرمَزُ إليها كالتالي: /ه///ه.
وهكذا الحال مع باقي التفعيلات، فقد تتحوَّل
"فَاعِلُنْ" (/ه//ه) إلى
"فَعْلُنْ" (وبمعـنى آخر إلى: /ه/ه)
أو إلى "فَعِلُنْ" (وبمعـنى آخر إلى: ///ه)..
أو تتحوَّل "فَعُوْلُنْ" (//ه/ه) إلى "فَعُوْلُ" (//ه/)
كما هو حالها في البحر الطويل... إلى آخره.
كما قد يطرأ على تفعيلة العَرُوض أو الضَرْبِ تغيـيرٌ
يسمَّى بالعِلَّة، فيُصيبُ أَحْرُفَها بالحذف أو بالزيادة، مع التذكير بأنَّ
العَرُوض هو آخر تفعيلة في الشطر الأوَّل من البيت الشِعري (أي الصَدْر)،
والضَرْبُ هو آخر تفعيلة في الشطر الثاني منه (أي العَجْز).. فمثلاً تتحوَّل
"فَعُولُنْ" (//ه/ه) في
عَرُوض أو ضَرْب البحر المتقارِب إلى "فَعُوْ" (//ه)،
أو تتحوَّل "فَاعِلاتُنْ" (/ه//ه/ه) في عَرُوض أو ضَرْب البحر الخفيف إلى "فَاعِلاتَاْنْ"
(/ه//ه/ه ه).
جُمَلٌ عامِّيَّة
على وزنِ تفعيلاتٍ شِعريَّة
ولنأْتِ الآن إلى اللهجة المصرية، حيث نجد أنَّ
باستطاعتنا بكل سهولة أنْ نصيغَ جُمَلاً على وزن التفعيلات الشِعرية العربية، ما
يجعلنا نَخَالَها لغةً عربيةً فصحى بِغَضِّ النظر عن قواعد الإملاء والنحو.
فعلى وزن "مُسْتَفْعِلُنْ" (/ه/ه//ه) نستطيع أنْ نقول: مِشْ قُلْتِ لَكْ (وكتابتُها
العَرُوضيَّة: مِشْ قُلْ تِلَكْ) –أُسْكُتْ بَقَىْ (أُسْ كُتْ بَقَىْ) –قَرَّبْ
هِنَا (قَرْ رَبْ هِنَاْ) –وَسَّعْ يَا لَهْ (المقصود: يا وَلَهْ) (وَسْ سَعْ
يَلَاْ) –مَـبْرُوْكْ عَلِيْهْ (مَبْ رُكْ عَلِيْ)... إلى آخره.
وعلى وزنِ "فَاعِلُنْ" (/ه//ه): إِتْوِكِسْ (إِتْ وِكِسْ) –إِتْلِـهِيْ (إِتْ لِـهِيْ) –إِخْتِشِيْ
(إِخْ تِشِيْ) –مِنْ هِنَا (مِنْ هِنَاْ)...
وعلى وزنِ "فَعُولُنْ" (//ه/ه): حا قول لك (حَقُلْ لَكْ) –ده إيه ده (دَإِهْ دَاْ) –يا
بختك (يَبَخْ تَكْ)...
وعلى وزنِ "فَاعِلاتُنْ" (/ه//ه/ه): مش عوايدك (مُشْ عَوَيْ دَكْ) –وانت مالك (وِنْ تَمَاْ
لَكْ) –لسه فاكر (لِسْ سَفَاْ كِرْ)...
وعلى وزنِ "مُتَفَاعِلُنْ" (///ه//ه): ده انا شُفْتَها (دَنَشُفْ تَهَاْ) –جِري مِنْ هِنا
(جِرِمِنْ هِنَاْ) –ما هو كان هنا (مَهُكَنْ هِنَاْ)...
وعلى وزنِ "مَفَاعِيْلُنْ" (//ه/ه/ه): جَتَكْ نِيْلة (جَتَكْ نِيْ لَاْ) –عشان خاطري (عَشَنْ
خَطْ رِيْ) -ما فيش فايدة (مَفِشْ فَيْ
دَاْ)...
وعلى وزنِ
"مَفَاعِلَتُنْ" (//ه///ه): يا
حوستي عليه (يَحُسْ تِعَلِيْ) –شوف انتَ بقى (شُفِنْ تَبَقَاْ) –ده واد فَقَري
(دَوَدْ فَقَرِيْ)...
وعلى وزنِ "مَفْعُوْلاتُ" (/ه/ه/ه/): ده انتِ كْبِرْتي (دَنْ تِكْ بِرْ تِ) –عاوزِك إنتِ
(عَوْ زِكْ إِنْ تِ) –ما انتِ اخترتي (مَنْ تِخْ تَرْ تِ)...
ولنَقُم الآن باختيار أي كلام يخطر على البال، ولا سيما
من العبارات التي كثيراً ما تتردَّد على ألسنة المصريين، وخاصةً تلك التي
أَلِفْناها من خلال الأعمال الفنية، وسنجد أنها قائمة على أوزان تفعيلات شعرية
متنوِّعة:
-ما خلاص يا جَدَع (مَخَلَصْ/ يَجَدَعْ)، ووزنُها
فَعِلُنْ فَعِلُنْ.
-عليه العوض ومنه العوض (عَلِيْ هِلْ/ عَوَضْ وِمِنْ/
نُلْ عَوَضْ)، ووزنُها فَعُوْلُنْ مَفَاْعِلُنْ فَاْعِلُنْ.
-كنت فين يالدلعادي (كُنْ تِفِنْ/ يَدْ دَلْ/ عَاْدِيْ)،
ووزنُها فَاْعِلُنْ فَعْلُنْ فَعْلُنْ.
-إسم النبي حارسِك (إِسْ مِنْ/ نَبِحَرْ سِكْ)، ووزنُها
فَعْلُنْ فَعِلَاْتُنْ.
-مالكم مكشَّرين (مَلْ كُمْ/ مِكَشْ شَرِيْنْ)، ووزنُها فَعْلُنْ
مَفَاْعِلَاْنْ.
-إلهي أشوف فيك يوم ياللي ما تتسمَّاشي (إِلَاْ هِأَشُفْ/
فِكْ يُمْ/ يَلْ لِمَتِتْ/ سَمْ مَاْ شِيْ)، ووزنُها مَفَاْعِلَتُنْ فَعْلُنْ فَاْعِلَتُنْ
مَفْعُوْلَاْ.
-وحِّد الله يا معلِّم (وَحْ حِدِلْ/ لَهْ يَمْ/ عَلْ
لِمْ)، ووزنُها فَاْعِلُنْ فَعْلُنْ
فَعْلُنْ.
-حلال عليك يا عمدة (حَلَلْ عَلِكْ/ يَعُمْ دَاْ)،
ووزنُها مَفَاْعِلُنْ فَعُوْلُنْ.
-ده حِتِّة عيِّل لا راح ولا جاه (دَحِتْ تِتْ/ عَيْ
يِلْ/ لَرَحْ وَلَجَاْ)، ووزنُها فَعُوْلُنْ فَعْلُنْ مَفَاْعِلَتُنْ.
ولنُعْطِ الآن أمثلة على تفعيلات العبارات الشهيرة التي
انطلقت على ألسنة مشاهير الفنانين المصريين، ومنها مثلاً عبارة عادل إمام في فيلمه
"إحْتَرِسْ مِنَ الخُط"، حيث يقول: أنا احْوَلِّيت يا رِجَّالة (أَنَحْ
وَلْ لِتْ/ يَرِجْ جَاْ لَاْ)، على وزن مَفَاْعِيْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ.. أو عبارته
في مسرحية "شاهد ما شافش حاجة": ده انا غلبان (دَنَغَلْ بَاْنْ) على وزن
فَعِلَاْتَاْنْ.. أو: متعوِّدة دايماً (مِتْ عَوْ وِدَاْ/ دَيْمَنْ)، على وزن
مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلُنْ.
وعبارة شويكار الشهيرة: إنتَ اللي قتلت بابايا (إِنْ
تَلْ/ لِقَتَلْ/ تِبَبَاْيَاْ)، على وزن فَعْلُنْ فَعِلُنْ فَعِلَاْتُنْ.
وعبارة حسين رياض: الحديد بُلِي واحنا لَمْ بُلِينا
(إِلْ حَدِدْ/ بُلِوِحْ نَلَمْ/ بُلِيْ نَاْ)، على وزن فَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ
فَعُوْلُنْ.
وعبارة ماري منيب: إسألوني انا، مِدَوِّباهم اتنين (إِسْ
أَلُوْ/ نِأَنَاْ/ مِدَوْ وِبَاْ/ هُمِتْ نِيْنْ)، على وزن فَاْعِلُنْ فَعِلُنْ مَفَاْعِلُنْ
فَعُوْلَاْنْ.
أو لازمة توفيق الدقن: آلو يا هَمْبَقة (أَلُوْ/ يَهَمْ بَقَاْ)،
على وزن فَعُوْ مَفَاْعِلُنْ.
ولازمة محمد نجم في مسرحية "عِشّ المجانين":
شفيق يا راجل (شَفِيْقْ/ يَرَاْجِلْ)، على وزن فَعُوْلْ فَعُوْلُنْ.. وعندما لا
يتم الإسترسال في حرف الفاء في "شفيق" فإنها تُكتب عَرُوضياً (شَفِقْ
يَرَاْجِلْ)، على وزن مَفَاْعِلَاْتُنْ.
وعبارة عبد المنعم ابراهيم ويوسف شعبان عن المال في
مسلسل أسامة أنور عكاشة التلفزيوني "الشهد والدموع": مِنُّه لُهْ مِنُّه
لُهْ، جاي رايِح، مِنُّه لُهْ (مِنْ نُلُهْ/ مِنْ نُلُهْ/ جَيْ يِرَاْ/ يِحْ مِنْ
نُلُهْ)، على وزن فَاْعِلُنْ فَاْعِلُنْ فَاْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ.
وعبارة حسن مصطفى في مسرحية "مدرسة
المشاغبين": يقوم إبنَك إنتَ يضحك عليَّ أنا ويبيعني البتاع ده هُوَّ ويقول
لي بيقشَّر بطاطا (يِقُمِبْ/ نَكِنْ تَاْ/ يِضْ حَكْ عَلَيْ/ يَأَنَاْ/ وِيْ بِعْ/
نِلْ بِتَعْ/ دَهُوْ وَاْ/ وِيْقُلْ لِبِيْ/ قَشْ شَرْ/ بَطَاْطَاْ)، على وزن فَعِلُنْ
فَعُوْلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ فَعْلُنْ فَاْعِلُنْ فَعُوْلُنْ
مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلُنْ فَعُوْلُنْ.
أبيات شِعرية من الكلام العامّي المصري
وبإمكاننا أنْ نصيغ باللهجة المصرية جُمَلَ حوارٍ
عادية على أوزان البحور الشِعرية العربية المتعددة، أو على المجزوء منها أو المشطور
أو المنْهُوك.. مع الإشارة إلى أنَّ البيت الشِعري المجزوء هو الذي حُذفت منه آخر
تفعيلة من صَدره (العَروض) وآخر تفعيلة من عَجْزه (الضَرْب)؛ والبيت المشطور هو
الذي حُذف منه شطرٌ وأُبْقِيَ على الشطر الآخر؛ والبيت المنْهُوك هو الذي حُذفت
منه أربعُ تفعيلات وأُبْقِيَ على تفعيلتين إذا كان مؤلَّفاً من ست تفعيلات، أو
حُذفت منه خمس تفعيلات وأُبْقِيَ على ثلاثٍ إذا كان مؤلَّفاً من ثماني تفعيلات.
وإليكم، كمثال، جملة الحوار العادية هذه:
"مَعْلِهْشِ
يا مْعَلِّمْ.. مَعْلِهْشِ يا مْعَلِّمْ.. بَسِّ انْتَ رَوَّقْ وِ النَـبي
عَشانْ خاطري"، فإنها تشكِّل بيتاً شِعرياً تاماً على وزن البحر البسيط،
فوزنُها هو التالي: مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلُنْ/
مُستَفْعِلُنْ فَعْلُنْ مَفَاْعِلُنْ فَعْلُنْ.. وتُكتب عَرُوضياً كالآتي: مَعْ
لِهْ شِيَمْ/ عَلْ لِمْ/ مَعْ لِهْ شِيَمْ/ عَلْ لِمْ/ بَسْ سِنْ تَرَوْ/ وَقْ
وِنْ/ نَبِيْ عَشَنْ/ خَطْ رِيْ.
ولنتخيَّل أحدَهم وهو يسأل والدته عن أحد أصحابه، فتجيبه
قائلةً: "ده سافِر بلاد برَّا.. بَقَالُه يومين يا ابني"، فإنَّ كلامها
هذا قد أتى على وزن شطرٍ واحدٍ من البحر الطويل: فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ
فَعُوْلُ مَفَاْعِيْلُنْ.. وكتابتُها العَرُوضية كالتالي: دَسَاْ فِرْ/ بَلَدْ
بَرْ رَاْ/ بَقَاْلُ/ يُمِنْ يَبْ نِيْ.
ولو أنَّ أحد المفتَرين أوقع أحدَهم في الفخ، فيُقال له:
"ما خلاص بقى.. راحِتْ عليه.. لا ما هُوْ انتَ أَصْلَك مُفْـتَري"،
فإنَّ كلامه هذا يشكِّل بيتاً شِعْرياً على وزن مجزوء البحر الكامل:
مُتَفَاْعِلُنْ مُتْفَاْعِلُنْ/ مُتَفَاْعِلُنْ مُتْفَاْعِلُنْ.. وتُكتب عَرُوضياً
كالتالي: مَخَلَصْ بَقَىْ/ رَاْ حِتْ عَلِيْ/ لَمَهُنْ تَأَصْ/ لَكْ مُفْ تَرِيْ.
أو أنَّ أحد الأطباء الشبان يفاجَأ بخطيبته تزوره في
العيادة، فيبادرها مرحِّباً بالقول: "إيه ده كُلُّه.. إيه ده كُلُّه.. ده انت
نَوَّرْتِ العيادة"، فإنَّ كلامه هذا يشكِّل بيتاً شِعرياً على وزن مجزوء بحر
الرمل: فَاْعِلَاْتُنْ فَاْعِلَاْتُنْ/ فَاْعِلَاْتُنْ فَاْعِلَاْتُنْ.. ويُكتب
عَرُوضياً كالآتي: إِهْ دَكُلْ لُوْ/ إِهْ دَكُلْ لُهْ/ دَنْ تِنَوْ وَرْ/ تِلْ عِيَاْ دَاْ.
وإنَّ عبارة "البنت تطلع لأمها" (إِلْ بِنْ
تِتِطْ/ لَعْ لُمْ مَهَاْ) على وزن مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ.. أو عبارة
"الواد ده لعب بعقلها" (إِلْ وَدْ دَلِعْ/ بِبْ عَقْ لَهَاْ) أيضاً على
وزن مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ.. فإنَّ هاتين العبارتين تشكِّل كلُّ واحدةٍ
منهما شطراً من بحر الرجز (المجزوء).. وهكذا.
وإذا ما عُدنا إلى العبارة التي يردِّدها عادل إمام في
فيلم "إحـتَرِسْ مِنَ الخِط"، ونقصد "أنا احولِّيت يا
رجَّالة" (أَنَحْ وَلْ لِتْ/ يَرٍجْ جَاْ لَاْ) (على وزن مَفَاْعِيْلُنْ
مَفَاْعِيْلُنْ)، فإنَّ هذه الجملة تشكِّل بيتاً منهوكاً من بحر الهزج (أي منهوك
الهزج).. وكذلك فإنَّ عبارته في مسرحية "شاهد ما شافش حاجة":
"داخلة خارجة، خارجة داخلة" (دَخْ لَاْ/ خَرْ جَاْ/ خَر جَاْ/ دَخْ
لَاْ) (على وزن فَعْلُنْ فَعْلُنْ فَعْلُنْ فَعْلُنْ) تشكِّل شطراً من البحر
المتدارك، وفي حال تمَّ ترداد هذه الجملة مرتين نحصل على وزن بيتٍ تام من البحر
المتدارك.. وأيضاً عبارته في المسرحية نفسها: "متعوِّدة دايماً" (مِتْ
عَوْ وِدَاْ/ دَيْ مَنْ) (على وزن مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلُنْ) تسكِّل بيتاً منهوكاً
من البحر البسيط، ولو أنه ردَّدها أربع مرات على التوالي لحصلنا على وزن بيتٍ تام
من البحر البسيط.. وعلى هذا المنوال عبارة عمر الحريري في مسرحية "الواد سيد
الشغَّال" حيث يقول لعادل إمام: "مُشْ مِنْ هِنا، مِنْ هِنا" (مُشْ
مِنْ هِنَاْ/ مِنْ هِنَاْ) (على وزن مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ)، فإنها أيضاً
تشكِّل بيتاً منهوكاً من البحر البسيط... إلى آخره.
وكما رأينا، نستطيع بسهولة ويُسْر أنْ نصيغ كلاماً
عادياً من اللهجة المصرية على مختلف أوزان البحور الشعرية العربية بأشكالها
المتعددة، أو حتى على أوزان التفعيلات الحرة على أنواعها، وهذا نابع من كون اللهجة
المصرية قائمة على موسيقى التفعيلة، ما جعل منها- بموسيقاها تلك- لغةً عربية فصحى
تُنْطَق بألفاظٍ عامية، وأدَّى بها الأمر إلى سهولة تَلَقِّيها وفهمها بالنسبة للمواطن
العربي والتجاوب معها والتأثُّر بها، فترانا نَطْرَب لها عند سماعها ونستخِفُّ
ظلَّها ونحفظ بِيُسْرٍ الأغاني التي صيغَتْ منها ونردِّدها وكأنَّها لهجتُنا
المحلية.
ومقارنَةً بين اللهجة المصرية واللهجة اللبنانية –على
سبيل المثال- ييكفي أنْ تلفظوا هذه الجملة باللبنانية: "يعـني هَيْدااا إسمُه
كلاااام يا رِجَّاااال"! والفُظُوا الجملة نفسها بالمصرية: "بقى ده اسمه
كلام يا راجل" وحينها تجدون الفرق الشاسع بين اللهجتين، فاللهجة اللبنانية
فيها شيء من الفظاظة ومختلَّة الأوزان (رغم أنَّها ظريفة وموسيقاها محبَّبة لدى
العرب وخصوصاً المصريين لِوَقْعِها العنيف والثقيل والمُسْتَغْرَب)، بينما اللهجة
المصرية سلسة وموسيقية ورنَّانة، فالجملة التي أوردناها قبل قليل بالمصرية يأتي
وزنُها على وزن فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعُوْلُنْ.
إقرأ الحلقة السابقة:
إقرأ الحلقات المتبقِّية:
(نُشر هذا الموضوع في مجلة الشراع" اللبنانية في 25
حزيران/ يونيو 2007، العدد رقم 1294).
***************************************************************
***************************************************************
***************************************************************
***************************************************************
*****************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على
موقعها الإلكتروني التالي:
لنأْتِ الآن إلى اللهجة المصرية، حيث نجد أنَّ
باستطاعتنا بكل سهولة أنْ نصيغَ جُمَلاً على وزن التفعيلات الشِعرية العربية، ما
يجعلنا نَخَالَها لغةً عربيةً فصحى بِغَضِّ النظر عن قواعد الإملاء والنحو. فعلى
وزن "مُسْتَفْعِلُنْ" (/ه/ه//ه) نستطيع أنْ نقول: مِشْ قُلْتِ لَكْ (وكتابتُها
العَرُوضيَّة: مِشْ قُلْ تِلَكْ) –أُسْكُتْ بَقَىْ (أُسْ كُتْ بَقَىْ) –قَرَّبْ
هِنَا (قَرْ رَبْ هِنَاْ) –وَسَّعْ يَا لَهْ (المقصود: يا وَلَهْ) (وَسْ سَعْ
يَلَاْ) –مَـبْرُوْكْ عَلِيْهْ (مَبْ رُكْ عَلِيْ)... إلى آخره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق