2011/09/10

كتاب "حوار مع صديقي الإسلامجي"/ بين الحضارة والبداوة (4 من 5): ماذا لو قبلت بريطانيا بقوات الحرس الثوري الإيراني لحفظ السلام في شوارعها؟َ!


مع أنَّ المسألة هي مدعاة لـ"التقريق"، إلا أننا سنتعاطى معها بجدية مطلقة.. إذ لم يُعْرَف عن مُحْتَرِفي الإجرام عبر التاريخ خفَّةُ الدم، حتى أنَّ الواحد منهم إذا ما ألقى نكتةً ضحكتْ عليه الناس لا على النكتة.. إلا أنَّ ما اقترحه قائد قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني محمد رضا نقدي في 11/ 8/ 2011 عن استعداده لنشر قوات حفظ سلامٍ إيرانية في المدن البريطانية لمواجهة الإضطرابات الأمنية هناك، لم يكن مجرَّد شماتة عبَّر عنها بنكتة، حتى ولو كان يقصد ذلك..

 
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً

              
                                        كتاب
        حوار مع صديقي الإسلامجي
                                         تأليف: حسين احمد صبرا

                                 بين الحضارة.. والبداوة (4 من 5)
       ماذا لو قبلت بريطانيا بقوات
           الحرس الثوري الإيراني
        لإعادة الأمن إلى شوارعها؟!


حسين احمد صبرا
مع أنَّ المسألة هي مدعاة لـ"التقريق"، إلا أننا سنتعاطى معها بجدية مطلقة.. إذ لم يُعْرَف عن مُحْتَرِفي الإجرام عبر التاريخ خفَّةُ الدم، حتى أنَّ الواحد منهم إذا ما ألقى نكتةً ضحكتْ عليه الناس لا على النكتة.. إلا أنَّ ما اقترحه قائد قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني محمد رضا نقدي في 11/ 8/ 2011 عن استعداده لنشر قوات حفظ سلامٍ إيرانية في المدن البريطانية لمواجهة الإضطرابات الأمنية هناك، لم يكن مجرَّد شماتة عبَّر عنها بنكتة، حتى ولو كان يقصد ذلك..
إننا ننظر إلى هذا الأمر على أنه "مفاخرة" من قِبَلِ شخصٍ يمثِّل نظام الحكم القائم حالياً في إيران وناطقٍ بلسان حاله.. إنَّ محمد رضا نقدي هذا، وبإسم نظام الخميـني كله، إنما هو يفتخر بِكَمِّ الإجرام الذي مارسته ميليشيا الباسيج في قمع تظاهرات الشباب الإيراني المنتفض في ثورةٍ سلميةٍ خضراء في 12/ 6/ 2009 ضد الـتزوير الفاضح في نتائج الإنتخابات الرئاسية بعدما أسقط نظامُ الخميـني، الذي يرفع شعار "الإسلام هو الحل"، المرشحَ الإصلاحي مـير حسين موسوي ونجَّح الرئيسَ المرشَّح أحمدي نجاد ليُكْمل في ولاية ثانية.. هذا الكمُّ من الإجرام الدموي في قمع المظاهرات هو الذي دفع بعلي خامنئي ليعـيِّن نقدي هذا قائداً للباسيج مكافاةً له على ما بذله من قمعٍ وحشي ضد المنتفضين وهو الملقَّب في إيران بـ "جلاّد الحي الجامعي" من بعد ما أبداه من وحشية قلَّ نظيرها في التعامل مع الطلبة الإيرانيين في أماكن سكنهم الجامعي في العاصمة طهران في تموز/ يوليو عام 1999..
إنَّ قائد ميليشيا الباسيج هذا، وهو يفتخر بماضيه الإجرامي القريب والمتواصل، إنما يريد أن يقول لأنظمة الحكم المتحضِّرة في العالم الغربي: هذه هي تجربتنا الدموية الناجحة والناجعة في قمع الإنتفاضات الشعبية، والـتي بفضلها نجحنا إلى الآن في المحافظة على استمرار نظام الحكم الحالي عندنا، وأنكم إذا ما أردتم الحفاظ على أنظمة الحكم لديكم فما عليكم سوى أن تنهجوا نهجنا الناجح والناجع.
إذاً، إنها هُوَّة سحيقة تفصل بين عقليَّتين وطبيعتين ومُعْتَقَدَيْن، وبالتالي بين نوعين من أنظمة الحكم التي تسود في العالم الآن: أنظمة إجرامية دموية في العالم الشرقي، ومن بينها ما يرفع شعار "الإسلام هو الحل" كما هو حال نظام الخميـني في إيران، أو شعار المقاومة والممانعة كما هو حال نظام عائلة الأسد في سوريا... وبـين أنظمة ديمقراطية في العالم الغربي ترفع شعار الإنسانية في التعامل مع شعوبها.
إليكم بعض الملاحظات في هذا الإطار:
الملاحظة الأولى، أنَّ فيلق عاشوراء وفيلق الزهراء التابعين للباسيج، واللذين عَرَضَ نقدي نشرَهما في شوارع لندن وليفربول وبرمنجهام كقوات حفظ سلام، هما مكوَّنان أصلاً من عناصر شبابية آتية من الريف أو من المناطق والأحياء الفقـيرة والعشوائية، حيث يسود الفقر والأمية والجهل والعنف والتزمُّت والإستبداد بالرأي وقمع الرأي الآخر وسَحْقِهِ ومَحْقِهِ حتى ولو كان الخلاف على لون الملابس التي خُـيِّرَ الناسُ أصلاً بأن يرتدوا من ألوانها ما يشاؤون..
الملاحظة الثانية، أنَّ عناصر هذين الفيلقـين (عاشوراء والزهراء)، كما النظام برمَّته، بخلفيَّتهم الثقافية والفكرية والدينية والإجتماعية الضحلة، إنما قاموا بقمع وضرب وسحل وسفك دماءِ طلبةٍ جامعيين.. إنَّ الصورة كانت في غاية البشاعة: جاهلٌ يقتل متعلماً.. إسلامجي يقتل مؤمناً مستنيراً.. بدوي يقتل متحضِّراً.. وليس أَدَلّ على بداوة عناصر الباسيج هؤلاء مِنْ كونهم وجدوا الفرصة سانحة أمامهم لإستخدام العنف والضرب والسحل والقنص والقتل تنفيساً عما يغلي في صدورهم من نقمة وحقد وعُقَد مَرَضية وتعبـيراً عن الكم الهائل من العدوانية التي تختزنها شخصيتُهم كنتاج للبيئة الفقـيرة والجاهلة والمتخلفة التي خُلقوا وترعرعوا وتربُّوا فيها.. وليس أدَلّ  على تحضُّر الشباب الإيراني الجامعي مِنْ كونهم ساروا في مظاهرات مليونية سلمية يختطفون نسمةً من الحرية التي ثار من أجلها آباؤهم ضد الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي فإذ بالخميني في غفلةٍ من الزمن يصادرها لحسابه الشخصي ليكتم أنفاس آبائهم، وأبنائهم من بعدهم، وليفرضَ عليهم فكرَه ورأيَه ونهجَه بالقهر والقمع والإجرام وسفك الدم وهدر الكرامات بالطريقة الـتي تستهوي عناصر فيلقَي عاشوراء والزهراء من الباسيج هؤلاء..
الملاحظة الثالثة، أنَّ مَنْ تظاهر في إيران عام 2009 إنما كانوا شُبَّاناً ناضجين ومتعلمـين ومسالمين أرادوا التعبـير عن إرادتهم في تغيـير نظام الحكم بالأسلوب الديمقراطي وبالتالي استنكارهم لقيام نظام الخميـني بذبح هذه الديمقراطية حينما أقدم على عملية تزوير فاضحة في نتائج الإنتخابات، وهو التزوير الذي دخل التاريخ من بابه العريض بـ 12 مليون صوت فقط لاغـير.. أما في المقابل فإننا نجد أنَّ ما حدث في شوارع بعض المدن في بريطانيا إنما هو عبارة عن مجرَّد أعمال شغب تستهوي مجموعاتٍ من الأطفال المراهقين هي ناجمة في الدرجة الأولى عن سوء تربية داخل الأسرة من ناحية، وعن تساهل بالغ الإفراط من قبل القوانين التي تعمل بموجبها الشرطة البريطانية (اسكتلنديار) من ناحية ثانية، وإن كنا ننظر إلى هذه القوانين على أنها مستوى بالغ التقدم والتطور في النظرة الإنسانية من قِبَل الأنظمة الغربية الحاكمة إلى شعوبها وتحديداً إلى الأطفال منهم.. لقد روى أحد المواطنين البريطانيين من أصلٍ مصري أنه بينما كان يستقل وزوجه حافلة عمومية في أحد شوارع لندن ذات يوم، راحت شلة من المراهقين والمراهقات داخل الباص تعتدي على زوجه بأن أخذوا يشدُّونها من شعرها، فلم يجرؤ على التصدي لهم خشية أن تُلقى التهمة عليه لاحقاً، ولم يجد أمامه من حل سوى الإتصال بالشرطة، الـتي ما أن حضرت حتى قال له رجالُها إنهم لن يستطيعوا فعلَ أيِّ شيءٍ مع المعتدين لأنهم تحت السن القانونية! وحادثة أخرى رواها مواطن بريطاني من أصلٍ عراقي: لقد دخل إلى منزله إبنُ الجـيران، أثناء غيابه عنه، وسرق جهاز الكمبيوتر خاصَّته، وقد سجَّلت كاميراتُ المراقبة الحادثة، فاشتكاه إلى الشرطة الـتي ما أن اعتقلت إبنَ الجـيران هذا لعدة ساعات حتى أطلقت سراحه، ومع قيام هذا المواطن العراقي بمراجعة رجال الشرطة لمعرفة الأسباب أجابوه بأنه ما يزال تحت السن القانونية، فلما طالبهم بجهاز الكمبيوتر خاصَّته أجابوه: لقد باعه!! وحتى الصحافي العربي الشهير في جريدة "الحياة" جهاد الخازن، والذي يعيش في لندن منذ سنوات طويلة، روى في حديثٍ مع إذاعة لندن بمناسبة أحداث الشغب الأخـيرة، أنه سبق وتعرَّض لسرقة ساعة يده مرتين في شوارع لندن من قبل أمثال هؤلاء المشاغبين المراهقين.
الملاحظة الرابعة، ماذا ستذهب لتفعل في بريطانيا ميليشيات الباسيج؟! محمد رضا نقدي يصفها بأنها قوات حفظ سلام لإستعادة النظام والأمن هناك، ويشترط بأن يتم ذلك بإقرارٍ من الجمعية العامة للأمم المتحدة.. إنه في البداية يتباكى على مثـيري الشغب ويصفهم بأنهم "فقراء" و "محرومون" ويستنكر حملات القمع "القاسية والخشنة" الـتي تقوم بها السلطات البريطانية ضد "المتظاهرين العُزَّل".. ثم لا يلبث أن يعلن – من دون أن يقصد- عن هدفه الحقيقي من اقتراحه بذهاب ميليشياته إلى هناك حينما يشمت من ضعف أداء الشرطة البريطانية (مفتخراً ضمناً بنجاح أداء ميليشياته من الباسيج في قمع المظاهرات الإيرانية عام 2009) إذ يقول: "مع وجود أكـثر من 4 ملايين و600 ألف كاميرا تراقب مليونَ شخصٍ فقط في لندن فإنَّ بريطانيا عاجزة عن تحديد اللصوص واعتقالهم".. وبالتالي هو يعترف ضمناً بأنه يريد الذهاب إلى لندن وغيرها من المدن البريطانية ليعيد الأمن والإستقرار إليها بالأسلوب نفسه الذي اتَّبعه في طهران عام 2009..
الملاحظة الخامسة، وحسب تعريف الأمم المتحدة بِعَظْمَةِ لسانها، فإنَّ سِنَّ الطفولة يبدأ منذ الولادة وينتـهي عند سن الـ21.. وطالما أنَّ محمد رضا نقدي، وهو يعرض خدماته الجليلة، قد اشترط وجود غطاء شرعي من الأمم المتحدة، فإنما هو يعرض خدماته على السلطات البريطانية ليقمع أطفالاً.. إليكم ما سيفعله بالأطفال البريطانيين هناك: سيصعق الأطفالَ بالعُصِيّ الكهربائية وسيضربهم بالجنازير وسيدوس عليهم بعجلات الدراجات النارية وسيُطلق الرصاص الحي على رؤوسهم وأعناقهم وصدورهم من مسافة قريبة (كما فعل على سبيل المثال مع طالبة كلِّية الفلسفة المظلومة ندى آغا سلطاني) وسيعتقلهم في السجون ليُذيقهم من أصناف التعذيب بما يفوق عذاب جهنم ذات نفسها، وسيقوم بالإعتداء الجنسي عليهم، ليس على الأطفال الإناث فحسب بل وعلى الأطفال الذكور! وسيقوم باستجوابهم وإرغامهم على قراءة الإعترافات المعدَّة لهم أمام الكاميرا بأنهم عملاء أميركا والإستكبار العالمي والعفاريت الحُمْر، تماماً كما فعل مع المفكر الإصلاحي محمد علي أبطحي (مساعد رئيس الجمهورية السابق محمد خاتمي) ومع الدكتور سعيد مجاريان (مستشار الرئيس خاتمي)..
الملاحظة السادسة، أنَّ نقدي هذا يـريد إرسال ميليشيات إلى بريطانيا تحمل أسماءً دينية ومذهبية (عاشوراء، كربلاء، الزهراء، الحوراء...)، بمعـنى أنَّ الحل عنده وعند نظامه الإسلامجي هو حلٌّ ديـني ومذهبي في قمع الأطفال والبطش بهم.. وهذا ما يذكِّرنا بالحال التي كانت عليه بريطانيا حينما كان الحلُّ فيها ما يزال دينياً ومذهبياً، وقد وصل الأمر بتعاطي الكنيسة الكاثوليكية مع أتباعها إلى حد أنها فرضت في القرن التاسع عشر على الأطفال البريطانيين الذكور، ومنذ أن يبلغوا الحُلُمَ، ارتداءَ لباسٍ حديدي يُحيط بمنطقة الأعضاء التناسلية بحيث يمنع الإنتصاب وفي الوقت نفسه يتيح التبوُّل عبر منافذ موجودة فيه، والهدف هو الحؤول دون قيامهم بممارسة العادة السرية على اعتبار أنَّ الغرض الإلهي من خلق الأعضاء التناسلية هو التناسل فقط وليس الإستمتاع!! وهو مجرد دليل من ضمن أدلة لا تُحصى على الطابع الإجرامي ومستوى الذكاء المتدني عند جميع المتطرفين الدينيين (وعند أتباعهم) في العالم أجمع وعبر التاريخ.
الملاحظة السابعة، صعوبة إقدام السلطات في الأنظمة الديمقراطية المتحضِّرة على استخدام خراطيم المياه والرصاص المطاطي لقمع أعمال الشغب وتردُّدها في ذلك، مقارنةً بسهولة استخدام الأنظمة البدوية لخراطيم الدبابات والرصاص الحي المتفجِّر في قمع المتظاهرين المطالبين بالحرية والديمقراطية..
الملاحظة الثامنة، الحكمة الـتي أبدتها السلطات البريطانية وكافة أطياف المجتمع في التعاطي العاقل و"العلمي" الرزين مع ظاهرة أحداث الشغب منذ اللحظة الأولى لإندلاعها في 6/ 8/ 2011، وهو أمرٌ  يُحسدون عليه.. إنَّ أقل ما يُقال في هذا المجال أنَّ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لم يتَّهم المعارضة بافتعال هذه الأحداث، كما يفعل عديمو الأخلاق من سياسيينا، ولا اتَّهَمَ الأطفالَ المشاغبين بأنهم عملاء للإستكبار العالمي، ولا وَصَفَهم بالجرذان، ولا نَعَتَهم بالجراثيم، ولا اغتصبهم جنسياً ولا اقتلع أظافرهم..
في الختام، لنا مأخذ واحد فقط على محمد رضا نقدي: فعوضاً عن أن يتـبرَّع بالذهاب إلى بريطانيا ليقمع أطفالها المشاغبين وقليلي التربية، عليه أن يسعى إلى تجنيدهم في صفوف نظامه.. أوليس مَنْ يجنِّدهم نظامُ الخميـني في صفوفه من داخل إيران ومن خارجها هم على الشاكلة نفسها؟! فكيف تغالط نفسك يا نقدي؟! فريدٌ أنت من نوعك يا هذا.. ده انت عليك حاجات يا جدع..
(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 29 آب/ أغسطس 2011، العدد 1508).
إقرأ الحلقات السابقة:


                              فهرس كتاب:
                   "حوار مع صديقي الإسلامجي"
**************************************************************************
                   إقرأ قصيدة "مشايخ.. ومشايخ"
                         (شعر: حسين احمد صبرا)
**************************************************************************
                             فهرس كتاب:
                  "على هامش ثورة شباب مصر"
**************************************************************************
                      إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:
www.alshiraa.com                   







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق