في عام 2004 تمَّ تصوير فيلم وثائقي في
لندن بعنوان "إغتيال روسيا"، اعتمد على كتاب ليتفيننكو وفيلشْتنسكي
كمادةٍ لبناء أحداث الفيلم ومشاهده، وقد قام بتمويل هذا الفيلم الملياردير الروسي
المعارض واللاجىء إلى لندن بوريس بيريزوفسكي، الذي عقد مؤتمراً صحافياً في لندن
أثناء العرض الأول للفيلم قال فيه إنَّ
بوتين "يعرف بالتأكيد" أنَّ جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي.
بي" متورِّط في أربعة تفجيرات أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص في موسكو وفي
مدينتَين أخريين في خريف عام 1999، فضلاً عن محاولة تفجير فاشلة في ريازان...
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)
الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن
عام 2006)
الطامع في ثروة سورية النفطية (35)
هكذا وصل بوتين إلى السلطة:
تصوير فيلم وثائقي بعنوان "إغتيال روسيا"
بناءً على ما ورد في كتاب ليتفيننكو وفيلشْتنسكي
حسين احمد صبرا
ذكرنا سابقاً أنه بعد التفجيرات التي
طالت عدداً من المباني السكنية في روسيا في أيلول/ سبتمبر 1999، صدر كتابٌ لضابط
الإستخبارات السابق المنشق والمعارض الروسي ألكسندر ليتفيننكو وللمؤرِّخ الأميركي
من أصلٍ روسي يوري فيلشْتنسكي، بدايةً في عددٍ خاص من صحيفة "نوفايا
جازيتا" الروسية المستقلة عام 2001، ثم في كتابٍ مستقل عام 2002 تمَّ طبعه
خارج روسيا، وقد جاء عنوان الكتاب في الطبعة الروسية "جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف.
سي. بي" يفجِّر روسيا"، وفي الطبعة الإنكليزية "تفجير روسيا –
الإرهاب من الداخل".
من اليسار: ليتفيننكو وفيلشتنسكي وكتابهما "تفجير روسيا" |
في عام 2004 تمَّ تصوير فيلم وثائقي في
لندن بعنوان "إغتيال روسيا"، اعتمد على كتاب ليتفيننكو وفيلشْتنسكي
كمادةٍ لبناء أحداث الفيلم ومشاهده، وقد قام بتمويل هذا الفيلم الملياردير الروسي
المعارض واللاجىء إلى لندن بوريس بيريزوفسكي، الذي عقد مؤتمراً صحافياً في لندن
أثناء العرض الأول للفيلم قال فيه إنَّ
بوتين "يعرف بالتأكيد" أنَّ جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي.
بي" متورِّط في أربعة تفجيرات أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص في موسكو وفي
مدينتَين أخريين في خريف عام 1999، فضلاً عن محاولة تفجير فاشلة في ريازان..
بوريس بيريزوفسكي |
وأضاف بيريزوفسكي للصحافيين: "كحدٍّ أدنى يعلم فلاديمير بوتين أنَّ الـ"أف. سي. بي"
متورِّط في تفجيرات موسكو وفولجادنسك وريازان"، مشيراً إلى أنَّ فشل بوتين في
الأمر بإجراء تحقيق كامل حول هذه الهجمات هو على رؤوس الأشهاد..
أحد المباني السكنية التي فجَّرتها الإستخبارات الروسية |
ووفقاً
لبيريزوفسكي فإنَّ أربعة خبراء متفجرات من بريطانيا وفرنسا فحصوا الأدلة المتوافرة
من حادثة ريازان بما في ذلك الصور من العبوة الناسفة التي أبرزها المحقِّقون الروس،
خلصوا إلى أنَّ القنبلة كانت حقيقية. وقال بيريزوفسكي إنَّ كل الأدلة المادية التي
جُمِعَتْ من مسرح الجريمة في ريازان تمَّ تصنيفها والتكتُّم عليها لمدة 75 عاماً.
شهادة ليتفيننكو
ألكسندر ليتفيننكو |
من جهتنا عَمِلْنا على تفريغ أهم
الشهادات الواردة في الفيلم (المنشور في اليوتيوب).. بدايةً، يظهر ألكسندر
ليتفيننكو ليعرِّف عن نفسه: "إسمي ألكسندر ليتفيننكو. كنتُ ضابطاً في جهاز الإستخبارات
الفدرالي الروسي الــ"أف. سي. بي"، وأنا الآن مع عائلتي في إنكلترا وحصلتُ
على لجوءٍ سياسي"..
ليتفيننكو على متن الطائرة متوجهاً إلى لندن |
ثم يتحدَّث عن أسباب لجوئه إلى بريطانيا: "وحدتُنا جاءتها
أوامر من الجهات العليا بتصفية من يرَوْنَهُم غير مطيعين". ثم يقول إنه في البداية ظنَّ أنَّ الأهداف ستكون
بتصفية زعماء عصابات الإجرام، لكنه عندما أُمر بتصفية الملياردير بوريس
بيريزوفسكي، الذي أصبح صديقه الحميم فيما بعد، تمرَّد مع خمسةٍ من نظرائه..
ليتفيننكو إلى أقصى اليمين في مؤتمره الصحافي عام 1998 |
ثم
يظهر مشهد لليتفيننكو أمام الجمهور في مؤتمرٍ صحافي في موسكو عام 1998 ليقول: "إمكانات
الــ"أف. سي. بي" أصبح يديرها مجموعة من الضباط، لا لحماية الدولة أو مواطنيها
ولكن لتحقيق أهدافٍ سياسية واقتصادية خاصة".. وبنتيجة ذلك تمَّ فصلُهُ من عمله وحبسُهُ.
ثم قبيل انتخابات الرئاسة والبرلمان تمَّ
تفجير المباني السكنية في روسيا في أيلول/ سبتمبر عام 1999، وهنا يقول ليتفيننكو
في الفيلم الوثائقي: "حينما وَقَعَت الإنفجارات أيقنتُ، أو على وجه الدقة شَكَكْتُ
فوراً في أنَّ مسؤولي السابق كان مسؤولاً. وعندي هنا دليلٌ مباشر على مسؤولية الــ"أف.
سي. بي" على محاولة تفجير المبنى الخامس في ريازان. ففي ليل 22 أيلول/ سبتمبر
حاول الــ"أف. سي. بي" تفجير مبنىً في ريازان، وقد وُضعت المتفجرات في أسفل
المبنى واكتشفها مواطنون من المكان، فقام خبراء المتفجرات بإزاحتها من المكان.. واتهمَت
التحقيقات على الفور وبطريقة قاطعة "الإرهابيين"، وذَهَبَت تبحث عنهم ووَجَدَتهم
في اليوم التالي وتبيَّن فيما بعد أنهم ضباط في جهاز الــ"أف. سي. بي". وحدث
شيءٌ غريب جداً في ما يتعلق بذلك، فعندما اعتُقل هؤلاء الأشخاص عَقَدَ وزير الداخلية
فلاديمير روشالو مؤتمراً صحافياً، قال ما حرفيَّتُهُ: "أود أن أشكر نظرائي الذين
عملوا على إبطال هذا العمل الإرهابي، لقد قمنا بالكثير من العمل كما ظهرت النتائج في
منع وقوع عمل إرهابي في ريازان". وعندما قال ذلك اعتُقل هؤلاء الأشخاص فوراً
– أي ضباط الـ"أف. سي. بي" – وتمَّ إعلام قائدهم نيقولاي باتروشيف [رئيس
جهاز الـ"أف. سي. بي"] بذلك. وبعدها بثلاثين دقيقة ركض باتروشيف مسرعاً إلى
المنصة حيث المؤتمر الصحافي قائلاً إنَّ العمل لم يكن إرهابياً وإنما "تمريناً
عسكرياً"، وإنَّ الحقائب كانت ممتلئة بالسُكَّر وليس بالهيكسوجين".
من ضحايا التفجيرات |
ثم يقدِّم ليتفيننكو دليلاً آخر بالغ
الأهمية، فيقول وهو يمسك بيده تقريراً: "هذا تقرير مضبطة البرلمان بتاريخ 13 أيلول/
سبتمبر 1999، وقد افتتح المتحدِّثُ باسم البرلمان سيليزنيوف الجلسةَ قائلاً:
"أهلاً زملائي المحترمين، الرجاء الجلوس". وافتتح الجلسة وبدأ يتحدَّث عن
الجدول، ثم قال: "بناءً على التقارير الواردة من روستوف، فقد تمَّ تفجير مبنىً
في فولجادنسك".. إنتبه، هذا في 13 أيلول/ سبتمبر 1999.. ثم يستدرك سيليزنيوف قائلاً:
"أريد أن أؤكد أنه لم يحدث تفجير في فولجادنسك في ذلك الوقت إنما في موسكو"..
ثم في 17 أيلول/ سبتمبر تمَّ تفجير مبنىً في فولجادنسك [أي أنَّ سيليزنوف أعلن عن
تفجير مبنىً في فولجادنسك قبل وقوعه بأربعة أيام!!!]. ثم اجتَهَدْتُ لمعرفة إسم الشخص
الذي أعطى سيليزنيوف في 13 أيلول/ سبتمبر المذكرةَ الخاصة بالتفجير الذي سيقع لاحقاً،
هذا الشخص إسمُهُ لياخ، والذي ظلَّ لفترةٍ طويلة عميلاً لدى جهاز الإستخبارات الروسية
[أي أنَّ لياخ أعطى سيليزنوف المذكرة عن التفجير المرتقب في فولجادنسك قبل وقوعه،
وذلك عن طريق الخطأ]. وما يبدو هو أنَّ لياخ حصل على رسالة من الـ"أف. سي. بي"
عن المبنى المستهدَف ليوصلها إلى سيليزنيوف، ثم ليوصلها الأخير بدوره إلى البرلمان،
ولكنهم ارتبكوا بين انفجار 13 أيلول/ سبتمبر في موسكو والإنفجار المقبل في 17 أيلول/
سبتمبر في فولجادنسك".
يُشار إلى أنَّ ليتفيننكو طلب اللجوء
السياسي فور وصوله إلى بريطانيا مطلع عام 2000، وقد برَّر طلبه ذلك بأنَّ حياته في روسيا في خطر بسبب اتهامه للـ"أف.
سي. بي" بأنه وراء التفجيرات الإرهابية الأخيرة في مدن روسيا. وبعد حصوله على
اللجوء السياسي في بريطانيا استمرَّ ليتفيننكو في كشف الأسرار..
ليتفيننكو على فراش الموت عام 2006 بعد تسميمه |
ثم يتابع ليتفيننكو كلامه في الفيلم
قائلاً: "أمامهم خياران: إما
أن يعزلوني عن العالم بغرض أن أتراجع وأن أسحب ما قلت، أو أن أتراجع وأقول إنني
آسف وإنني لن أتحدى السلطة ثانيةً ولن أقول الحق مرةً أخرى، وهذا أحسن الظنون،
وإما الأسواً: أن يغتالوني أمام بيتي".. ثم يضيف: "أي شخص يقترب جداً من
الأسرار، من الإرهاب الذي خَلَقَهُ الـ"أف. سي. بي" في روسيا على مدى 12
عاماً [أي من عام 1991 وحتى 2003]، إما قُتل بالرصاص أو مات فجأةً! لا أعلمُ أحداً
شَهِدَ في تحقيقاتٍ حساسة وبقي حياً، ويشمل هذا كلَّ مَنْ طالبَ الحكومة بإجاباتٍ
عن أسئلةٍ غير مرغوب فيها".
بعدها يقول ليتفيننكو: "كانت هناك
عقيدتان لدى الإتحاد السوفياتي: الشيوعية والجريمة. في عام 1991 سقطت الشيوعية ولكن
بقيت الجريمة. وتمَّ تغيير اسم الــ"كي. جي. بي" إلى الـ"أف. سي. بي"،
لكن شيئاً لم يتغيَّر عما كان عليه من قبل. الفارق الوحيد أنَّ عميل الـ"كي. جي.
بي" يَقْتُل من أجل فكرته، بينما عميل الـ"أف. سي. بي" يقتل من أجل
المال".
سر توقُّف الإنفجارات
يوري فيلشتنسكي |
ثم يظهر المؤلِّف الثاني لكتاب
"تفجير روسيا" يوري فيلشْتنسكي، قائلاً: "نعلم جميعاً أنَّ المعلومات
تظهر بعد المهمات الفاشلة، وهذا ما حدث هنا. لقد فشل جهاز الأمن الفدرالي الروسي الـ"أف.
سي. بي" في نسف مبنى ريازان. التفاصيل كافية لعمل نصٍّ مكتمل للقضية، فنحن نعرف
كلَّ شيء، أي سيارة أتوا بها، كم عددهم، كيف وأين وضعوا القنبلة، بل إننا نعرف توقيت
الإنفجار الذي كان سيقع، ومن غير المعقول أن يكون من الصدفة أن تتوقَّف الإنفجارات
بعد اكتشاف قنبلة ريازان، إذ كان سيصبح من الغباء الإستمرار في هذه السلسلة بعد هذه
الفضيحة".
بافل فولوشن |
بعد ذلك يظهر الصحافي بافل فولوشن من
جريدة "نوفايا جازيتا"، التي واجهت من قبل الـ"أف. سي. بي"
صعوباتٍ في نشر الأحداث والدلائل المتعلِّقة بالتفجيرات التي حصلت في روسيا عام
1999، وكان فولوشن قد قابل قائد الدورية التي أتت وفكَّكت المتفجِّرة في مبنى
ريازان في 22 أيلول/ سبتمبر 1999 وإسمُهُ يوري تكاتشنكو، فيقول فولوشن: ""أخبرني
[تكاتشنكو] بأنه على يقين من خطر هذا الأمر، إذ رأى الحقائبَ وسلكاً خارجاً من هذه
الحقائب وصاعقاً، فكان على يقينٍ من أنه مَنَعَ وقوع الإنفجار، والشكر يعود للشخص الذي
اتصل بالشرطة، فقد أنقذ مئات الأرواح".
ديمتري موراتوف |
ثم يظهَر رئيس تحرير "نوفايا
جازيتا" ديمتري موراتوف قائلاً: "نحن نعتبر – وفقاً للقانون ووفقاً للملفات
السرية المتعلقة بالقضية – أنَّ الحقائق التي نشرتها جريدتُنا كان يجب أن تقود إلى
تحقيقٍ جنائي رسمي في واقعية هذه الأحداث، ولكن عوضاً عن ذلك رُفِعَتْ قضيةُ تشهيرٍ
ضد الجريدة!".
الـ"كي. جي. بي" منظمة إرهابية
فلاديمير بوكوفسكي |
في الفيلم يظهر أيضاً المنشق السوفياتي
الروسي فلاديمير بوكوفسكي ليدلي بشهادته، قائلاً: "إسمي فلاديمير بوكوفسكي، وُلدتُ في الإتحاد السوفياتي
وعارضتُ النظام، لذلك تمَّ التضييق عليَّ بكل السبل. مكثتُ 12 سنة بين مختلف
المعسكرات والسجون. في عام 1976 تمَّ استبدالي بمعتقل زعيم شيوعي تشيلي. ليتفيننكو
زارني مع عائلته وتعارَفنا، وأخبرني أنَّ حياتي كانت محل دراسة في أكاديمية
الـ"كي. جي. بي". لذلك تأكَّد أنني لستُ بالرجل ذي الوجهين، وعندي أيضاً
ما يجعلني أؤكد أنه ليس عميلاً مزدوجاً. لقد شاهدته عن قرب ورأيته شخصاً موثوقاً
به. لقد ذُهل عندما أريتُهُ ملفاتٍ نَسَخْتُها من أرشيف الحزب في عام 1992، والتي
تكشف ما فعلته منظَّمته (الـ"كي. جي. بي"). لقد صُعِقَ. ظلَّ يقرأها
لمدة 48 ساعة، حتى اتصل بي في الرابعة عصراً قائلاً: هل هذا يعني أن الـ"كي.
جي. بي" كان دائماً منظمة إرهابية؟ لقد كان مصدوماً، وظلَّ لفترةٍ طويلة هذا
هو حديثُهُ فقط. كان رجلاً منفتحاً، صادقاً، لا يُحسن التظاهر".
ثم
يضيف المنشق بوكوفسكي قوله: "قَلَّ مستوى القتل في ظل عمل اللجنة المركزية
(للحزب الشيوعي السوفياتي)، بسبب اشتراط الإذن في كل عملية قتل، وقد كان هذا شرطاً
عاماً. أما الآن فإنَّ القرارات تؤكَّد فوراً في مكاتب الـ"أف. سي. بي"،
ما يعني زيادة الإغتيالات، وهي الآن أكثر مما كانت عليه أيامي. حدث ذلك أيامي لكن
بنسبةٍ أقل، أما الآن فالقتل أسهل بكثيرٍ من مسار المحكمة وما إلى ذلك. لقد جرى
تهديد ليتفيننكو باستمرار، وأنا كنتُ حاضراً عندما جاءه اتصال من موسكو يقول له:
"أتعتقد أنك آمنٌ في لندن؟ تذكَّر تروتسكي!". لقد كان يسير في المدينة (لندن)
ومعه إبنُهُ، والشمسُ ساطعة، كان وقت الربيع، رنَّ هاتفُهُ وجاءه التهديد".
نشير إلى أنَّ هذا الفيلم أعيد إنتاجه
عام 2007 في الذكرى الإولى لإغتيال ليتفيننكو وحمل عنوان "في ذكرى ألكسندر
ليتفيننكو".
(نُشر هذا الموضوع في مجلة
"الشراع" اللبنانية بتاريخ 5 كانون الأول/ ديسمبر 2016 – العدد 1776).
الحديث التالي:
الحديث السابق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق