2017/02/09

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (4)/ بوتين أغنى رجل في العالم أم أغنى رجل في التاريخ؟!



في شباط/ فبراير 2015 فجَّر المستثمر الأميركي السابق في روسيا بيل برودر قنبلته المثيرة بأن أعلن عبر محطة الـ"سي. أن. أن." الأميركية أنَّ ثروة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقدَّر بـ200 مليار دولار (مائتي مليار) موزَّعة على عقارات وأسهم وحسابات مصرفية في سويسرا جَمَعَها خلال فترة حكمه.. وأوضح برودر بالقول: "خلال السنوات الثمان أو العشر من وصول بوتين إلى الحكم فإنَّ الأمر كان يقتصر بالنسبة إليه على سرقة أكبر قدرٍ ممكن من الأموال، وبعد 14 عاماً على حكم بوتين لروسيا فإنَّ حجم الأموال التي أنتجتها الدولة الروسية لم تُنْفَق على المدارس والشوارع والمستشفيات وغيرها، بل إنَّ كل هذه الأموال الآن هي في العقارات والأسهم والحسابات المصرفية السويسرية وغيرها من الأمور التي تُدار له"...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)




الطامع في ثروة سورية النفطية (4)

بوتين أغنى رجل في العالم
أم أغنى رجل في التاريخ؟!





حسين احمد صبرا
في شباط/ فبراير 2015 فجَّر المستثمر الأميركي السابق في روسيا بيل برودر قنبلته المثيرة بأن أعلن عبر محطة الـ"سي. أن. أن" الأميركية أنَّ ثروة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقدَّر بـ200 مليار دولار (مائتي مليار) موزَّعة على عقارات وأسهم وحسابات مصرفية في سويسرا جَمَعَها خلال فترة حكمه..
بيل برودر
وأوضح برودر بالقول: "خلال السنوات الثمان أو العشر من وصول بوتين إلى الحكم فإنَّ الأمر كان يقتصر بالنسبة إليه على سرقة أكبر قدرٍ ممكن من الأموال، وبعد 14 عاماً على حكم بوتين لروسيا فإنَّ حجم الأموال التي أنتجتها الدولة الروسية لم تُنْفَق على المدارس والشوارع والمستشفيات وغيرها، بل إنَّ كل هذه الأموال الآن هي في العقارات والأسهم والحسابات المصرفية السويسرية وغيرها من الأمور التي تُدار له". وأضاف أنَّ بوتين، الذي تعاني بلاده حالياً من الأزمات الإقتصادية بسبب تراجع أسعار النفط عالمياً والعقوبات الإقتصادية الأوروبية، تتجاوز ثروته الشخصية ثروة رئيس شركة "ميكروسوفت" بيل جيتس، الذي تقدَّر ثروته بـ79 مليار دولار.
بدايةً مَنْ هو بيل برودر (أو ويليام برودر)، وما هي شركته الإستثمارية السابقة في روسيا "الهرميتاج"؟ لماذا كان برودر مؤيداً لبوتين مطلع الألفية الثالثة ولماذا نقم عليه بوتين ومنعه من دخول روسيا منذ العام 2005؟

بيل برودر.. والهرميتاج

إنه رجل أعمال أميركي من أصلٍ بريطاني، يبلغ من العمر 51 عاماً (من مواليد 1964)، وهو حفيد إيرل برودر، الذي توجَّه من كنساس عام 1927 إلى روسيا وتزوَّج بامرأة روسية ثم عاد إلى الولايات المتحدة وترأس الحزب الشيوعي الأميركي.. يُسأل بيل برودر في مقابلة صحافية معه أن كيف تمرَّد على عائلته الشيوعية، فيجيب ساخراً: "لقد تمرَّدتُ بالخروج ببدلة وربطة عنق وبتحوُّلي إلى رجل أعمال".

بيل برودر في موسكو
إذاً، جدَّة بيل برودر روسية، وهو ينحدر من عائلة أميركية شيوعية، وهذا ما دفعه إلى التوجه إلى روسيا منذ العام 1996 (وحتى طرده منها في العام 2005)، حيث أسس برودر شركة "الهرميتاج"، وقد عاونه على تأسيسها المصرفي الأميركي الشهير الراحل إدمون صفرا (اليهودي من أصل سوري) بأن تلقى منه 25 مليون دولار، وكان من مهام "الهرميتاج" الأساسية فضح الفساد في الشركات الروسية التي يتم حَجْزُها، أملاً في تحسين السلوك الإداري والتقليل من انخفاض أسعار الأسهم الناتج عن الفساد.
منذ العام 1996 وحتى العام 2005 (تاريخ طرده من روسيا) كان بيل برودر أكبر مستثمر أجنبي في روسيا على الإطلاق.. ومنذ أن وصل فلاديمير بوتين إلى السلطة كرئيسٍ للوزراء عام 1999 ثم كرئيسٍ للجمهورية بين عامي 2000 و2004 (ثم من 2004 وحتى 2008) كان برودر من مؤيدي بوتين وكانت العلاقة بينهما جيدة جداً، حيث أنَّ برودر كان في البداية يدعم بوتين كرئيسٍ وضع على عاتقه للوهلة الأولى محاربة الفساد.. وكان من إنجازات شركة برودر – "الهرميتاج" – في بدايات عهد بوتين أن قامت بين عامي 1998 و2000 بالمساعدة في فضح الفساد في أكبر شركة روسية هي "غازبروم" العاملة في مجالي الغاز والنفط (راجع عن غازبروم في حديثنا السابق)... وفي تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2000 أعدَّت الهرميتاج تقريراً ذكرت فيه التالي: "إنَّ المستثمرين باتوا يقيِّمون هذه الشركة (غازبروم) كما لو أنَّ 99% من أسهمها قد سُرقت. أما الصورة الحقيقية للأرقام فهي أنَّ حوالى 10% من الأسهم ما تزال بحالة جيدة".

بوتين ينتقم من برودر

بيل برودر
ظلت العلاقة جيدة بين بوتين وبرودر، إلى أن اشترى الأخير أسهماً في شركة "غازبروم" الروسية بقيمة 70 مليون دولار، حيث كان مسموحاً آنذاك للأجانب امتلاك 9% من أسهمها كحدٍ أقصى.. وبرودر، كمستثمر أجنبي جاء إلى روسيا للمساعدة في محاربة الفساد في البلاد، سعى من خلال امتلاك أسهمٍ في شركة "غازبروم" إلى امتلاك نفوذٍ فيها وبالتالي الوصول إلى تقاريرها المالية من أجل التأثير على إدارة "غازبروم" من أجل "فضح عملية تزوير ضخمة تجري في الشركة" (كما اعترف لاحقاً)، بالإضافة إلى ما كان يجري من إعطاء مزايا ضريبية للمستثمرين الأجانب الآخرين في الشركة، وهو الأمر الذي يُعَدُّ غير قانوني.
إنَّ بوتين، الذي لم يشأ كشف أي عملية فساد داخل "غازبروم"، سارع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 إلى وضع إسم برودر على القائمة السوداء ومنعه من دخول الأراضي الروسية، معتبراً إياه "مصدر تهديد للأمن القومي"، ومَنَعَ استثمار الأجانب في "غازبروم"، ويومها علَّقت صحيفة "الإيكونوميست" اللندنية قائلةً إنَّ الكرملين وضع برودر على القائمة السوداء لأنه يتدخَّل في تدفُّق الأموال لـ"البيروقراطيين الفاسدين ورجال الأعمال المتواطئين معهم".
لم يكتف بوتين بذلك، وإنما راح يطارد شركة برودر (الهرميتاج) على مدى السنوات الأربع اللاحقة وفق الحصيلة التالية:
أولاً، اتهام شركة الهرميتاج بالتهرب من الضرائب المتوجبة عليها لعام 2006 بمبلغٍ مبالغ فيه وقدره 1,6 مليار دولار.
ثانياً، شن غارة من قبل ضباط الشرطة الروسية على مكاتب شركة الهرميتاج في حزيران/ يونيو 2007، صادروا خلالها وثائق وأجهزة كمبيوتر.. وعندما احتج أحد الموظفين على عدم قانونية ما يفعلونه انهالوا عليه بالضرب المبرح الأمر الذي استدعى نقله إلى المستشفى والمكوث فيها لمدة اسبوعين.
ثالثاً، ومن خلال وثائق شركة الهرميتاج المسروقة من قبل الشرطة، تمَّ الإستيلاء بالتزوير على أصول ثلاث شركات تابعة لها.
الشهيد سيرجي ماجنيتسكي
رابعاً، في عام 2008 تمكَّن أحد محامي شركة الهرميتاج ويدعى سيرجي ماغنيتسكي من الإثبات بالوثائق أنَّ الضرائب التي كانت متوجبة على الهرميتاج عام 2006 تبلغ 230 مليون دولار، وأنَّ الهرميتاج قد دفعتها بالفعل، إلا أنَّ هذا المبلغ قد اختفى من الميزانية الروسية بعد أن تمت سرقته، وقدَّم ماغنيتسكي شهادته في المحكمة في تشرين الأول/ أكتوبر 2008 ضد المسؤولين المعنيين (في هذا الصدد قال برودر لاحقاً: "إنك لا تستطيع سرقة 230 مليون دولار من الميزانية الروسية دون أن يكون كبار المسؤولين متورطين غاية التورط").
ضريح الشهيد سيرجي ماجنيتسكي في موسكو
خامساً، أنَّ محامي الشركة سيرجي ماغنيتسكي المشار إليه قبل قليل ما لبث أن تم إلقاء القبض عليه بعد شهرٍ واحد من شهادته في المحكمة، أي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، عقاباً له على كشفه بالوثائق سرقة مبلغ الـ230 مليون دولار من الميزانية الروسية، وهو المبلغ الذي كما ذكرنا قد دفعته "الهرميتاج" للحكومة الروسية كضرائب عن عام 2006.. وقد تمَّ إيداع ماغنيتسكي في السجن دون محاكمة حيث تعرَّض للتعذيب لمدة 11 شهراً.. وفي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009 تمَّ اقتياد ماغنيتسكي إلى غرفة الحبس الإنفرادي مكبَّل اليدين، وتعرَّض للضرب حتى الموت على يد ثمانية من حرس مكافحة الشغب.. ومن دواعي السخرية أنَّ ماغنيتسكي تمَّ استدعاؤه في المحكمة الروسية للإدلاء بشهادته عام 2013، أي بعد مقتله بأربعة أعوام!! (في تقريرٍ صحافي قرأناه في موقع إذاعة "بي بي سي" في 6/ 3/ 2012 ورد أنَّ موظفة الضرائب أولجا ستيبانوفا، التي كُلِّفَت بتحصيل الضريبة المزعومة من شركة "الهرميتاج"، ظهر عليها لاحقاً علامات الثراء الفاحش فجأةً، حيث بات بعلها يملك فيلا فخمة في الجبل الأسود في بريطانيا وأخرى في دبي، كما أنَّ حماتها شيَّدت حديثاً منزلاً في الريف خارج موسكو تقدَّر قيمته بـ20 مليون دولار.. أما هي فتقول إنَّ الأموال جاءت من أعمال بعلها، رغم أنَّ الإقرارات الضريبية تُظهر أنَّ دخله لا يتجاوز 38 ألف دولار سنوياً).
سادساً، ورداً على قيام الولايات المتحدة بسن قانون حمل اسم "قانون ماغنيتسكي"، الذي مَنَعَت بموجبه المسؤولين الروس المتورطين في جريمة قتل المحامي ماغنيتسكي من دخول الأراضي الأميركية، فإنَّ بوتين قام بمحاكمة كلٍّ من بيل برودر وسيرجي ماغنيتسكي بتهمة التهرب من الضرائب، وقد صدر الحكم غيابياً في 11 تموز/ يوليو 2013 بسجن برودر 9 سنوات من قبل محكمة جنائية محلية في موسكو.


الإشعار الأحمر

منذ ذلك الحين كرَّس بيل برودر حياته من أجل الإنتصار للعدالة بإسم سيرجي ماغنتيسكي، وكَشْف البناء المستور الذي يقود مباشرةً إلى بوتين، ففي شباط/ فبراير 2015 أصدر بيل برودر كتاباً بعنوان: "الإشعار الأحمر: القصة الحقيقية للتمويل العالي، وجريمة قتل، ورجل دافع عن الحقيقة"، ويدور الكتاب حول الحياة السياسية المثيرة للمستثمر الأميركي بيل برودر في روسيا، وجريمة قتل محاميه الشاب (محامي الضرائب سيرجي ماغنيتسكي)، ومهمة برودر الخطيرة لفضح فساد الكرملين.

كما أنَّ تلفزيون شركة الهرميتاج نشر فيديو  أثبت فيه بالوثائق أنَّ الشركة دفعت الضرائب المتوجبة عليها، وبثَّ لقطات من الضرب المبرح الذي قام به رجال الشرطة وطال بعض موظفي الشركة، ولقطاتٍ وهم يصادرون وثائق وأجهزة الكمبيوتر، وقد التقط هذه اللقطات سراً أحد موظفي الهرميتاج من هاتفه المحمول (الفيديو موجود على اليوتيوب بعنوانٍ بالإنكليزية هذا تعريبه: "هرميتاج تكشف احتيال الشرطة الروسية").

بوتين الأغنى في العالم أم في التاريخ؟!

في أعقاب تصريحات المحلل السياسي الروسي المستقل ستانيسلاف بلكوفسكي عام 2007 عن أنَّ ثروة بوتين تبلغ 40 مليار دولار، فإنَّ الصحافة الغربية راحت تطلق على بوتين لقب أغنى رجل في أوروبا، ويومها سأَلَتْ وكالة الأسوشيتد برس الرئيس بوتين إن كان ذلك صحيحاً فأجاب: "أنا لست من أثرى أثرياء أوروبا فقط، أنا أثرى رجل في العالم، أَجْمَعُ عواطفَ الناس وأصوات الناخبين، أنا ثري لأن الشعب الروسي وثق بي قائداً لدولة عظيمة مثل روسيا".
ستانسلاف بلكوفسكي

ثم عندما عاد المحلل بلكوفسكي (المدعوم من مسؤولين كبار في جهاز الإستخبارات الروسية "أف. سي. بي"/ الـ"كي. جي. بي" سابقاً) وصرَّح عام 2012 بأنَّ ثروة بوتين ارتفعت إلى 70 مليار دولار، فإنَّ الصحافة الغربية راحت تطلق على بوتين لقب أغنى رجل في العالم.
برودر
والآن، وبعد تصريحات بيل برودر في شباط/ فبراير 2015 حول أنَّ ثروة بوتين تبلغ 200 مليار دولار، فإنَّ الصحافة الغربية أصبحت تطلق على بوتين الآن لقب أغنى رجل في التاريخ.


(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 2016، العدد رقم 1731).

الحديث التالي:
الحديث السابق:









 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق