2017/02/20

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (18)/ بوتين يكره ليتفيننكو لأنه حارب الفساد وكشف تورط الإستخبارات الروسية بعمليات الإرهاب.



نكاد نقول إنَّ بوتين لم يكره إنساناً في حياته كما كَرِهَ ألكسندر ليتفيننكو، زميله في جهاز الإستخبارات السوفياتية الـ"كي. جي. بي" سابقاً والروسية الـ"أف. سي. بي" حالياًـ.. فما الذي فعله ليتفيننكو ليكرهه بوتين إلى هذه الدرجة ويضع حداً لحياته عام 2006، وهي القضية التي عادت إلى التفاعل اليوم في بريطانيا بعد مرور 10 سنوات على اغتيال ليتفيننكو في لندن بواسطة مادة البولونيوم 210 المشعَّة عن طريق اثنين من عملاء الـ"أف. سي. بي"؟


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)




الطامع في ثروة سورية النفطية (18)

بوتين يكره ليتفيننكو لأنه حارب الفساد
وكشف تورط الإستخبارات الروسية بعمليات الإرهاب






حسين احمد صبرا
نكاد نقول إنَّ بوتين لم يكره إنساناً في حياته كما كَرِهَ ألكسندر ليتفيننكو، زميله في جهاز الإستخبارات السوفياتية الـ"كي. جي. بي" سابقاً والروسية الـ"أف. سي. بي" حالياًـ.. فما الذي فعله ليتفيننكو ليكرهه بوتين إلى هذه الدرجة ويضع حداً لحياته عام 2006، وهي القضية التي عادت إلى التفاعل اليوم في بريطانيا بعد مرور 10 سنوات على اغتيال ليتفيننكو في لندن بواسطة مادة البولونيوم 210 المشعَّة عن طريق اثنين من عملاء الـ"أف. سي. بي"؟

ليتفيننكو.. ضابط الإستخبارات

ألكسندر ليتفيننكو

وُلد ألكسندر ليتفيننكو في 4/ 12/ 1962 في مدينة فورونيج الروسية، والتحق عام 1980 بوحدة عسكرية تابعة لوزارة الداخلية الروسية، ثم انضمَّ إلى جهاز الإستخبارات السوفياتية الـ"كي. جي. بي" عام 1988، وترقَّى إلى ضابط برتبة مقدَّم عام 1990 عندما تحوَّل جهاز الـ"كي. جي. بي" إلى جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" (الـ"كي. جي. بي" سابقاً)، حيث عمل في قسم الخدمة السرية المتخصصة في معالجة الجريمة المنظَّمة..


ليتفيننكو من اليمين مدافعاً عن وطنه عام 1980
   ومع الفوضى التي عمَّت روسيا آنذاك عمل ألكسندر ليتفيننكو منذ العام 1994عملاً إضافياً إلى جانب عمله في الـ"أف. سي. بي" (الـ"كي. جي. بي" سابقاً)، وذلك في مجال القطاع الخاص حيث أصبح واحداً من الضباط الذين عملوا مع الملياردير الروسي اليهودي بوريس بيريزوفسكي (الذي كان من الأقلية الحاكمة آنذاك والمحيطة بالرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين) وذلك في إطار حماية أمنه الشخصي.. ورغم أنَّ هذا الأمر غير قانوني إلا أنه في تلك الفترة تمَّ التغاضي عن مثل هذه الأمور وخاصةً أنَّ ضباط الإستخبارات لم يكونوا يتقاضون رواتبهم.
مارينا، أرملة ليتفيننكو
تروي أرملة ليتفيننكو (مارينا) أنه بينما كان بعلها يعمل في جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" (الـ"كي. جي. بي" سابقاً) اكتشف صلاتٍ عديدة بين أعضاءٍ كبار من جهاز الإستخبارات وجماعات المافيا الروسية، مثل عصابة "سولنتسيفو"، فاستطاع ليتفيننكو عبر وساطة من الملياردير بيريزوفسكي أن يلتقي بمدير جهاز الإستخبارات الروسية آنذاك ميخائيل بارسوكوف ونائب المدير للشؤون الداخلية فياتشيسلاف أوفتشينكوف لمناقشة مشاكل الفساد، ولكن دون أي نتيجة.. وهذا ما أدى بليتفيننكو إلى الإستنتاج بأنَّ النظام بأكمله فاسد.  
الملياردير بوريس بيريزوفسكي
في كانون الأول/ ديسمبر 1997 بدأ مشوار المشاكل والمتاعب التي راحت تواجه ليتفيننكو فعلياً، إذ قام رؤساؤه في جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" (وكان مدير الجهاز آنذاك نيكولاي كوفاليوف) بأَمْرِهِ هو والضباط الآخرين العاملين معه في فريق الأمن الشخصي لبيريزوفسكي بأن يغتالوا الأخير! بيد أنَّ ليتفيننكو ورفاقه رفضوا ذلك..
   وصودف أنه في العام التالي، وتحديداً في 25 تموز/ يوليو 1998، أن تمَّ استبدال كوفاليوف  ليحل محلَّه فلاديمير بوتين مديراً لجهاز الـ"أف. سي. بي" (الـ"كي. جي. بي" سابقاً).. في هذا اليوم بالتحديد قام الملياردير بيريزوفسكي بتقديم ليتفيننكو إلى بوتين، وقد تمَّ الأمر بسهولة خاصةً أنَّ بيريزوفسكي كان يُشيع بأنه هو الذي ساعد بوتين على أن يكون مديراً للإستخبارات الروسية.. المهم أنه في هذا اللقاء الوحيد مع بوتين تحدَّث ليتفيننكو إليه عن الفساد في جهاز الـ"أف. سي. بي"، بيد أنَّ بوتين لم يكترث بما يقوله ليتفيننكو، ولا اكترث بمحاولات هذا الجهاز الضغط عليه وعلى رفاقه لاغتيال بيريزوفسكي! (ملاحظة: عُثر على بيريزوفسكي ميتاً في مكتبه في آذار/ مارس 2013 في بلدة أسكوت البريطانية والتي تبعد حوالى 40 كلم عن لندن).
ليتفيننكو في مؤتمره الصحافي عام 1998
استمرَّت الضغوط على ليتفيننكو ورفاقه من قبل جهاز الإستخبارات الروسية، الذي بات بوتين يرأسه الآن، من أجل اغتيال الملياردير بيريزوفسكي، فما كان من الأخير إلا أن كتب في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر  1998 رسالةً مفتوحة اتَّهم فيها عدداً من ضباط الإستخبارات الروسية بأنهم أمروا باغتياله.. حينها، وبعد 4 أيام فقط (أي في 17/ 11/ 1998)، ظَهَرَ ليتفيننكو و4 ضباط آخرون في الإستخبارات الروسية في مؤتمرٍ صحافي نقلته وكالة الأنباء الروسية "انترفاكس" وكرَّروا ما قاله بيريزوفسكي، كما ذكروا أنهم أُمروا أيضاً بقتل ضابط الإستخبارات الروسية ميخائيل تريباشكين (الذي كان حاضراً في المؤتمر الصحافي) وكذلك خَطْف شقيق رجل الأعمال عمر دزابرايلوف..
   بعد عقد مؤتمره الصحافي فُصل ليتفيننكو من جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي"، وقد اعترف بوتين في مقابلةٍ صحافية بأنه أمر شخصياً بإقالة ليتفيننكو، قائلاً: "أنا فَصَلتُ ليتفيننكو وحلَّيتُ الفرقة التي يعمل بها، لأنَّ ضباط الـ"أف. سي. بي" لا يجب عليهم تنظيم مؤتمراتٍ صحافية، إنها ليست مهنتهم، ولا ينبغي لهم القيام بفضائح داخلية أمام الرأي العام". (لاحقاً سُجن ميخائيل تريباشكين عام 2004 بتهمة إفشاء أسرار الدولة وحُكم عليه بالسجن لمدة 4 سنوات وأفرج عنه أواخر 2007).
ليتفيننكو
بيد أنَّ ليتفيننكو لم يلبث بعد فصله أن أُلقي القبض عليه أواخر عام 1998 بتهمة استغلال منصبه، وذلك بعد كشفه مؤامرة اغتيال بيريزوفسكي، وأمضى في الإعتقال 9 أشهر في مركز الحبس الإحتياطي قبل تبرئته لاحقاً وإطلاق سراحه بعد أن وقَّع وثيقةً تمنعه من مغادرة موسكو.. ويعتقد ليتفيننكو أنَّ بوتين كان وراء اعتقاله، قائلاً: "كان بوتين يملك القرار بأن يُحيل ملفي إلى النيابة العامة من عدمه. لقد كان يكرهني دائماً. وكان من وراء هذا الأمر مكافأة له: فهو بِرَمْيي للذئاب نأى بنفسه عن بيريزوفسكي في عيون جنرالات الـ"أف. سي. بي"..

اللجوء إلى بريطانيا

ليتفيننكو مع زوجه مارينا وإبنهما أناتولي في لندن عام 2000
ظلَّ ليتفيننكو قيد الإقامة الجبرية في موسكو بضعة أشهر، إلى أن تمكَّن من الفرار مع عائلته خارج الأراضي الروسية في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2000 متوجِّهاً إلى تركيا (ربما عبر الأراضي الأوكرانية) حيث طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة، إلا أنَّ طلبه رُفض في السفارة الأميركية في أنقرة.. وكشف ليتفيننكو لاحقاً أنه عندما قرَّر الفرار من روسيا كان ينوي التوجه إلى إيطاليا، إلا أنَّ نائب مدير الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" أناتولي تروفيموف حذَّره بالقول: "لا تذهب إلى إيطاليا، فهناك العديد من عملاء الإستخبارات الروسية بين السياسيين. إنَّ رومانو برودي (رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق وزعيم يسار الوسط الإيطالي) هو رَجُلُنا هناك".     
ليتفيننكو على متن الطائرة
بعد فشله في السفر إلى الولايات المتحدة لم يكن من ليتفيننكو إلا أن سافر في رحلة عبر بريطانيا حيث طلب اللجوء في مطار هيثرو في لندن في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2000، وقد قُبِلَ طلبه في 14 أيار/ مايو عام 2001 لأسبابٍ إنسانية..


الموقع الإلكتروني لـ"تشتشن برس"



في لندن عمل ليتفيننكو صحافياً في وكالة "شيشان برس" (تشتشن برس) الناطقة بإسم الثوار الشيشان،


ليتفيننكو مع بوريس بيريزوفسكي في لندن
وانضمَّ إلى بيريزوفسكي في حملته ضد بوتين، كما عمل مع جهاز الإستخبارات البريطانية "أم. آي. 6" في عام 2003 كمستشار ومساعد للأجهزة الأمنية البريطانية لمكافحة الجريمة الروسية المنظَّمة في أوروبا.. ولم يُمنح ليتفيننكو الجنسية البريطانية ويُصبح مواطناً بريطانياً إلا في تشرين الأول/ أكتوبر 2006، أي قبل أسابيع من سمِّه.. مع الإشارة إلى أنَّ ليتفيننكو أُدين في عام 2002 في روسيا بتهمة الفساد وحُكم عليه غيابياً بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة..

ليتفيننكو يكشف فساد بوتين وإجرامه

غلاف كتاب ليتفيننكو
"عصابة من لوبيانكا" (بالنسخة الروسية)

   في بريطانيا عمل ليتفيننكو على كتابة المقالات والإدلاء بأحاديث صحافية وتأليف الكتب، كاشفاً فيها فساد بوتين والجماعة المحيطة به، وقد أصدر اثنين من أشهر كتبه: "عصابة من لوبيانكا" عام 2002، و"تفجير روسيا: الإرهاب من الداخل" في العام نفسه.. وقد كشف في كتابه الأول (عصابة من لوبيانكا) عن أنَّ بوتين عندما كان نائب رئيس بلدية بطرسبورج (لينينغراد) عام 1990 كانت له صلاتٌ مباشرة بمؤسسة إجرامية سيئة السمعة والمعروفة بإسم "تامبوف – ماليشيف"..

   
عبد الرشيد دوستم
وذكر ليتفيننكو أنَّ بوتين تورَّط مع جنرال فاسد في الجيش الروسي عندما كان بوتين نائباً للشؤون الإقتصادية لعمدة بطرسبورج (لينينغراد) عام 1990، حين كان ليتفيننكو يقوم بالتحقيق في الصلات بين الجنرال وكبار تجار المخدرات الأوزبكيين وتأكَّد من أنَّ بوتين حاول المماطلة في التحقيق لإنقاذ سمعته، كما أضاف أنَّ بوتين متورط شخصياً في حماية وتهريب المخدرات من أفغانستان والتي كان ينظِّمها الزعيم الأفغاني عبد الرشيد دوستم.
غلاف كتاب ليتفيننكو "تفجير روسيا من الداخل"
بالنسختين الروسية والإنجليزية
   كما كشف في كتابه الثاني (تفجير روسيا: الإرهاب من الداخل) عن أنَّ الإستخبارات الروسية قامت بعمليات تفجير في روسيا لتحريض الشعب الروسي على الحرب ضد الأقليات المسلمة عبر إلصاق التُهَم بالثوار الشيشان، كما كشف العديد من فضائح النظام الروسي وخاصةً سياسته تجاه مسلمي روسيا وسيبيريا والشيشان وشرق أوروبا ومعظم جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق، وقال في كتابه هذا أنَّ روسيا وجهاز الإستخبارات الفدرالي الـ"أف. سي. بي" ورئيسه آنذاك فلاديمير بوتين كانوا وراء سلسلة الإنفجارات التي هزَّت روسيا خلال حرب الشيشان الثانية والتي لحقت بالشقق السكنية في موسكو في أيلول/ سبتمبر عام 1999 وقُتل فيها أكثر من 300 شخص ، وأعطى ذلك لروسيا تبريراً لعملياتها العسكرية ضد الشيشانيين واستقطاب عداء الروس والعالم حيال الشيشان، حيث اتَّهم المسؤولون الروس الثوارَ الشيشان بذلك، وكانت السبب في الحرب الروسية في داغستان والحرب الروسية الثانية في الشيشان.
لحظة إطلاق النار على البرلمان الأرمني (1999)

ليتفيننكو اتَّهم مديرية الإستخبارات للأركان العامة في القوات المسلحة الروسية بتنظيم عملية إطلاق النار على البرلمان الأرمني عام 1999، ما أدى إلى مقتل رئيس وزراء أرمينيا فازجين سركسيان وسبعة من النواب، وكان الهدف عرقلة عملية السلام بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ..


إنقاذ الرهائن من مسرح موسكو (2002)
كما اتَّهم أيضاً إثنين من الشيشان من عملاء الـ"أف. سي. بي" في المشاركة عام 2002 في حصار مسرح موسكو واحتجاز رهائن، حيث كان هذان الشيشانيان يعملان لحساب الإستخبارات الروسية، وأُلقي القبض على هذين العميلين ثم أُطلق سراحهما لاحقاً!..


رهائن مدرسة بيسلان (2004)

   وفي أيلول/ سبتمبر 2004 وبعدما هاجمت مجموعة من الشيشانيين مدرسة "بيسلان" جنوب غرب روسيا بالقرب من داغستان واحتجزوا 1100 رهينة من الطلاب بينهم 777 طفلاً وانتهت العملية بمقتل 385 شخصاً، قام ليتفيننكو باتِّهام جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" بتدبير العملية وخاصةً أنَّ المهاجمين كانوا في السجون الروسية ثم أُطلق سراحهم، وقال إنَّ من غير الممكن أن تطلقهم الإستخبارات الروسية إلا إذا كانوا يعملون لحسابها..
   وفي تموز/ يوليو 2005 قال ليتفيننكو في مقابلة مع صحيفة "فاكت" البولندية إنَّ القيادي البارز في تنظيم القاعدة آنذاك أيمن الظواهري تمَّ تدريبه لمدة نصف عامٍ في داغستان عام 1997 على يد الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" وسمَّاه بالعميل القديم لهذه الإستخبارات، وقد شارك ليتفيننكو نفسه في عملية تجنيده (سنلقي الضوء على موضوع عمالة الظواهري للإستخبارات الروسية في حديثٍ مستقل).
في الأعلى: زاخار كالاشوف
في الأسفل: تاريل أونياني


   وقبل وفاته مسموماً بوقتٍ قصير حذَّر ليتفيننكو السلطات الإسبانية من العديد من زعماء الجريمة المنظَّمة الذين هم على صلة بأسبانيا، وخلال اجتماعٍ في أيار/ مايو 2006 زوَّد مسؤولي الأمن بمعلوماتٍ عن مواقع وأدوار وأنشطة عددٍ من زعماء المافيا الروسية الذين لهم علاقات مع أسبانيا، بمن فيهم زاخار كالاشوف وإسماعيلوف وتاريل أونياني.




(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 27 حزيران/ يونيو 2016، العدد رقم 1755).

الحديث التالي:
الحديث السابق:











 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق