2017/02/17

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (16)/ الوسيط النفطي بين داعش والأسد متَّهَم باغتيال الصحافية المعارضة لاريسا يودينا.



لم يكن في قلميقيا أصواتٌ معارضة لكيرسان إيليومجينوف ولا أقلامٌ تفضح فساده، اللهم إلا صوتٌ واحد وقلمٌ واحد هو صوت وقلم الصحافية القلميقية لاريسا يودينا، رئيسة تحرير صحيفة "كمسمولسكايا قلميقيا اليوم"، الصادرة في العاصمة القلميقية أليستا.. فمن هي هذه الصحافية الحرة الشجاعة، والتي قُتلت في عام 1998 واتُهم إيليومجينوف بالوقوف وراء اغتيالها؟

إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)




الطامع في ثروة سورية النفطية (16)

الوسيط النفطي بين داعش والأسد
متَّهَم باغتيال الصحافية المعارضة لاريسا يودينا

كيرسان إيليومجينوف مع بوتين




حسين احمد صبرا
إنَّ كيرسان إيليومجينوف، السياسي ورجل الأعمال الروسي الذي صدرت ضده عقوباتٌ أميركية في 25/ 11/ 2015 لقيامه بشراء النفط من داعش لبشار الأسد، هو واحدٌ من أكبر رموز الفساد في روسيا وصديقٌ حميم لبوتين وعميلٌ مخلص لجهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" (الكي. جي. بي. سابقاً)، وقد سيطر على الإتحاد العالمي للشطرنج "الفيد" وترأسه لمدة 20 عاماً متواصلة من عام 1995 وحتى تاريخ صدور العقوبات الأميركية ضده عام 2015، حتى أنه يُقال أنْ لولا إيليومجينوف، صاحب الثروة التي تبلغ مئات الملايين من الدولارات، لكان اتحاد "الفيد" قد أفلس منذ زمنٍ طويل.. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: من أين لكيرسان إيليومجينوف (مواليد 1962) كل هذه الثروة الضخمة، حتى أنه عندما كان في الثلاثينيات من عمره (أي في تسعينيات القرن العشرين) كان يمتلك 7 سيارات من طراز "رولز ريس"، كما ذكرت الصحافية القلميقية الروسية الشهيدة لاريسا يودينا، موضوع حديثنا الآن؟
   ليس لدينا أدنى شك في أنَّ إيليومجينوف قد جمع ثروته من خلال رئاسته لجمهورية قلميقيا الروسية ذات الحكم الذاتي لمدة 17 سنة متواصلة (1993 – 2010)، وهي الجمهورية الفقيرة بمواردها والجمهورية الروسية الوحيدة التي يعتنق سكانها الديانة البوذية، وذلك بعدما سيطر سيطرةً كاملة ومطلقة على جميع الأعمال التجارية في جمهوريته.. كما تمكَّن إيليومجينوف، بمساعدة مرسومٍ أصدره الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، من فصل جميع موارد الشركة النفطية الروسية العملاقة "سيبنفط" (فرع قلميقيا) ليؤسس شركته النفطية الخاصة به في قلميقيا والتي حملت إسم "قلمنفط"، وقد سئل إيليومجينوف حينها أن كيف استطاع أن يشتري الحصة المسيطرة في شركة "قلمنفط" مقابل لا شيء تقريباً، وأن كيف انتهى الأمر إلى أن يصبح شقيقُهُ ممتلكاً لهذه الشركة، إلا أنَّ إيليومجينوف لم يأتٍ بردٍّ مقنع.  
   اللافت في الأمر أنَّ إيليمجينوف يتمتَّع بشعبية كبيرة في جمهورية قلميقيا، حتى أنه حصل في الإنتخابات الرئاسية لعام 2001 على 85% من الأصوات.. وقد قرأنا في مقالٍ للصحافية الروسية إينيسَّا سلافوتينسكايا (2 تموز/ يوليو 2001) بعنوان: "القصة الطويلة لكيرسان – لماذا لا يستطيع الكرملين فعل أي شيء مع رئيس قلميقيا إيليومجينوف"، أنَّ أحد مصادر الكرملين قال لها: "إنَّ العالم السفلي الإجرامي في جمهورية قلميقيا هادىء إلى حدٍّ ما، وليس هناك تناحر سياسي داخلي، ذلك أنَّ الصراع داخل النخبة عادةً ما يؤدي ببعض الناس إلى أن يكونوا على استعدادٍ للإبلاغ عن فساد الآخرين، أما في حالة قلميقيا فلا يوجد صراع، وإنهم جميعاً متَّحدون، وإلى جانب ذلك يلعب كيرسان إيليومجينوف على إشعار الناس يهويتهم العرقية (المغولية والصينية)، مذكِّراً إياهم باستمرار بعصر الترحيل الستاليني حينما رحَّلهم جميعاً إلى سيبيريا (تماماً كما فعل مع الشيشان)، وأنَّ الشعب القلميقي لم يغفر لموسكو هذا الترحيل إلى الآن".
   على أنَّ التفاف القلميقيين حول إيليومجينوف لا يعني البتة أنه سعى إلى ازدهار جمهوريتهم، بل على العكس من ذلك، حيث سعى إلى خدمة مصالحه الشخصية فحسب، والأمثلة كثيرة كما سنرى، ومنها على سبيل المثال أنَّ نادي كرة القدم القلميقي المفضَّل لدى إيليومجينوف، وهو نادي "أورلان أليستا"، تلقَّى من تمويل الجمهورية 70,2 مليون روبل (2,5 مليون دولار) عام 2001، في حين أنَّ هذا المبلغ يعادل مرة ونصف المرة ما أُنفق في قلميقيا على التعليم خلال أكثر من عامين، بما في ذلك مدفوعات رعاية الأطفال.. 
   إذاً، لم يكن في قلميقيا أصواتٌ معارضة لكيرسان إيليومجينوف ولا أقلامٌ تفضح فساده، اللهم إلا صوتٌ واحد وقلمٌ واحد هو صوت وقلم الصحافية القلميقية لاريسا يودينا، رئيسة تحرير صحيفة "كمسمولسكايا قلميقيا اليوم"، الصادرة في العاصمة القلميقية أليستا.. فمن هي هذه الصحافية الحرة الشجاعة، والتي قُتلت في عام 1998 واتُهم إيليومجينوف بالوقوف وراء اغتيالها؟

لاريسا يودينا تفضح فساد إيليومجينوف

لاريسا يودينا
من خلال ملامح وجهها لا نعتقد أنَّ لاريسا يودينا (مواليد 1945) من أصولٍ مغولية أو صينية، والأرجح برأينا أنها روسية الأصل، وُلدت وعاشت في جمهورية قلميقيا زمن الإتحاد السوفياتي، وقد درست الصحافة في جامعة موسكو الحكومية ومن ثم عملت كصحافية في صحيفة "كمسمولسكايا قلميقيا اليوم" إلى أن انتخبها زملاؤها رئيسةً للتحرير عام 1991 بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، وظلَّت في هذا المنصب إلى حين اغتيالها عام 1998، مع الإشارة إلى أنَّ صحيفة "كمسمولسكايا قلميقيا" كانت الصحيفة الوحيدة المعارضة للسلطات المحلية في جمهورية قلميقيا، وهي الصحيفة القلميقية الوحيدة التي لم يسيطر عليها إيليومجينوف أو يدعمها.. هذا بالإضافة إلى انتساب لاريسا يودينا إلى حزبٍ ليبرالي معارض هو حزب "يابلوكو" (التفاحة) وقد احتلَّت منصب الرئيس المشارك في الفرع المحلي للحزب في قلميقيا..
لاريسا يودينا في صباها
عارضت لاريسا يودينا الرئيس إيليومجينوف منذ توليه السلطة عام 1993 وتحرَّت عن انحرافاته وكشفت فساده، وهذا ما جعلها تعاني من المضايقات المستمرة من إيليومجينوف وحاشيته وأتباعه في السلطة المحلية طوال فترة رئاسته إلى حين اغتيالها عام 1998.. وقد وقعت أسوأ التحرشات ضد يودينا بعد فترةٍ وجيزة من انتهاء الإنتخابات عام 1993 عندما أطلق أحدهم عيارات نارية من مسدسه على مكتب الصحيفة التي ترأس تحريرها، كما تعرَّضت الشقة التي تقطن فيها إلى إطلاق النار.. وقد ضغطت "جماعة حقوق الصحافيين"، ومقرها موسكو، لسنواتٍ على الحكومة الروسية لمساعدة لاريسا يودينا، بعدما عانت تكراراً من المضايقات من قبل السلطات المحلية، في انتهاكٍ واضحٍ لقانون الصحافة الروسية.
تربية الأغنام في المراعي القلميقية
كانت لاريسا تُظهر في مقالاتها العلاقة بين الفقر في جمهورية قلميقيا والأموال المتزايدة للرئيس إيليومجينوف، ومنها كما سبق أن ذكرنا أنه عندما كان في الثلاثينيات من عمره كان يمتلك 7 سيارات من طراز "رولز ريس"، وكل ذلك في وقتٍ تعتمد جمهورية قلميقيا بشكلٍ أساسي على تربية الأغنام والأموال الإتحادية الآتية من موسكو.. وقد أدَّت كل تحقيقاتها عن الفساد في قلميقيا إلى قيام السلطات فيها، بأوامر من إيليومجينوف طبعاً، بحرمان صحيفة "كمسمولسكايا قلميقيا" من الطباعة في مطابع الجمهورية، وذكرت لاريسا يودينا آنذاك أن صحيفتها باتت تطبع ما يقرب من 4 آلاف نسخة في مدينة يوتيوس بالقرب من فولجاجراد، أي خارج قلميقيا.. كما قامت السلطات بطرد الصحيفة من مكاتبها وصادرت جميع ممتلكاتها، فتم استئجار مكاتب جديدة ما لبث المالك أن اضطر إلى طردهم منها بعد وقتٍ قصير (حيث من الواضح أنه تعرَّض للضغوط من قبل السلطات)، حتى أنَّ الصحيفة بموظفيها بدَّلوا مكاتبهم 6 مرات عام 1997.. في أواخر عام 1997 نشر صندوق الدفاع عن الجلاسنوست، وهو مجموعة خاصة تدافع عن حرية الصحافة في روسيا، كتيِّباً حدَّد فيه 10 انتهاكات لقانون الصحافة من قبل السلطات القلميقية في تعاملها مع صحيفة "سوفيتسكايا قلميقيا"، وقال رئيس الصندوق ألكسي سيمونوف إنه "لم يكن هناك أي رد فعلٍ، وكان الأمر الأكثر حزناً أنه لم يكن هناك أي رد فعل من قبل زملائها. تلك هي المشكلة الكبيرة في هذا البلد، حيث أن الشخص الذي عليه أن يستمع إليك لا بد من إسكاته أولاً".
   آخر ما كانت تحقق فيه لاريسا يودينا قبيل اغتيالها هو اختلاس أموال الميزانية العامة داخل الشركات البحرية، ما أدى إلى ازدياد الضغوط عليها.. إذ نَشَرَت مقالاتٍ تتهم فيها رئيس قلميقيا كيرسان إيليومجينوف بالفساد، ولا سيما خطته لإنشاء منطقة بحرية في الجمهورية تقع على السهول الواقعة شمال بحر قزوين ويقطنها 320 ألف نسمة من البوذيين، وأيضاً عَزْم إيليومجينوف على بناء مدينة للشطرنج لإستضافة بطولة الشطرنج الدولية لعام 1998.. 
موقع قلميقية على الخريطة الروسية (باللون الأحمر)
   وقد قالت لاريسا يودينا قبل اغتيالها بفترةٍ في مقابلةٍ إذاعية مع "الإذاعة الوطنية العامة" (NPR) تسنَّى لنا العثور على نصها الحرفي الكامل: "إنَّ الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان تُنتهك هنا (في قلميقيا) أكثر من أي مكانٍ في روسيا، إذ لدينا قوانين تتعارض مع الدستور الروسي".. ثم قالت، كما لو أنها كانت تخشى أن يتم قتلها: "صحيح أنني أعيش في روسيا ولكنني لستُ متأكدة من أنَّ القوانين الروسية تحميني هنا"..
وحول الوثائق التي بحوزتها عن تورط الرئيس إيليومجينوف بقضايا فسادٍ مالي قالت لاريسا يودينا: "حاولتُ الإتصال بمكتب المدعي العام، لكنهم انتزعوا الوثائق من يدي ومزَّقوها، فاستخدمت العصا ضدهم فقفزوا إلى خارج الرواق، ثم ظهر رئيس جهاز الأمن وقال: "سوف أقتلها الآن"، وسدَّد بندقيته نحوي وأطلق منها الرصاص فأصاب السقوف والجدران. ولاحقاً عندما أتى فريق التحقيق ليحقِّق بما جرى زعموا أن لا ثقوب جراء الرصاص لا على السقوف ولا على الجدران"..

إغتيال لاريسا يودينا

لاريسا يودينا تحمل طفلتها
بينما كانت لاريسا يودينا تحقِّق في فساد إيليومجينوف وفي اختلاساته من الميزانية العامة في مشروع المنطقة البحرية المنوي إنشاؤها، تمَّ استدراجها على النحو التالي: لقد تلقَّت اتصالاً هاتفياً مساء 6 حزيران/ يونيو 1998 من شخصٍ مجهول (إسمه الحقيقي تيوربيو باسخوجييف) ادَّعى أنَّ بحوزته وثائق عن اختلاس أموال الميزانية العامة، وهو الموضوع الذي كانت تحقِّق فيه يودينا كما أشرنا، وطلب منها أن تأتي إلى شقته ليسلِّمها إياها.. وبالفعل، توجَّهت لاريسا يودينا في اليوم التالي (7 حزيران/ يونيو) إلى الشقة المذكورة، وكان ينتظرها هناك صاحب الشقة ويدعى أندريه ليبين، بالإضافة إلى شخصين آخرين من أتباع كيرسان إيليومجينوف هما سيرجي فاسكين وفلاديمير شانكوف، والأول (أي فاسكين) عمل لفترةٍ طويلة مستشاراً قانونياً لإيليومجينوف.. وما أن دخلت يودينا إلى الشقة حتى قام الشخصان من أتباع إيليومجينوف بطعنها بالسكين طعناتٍ عديدة وتحطيم جمجمتها بآلةٍ حادة، ثم أخرجوا جثتها من الشقة ورموها أمام إحدى برك المياه خارج العاصمة القلميقية أليستا ولم يُعثر على الجثة إلا في اليوم التالي.. وعندما سُئل الرئيس إيليومجينوف عن مقتل لاريسا يودينا اكتفى بالقول: "إنَّ صاحب هذه الصحيفة (كمسمولسكايا قلميقيا اليوم) هو شيوعي، والصحيفة مملوكة من قبل القطاع الخاص، وقد نفد منها المال، فاتجهت إلى طلب المساعدة من فولجاجراد، وهي مدينة يديرها الشيوعيون"!! (مع الإشارة إلى أنَّ يودينا كانت قد نفت سابقاً أن تكون من الشيوعيين)..
جنازة الشهيدة لاريسا يودينا
استمرت التحقيقات في مقتل لاريسا يودينا حوالى العام ونصف العام، واعتباراً من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 كان هناك أربعة رجال قد أُدينوا بالفعل في جريمة قتلها، حُكم على ثلاثةٍ منهم بالسجن في التاسع والعشرين منه: الأول والثاني، سيرجي فاسكين وفلاديمير شانوكوف، فهما مَنْ نفَّذا جريمة القتل وهما ممَّن عملوا مع الرئيس إيليومجينوف وقد حكم عليهما بالسجن لمدة 21 عاماً. والمتهم الثالث، أندريه ليبين وهو صاحب الشقة التي استُدرجَت إليها يودينيا، فحُكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات لأنه آوى المجرمَين. أما المتَّهم الرابع، تيوربيو باسخوجييف الذي أجرى المكالمة الهاتفية مع يودينا واستدرجها إلى الشقة، فقد أُعفي عنه وأُطلق سراحه لأنه ساعد التحقيق وأدلى باعترافٍ كامل.. أما المحرِّض الفعلي على قتل لاريسا يودينا، وهو كيرسان إيليومجينوف، فأُبقي مجهولاً (!!)، مع أنَّ وزير الداخلية الروسي آنذاك سيرجي ستيباشين قال بعد العثور على الجثة إنَّ من الواضح أنَّ القتل مأجور وأنه يدخل "في جوهر" السياسة..
   قرأنا في الموقع الإلكتروني لحزب "يابلوكو" الليبرالي في بيانٍ له صادر في 22 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2010 (أي بعد 12 عاماً على اغتيالها) أنَّ الشخص الذي أمر بقتل لاريسا يودينا "لم يتم تحديد هويته حتى الآن، على الرغم من أنَّ التحقيق يعرف إسمه".. كما قرأنا في موقع حزب "يابلوكو" نفسه رسالةً مفتوحة وجَّهها الحزب إلى مندوبي الجمعية العامة لمؤتمر الإتحاد العالمي للشطرنج "الفيد" في 20 أيلول/ سبتمبر 2010، يحث فيها الإتحاد على عدم انتخاب إيليومجينوف رئيساً له مرةً أخرى، ومما جاء فيها: "إنَّ إنتخابات رئاسة "الفيد" سيتم إجراؤها في 29 أيلول/ سبتمبر الجاري، ويتنافس على منصب الرئاسة الرئيس الحالي لــ"الفيد" كيرسان إيليومجينوف وبطل العالم في الشطرنج أناتولي كاربوف. إنَّ الحزب الديمقراطي المتحد "يابلوكو" يناشدكم بأن تمنعوا إعادة انتخاب كيرسان إيليومجينوف، الذي هو واحد من أكبر الشخصيات السياسية المشينة. وينظر حزب "يابلوكو" دوماً إلى نظام كيرسان إيليومجينوف في جمهورية قلميقيا على أنه محكومٌ دون حسيبٍ أو رقيب لمدة 17 عاماً من قبل إيليومجينوف، الذي هو واحد من أبشع المظاهر في التاريخ السياسي لروسيا في العقدين الماضيين (1991 – 2010)، حيث يمثِّل خلطة من الحكم التسلطي والفساد والجريمة".. ويتابع حزب "يابلوكو" في رسالته إلى "الفيد" محمِّلاً إيليومجينوف مسؤولية اغتيال يودينا، قائلاً: "إنَّ لاريسا يودينا، رئيسة فرع قلميقيا لحزب "يابلوكو"، قد دفعت في عام 1998 حياتها ثمناً لمحاربة هذا النظام، وقد ساعد إيليومجينوف على ارتكاب هذه الجريمة. وبرأينا أنَّ كيرسان إيليومجينوف يتحمَّل تماماً المسؤولية عن هذه الجريمة".
مظاهرة لحزب "يابلوكو" الروسي المعارض
وكان حزب "يابلوكو" أصدر بياناً في 22 أيار/ مايو 2010 اعتبر فيه أنَّ قيام الإتحاد الروسي للشطرنج بترشيح كيرسان إيليومجينوف لمنصب رئاسة "الفيد" هو وصمة عار بالنسبة إلى روسيا.. كما أقام حزب "يابلوكو" وصحافيون ومعارضون اعتصاماً في الذكرى الثانية عشرة لمقتل لاريسا يودينا في ممثلية جمهورية قلميقيا في موسكو، وقد طالب المشاركون بالإفراج عن أسماء أولئك الذين أمروا بقتل لاريسا يودينا، وقال زعيم حزب "يابلوكو" آنذاك سيرجي ميتروخين: "إننا لا نستطيع أن نستبعد أن يكون كيرسان إيليومجينوف قد أمر شخصياً بقتل لاريسا يودينا".. ووعد ميتروخين بالإعتصام كلَّ عام في ممثلية جمهورية قلميقيا في موسكو إلى أن تتم معقبة أولئك الذين أمروا بالقتل..


   جديرٌ بالذكر أنه بعد مقتل لاريسا يودينا قام بعلُها واثنان من الصحافيين بالإستمرار في إصدار صحيفة "كمسمولسكايا قلميقية اليوم" مرَّتين في الشهر، وباتت تتلقى الدعم المادي من خارج قلميقيا، حيث قامت صحف روسية أخرى من خارج الجمهورية بتقديم المساعدة للصحيفة، وقد تعرَّضت صحيفةٌ واحدة منها إلى الضغط من قبل إيليومجينوف بسبب تقديمها المساعدة.


   أما ما يثير سخريتنا فهو أنَّ كيرسان إيليومجينوف، المتَّهم بالفساد في قلميقيا، والمتهم بالفساد في إتحاد "الفيد" للشطرنج، والمتَّهم باغتيال لاريسا يودينا، والمتهم بالعمل كوسيط نفطي بين داعش وبشار الأسد، كان ينوي الترشح لرئاسة الإتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، إذ قال في مقابلةٍ معه قبل يومٍ واحد من صدور العقوبات الأميركية ضده إنه يطمح في المستقبل أن يترشَّح بجدية لرئاسة "الفيفا"، وأضاف: "لدي رؤية حول كيفية صناعة كرة القدم التي ما تزال الأكثر شعبية، وتطهير الفساد المنظَّم فيها كما فعلنا مع "الفيد"..".

   نختم حديثنا بما كتبه أحد مراسلي الموقع الإلكتروني لصحيفة "التايمز" اللندنية عن لاريسا يودينا، إذ قال: "الشجاعة الحقيقية تكمن فقط في أن تبقى امرأةٌ عَزْلاء في الخمسينيات من عمرها تقاتلُ من أجل الحقيقة في هذا المكان البعيد".



الحديث التالي:
الحديث السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق