2015/11/21

حزب الله وسفر برلك الشيعي


في حين رفض الزعيم الشيعي الراحل كامل الأسعد سفك دماء الشيعة كما دماء اللبنانيين، كرفضٍ لمقولة "السلاح زينة الرجال"، فإنًّ أمين عام حزب الله حسن نصر الله قد نجح بسهولة تامة في إيصال الطائفة الشيعية إلى قمة العسكرة الخالصة بعدما كانت قد قطعت قبله شوطاً بعيداً في هذا الإطار، مع فارق أنه وضع هذه العسكرة في قالب إيديولوجي مذهبي مرتبط بولاية الفقيه في إيران.
 
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



بين حسن نصر الله وكامل الأسعد
حزب الله وسفر برلك الشيعي





حسين احمد صبرا
منذ الخمسينيات على الأقل، ولفترة طويلة من الزمن، راجت بين شيعة جبل عامل شائعة مفادها أنَّ وفداً من شيعة جنوب لبنان زار الزعيم الشيعي أحمد الأسعد (رئيس المجلس النيابي السابق) طالبين منه أن يبني مدارس في القرى الجنوبية ليتعلَّم فيها أولادهم، فأجابهم بالرفض قائلاً: "أنا عم علِّم لكم كامل".. أي أنَّ تعليمه لإبنه كامل الأسعد (رئيس المجلس النيابي السابق أيضاً) كافٍ ولا داعي للمدارس..
هذه الشائعة، التي روَّج لها خصوم أحمد الأسعد ومنافسوه في زعامته الشيعية وخصوم ومنافسو ابنه كامل من بعده، لقيت مَنْ يؤيدها بين كثيرين من شيعة الجنوب لأسبابٍ عديدة ظاهرُها رفضُهم لأن يكون زعماؤهم من الإقطاعيين، وباطنها كما دلَّت عليه الأمور لاحقاً جنوحُهم نحو العسكرة والخضوع لسلطة الميليشيات المذهبية..
باختصار، أظهرت السنوات الأخيرة أنَّ كثيرين من شيعة جبل عامل مَقَتوا في كامل الأسعد اعتدالَه وتَرَفُّعَهُ عن تحريضهم مذهبياً وعنصرياً وعن التحدُّث معهم بشعارات غوغائية، وأنهم لن يسامحوه على رفضه رفضاً قاطعاً إنشاء ميليشيا تابعة له طوال سِنِي الحرب الأهلية، وتمنُّعه عن التعامل مع الشيعة بعقلية ميليشيوية، وعدم سعيه لاحتكار الساحة الشيعية وإخضاعها بقوة السلاح.  
على المقلب الآخر، نجد أنَّ شيعة جبل عامل بمعظمهم قد وجدوا ضالَّتَهم في الوقت الحاضر في زعيمٍ يرضي طموحهم وجنوحهم نحو العسكرة، وقد أسال لعابَهم بأن يكون الشيعة هم الحاكمين في الوطن العربي، ألا وهو أمين عام حزب الله حسن نصر الله.

ماذا فعل نصر الله بالشباب الشيعي؟

في حين أنَّ الزعيم الشيعي الراحل كامل الأسعد رفض سفك دماء الشيعة كما دماء اللبنانيين، كرفضٍ لمقولة "السلاح زينة الرجال"، فإنًّ أمين عام حزب الله حسن نصر الله قد نجح بسهولة تامة في إيصال الطائفة الشيعية إلى قمة العسكرة الخالصة بعدما كانت قد قطعت قبله شوطاً بعيداً في هذا الإطار، مع فارق أنه وضع هذه العسكرة في قالب إيديولوجي مذهبي مرتبط بولاية الفقيه في إيران.
النتيجة الواضحة الآن لسياسة العسكرة تلك هي الإذلال الذي يتعرَّض له الشباب الشيعي بعدما أمسك نصر الله أرواحَ هؤلاء الشباب بيده من بعد ما أغراهم بالمال الإيراني وشَحَنَهُم بالتحريض المذهبي حتى بتنا أمام حالة ممكن أن نسميها بالمال الإيديولوجي.. واللافت أنَّ إمساك نصر الله بأرواح الشباب الشيعي يتم برضاهم، حتى لتبدو الأمور معها أشبه بتنويم مغناطيسي إرادي، بَرَعَ معه جيل الشباب الشيعي الحالي في إبراز الطاعة العمياء لربّ العمل القابض على روحه.

أولاً: "التفرُّغ"

إليكم أولاً ماهية فرص العمل التي يوفِّرها نصر الله وحزبه لعشرات الآلاف من الشباب الشيعي، بالإضافة إلى ما يستتبعها من إغراءات مالية:
في حزب الله نوعان من فرص العمل يسمَّيان "التفرُّغ" و"التعاقد".. أما العنصر "المتفرِّغ" فهو عبارة عن عنصر منتسب إلى حزب الله ومتفرِّغ كلياً للنشاط داخل هذا الحزب، وهو يتقاضى راتباً شهرياً ثابتاً هو أعلى نسبياً ويصل إلى حدود الألف دولار كمعدَّلٍ وسط، وتتنوَّع الوظيفة المطلوبة منه بين موظفٍ يقوم بأعمال إدارية بحتة في المؤسسات التابعة للحزب.. أو عاملٍ في النطاق الأمني الإستخباري كمراقبة الناس في الشارع، أو مراقبة الهواتف، أو التخطيط للإغتيالات، أو إنشاء شبكات نائمة في معظم أنحاء العالم، أو تدريب عناصر معيَّنة ليصبحوا خبراء في مجال تجارة الأسلحة والمخدرات وتبييض الأموال، أو غيرها من الأعمال الأمنية الإستخبارية التي لا حصر لها.. أو عاملٍ في المجال العسكري البحت كأن يكون مقاتلاً بحيث يتم فرز العناصر إلى مجموعاتٍ يتدرَّب كلٌّ منها في إيران وسورية ولبنان على استخدام نوعٍ معيَّن من السلاح، كإطلاق الصواريخ مثلاً أو قيادة الدبابات أو صناعة المتفجرات، أو غيرها من الوظائف العسكرية الكثيرة.
إلى جانب ما يحصل عليه العنصر "المتفرِّغ" من راتبٍ شهري ثابت فإنَّ ذلك يُرْدَف بإغراءات مالية جزيلة: منها مثلاً الطبابة شبه المجانية للعنصر "المتفرِّغ" وجميع أفراد عائلته من زوجٍ وأولاد والتي توفِّرها الهيئة الصحية في الحزب، فالمتفرِّغ لا يدفع سوى 10% من أي فاتورة صحية، فإذا كانت كلفة فاتورة الطبيب 30 دولاراً مثلاً فإنه يدفع 3 دولارات لا غير، ناهيك عن أنَّ هذه الطبابة شبه المجانية تشمل طبابة الأسنان الأمر الذي تعجز الدولة اللبنانية عن تأمينه للموظفين المنتسبين إلى مؤسسة الضمان الإجتماعي.. ومن الإغراءات المالية أيضاً المدارس: فإذا علَّم العنصرُ المفرِّغ أولادَه في "مدارس المهدي" التابعة للحزب فإنه مَعْفِيٌّ من القسط المدرسي ولا يدفع سوى مجرد رسوم سنوية بسيطة بحدود المائة دولار أو أكثر أو أقل عن الولد الواحد، بينما لا تستطيع الدولة اللبنانية سوى دفع 50% من القسط المدرسي للعناصر المنتسبة إلى الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.. أما إذا ما علَّم العنصرُ المتفرِّغ أولادَه في مدارس أخرى غير تابعة للحزب فإنه يتلقَّى من الحزب نحو 500 دولار عن الولد الواحد في السنة الدراسية كمساهمة في القسط المدرسي.
ومن الإغراءات المالية أيضاً وأيضاً القروض المالية الميسَّرة التي تتاح للعنصر المتفرِّغ، ذلك أنَّ بإمكانه أن يقترض من المؤسسات المالية التابعة للحزب عدة أو بضعة آلاف من الدولارات بدون فوائد ويقوم بتسديدها بالتقسيط المريح بحيث يسدِّد شهرياً مبلغاً وقدره 50 ألف ليرة لبنانية (33 دولاراً أميركياً)، ولا يندر أن تجد بين العناصر المتفرِّغة مَنْ اقترضَ مبلغاً معيَّناً وهو على أهبة الزواج، ثم أنجب وأصبح ولده البكر في العاشرة من عمره وهو ما يزال يسدِّد ما اقترضه قبل أكثر من عشر سنوات..
هذا العنصر المتفرِّغ (أياً تكن وظيفته: إدارية أو أمنية أو عسكرية) إذا ما طُلب للقتال فإنَّ عليه أن يلبي عنوةً ولا مجال للرفض..

ثانياً: "التعاقد"

إلى جانب "التفرُّغ" أوجد نصر الله وحزبه فرص عمل رديفة للشباب الشيعي العاطل عن العمل وغير المنتسب إلى الحزب، وفق ما يسمَّى بالتعاقد.. فالمتعاقد غير منتسبٍ إلى حزب الله وإنما متعاقدٌ معه، ويتلقَّى راتباً شهرياً أقل من راتب "المتفرِّغ"، كما أنَّ الإغراءات المالية أقل، منها مثلاً أنَّ البطاقة الصحية لا تغطي سوى مبلغاً معيَّناً من الطبابة، فإذا ما انتهى هذا المبلغ فإنَّ على العنصر "المتعاقد" أن يدفع الفاتورة الطبية كاملةً.
أما عن نوعية عمل "المتعاقد" فهي أشبه بسد خانة، أغلبها تنفيذ أعمال تتطلَّب جهداً بدنياً نسبياً وأدنى من غيرها من الوظائف مثل العمل بتمديدات شبكة الإتصالات التابعة للحزب في المناطق الشيعية التي تخضع لنفوذه بقوة السلاح، أو العمل في محطات الوقود التابعة للحزب، وغيرها من الأعمال.. وقد يصل الأمر إلى أن يرسل الحزبُ المتعاقدين معه لحراسة الأراضي التي احتلَّها داخل سورية والتي تشكِّل خطوط الحزب الخلفية ولا قتال فيها.

عبودية صريحة

مع بدء الثورة السورية عام 2011، كشفَ تورُّطُ حزب الله وغرقُه في وحول الحرب في سورية عن أمورٍ عديدة أبرزها الحال التي بات معها الشباب الشيعي في غاية السوء والإذلال.. فهذا الإغراء المالي وتلك البحبوحة التي يعيش فيها عناصر حزب الله دفعا الشباب الشيعي العاطل عن العمل إلى الإستماتة للإنتساب إلى الحزب كمتفرِّغين أو كمتعاقدين، بعدما أصبحت أسهل فرصة عمل متوافرة للشباب من فقراء الشيعة حالياً..
نعم، صحيح أنَّ حسن نصر الله أوجد فرص عمل في حزبه لما لا يقل عن مائة ألف شابٍ شيعي ينفق عليهم من المال الإيراني، إلا أنَّ المسألة تتم عبر المقايضة التالية: نوفِّر لك فرصة عمل مقابل أن تسلِّم لنا روحك، نفعل بها ما نشاء، ونسلِّمها إلى بارئها متى نشاء.. وتلك عبودية صريحة.
لسنا نتحدَّث فقط عن تبعات هذا العمل من تسليم الأرواح لرب العمل، ولا عن النتائج المخزية والكارثية لهذا العمل، بل أنظر إلى العمل نفسه: ماذا يعمل فلان؟ خبيراً في زرع المتفجرات.. وماذا يعمل علان؟ خبيراً بإطلاق صواريخ أرض أرض.. وماذا يعمل فليتان؟ خبيراً بالإغتيالات.. وهكذا دواليك.
تلك هي فرص العمل التي وفَّرها نصر الله وحزبه للشباب الشيعي، والتي من مآثرها أنَّ العنصر المتفرِّغ أو المتعاقد يغيب عن منزله 7 أو 8 أيام ثم يعود إلى منزله في عطلة من 3 إلى 5 أيام.. لا يدري ذووه أو زوجه أو أبناؤه في كل مرة إن كان سيعود حياً أم ميتاً.. معافىً أم معوَّقاً..

لا قتال.. لا مال

كشف تورُّط حزب الله في المستنقع السوري عن اعتراض عددٍ كبير من عناصره على المشاركة في الحرب في سورية من بعد ما رأوا فيها من أهوال أصابتهم بالرعب، وبات عددٌ لا بأس به منهم يتمرَّد على الذهاب للقتال هناك خشية أن يفقد حياته أو يتيتَّم أطفاله كرمى حربٍ عبثية.. فكان جواب نصر الله وحزبه إلى هؤلاء الممتنعين: لا قتال.. لا مال.
إنَّ ربَّ العمل نصر الله خيَّر عناصره الممتنعين بين الإستجابة إلى أوامره وإطاعته طاعةً عمياء وبين حرمانهم من الإغراءات المالية التي يقدِّمها الحزبُ لهم.. وهذا ما دفع بالكثيرين إلى الإستجابة رغماً عنهم.

مجرَّد مقارنة

فقط ندعوكم للمقارنة بين فرص العمل التي وفَّرها الزعيم الشيعي كامل الأسعد (ومن قبله والده أحمد الأسعد) للشباب الشيعي في جبل عامل ألا وهي زراعة التبغ، وبين فرص العمل التي يوفِّرها له حالياً الزعيم الشيعي حسن نصر الله ألا وهي القتل..
في الأولى يلتصق الإنسان الشيعي بأرضه يزرعها ويجني محصولها بعرق جبينه.. وفي الثانية سفر برلك شيعي يُقاد فيه الشباب الشيعي إلى ساحات الوغى ليَقتل ويُقتل في أرضٍ ليست أرضه وحربٍ ليست حربه.


صور قتلى حزب الله في سورية:
















































 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق