2015/11/14

لِمَ لا تقوم مصر بإعداد الجيش السوري الحر كبديلٍ عن جيش النظام؟!



المطلوب من مصر أن تعود لتلعب دورها التاريخي في بلاد الشام كلاعبٍ أساسي ورئيس، حيث أنَّ بلاد الشام تُعتبر استراتيجياً وعلى مر التاريخ منطقة نفوذ مصرية والحديقة الأمامية لأرض الكنانة.. ومن الضروري إعادة التذكير بأنَّ بلاد الشام كانت خلال فتراتٍ طويلة خلال الألف عامٍ الماضية محكومةً من مصر، منذ أيام الفاطميين...

إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



بلاد الشام منطقة نفوذ تاريخية لأرض الكنانة
لِمَ لا تقوم مصر بإعداد الجيش السوري الحر
كبديلٍ عن جيش النظام؟!

الجيش السوري الحر


حسين احمد صبرا
في المبدأ لا نجد أنفسنا معترضين كلياً على ما يطرحه النظام المصري الجديد برئاسة عبد الفتاح السيسي من حرصٍ على بقاء الجيش النظامي السوري قائماً على قدميه، ربما حتى ولو سقط نظام بشار الأسد، والهدف أن تبقى هناك قوةٌ تضمن سيادة وأمن ووحدة الأراضي السورية.. ذلك أنَّ مصر تخشى من تكرار تجربة العراق وحل الجيش فيه بعد قيام أميركا بالتحالف مع إيران بغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، الأمر الذي أدى إلى تفكك العراق واضطراب الأمن فيه كإحدى نتائج الفشل الذريع في بناء جيشٍ بديل.. وكذلك الأمر في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، حيث تشهد البلاد حرباً أهلية منذ ذلك الحين، والسبب في استمرارها إلى الآن يعود إلى تعمُّد القذافي عدم بناء جيشٍ ليبي حقيقي، لاجئاً إلى تجييش ميليشياتٍ من اللجان الثورية القبلية للإعتماد عليها في الحفاظ على نظامه..   
وسؤالنا هنا: هل الجيش السوري النظامي قادر على القيام بهذه المهمة، سواء أبقي نظام الأسد أم سقط؟! وقبلها نسأل: هل أنَّ جيش النظام جدير بأن يكلَّف بهذه المهمة، وهل يستحق ذلك أصلاً؟!

هنا نجد أنفسنا أمام نموذجين متناقضين من الجيوش: جيش النظام السوري والجيش السوري الحر المنشق عنه.. فأي الجيشين جدير بالدعم والبقاء على قيد الحياة ليتولَّى حفظ أمن ووحدة أراضي سورية المستقبل؟!
جيش النظام العلوي
نبدأ بجيش النظام، والذي ثبت على مر الأيام ومنذ أواسط الستينيات أنه جيش ممسوك ومحكوم من قبل قيادات عسكرية من الطائفة العلوية، ولاحقاً أثبتت السنوات الأربع من عمر الثورة السورية أنه جيشٌ قد لعب في تكوينه حافظ الأسد ليكون خط الدفاع الأول عن النظام العلوي وليس عن الشعب السوري.. ومع اندلاع الثورة السورية أثبت جيش النظام (بما تبقَّى منه) وفاءه العظيم للنظام إلى أقصى حد، وقد استخدم ضد شعبه كلَّ مخزونه من الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل: مدافع وراجمات صواريخ وطائرات حربية وبراميل متفجرة وصواريخ أرض أرض وأسلحة كيميائية على أنواعها، ولو كان يمتلك أسلحةً ذرّية لَمَا توانى عن استخدامها.. وكانت النتيجة تدمير جيش النظام معظم المدن والبلدات والقرى السورية، ومقتل أكثر من ربع مليون إنسان، وتهجير 12 مليون مواطن سوري داخل وخارج الأراضي السورية.. أضف إلى ذلك أنَّ جيش النظام ارتضى أن يقاتل إلى جانبه مرتزِقةٌ مذهبيون من الشيعة من لبنان وإيران والعراق واليمن وباكستان وأفغانستان، كل ذلك من أجل الحفاظ على نظامٍ مذهبي علوي.. فهل أنَّ مثل هذا الجيش جدير بأن يبقى على قيد الحياة ويُرتَجى منه أن يصون أمن البلاد والعباد في سورية المستقبل؟!
على الضفة الأخرى نجد النقيض: جيشٌ سوري حر قوامه حالياً نحو 70 ألف جندي، لم يرتضوا لأنفسهم أن يكونوا أداةً بيد النظام السوري للحفاظ عليه، رافضين المشاركة في عمليات الإبادة الجمعية التي يقوم بها النظام وميليشياته المذهبية ضد الشعب السوري، فانشقوا عن جيش النظام وخاضوا حرباً ضد النظام منذ أربع سنواتٍ إلى الآن وضد جيشه وضد من معه من ميليشيات المرتزقة المذهبيين، دفاعاً عن الشعب السوري وطموحه في إسقاط هذا النظام الهمجي ونيل الحرية والعيش بكرامة..
الدمار في سورية
إذاً، هناك جيشٌ انحاز إلى شعبه وجيشٌ مارس الإجرام ضد شعبه.. جيشٌ يعمل على سورية موحَّدة، وجيشٌ يعمل على تفكيكها وتقسيمها وإنشاء دويلة علوية – شيعية فيها.. جيشٌ فتيّ وجيش متهالك.. جيشٌ وطني وجيشٌ خائن.. جيشٌ يدافع عن شعبه وجيشٌ يبيد شعبه.. جيشٌ يرتفع عن الحسابات المذهبية العنصرية وجيشٌ غارقٌ بالطائفية والمذهبية.. جيشٌ يدافع عن حقوق الإنسان وجيش يرتكب جرائم بحق الإنسانية..

ما المطلوب من مصر؟!

عبد الفتاح السيسي
المطلوب من مصر أن تعود لتلعب دورها التاريخي في بلاد الشام كلاعبٍ أساسي ورئيس، حيث أنَّ بلاد الشام تُعتبر استراتيجياً وعلى مر التاريخ منطقة نفوذ مصرية والحديقة الأمامية لأرض الكنانة.. ومن الضروري إعادة التذكير بأنَّ بلاد الشام كانت خلال فتراتٍ طويلة خلال الألف عامٍ الماضية محكومةً من مصر، منذ أيام الفاطميين الذين خضعت لسيطرتهم معظم مدن الساحل الشامي، وقد دخلوا في صراعٍ عنيف مع الأتراك السلاجقة للسيطرة على كبريات المدن ولا سيما حلب ودمشق.. ثم جاء صلاح الدين الأيوبي، الذي ما أن حكم مصر حتى قرَّر إخضاع بلاد الشام لسيطرته قبل بدء حربه ضد الصليبيين.. وبعد صلاح الدين جاء المماليك، الذين أخضعوا بلاد الشام بدورهم لنفوذهم .. إلى أن وصل محمد علي باشا إلى سدة الحكم في مصر مطلع القرن التاسع عشر وأراد إعادة إخضاع بلاد الشام للنفوذ المصري فشنَّ حرباً واسعة ضد السلطنة العثمانية احتلَّ خلالها بلاد الشام في حملةٍ قادها إبنُهُ إبراهيم باشا بين عامي 1832 - 1833.. وفي القرن العشرين كانت الوحدة المصرية – السورية بين أعوام 1958 - 1961، والتي جاءت بناءً على طلب النخب السورية العسكرية والسياسية والثقافية والشعبية، التي زحفت إلى القاهرة تطلب من عبد الناصر الوحدة بين البلدين فوراً وقد استطاعت إقناعه بذلك، ولاحقاً تمَّ القضاء على أي أملٍ بالوحدة مع مصر عبد الناصر من قبل النظام العلوي نفسه الذي ما يزال يحكم سورية منذ مطلع الستينيات.
ونشير إلى أمرٍ هام جداً تعلَّمناه من التاريخ وهو أنَّ بلاد الشام لم تكن تخرج عن نفوذ أرض الكنانة إلا حينما يكون نظام الحكم في مصر ضعيفاً، وما أن تستعيد مصر قوَّتها حتى تطمح في المقام الأول إلى إخضاع بلاد الشام (وكذلك بلاد الحجاز).
ما نريد قوله أنَّ لدى مصر خبرات وطاقات عسكرية كبيرة.. يكفي أنها خاضت في أواسط القرن العشرين ستة حروب خلال 25 عاماً: حرب فلسطين عام 1948، وحرب السويس عام 1956، وحرب اليمن في النصف الأول من الستينيات، وحرب عام 1967، وحرب الإستنزاف عامي 68 و69، وحرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973.. بالإضافة إلى الدور المحوري العظيم الذي لعبه الجيش المصري خلال حرب الخليج الأولى (1980 – 1988) حيث وضع كافة طاقاته وخبراته العسكرية في صالح الجيش العراقي.. ناهيك عن أنَّ قوة الجيش المصري ووحدته وروحه الوطنية العالية هي التي حمت مصر من خطر الإخوان المسلمين وما كادوا يتسبَّبون به من حربٍ أهلية..
وكما كان الأمر خلال حرب الخليج الأولى: التمويل من دول الخليج العربي، والخبرات العسكرية من مصر، فإنه من الممكن الآن إحداث المعادلة نفسها في سورية: تمويل الجيش السوري الحر من دول الخليج العربي وخاصةً من السعودية وقطر (وهو أمرٌ حاصلٌ الآن)، بانتظار أن تَعْدُلَ مصر عن موقفها الداعم للنظام وجيش النظام، وتنصرف لإعداد الجيش السوري الحر ليكون جيش سورية المستقبل، وهو ما نحث مصر عليه الآن.


(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية، بتاريخ 23/ 11/ 2015، العدد رقم 1724).

صور الدمار في سورية:



























   





 

x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق