إن الصين الـتي باتت تلعب الآن ليس بالمليارات فحسب وإنما بترليارات الدولارات، لا يوجد فيها مليارديرات (أي أصحاب المليارات) وإنما فقط مليونيرات (أي أصحاب الملايين)..
إما مصر، يا حاج وهدان يا خويا، فلا يوجد فيها مليونيرات بقدر ما فيها مليارديرات! فهلاّ أوجدتَ لنا تفسيراً لهذا الثراء الخرافي!
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
كتاب
على هامش ثورة شباب مصر
تأليف: حسين احمد صبرا
الفصل الأول
وماذا عن تحديد النسل يا شباب ثورة مصر (4من4)
في الصين
لا يدهنون الهوا دوكو!
حسين احمد صبرا
إن الصين الـتي باتت تلعب الآن ليس بالمليارات فحسب وإنما بترليارات الدولارات، لا يوجد فيها مليارديرات (أي أصحاب المليارات) وإنما فقط مليونيرات (أي أصحاب الملايين)..
أما مصر، يا حاج وهدان يا خويا، فلا يوجد فيها مليونيرات بقدر ما فيها مليارديرات! فهلاّ أوجدت لنا تفسيراً لهذا الثراء الخرافي!
الجواب واضح وهو أن مصر سوق مفتوحة للنهب وعلى عينك يا تاجر، وفتَّح عينك تأكل مليارات!
وهذا لا يعني أنه لا يوجد فساد في الصين، إذ لا توجد دولة قوية في العالم إلا وفيها قدر من الفساد، على أن الفساد الموجود في مصر وبقية دول العالم التالف إنما هو الكفر بعينه!!
إن عدد المليونيرات في الصين يُقدَّرون بحوالى 825 ألف فردٍ، أي أن هناك مليونيراً واحداً من بـين كل 1622 مواطناً صينياً.. ولكي يُعتـبر الفرد مليونيراً في الصين ويُصنَّف على أنه من أصحاب الثراء الفاحش لا بد وأن تكون ثروته من 1,5 مليون دولار وما فوق( هذا المبلغ بالكاد يشتري للمليونير الصيني شقة فخمة في مصر مطلّة على النيل، وبعدها يقزقز لب!)
ولكن تعالوا نقرأ هذا الرقم علًّنا نستنتج منه عـبرةً: إن في الصين الآن 30 مليون شركة خاصة (أي يملكها أفراد) استطاعت في عام 2005 أن تساهم بما نسبته 70% من الناتج المحلي الإجمالي.. ولنفـترض أن كل شركة من هذه الشركات الخاصة يملكها فرد واحد فقط، فماذا يعني لنا هذا الرقم؟ إنه يعـني أن من بـين 30 مليون مواطن رأسمالي صيني يملكون 30 مليون شركة خاصة، لا يوجد إلا 825 ألف مليونير، أي ما نسبته 2,75% منهم فقط!!
ثم ننتقل الآن إلى حديث مشابه لنقول انه لا ينبغي الإعتقاد بأن الصين، التي تلعب الآن بالترليارات من الدولارات، لا يوجد فيها مواطنون تحت خط الفقر، أي من هم يتقاضون أقل من دولار واحد في اليوم (أقل من 30 دولاراً في الشهر، أي أقل من 365 دولاراً في السنة).. بل يوجدون وبكـثرة وتصل نسبتهم إلى 10% من عدد السكان (133 مليون مواطن صيني تحت خط الفقر).. ولكن الدولة لم تقف أمامهم مكتوفة الأيدي أو أدارت لهم ظهرها، وإنما يكفي معرفة ما أنجزته الصين منذ بدء انعطافتها الإقتصادية الجبارة منذ ثلاثــين عاماً وإلى الأن، من خلال معرفة أن نسبة المواطنين الصينيين ممن كانوا تحت خط الفقر كانت تبلغ 64% عام 1978، وانخفضت الآن إلى 10 %، ونفـترض أنها في طريقها إلى مزيد من الإنخفاض في السنوات المقبلة.
كما يجب التنبيه إلى أن الطبقة الفقيرة في الصين هي الطبقة الأكـبر على الإطلاق بحيث يبلغ تعدادها نحو مليار مواطـن صينــــــــــــي (نحو 75%)، بحيث يبلغ الدخل الفردي للواحد منهم 3700 دولار سنوياً (308 دولارات شهريـــــــــاً، أي نحو 10 دولارات يومياً) ويُعتـبر دخلاً منخفضاَ.. من هنا لا يجب أن يتوقع الشعب المصري، في حال أصبحت مصر دولة قوية، أن يزيد الدخل الفردي السنوي كثيراً لدى الشريحة الأوسع منهم.
أما الطبقة المتوسطة (دخلها الفردي لا يقل عن 17 ألف دولار سنوياً، أي 1416 دولاراً شهرياً، أي 46,5 دولار يومياً) فيصل تعدادها إلى نحو 100 مليون نسمة (نحو 7,5 % فقط من عدد السكان).
محمول المليجي!
أيضاً يجب التنبيه، ونحن ننظر إلى هذا الرقم الهائل من الفقراء في الصين، إلى أن شعب الصين العظيم يُعتـبر ثاني أكـبر مستهلك في العالم بعد اليابانيين لسلع الرفاهية! ولا نجد غرابة في ذلك، وخاصةً أن الصين تنتج كل ما يحتاجه شعبها تقريباً، وهي الأرخص في العالم كما تعلمون،، فهل سيكون باستطاعة مصر أن تنتج كل ما يحتاجه شعبها تقريباً في حال أصبحت دولة قوية؟!
كما أن في الصين أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت في العالم.. وفيها أيضاً أكبر عدد من مستخدمي الهاتف المحمول، حيث يبلغ عددهم 700 مليون مستخدم للمحمول..
الوكسة في أن عدد مستخدمي محمول المليجي في مصر يبلغ 50 مليون مستخدم! فهل يُعقل أن الصين، الـتي هي دولة قوية، يستخدم الهاتف المحمول فيها 52% من السكان، في حـين أن مصر، الـتي هي دولة ضعيفة وتعاني من الفقر والبطالة والديون وقلة الموارد الطبيعية، يستخدم الهاتف المحمول فيها 62,5% من المصريين معظمهم من الأطفال!!(أقرع ونُزَهي!).
وماذا عن أزمة الضمير والأخلاق؟!
كل ما تقدَّم "كوم" وما سنقوله الآن كومٌ آخر :
في الصين لن يضطر كبـير أطباء النفس الدكتور القدير أحمد عكاشة ليؤلف كتاباً يحمل عنوان "ثقوب في الضمير" ليتحدث فيه عن أزمة ضمير وأخلاق وأزمة قيم بات يعاني منها الشعب المصري نظراً لما يسود فيه بشكل مخيف من كذب ونفاق وغش وطمع وجشع وفساد...
في الصين لا يصلّون لإله لا يلبثون أن يبيعوه بقشرة بَصَلة أو بحفنة من الجنيهات غشاً وطمعاً وكذباً ونفاقاً وكيداً ونميمةً وعدوانيةً وإجراماً وسفكاً للدماء، كما نفعل نحن حينما نبالغ في الصلاة لإلهٍ لا نحترمه ولا نخجل منه لأننا ننظر إليه على أنه إله الغرائز لا إله القيم المكتسَبة!
في الصين لا يوجد محمد متولي الشعراوي ولا يوسف القرضاوي ولا عمرو خالد.. فالصينيون لم يبنوا دولةً قوية بالدجل والخرافات وأمور التسطيل والسَبَهْلَلة!
في الصين لا يُحرّمون الخمرة ويحللون المخدرات.. ولا يُحرِّمون فوائد البنوك ويحللون فوائد شركات توظيف الأموال!
في الصين لا يطلب الرجل من زميلته في العمل أن تُرضعه من ثديها كيما يحلّ له التواجد معها على انفراد في مكتب العمل، ولا أن تُرضعه لكي يحلّ له الحديث معها عبر الهاتف!
في الصين لن يضطر وائل غنيم، أحد قادة ثورة شباب مصر، لكي يكتب مقالاً مطولاً على "الفيس بوك" ليدافع فيه عن زواجه من مسيحية وليُقسم بأغلظ الأيمان بأنها مسلمة أفضل منه ألف مرة وأنها محجبة وتصلي وتصوم وتربي الأولاد على احترام دين الإسلام!!
في الصين، هذه البلاد التي تُعتـبر أول من عرف لعبة كرة القدم (بشكل من الأشكال ) قبل ألفي عام، لا يطلّق الرجل زوجه إذا ما خسر الأهلي من الزمالك أو خسر الزمالك من الأهلي! فالشعب الصيني يشغله ما هو أهم من هذه التفليسة المدوية!
في الصين لا يدّعي الفرد منهم الذل والمسكنة إذا ما كان تابعاً، فإذا ما أصبح متبوعاً تحوّل إلى فرعون!
في الصين لا يَدْهَنُونَ الهَوا دُوكو ولا يلعبون الثلاث ورقات ولا بالبيضة والحجر ولا يتعاطون في شغل الأونطة! والصينيون الذين نجحوا في بناء 8 ملايـين مصنع وتأسيس 30 مليون شركة خاصة لايمارسون التجارة بالكذب أو الغش أو الإحتيال، فلن تجد تاجراً صينياً أو صاحب مصنع يقول: عليَّ الطلاق بالتلاتة لا تكون البضاعة عندك من طلعة الفجرية وحط ببطنك بطيخة صيفي.. ثم تظهر طلعة الفجرية ولا بضاعة ولا حتى بطيخة قرعة.. أو تأتي البضاعة بعد طول انتظار ومعاناة و"بوس" أيادٍ.. ولكن البضاعة مضروبة! واسألوا، يا شباب ثورة مصر، التجار المصريين الذين يقصدون الصين لاستيراد البضائع منها، عن كيفية التعامل التجاري معهم ومع غيرهم هناك!
فقط تذكّروا يا شباب ثورة مصر أن بلدكم، حينما كانت بالأمس القريب دولة قوية، قد توفي حاكمها -أي عبد الناصر- وهو مديون! فقط عودوا إلى اللائحة الـتي أحصت ممتلكات عبد الناصر عقب وفاته واقرأوها بضميركم ووجدانكم واستلهموا منها العـبر.. كان كل ما يملكه قائد مصر وأمة العرب في المقر الرئاسي (ولم يكن اسمه القصر الجمهوري) هو 10 بذلات وبضع ربطات عنق و8 أزواج أحذية، وحفنة من الجنيهات في جيب سرواله.. وبمراجعة المستندات تبـيّن أن عبد الناصر كان يملك -كما أي مواطن مصري آخر- بعض الأسهم في بعض شركات القطاع العام، قيمتها المادية لا تساوي خبرها.. ناهيك عن أنه كان يملك سيارة "أُستن" اشتراها بالتقسيط من معاشه كرئيس للجمهورية قبل رحيله بعدة سنوات ولم يمهله القدر لتسديد كافة أقساطها.. كما لم يمهله القدر لتسديد بعض ما عليه من مستحقات مالية تطلَّبها الجامع الذي كان يبنيه من معاشه رغبةً منه في أن يُدفن فيه حـين مماته..
لم يسلم هذا الجامع، الذي قرر عبد الناصر بناءه من ماله الخاص بعد عام1967من النهب والسرقة من قبل المقاولين الذين تولوا بناءه، وقد علم بالأمر بعضُ المقربين من عبد الناصر ممن كلَّفهم متابعة الأعمال الجارية في الجامع فأمروا بإيقاف أعمال البناء وأخـبروا عبد الناصر بما يتم من نهب وسرقة عيني عينك.. ورغم ذلك فإن عبد الناصر طلب غض النظر عن السرقة وإكمال بناء الجامع بأسرع ما يمكن، وكأنه كان متوقعاً بأنه سيلقى وجه ربه قريباً..
فاتعظوا يا شباب ثورة مصر.. فحتى عبد الناصر نفسه تمت سرقته في مصر!!
رداً على أحمد عكاشة!
في كتابه "ثقوب في الضمير" أساء الطبيب النفسي القدير احمد عكاشة إلى عبد الناصر حينما حلّل شخصيته قائلاً ان عبد الناصر كان عنيداً، ومعتدّاً برأيه ولا يقبل أن يناقشه أحد في ما يقوله، وأنه جمع حوله المنافقين، وأنه حوَّل الشعب المصري إلى شعب اتكالي يعتمد على قائده في تدبُّر كافة أموره.
ونقول إن احمد عكاشة قد "أساء" إلى عبد الناصر لسبب جوهري وهو أنه تعمَّد ( لأسباب تخفى علينا ) وهو الطبيب المحـترف، أن يضع صفات عبد الناصر تلك في إطارها الصحيح حيث يجب، وليس إطلاقها بصفة مجرَّدة لتبدو عيوباً فيما هي ميزات، وخاصة أنه في كتابه هذا كان يعرض للأزمة الأخلاقية التي يعاني منها المجتمع المصري (الطبعة الأولى للكتاب كانت عام 1993 والطبعة الثانية عام 2008 ) .
فقط نطلب منكم، يا شباب ثورة مصر، أن تردّوا على الطبيب القدير احمد عكاشىة بأن تقولوا له: إن عبد الناصر لو لم يكن عنيداً لما مشى في قانون الإصلاح الزراعي ولما استطاع تطبيقه.. ولو لم يكن عنيداً لما استطاع أن يؤمم قناة السويس.. ولا أن يبـني السد العالي.. وأنّ مصر لم تستطع أن تصبح دولة قوية بالأمس القريب إلا بفضل عناد عبد الناصر.. وأنكم، يا شباب ثورة مصر، إذا ما كنتم تريدون جعل مصر دولة قوية فعليكم أن تكونوا عنيدين كما كان عبد الناصر عنيداً، وإلا آدي دقني إن فلحتم !
أما عن اعتداد عبد الناصر برأيه فرُدّوا عليه بالقول بأن مصر في الخمسينيات والستينيات كانت تزدحم بالآراء الغوغائية.. ولم يكن عبد الناصر بأي حال من الأحوال ليأخذ بغوغائية الشيوعيين، الذين زايدوا عليه وأرادوا تحويل الشعب المصري إلى آلة لا روح فيها كما فعل الإتحاد السوفياتي وكتلته الإشتراكية، ولا بغوغائية الإخوان المسلمين، الذين وقفوا ضد الإصلاح الزراعي وطالبوه بفرض الحجاب وإلغاء الفوائد في البنوك، ثم حاولوا قتله، ولاحقاً خططوا للإطاحة به بانقلاب عسكري بإيعاز واضح ومكشوف من الإستخبارات الأميركية! وذكِّروه، بما أن شقيقه الدكتور الراحل ثروت عكاشة كان واحداً من أبرز أركان نظام الحكم في عصر عبد الناصر ولا بد أن يكون قد عرف منه بأن عبد الناصر أمضى شهرين عام 1964 وهو يتحرَّى عن كاتب سلسلة مقالات بإسم مستعار (هو الدكتور خالد)، إلى أن عرف عبد الناصر إسمه الحقيقي وهوالمفكر الماركسي الكبـير والأصيل الراحل الدكتور فؤاد مرسي، فاستدعاه وأقنعه وزملاءه بحل الحزب الشيوعي والإنضمام إلى الإتحاد الإشتراكي ليشاركوا في الحكم ويطبقوا نقدهم البنّاء وأفكارهم الإصلاحية، وهذا ما تمّ.. ثم تعال إلى هنا يا دكتورنا الكبير أحمد عكاشة: أفلا تدري أن في مصر كان يوجد عبد الناصر واحد فقط، ولم (ولن) يوجد في مصر أكثر من "عبد الناصر" لا بين الضباط الأحرار ولا خارجهم، أم أنك تتجاهل ذلك!
أما عن جمع عبد الناصر للمنافقين من حوله وعن تحويله الشعب المصري إلى شعب إتكالي، فرُدّوا على احمد عكاشة بالقول: إن النفاق والإتكالية سمة غالبة في مصر وأنت نفسك شكوتَ منها في كتابك المذكور !
عيب الصين الوحيد
بعدما فرضت الصين تحديد النسل، وفرضت التعليم الإلزامي، وسمحت بإنشاء شركات خاصة، وقامت ببناء بنية تحتية جيدة، وَسَعَت إلى تحسين مستواها التكنولوجي لترفعه من مستوى رديء إلى مستوى متوسط، ولأن الشعب الصيني هو شعب عامل ومكدّ ويكتسب المهارة بسرعة إلى درجة مكَّنته من تحقيق مهارة إنتاجية تعتبر عالية نسبياً على الصعيد العالمي، ولأن اليد العاملة الصينية رخيصة... كل هذه العوامل مجتمعةً، بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى، جعلت الصين تنجح في أن تكون دولة قوية، ما دفع بدول العالم الصناعية الكبرى للتهافت على التصنيع فيها، لأن الصين وببساطة باتت قادرة على أن تُصنِّع للشركات العالمية منتوجات هذه الأخـيرة بكلفة أقل وبجودة عالية نسبياً.. وهذا ما يتيح للشركات الأجنبية (والغربية بالتحديد) توسيع سوق الإستهلاك في العالم كله والإستمرار بتحقيق الأرباح .
على أن عيب الصين الوحيد، وهو ما بتنا نعاني منه ، نحن المستهلكين في دول العالم التالف، هو أنها تُصنِّع (من حيث الجودة) وفقاً لرغبة الشاري الأجنـبي، وهذا ما لم تفعله الدول الصناعية الكـبرى في تاريخها كله منذ أن بدأت الثورة الصناعية الكبرى في أوروبا قبل أكثر من مائتي عام! ففي الصين يَعْرِضون المنتجات الصينية (الماركات الصينية أو العالمية) على التاجر الأجنبي على هذا النحو: هذه السلعة بجودة عالية تكلفتُها كذا.. وهذه السلعة نفسها بجودة متوسطة تكلفتُها أقل.. وهذه السلعة نفسها بجودة رديئة تكلفتُها أقل بكثـير.. وما عليك سوى أن تختار.. أي أنهم تركوا الخيار لذمة وضمير التاجر.. فماذا يفعل تجار دول العالم التالف؟ إن معظم تُجّارنا يطلبون السلع، الراغبين باستيرادها إلى بلادنا، بجودة رديئة، ثم يبيعوننا إياها بأسعار السلع متوسطة الجودة في بعض الأحيان، وبأسعار السلع عالية الجودة في معظم الأحيان! حتى بتنا نعيش على هامش العصر.. ففي حـين يستمتع مواطنو العالم الغربي باستهلاك أحدث تقنيات العصر، بتنا نحن نعاني من زبالة التقنيات الـتي تصلنا من الصين وتغزو أسواقنا التجارية وندفع ثمنها في المحصلة أضعاف ما يدفعونه في الغرب، بعدما كنا نستهلك حـتى أواخر التسعينيات فخر الصناعة الكورية الجنوبية عالية الجودة! وكمثال بسيط: كنا نشتري بطارية بحجم الإصبع ب16 سنتاً لنُشغّل ساعة الحائط، وكانت تخدم لمدة عامٍ كامل.. الآن نشتري البطارية نفسها مصنوعةً في الصين وبالسعر نفسه، ولكنها لا تخدم سوى أسبوع واحد! وعلى هذا الحال بتنا بحاجة إلى 52 بطارية كل سنة لنُشغّل ساعة حائط، أي أننا بتنا ندفع أكـثر من 8 دولارات بدلاً من 0,16 دولار!! أولم تسمعوا بالمثل العامي القائل: قرش الفقـير بِعَشرة.. أو بالمثل الأجنـبي القائل: لستُ ثريّاً لكي أشتري البضاعة الرخيصة!!
هذا العيب الصيني لا يعاني منه مواطنو الدول الغربية، لماذا؟ لأنه، وحسب قوانين الإستيراد في تلك الدول، ممنوع منعاً باتاً استيراد السلع ذات الجودة الرديئة ولا حتى المتوسطة، فقط ذات الجودة العالية.. ولذا فإنك ستجد في أسواق الدول الغربية سلعاً صينية فائقة الجودة والمتانة.
والسؤال الذي نوجهه إلى شباب ثورة مصر: في حال أصبحت مصر دولة قوية فهل سيكون فيها هذا العيب الصيني؟ إنه مجرد سؤال.
عودة إلى الكلام الجد
على افـتراض أن شباب ثورة مصر نفَّذوا كل ما سبق وعرضنا له، بالإضافة إلى أمور أخرى فاتنا أن نعرض لها، وباتت مصر على قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح دولة قوية.. هنا نسأل: من أين سنأتي بالتكنولوجيا ومن الذي على استعداد لأن يعطينا إياها؟!
إن مصر دولة فقـيرة الموارد، كما وتفتقر إلى الـثروة النفطية..ويكفي ذكر أن الشعب المصري كاد يعاني من المجاعة في الأيام الأولى التي تلت العدوان الإسرائيلي في الخامس من حزيران/يونيو عام 1967 وذلك بسبب إقفال قناة السويس، التي كانت آنذاك المورد الوحيد لمصر من العملة الصعبة، حيث لم يبق في خزينة الدولة من عملةٍ صعبة سوى حفنة من الدولارات لم تكن تكفي بأي شكل من الأشكال لشراء أي كمية من القمح لإطعام المصريين.. ما اضطر عبد الناصر إلى استدانة بضعة ملايـين من الدولارات من الملك السعودي السابق الراحل سعود بن عبد العزيز، الذي كان يعيش في مصر لاجئاً منذ أواسط الستينيات.. وهذا ما كشف عنه في الثمانينيات صلاح نصر (مدير الإستخبارات المصرية السابق) في حديثه المطوَّل الذي أدلى به إلى الكاتب الكبير الراحل عبد الله إمام.
إن أمام مصر الآن فرصة ذهبية لتجعل من اقتصادها يعقد "قرانه" على أموال النفط العربي.. إن الشعب الليبي الشقيق بالكاد يبلغ تعداده 6,5 مليون نسمة (حسب توقعات عام 2010)، ولديه ثروة نفطية تَدُرُّ على البلاد عشرات المليارات من الدولارات سنوياً.. وما عليكم سوى أن تُقنعوا أي نظام حكم جديد يتشكل فيها بأن تعالوا واستثمروا أموال نفطكم في مصر.. وأن تفعلوا الشيء نفسه مع أشقائكم في دول الخليج العربي.. ولكن بشرط أن تضعوا صيغة محكمة لا تجعل من الإستثمار العربي أو الأجنبي (المفترض) يتحكم بالإقتصاد المصري ومن ثم بالسياسة المصرية، هذا من ناحية..ومن ناحية أخرى، ألاّ تجعلوا هذا الإستثمار العربي أو الأجنبي يخشى من الإستثمار في بلادكم ويضطر إلى الإنسحاب والمغادرة.. وعلى العموم فتلك أمور يجب أن تُلقى على عاتق خـبراء القانون الإقتصادي، بحيث لا بد من التفوق في ابتكار الحلول في هذا المجال..
هذا من جانب.. أما على الجانب الآخر المكمِّل فلا بد من اتباع سياسة اقتصادية تجعل الدول الغربية تندفع باتجاه التصنيع في مصر وتوفير التكنولوجيا الحديثة للمصانع المصرية، كما فعلت مع الصين وقبلها مع كوريا الجنوبية.. وبما أن هذا الأمر صعب المنال، وخاصةً أن القرار المتَّبع في السياسة الأميركية تحديداً، ومنذ أكثر من نصف قرن، هو التالي: ممنوع على مصر أن تصبح دولة قوية، وقد سبق وحاربوا عبد الناصر تحت هذا العنوان وشنوا على مصر حروباً سياسية واقتصادية وعسكرية لإضعافها.. لذا فإن الباب العريض الذي يتهيّأ لنا أنه قد يكون مفتوحاً أمامكم، هو اللجوء إلى الصين.. قولوا لها: تعالي يا صين وافتحي فرعاً لك في مصر! إفتحي فروعاً لمصانعك وشركاتك هنا.. أعطنا تكنولوجيا من عندك، وعلِّمينا كيف ممكن لنا أن نسير على خطاك وننجح كما نجحتِ! حاولوا تمصير تجربة الصين بما يتناسب ويتلاءم مع طبيعة مصر، دون أن يعـني ذلك استنساخها بحذافيرها وأن تجعلوا مصارينكم معلّقة بمصارينها.. فالشرط الأول والأساس هو استقلالية مصر.
*** وهكذا، لقد اجتهدنا وعرضنا لرؤيتنا أو قل وجهة نظرنا، وما على شباب ثورة مصر سوى أن يختاروا بـين أن يبنوا سور الصين العظيم أو أن يُبقوا على فول الصين العظيم!
ونكاد نكون واثقـين من أن مصر إن لم تستطع تحديد النسل فيها كشرط أول ورئيس فلن تستطيع أن تصبح دولة قوية.. فهـي قد تصبح نصف دولة قوية في أحسن الحالات، أو ربع دولة قوية، أو حتى عُشْر دولة قوية.. يلاّ، أحسن من بلاش! وعلى رأي المثل المصري: ما لَقُوش العَشا يِتْعَشُّوا، جابُوا الفِجْل وِتْدَشُّوا!
*( نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 4 نيسان/ ابريل 2011، العدد 1487).
**************************************
انتهى الفصل الأول
شباب ثورة مصر بين ثلاثة خيارات: نظرية "فيفا زلاطة".. أو أكذوبة الممانعة.. أو عبد الناصر بروحٍ عصرية!
***************************************************************************
***************************************************************************
***************************************************************************
***************************************************************************
***************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية على موقعها الإلكتروني التالي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق