2017/07/25

التقرير الخامس لبوريس نيمتسوف: "بوتين لص"/ المقدمة.



التقرير الخامس لبوريس نيمتسوف: "بوتين لص"/ المقدمة.






إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة




التقرير الخامس لبوريس نيمتسوف – الكتاب الأبيض:
بوتين لص
(موسكو – 2011)
(العنوان الأصلي: بوتين والفساد)

تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)
ف. ريجكوف
أو. شورينا
نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2011)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)


Путин. Коррупция

PUTIN.
CORRUPTION.
AN INDEPENDENT WHITE PAPER
Moscow 2011
Editorial board
V.Milov, B. Nemtsov, V. Ryzhkov, O. Shorina

(Translated from the Russian to the English by Dave Essel (2011
(Translated from the English to the Arabic by Hussein Ahmad Sabra (2016



الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف، زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.

المقدمة


بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
ف. ريجكوف
أو. شورينا
إنَّ وجود فلاديمير بوتين في السلطة لعشر سنواتٍ يرتبط في معظم الأذهان بظاهرتين سلبيَّتين للغاية: الفساد والإزدياد غير العادي في إساءة استخدام السلطة.
لقد تمكَّنت روسيا في عام 2010 من أن تُصَنَّف في المرتبة 154 من أصل 178 دولة وفقاً لمنظمة المجتمع المدني العالمية "منظمة الشفافية الدولية". نَظيراتُنا في القائمة هي بعضٌ من أقل البلدان الأفريقية نمواً (الكونغو، غينيا بيساو) ودولٌ أخرى مثل غينيا الجديدة وطاجيكستان. وتَعْتَبِرُ "منظمةُ الشفافية الدولية" روسيا بأنها الدولة الأكثر فساداً من بين كل الدول الكبرى في العالم والتي تسمَّى "مجموعة العشرين". أما زميلاتُنا من الدول (البرازيل والصين والهند) فقد جاء تصنيفها في مرتبةٍ أعلى مِنَّا وذلك في المرتبة 69 و78 و87 على التوالي.
إنَّ القول الآن بأنَّ روسيا تظهَر بمستوى الفساد في أفريقيا لم يعد صحيحاً في الواقع، لأنَّ الفساد هو أقل انتشاراً في أنحاء كثيرة في أفريقيا. ففي مصر ثار مئات الآلاف من المواطنين ضد فساد حكومة (حسني) مبارك، وخرجوا إلى الشوارع وأجبروه على الإستقالة. هذا في مصر، حيث تحتل المرتبة 98 في الرسم البياني، أي نصف مستوى الفساد في بلدنا.
إنَّ الأسطورة بأنَّ بوتين قد جلب النظامَ إلى البلاد يدحضُها الواقع.
الجدول رقم 1 أدناه يوضِّح مرتبة الفساد في روسيا على مرّ السنين (وفقاً لمنظمة "الشفافية الدولية") (الخط الأحمر يمثِّل الإتجاه):

لقد تمَّ تصنيف الفساد في الدول وفقاً لـ"مؤشر مدركات الفساد" (سي. بي. آي / CPI). وحيث لا مدركَ للفساد يتم كسب 10 نقاط، و صفراً للفساد الكلي غير المقيَّد. أُنظر الجدول رقم 2 أدناه (الخط الأحمر يمثِّل الإتجاه):

لقد تمَّ احتساب "مؤشر مدركات الفساد" (CPI) في روسيا منذ عام 1996، أي منذ فترة الولاية الثانية للرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، ويقدِّم صورةً مثيرةً للإهتمام. لقد كان مؤشر مدركات الفساد في السنوات الأخيرة من حكم يلتسين 2,4. وقد تحسَّن هذا الرقم بعد تقاعد يلتسين ومجيء بوتين إلى السلطة. ثم ارتفع مؤشِّر الفساد إلى 2,6 خلال ولاية بوتين الأولى، وقد نَتَجَ ذلك عن تغيير الموظفين في الجهاز الحكومي، وتبسيط النظام الضريبي، وتطبيق القانون بدرجة أقل، والإنخفاض في عدد التصاريح والتراخيص اللازمة للقيام بأي شيء.
ومع ذلك فإنَّ الأمور قد تغيَّرت مرةً أخرى عندما بدأ بوتين فترة ولايته الثانية، والوضع الآن يتفاقم بسرعة من سيء إلى أسوأ. فبحلول عام 2010 هبط مؤشر الفساد (CPI) بسرعة شديدة من 2,6 إلى مستوىً قياسي بلغ 2,1. إنَّ الحجم الذي لا مثيل له للإحتيال والرشوة قد ضَرَبَ روسيا، في حين أنَّ أنصار بوتين يرغبون في كثيرٍ من الأحيان أن يجزموا بأنَّ الفساد في روسيا في تسعينيات القرن العشرين لم يكن أقل من الآن. ولكنَّ الوقائع تُثْبِت أنَّ العكس هو الصحيح، فإذا نظرنا إلى أرقام "المكتب الروسي للإحصاءات" حول عدد الجرائم التي تنطوي على الفساد فإنها تسجِّل ارتفاعاً كبيراً بوضوح، حيث ارتفعت هذه الجرائم من 2,7 ألف حالة عام 1990 إلى 13,1 ألف حالة عام 2009(*).
________________________________________
(*) المصدر: إرتفاع الرشوة، حولية إحصاءات روسيا لعام 2010.  
________________________________________
لا يمكن أن تكون هناك مقارنة بين حجم الفساد في ظل حكم يلتسين وبين حجمه في عهد بوتين. إنَّ أحد أوضح الأمثلة هو الثراء الذي لا يُصَدَّق لعائلة لوجكوف – باتورينا، ففي تسعينيات القرن العشرين تورَّطت هذه العائلة بفضيحة الفساد الأكثر فظاعةً حيث ركَّبوا المقاعد البلاستيكية في ملعب لوجنيكي: لقد فازت (باتورينا) زوجُ عمدة موسكو (لوجكوف) بمناقصة موسكو الحكومية، وقد بلغ المبلغ مجرَّد 700 ألف دولار، وهذا ما أثار عاصفةً من الإحتجاجات. أما في عام 2008 فقد فازت باتورينا مرةً أخرى بالمناقصة، وهذه المرة كانت لإصلاح وتجديد تمثال ف. موجين الشهير والذي يجسِّد العامل والفتاة الفلاحة. ولكن في هذه المرة كان مبلغ المناقصة 100 مليون دولار، ولم يُثَر أيُّ غبارٍ حول الفضيحة، وبالطبع لم يُفْتَح بشأنها أيُّ تحقيق.
إنَّ ما يسمَّى بـ"شؤون الكتَّاب" يوفِّر مثالاً نموذجياً آخر، ففي عام 1997 برزت فضيحة كبرى حول حقوق المؤلِّف التي تُدفَع لموظفي الحكومة من أجل كتابٍ عن الخصخصة، وبلغت حقوق المؤلِّف تلك 90 ألف دولار. وقد أدَّت الفضيحة إلى حدوث أزمة في الحكومة، التي رفضت هذا المبلغ في ربيع عام 1998. واليوم توجد أخبار عن حصول مساعدي بوتين على فيلَّاتٍ حكومية يُقَدَّر ثمنها بعشرات الملايين من الدولارات، إلا أنَّ ذلك لم يُثِر أحداً، كما أنَّ أحداً من المساعدين لم يفقد وظيفته. إنَّ نائب رئيس بلدية موسكو ف. ريزين، الذي لم يسبق له أن عمل في مجال التجارة والأعمال، يلبس في يده ساعةً ثمنُها مليون دولار، ولكنَّ ذلك لم يدفع بالنظام الحالي إلى التحقيق معه حول كيفية حصوله عليها ولا إلى عزله. 
هذا الحال من الفساد الآن هو أسوأ بكثيرٍ مما كان عليه سابقاً في تسعينيات القرن العشرين.
إنَّ الفساد لم يعد يشكِّل مشكلةً في روسيا؛ فقد أصبح نظاماً قائماً بحد ذاته. فهذا الورم الخبيث قد شلَّ الحياة الإجتماعية والإقتصادية في البلاد. إنَّ دورة الفساد في روسيا الآن تبلغ حدَّ 300 مليار دولار(*). إنَّ هذا المبلغ هو مساوٍ  لحجم الميزانية الروسية ككل، ويمثِّل 25% من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد.   
_________________________________________
(*) المصدر: مؤسسة "INDEM" (علم المعلومات من أجل الديمقراطية) لتشخيص التحقيق في الفساد في روسيا: 2001 – 2005، والتي تُقَدِّر أنَّ قيمة الفساد ارتفعت من 33 مليار دولار إلى 316 مليار دولار ما بين عامي 2001 و2005.
_________________________________________
إنَّ ارتفاع الأسعار والرسوم الجمركية سببُهُ إلى حدٍ كبير الإحتكاراتُ "البوتينية" وأنشطةُ فساد الموظفين الحكوميين في كل المستويات. فالرشى والإحتيال يزيدان ما يصل إلى 50% من سعر أي شيء. هذا هو السبب في أنَّ شركة "غازبروم" تتكلَّف على بناء خطوط أنابيب الغاز أكثر بثلاثة أضعاف من سعر التكلفة في أوروبا(*). كما أنَّ بناء خطوط أنابيب النفط يشمل أيضاً الإختلاسات والرشى بقيمة مليارات الروبلات (عشرات ملايين الدولارات)(**). إنَّ الرشى التي يلزم دفعها من أجل الحصول على رخصة لبناء منزل تصل إلى 30% من كلفته. ومن أجل أن يغطِّي المحتكِرون وتلك السلطات التكاليفَ المتزايدة فإنهم يزيدون من ثمن الخدمات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في جميع المجالات. وبالتالي علينا نحن أن ندفع ثمن السرقة والفساد و"سلطة بوتين الرأسية". 
_______________________________________
(*) المصدر: صحيفة "فيدوموستي" (الروسية المستقلة)، بتاريخ 17/ 3/ 2010: الجزء البحري من خط أنابيب "نورث ستريم" (North Stream) للغاز يكلِّف 10,6 مليون دولار للكيلومتر الواحد، أي ما مجموعه 12 مليار دولار لـ 1128 كلم زائداً 2 مليار دولار كأموالٍ مهدورة. للمقارنة بين تكلفة خطوط أنابيب الغاز الأوروبية والروسية أُنْظُر إلى "تحليل غاز أوروبا الشرقية".
(**) المصدر: مدوِّنة ألكسي نافالني الإلكترونية بتاريخ 16/ 10/ 2010 حول الإختلاس في شركة "ترانسنفط".
_______________________________________
إنَّ نظام بوتين يلفت الإنتباه إلى بوجوده في كل مكان، وبالدمج المفتوح ما بين الوظيفة الحكومية والبزنس، وباستخدامه لأقاربه وأصدقائه ومعارفه في امتصاص نفقات الميزانية والإستيلاء على متلكات الدولة، وبالبقاء الدائم في السلطة في حين يتم العمل بغموضٍ كلي تقريباً.
إنَّ الرقابة على وسائل الإعلام والإلغاء شبه التام للحكم البرلماني هو هو بشكلٍ خاص أمرٌ ضار. فغياب الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية، والتي فاقمتها ندرةُ التحقيقات الصحافية حول أنشطة الفساد، أوجد أرضاً خصبة للإنتهاكات المتعارضة مع القانون.
لقد عمَّ الفسادُ الأرضَ ودمَّر نظام تطبيق القوانين، فالعديد من ضباط الشرطة ينظرون إلى الإثراء الشخصي كأولوية رئيسة [في أوائل عام 2011 أُلقي القبض على الجنرال ألكسندر بوكوف، رئيس مكتب التنسيق لمكافحة الجريمة المنظَّمة والأنشطة الإجرامية الأخرى في رابطة الدول المستقلة (المكوَّنة من بعض دول الإتحاد السوفياتي السابق)، وتمَّ طردُهُ بعدما اتُّهم بالإحتيال بمبلغٍ قدرُهُ 46 مليون دولار، وتمَّ التحري عن قصره المكوَّن من 50 غرفة على مساحة 5 فدادين]. إنَّ أولويات هؤلاء الناس لا تشمل مكافحة الإرهاب أو حماية المواطنين.
إنَّ هذا النظام بالسلطة الرأسية للموظفين الحكوميين قد دمَّر أيضاً استقلال المحاكم. فالضغط الإداري قد جعل النظام القانوني مختلاً ويعتمد اعتماداً كلياً على السلطة الفاسدة.
الفساد قد عزَّز أيضاً من الإدارة اللصيقة ببوتين: أصدقاءٌ يستطيعون الحصول على أي شيء وليذهب الباقون إلى الجحيم. فالخضوع للقانون والتسليم بالعدالة أياً كان شكلها إنما لا يشكِّل جزءاً من تعاملات الموظفين الحكوميين في نظام بوتين، ذلك أنَّ المبدأ الأسمى هو الولاء الشخصي. فالتوجُّه الرئيس للسلطات اليوم هو: "إبْقَ وفياً وأنتَ حُرٌّ في أن تسرق ما تشاء، وإذا ما تخلَّيتَ عن الوفاء تذهب إلى السجن". 
عندما تولَّى ديمتري ميدفيديف رئاسة روسيا (من عام 2008 وحتى 2012) شكَّل لجنةً لمكافحة الفساد برئاسته شخصياً، ومع ذلك فإنَّ النتائج كانت صفراً، لا بل حتى سلبية لأنَّ النظام يعتني بجدِّية بأعضائه الفاسدين. ووفقاً لرئيس المحكمة الروسية العليا ف. ليبيديف فإنَّ المتَّهمين في 65% من القضايا التي تم استعراضها، وبلغ عددُها نحو 10 آلاف قضية في البلد كله، حصلوا على حكمٍ زع وقف التنفيذ، لا أكثر(*).
_______________________________________
(*) المصدر: تقرير في صحيفة "كومرسانت" (الروسية الليبرالية) في 28/ 1/ 2009، وقد جاء كلام ليبيديف خلال اجتماع رئاسة المحكمة الروسية الفدرالية العليا.
________________________________________
في هذا العالم الشاسع قام عددٌ من البلدان بهزيمة الفساد بنجاح، وتشمل الأمثلة الرائدة النرويج، ألمانيا، إيطاليا، أسبانيا، الولايات المتحدة الأميركية وسنغافورة، والمثال الأكثر نجاحاً هو جورجيا. إنَّ الرجل، الذي صنع معجزة سنغافورة قاضياً على الفساد ومحقِّقاً نجاحاً إقتصادياً باهراً، قال في مقابلة صحافية مع صحيفة "فيدوموستي"  (الروسية المستقلة) يوم 26/ 10/ 2005، إنَّ ثلاثة مبادىْ يجب أن تتحقَّق لحل مشكلة الفساد:
1- التأكد من نظافة وصدق الناس الموجودين في مناصب الحكم.
2- التأكد من أنَّ العقوبة على المخالفات لن يستتبعُها فشلٌ.
3- التأكد من أنَّ أُجوراً لائقة تُدْفَع لموظفي الحكومة، وأنَّ يُكافَأوا جيداً على العمل الشريف.
في روسيا اليوم لا يتم تطبيق أيَّ واحدٍ من هذه المبادىء الثلاثة، وإننا علي يقين من أنَّ مشكلة الفساد لن تُحَل ما لم يتم تنظيف السلطات المركزية، فالتعفُّن هو من الرأس وصولاً إلى أسفل. وبالتالي لا يمكن حل هذه المشكلة طالما أنَّ الصوص، الذي لا يفكِّر إلا بإثرائه الشخصي، هو الذي يرأس البلاد. لهذا السبب لن نبحث في هذا التقرير في كل شكلٍ من أشكال الفساد الموجود، ولكن سوف نركِّز بدلاً من ذلك على حالة الفساد في الطبقة العليا.
سنقدِّم ادلة عن فسادٍ فاحشٍ، لا مثيلَ له، في أعلى مراتب السلطة في روسيا، وسنقوم بشرح كيف أنَّ المقرَّبين من بوتين تحوَّلوا من رجال أعمال عاديين إلى مليارديرات من جراء مشروع "أوزيرو داتشا" (Ozero Dacha Condominium) لبناء المساكن الصيفية في الريف الروسي. وسوف نتحدَّث عن الترف ونمط الحياة الذي يعيش فيه قادة بلادنا. وسوف نشرح كيف جعلونا جميعاً ندفع ثمنَ ذلك.
وأخيراً سوف نضع في الفصل الختامي خطَّتَنا حول الإجراءات لمكافحة الفساد، مع الإشارة إلى أننا ندرك أنه لن يكون بالإمكان القضاء على الفساد تماماً. ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ الإنتقال بروسيا من مستوى الفساد في غينيا – بيساو إلى مستوى الفساد في أوروبا الشرقية على الأقل، أو إلى ما حقَّقته جورجيا، هو هدفٌ واقعي تماماً، وهو علاوةً على ذلك سيكون هدفاً جيداً لتنمية البلاد.
ما لم يتم حل هذه المشكلة فإنَّ قَدَرَ روسيا المحتوم هو التخلُّف الأبدي، وقَدَرَ مواطنيها هو الحرمان والفقر الأبدي.

الفصل التالي:
التقرير السابق:
















 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق