2011/07/14

لا لإسقاط الطائفية السياسية.. نعم لإسقاط الفساد!



             عام 1969 تخرَّج شقيقي الأكـبر علي صبرا في كلية الحقوق في بـيروت، حاصلاً على إجازة في العلوم السياسية والإقتصادية، وقد جاء الأول في دفعته.

 آنذاك، كان من حق شقيقي علي صبرا أن ينال منحةً من الدولة اللبنانية للسفر إلى الخارج لإكمال دراسته لينال الماجستير ومن ثم الدكتوراه، دون أن يتكلّف قرشاً واحداً من جيبه أو من جيب ذويه.
 إلا أن المنحة حُجبت عن شقيقي علي، وهو المسلم (الشيعي)، لتُعطى لزميله المسيحي(الماروني)، الذي أتى ترتيبه الثالث أو الخامس أو ربما العاشر!


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً




 


                       الأنظمة العلمانية العربية هي الأكثر عهراً وفجوراً

                لا لإسقاط الطائفية السياسية..
                         نعم لإسقاط الفساد!



     حسين احمد صبرا

عام 1969 تخرَّج شقيقي الأكـبر علي صبرا في كلية الحقوق في بـيروت، حاصلاً على إجازة في العلوم السياسية والإقتصادية، وقد جاء الأول في دفعته.
 آنذاك، كان من حق شقيقي علي صبرا أن ينال منحةً من الدولة اللبنانية للسفر إلى الخارج لإكمال دراسته لينال الماجستير ومن ثم الدكتوراه، دون أن يتكلّف قرشاً واحداً من جيبه أو من جيب ذويه.
 إلا أن المنحة حُجبت عن شقيقي علي، وهو المسلم (الشيعي)، لتُعطى لزميله المسيحي(الماروني)، الذي أتى ترتيبه الثالث أو الخامس أو ربما العاشر!
 آنذاك كان المسيطر على مقاليد الحكم في لبنان ما يسمى بالمارونية السياسية، الـتي كانت تمارس تمـييزاً عنصرياً بـين أبناء الوطن الواحد على أساس طائفي.. هذا إبن ست وذاك إبن جارية..
 هذا المثل الذي ذكرته عن التمييز العنصري الذي لحق بشقيقي العلماني (الشيوعي-الناصري) علي صبرا هو مجرد واحد من أمثلة لا حصر لها لحقت بالمسلمين اللبنانيين، وعلى رأسهم الشيعة، من قبل المارونية السياسية منذ استقلال لبنان عام 1943 على الأقل، وهو التمـييز العنصري الذي كان الدافع الأساس لأن يسعى الشيعة اللبنانيون بالتحديد (مع غيرهم من المسلمين) لرفع الظلم والحرمان عنهم منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وليس لتحرير فلسطين أو تحرير البطيخ..
 الآن ذهبت المارونية السياسية أدراج الرياح وتابت وأنابت، وحلَّ مكانها ما يسمى بالشيعية السياسية (بدعمٍ إقليمي وبقرار دولي واضح لا لبس فيه).. فهل بات المسلمون، والشيعة منهم بالتحديد، يحصلون على حقوقهم التي حرموا منها طوال عقودٍ سابقة؟
 وبمعنى آخر، هل لو أن شقيقي علي صبرا قد تخرَّج في الجامعة الرسمية (أي الحكومية) الآن وجاء الأول في دفعته فهل هو سيحصل على منحة دراسية في الخارج (في حال ما يزال هذا النظام سارياً) أو أن بإمكانه أن يتوظف في الدولة في مجال اختصاصه وخاصةً أنه الأول في دفعته، أي أنه متفوّق؟
 الجواب هو: لا..
 لماذا؟
 قبل أن نجيب لماذا، وبما أن المثل اللبناني يقول: الشمس طالعة والناس قاشعة (أي ناظرون بأعينهم)، فإننا سنطرح الأمر بشكله فائق البشاعة والقبح، وهو ما سيثير اندهاش شبان الثورات في تونس ومصر وليبيا إذا ما تسنى لهم قراءة هذه السطور.. نقول: وهل سيستطيع شقيقي علي صبرا أصلاً أن ينتسب الآن (كطالبٍ شيعي) إلى الجامعة الرسمية دون أن يكون محازباً للشيعية السياسية أو مؤيداً أو مطبلاً أو مزمراً أو حـتى منافقاً لها؟! أما إذا ما أراد أن يتوظف في الدولة فحدِّث بلا حرج، ذلك أن الأمر يكاد يشبه الحصول على لبن العصفور! وليس هذا فحسب، بل إن الأمر يذهب إلى أبعد حد ليصبح بزرميطاً في بزرميط، فحـتى بـين الشيعة أنفسهم من المحازبين أو المناصرين أو المنافقين للشيعية السياسية، هناك إبن ست وإبن جارية!
 وهذا يعـني أننا، وبعد أن شهدنا مع المارونية السياسية في عقود سابقة عنصريةً طائفية من قبل مسيحيين ضد مسلمين، ها نحن الآن نشهد مع الشيعية السياسية ليس طائفيةً مسلمين ضد مسيحيين أو مذهبيةَ شيعة ضد سُنّة أو دروز فحسب، بل وعنصرية شيعية ضد الشيعة أنفسهم!
 إذاً، المسألة في النظام اللبناني لم تعد مجرد مسألة طائفية أو حتى مذهبية، بل إنها مسألة فئوية بامتياز! هذا من فئـتي، إذاً أدافع عنه وأحميه وأغطيه إذا ما سرق ونهب وأفسد، سواء أكان وزيراً أو حاجباً في وزارة.. وذاك ليس من فئـتي، إذاً أُشهّر به وأفـتري عليه وأسعى لإقصائه (إن لم يكن قتله) حتى ولو كان مشهوداً له بالوطنية والكفاءة ونظافة الكف!
 بمعنى أن هناك عنصرية فئوية زائد جبروت، جعلت من الفساد المستشري الآن في لبنان يبلغ حداً لم نشهد له مثيلاً في الكرة الأرضية ولا حتى في الكواكب الأخرى!
 والآن، وفي  مقابل ذلك وخلال شهر آذار/ مارس 2011، ظهر فجأة على الملأ شعار قديم-جديد ألا وهو: العلمانية هي الحل، بما يذكّرنا بشعار الإسلامجية: الإسلام هو الحل.. وقد رفع شعار العلمانية والدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية في لبنان بضعة آلاف من الشباب اللبناني تظاهروا سلمياً في شوارع بيروت.. ونحن من جهتنا لا نشك في صدق نوايا البعض منهم (وليس كلهم) ولا في حماسهم أو وطنيتهم أو حتى استقلاليتهم..
 عظيم،
 ولكنَّ شعار العلمانية هو مجرد كلام في الهواء! كيف؟
 فقط نريد أن نستذكر الحزب الشيوعي اللبناني، وهو حزب علماني بامتياز وخارج نطاق التصنيف الطائفي منذ تأسيسه قبل عقود طويلة من الزمن، وهو الذي ينضوي تحت لوائه مسيحيون ومسلمون من شتى المذاهب..
 هذا الحزب الشيوعي العلماني كان اللبنانيون بالأمس القريب يصفونه بتهكّم بأنه يفتح المظلات في بيروت كلما أمطرت في موسكو.. أي أن حاله كان كحال الشيعية السياسية اليوم، والتي تفتح المظلات في بيروت كلما أمطرت في المحور الممانع والمقاوم للعفاريت..
 وهذا دلالة على أن أزمة النظام اللبناني في ما يتعلق بسياسة لبنان مع الخارج وربطه بمحاور إقليمية ودولية تُدخله في أزمات ونزاعات وحروب طاحنة لا تُبقي ولا تذر ولا يُعرف لها نهاية، هذه الأزمة ليس سببها النظام الطائفي ولا حلُّها بالنظام العلماني..
 هذا في ما يتعلق بأزمة لبنان مع الخارج..
 أما في ما يتعلق بأزمة لبنان مع الداخل، فإننا سنفترض مجرد افتراض أنَّ الطائفية السياسية قد تم إلغاؤها وأمسك بنظام السلطة في لبنان أحزاب وشخصيات سياسية علمانية وبات لبنان بلداً علمانياً، فهل أن ذلك سيكون الحل الناجع وبلمح البصر للأزمات الأساسية الـتي يعاني منها هذا الوطن؟ وبمعـنى آخر، هل أنَّ تحوُّل النظام في لبنان من نظام طائفي إلى نظام علماني سيستأصل الفئوية ويقطع دابر الفساد والمفسدين؟! وبسؤالٍ محدد: هل أن الطائفي (فرداً كان أم حزباً) هو فاسد لا محالة، في حــين أن العلماني (فرداً كان أم حزباً) هو ملاك يرفرف بجناحين؟!
 إن أصحاب النوايا الصادقة من بين الشبان اللبنانيين المتظاهرين هم من السذاجة بمكان بأن طرحوا شعار العلمانية كحل لأزمة النظام السياسي في لبنان دون أن يستطيعوا أصلاً تحديد أسباب هذه الأزمة، تماماً كما يطرح الإسلامجية (عن خبث ودهاء وليس عن سذاجة) فرضَ الحجاب كحل للأزمات التي تعاني منها البلاد العربية والإسلامية لا بل والعالم بأسره!
 دعونا، وباختصار، نحدد أبرز أسباب الأزمة اللبنانية ونناقشها سريعاً عبر هذا الإستعراض البسيط:
 أولاً، في طليعة أسباب الأزمة الداخلية في لبنان ظهور طائفة من الطوائف كل حين من الزمن تريد أن تطغى على بقية الطوائف وتستفرد بحكم لبنان.. وهنا من الضرورة بمكان معرفة أن تحوُّل لبنان إلى دولة علمانية لن يمنع جموح كل حزب علماني على حدة نحو الطغيان على باقي الأحزاب العلمانية وبلع البلد في كرشه! وانظروا إلى بعض الأحزاب العلمانية في دول عربية عدة ماذا فعلت بأوطانها على مدى نحو نصف قرن من الزمن!
 ثانياً، أن كل طائفة من الطوائف اللبنانية لا تتورَّع عن تقديم الكثير من الحثالة والزبالة من بـين أفرادها لتطرحهم كممثلين عنها في الحياة السياسية، في حين لا تقدم سوى القليل من الشرفاء منهم.. وهنا نسأل: ما الدليل على أن الأحزاب العلمانية المفترضة لن تفعل الشيء نفسه! ويكفي أن تراجعوا سيرة كل الأحزاب العلمانية العربية (وبعض الأحزاب العلمانية اللبنانية) لتجدوا أن جميعها قادها حمقى ولصوص وغوغائيون وموتورون ومجرمون، ومن بينهم من ندر أن عرف التاريخ مثيلاً لهم في الفساد والإجرام!
 ثالثاً، أنَّ كل طائفة من الطوائف اللبنانية تتصارع على تناتش الحصص في الدولة وخاصةً في الوزارات ذات الطابع الخدماتي أو السيادي، وذلك حرصاً من قبل الراكبين على هذه الطوائف على تأييد أبناء طائفتهم لهم، وإمعاناً من قبل البعض منهم في نهب ثروات البلد.. وهذا الأمر هو في صلب أهداف الأحزاب العلمانية العربية وعلى طربوشها اللبنانية، لتكسب أكـبر قدر من السلطة والنفوذ والشعبية في ظل وجود منافسة مع أحزاب علمانية أخرى، إلى أن يتمكن أحدها في غفلة من الزمن من السيطرة المطلقة على مقادير السلطة بأكملها، وبعدها عينيك ما تشوف إلا النور!
 رابعاً، أن راكـبي الطوائف وبمجرد فوزهم بمناصب في الدولة، كمنصب وزير أو مدير أو شيخ منصر، تجدهم قد حولوا هذه الوزارة أو تلك المؤسسة أو ذلك المرفق إلى "تكية" تابعة لهم و"للّي بذّروهم" وكأنها إرث استردّه، ونلحظ ذلك من كيفية إدارة هذه الوزارات أو المؤسسات أو المرافق إن على صعيد الخدمات أو التوظيفات أو الترقيات أو الإنفاقات أو حـتى في السياسة العامة المرسومة لها، لتصبح الوزارات والمؤسسات والمرافق دويلات داخل الدولة، مسخَّرة لخدمة الفئة التي ينتمي إليها هذا "العتعيت" أو ذاك.. وخبرتُنا بالعلمانيين، عرباً أو لبنانيين، تفيدنا بأنهم ربُّ من يتفنن بمثل هذه الفئوية خدمةً لمحازبيهم ومناصريهم.
 خامساً، أنَّ كل طائفة من الطوائف وحـين تستعيض بالحثالة والزبالة ليمثلوها في الدولة عوضاً عن الشرفاء والنزهاء والحكماء، فإنك ترى هؤلاء اللصوص كمن فُتحت لهم مغارة علي بابا ليُمعنوا فيها هـبراً وهبـيراً وهبشاً وتهبيشاً للمال العام لحسابهم الشخصي ولحساب الفئة الـتي يمثلونها، دونما حسيب أو رقيب أو ثواب أو عقاب، ذلك أن المبدأ السائد عند معظم ممثلي تلك الطوائف هو: شيّلني أشيّلك، ويا بخت مـين نفّع واستنفع.. ولا يستطيع الشبان اللبنانيون الذين أبصروا في منامهم فجأة أن العلمانية هي الحل، أن يقنعونا بأن العلمانـيين في ما لو استلموا السلطة ستكون الواحدة منهم "خضرا الشريفة" والواحد منهم "أخضر الشريف"!!
 سادساً، أنَّ كل مصادر الهبرات الكبيرة في هذا البلد تجد أنها قد تم تناتشها وتوزُّعها من قبل الفئات الـتي أفرزتها الطوائف بدءً من استيراد النفط والغذاء والدواء والشَنْكليش والأَشْلميش، وانتهاءً بالتلزيمات والتعهدات والمناقصات... ومحاولة إقناعنا بأن العلمانيين طهارى وعذارى أشبه بمن يهذي بأن الجنة سيفوز بها أصحاب اللحى!
 وعلى هذا المنوال، وإذا ما نظرت من حولك، ستجد أن الأنظمة العلمانية العربية هي الأكثر عهراً وفجوراً، كما كان الحال في تونس ومصر وليبيا وغيرها من الدول العربية.. وسيكون حالنا في لبنان إذا ما استبدلنا النظام الطائفي بآخر علماني، تماماً كما نقول في لبنان: كما حَنّا كما حنين، وراح العاشق وإجا المشتاق.. أو كما يقولون في العراق: بدَّلنا عليوة بعلّاوي.. أو كما يقولون في مصر: يا مستنّي الأملة من حليب النملة.. وقد غاب عن ذهن الشبان اللبنانيين ممن تظاهروا بصدق ضد الطائفية وطرحوا العلمانية كبديل، أن الغالبية الساحقة الماحقة ممن يتزعمون الطوائف اللبنانية إنما هم أشخاص علمانيون.. وأن البقية الباقية ممن يلتحفون الآن بالدين لو أنَّ الزمن عاد بهم جميعاً إلى الوراء لوجدتهم ماركسيين ثورجيين ملحدين، ذلك أن التركيبة العقلية لهؤلاء تعجز عن الإهتداء إلى حلول وسط: فإما أن يلحدوا وينكروا وجود الله، وإما أن يتهيأ لهم بأنهم مبعوثو العناية الإلهية!
 وأيضاً، غاب عن ذهن الشباب اللبناني المتظاهر أنَّ الأحزاب "العلمانية" التاريخية في لبنان تقف الآن في صف الطائفيين الفاسدين، وحبذا لو كانوا شركاء لهم لكانت المصيبة أهون من أن يكونوا مجرّد أتباع!
 وقبل أن ننسى، لا بد أن نذكّر الشباب المطالب بالعلمانية بأن الأحزاب بشكل عام والعلمانية بشكل خاص لا تلبث أن تتحوّل بدورها إلى ما يشبه الطائفة أو المذهب أو الدين ذات نفسه، وذلك من ناحية تأليه الحزب من قبل محازبيه ومناصريه والتعصب الأعمى له، لتصبح نظرة من هم من الحزب العلماني الفلاني تجاه بعضهم البعض أو تجاه من هم محازبون لأحزاب علمانية أخرى، تماماً كنظرة الطائفيين والمذهبيين والفئويين: هذا من حزبي فأرتاح له أو أخدمه أو أصاهره...وذاك ليس من حزبي فأتمنى لو أن عزرائيل يخطف روحه!
 وربَّ قائل: إن لم تكن العلمانية هي الحل لأزمة النظام السياسي القائمة في لبنان منذ فجر الإستقلال وحـتى ليلنا المنيّل في ستين نيلة هذا.. إذاً، أين تكمن الأزمة كيما نقوم بحلّها؟!
  
            الحِدّاية ما بتحدِّفش كتاكيت!

 الجواب هو أن أزمة النظام السياسي في لبنان تكمن في الفساد.. والمشكلة نابعة أصلاً من أن المجتمع اللبناني نفسه هو فاسد في جُلِّه..
إفتح نافوخ معظم المواطنين اللبنانيين (كما نوافيخ معظم مواطني باقي المجتمعات التالفة)، فإنك وفي ما يتعلق بحديثنا هذا ستجد التالي:
أولاً،أنَّ الواحد منا مهووس بالتفكير بالمال، لا هذا الموجود في جيبنا أو المفترض أن نجنيه بالحلال بالكد والتعب والصبر، وإنما ذاك الموجود في جيوب الآخرين، ذلك أن في اعتقاد الواحد منا أن هذا المال الذي يملكه الآخرون إنما هو في الأصل حقٌ لنا ونريد استرداده بأي طريقة من الطرق، إن بالسرقة أو الغش أو الإحتيال أو الإبـتزاز أو الطمع... فما بالك إذا كان هذا المال هو مالٌ عام؟!
ثانياً، أننا أصحاب عينٍ فارغة ونفتقد للإحساس بالشبع، والمثل يقول: العين الفارغة لا يملأها إلا الـتراب.. وبالتالي فإننا لا نشبع مالاً منهوباً ولا سلطة مسلوبة.. ويكفي أن تنظر إلى الكثـيرين ممن دفعتهم الظروف فجأة من الرفش إلى العرش ومن البيادر إلى المنابر كيف هم ينهبون المال العام وفق التعبير الدارج: شاف شي ما شاف شي!
ثالثاً، أن معظم اللبنانيين لا تستفزهم أعمال النهب.. وفي الحياة العادية يتعاطف الكثيرون مع السارق ضد المسروق!!
رابعاً، أن إبني إذا ما رأيته بأُمّ عينيّ يرشق نوافذ الجـيران بالحجارة ويحطم زجاجها سأقف مع إبني وأُنكر أن يكون هو الفاعل وألوم جاري وأتهمه.. فنحن لا نخطىء.. نحن من معشر الآلهة.. وأريد لإبني حينما يكبر أن يؤمن بأنه لا يُسأل عما يفعل!
خامساً، الإحساس بالضآلة، لذا تجد الواحد منا يزحف زحفاً لكي يكون مسنوداً من قِبَل "عظمة كبـيرة" (حاشاكم الله) أو ننتسب إلى أحزاب أو تنظيمات أو جماعات ليتحوّل الواحد منا إثرها إلى ديكٍ على مزبلة!
سادساً، النرجسية والأنانية المفرطة وسواد منطق: أنا ومن بعدي الطوفان، حتى لو أدى ذلك إلى أن أبيع وطني للأغراب مقابل أن أصل إلى السلطة وأستمر على الكرسي! 
إن ما اكتفينا بذكره أعلاه من أمراض يعاني منها المجتمع اللبناني هو مجرد نقطة في بحر، وهي أمراض تفتك فتكاً وتفلح فلاحةً بجميع مجتمعات العالم التالف، وسببها الوحيد الذي لاشريك له هو انعدام الأخلاق وبالتالي فقدان القدرة على اكتساب القيم وإعلاء شأنها.. وهذا ما أدى إلى الفساد المنظَّم، الذي هو السبب الرئيس في الأزمة في لبنان.. وكم كان حريّاً بالشباب اللبناني أن يتظاهر مطالباً بإسقاط الفساد والمفسدين لا بإسقاط النظام الطائفي وإبداله بآخر علماني، ذلك أن الإنقسام الحاد الحاصل في لبنان إنما هو انقسام أخلاقي في المقام الأول قبل أن يكون انقساماً طائفياً أو مذهبياً أو سياسياً، تماماً كما هو الحاصل في العالم بأسره من انقسام أخلاقي حاد بين مجتمعات تخلَّقت وأعلت من شأن القيم فتحضَّرت، وبين مجتمعات آثرت البداوة وافتخرت بها فداست على الأخلاق والقيم.
وإن شئنا الدقة أكثر فإن أبرز أسباب هذا الكم الهائل والمخيف من الفساد والمفسدين في لبنان وباقي دول العالم التالف هو انعدام التربية داخل الأسرة.. من هنا فإن الفاسد منهم إذا ما تسنَّم منصباً كبـيراً في الدولة تجده هو ينهب.. وزوجه تنهب.. وإبنه ينهب.. وإبنته تنهب.. وصهره ينهب.. وشقيقه ينهب.. وإبن عم اللي نَتَعُه ينهب.. عائلات بأكملها تنهب.. ويحازبهم ناهبون.. ويناصرهم فاسدون.. وعلى شكله شَكْشِك له.. إنهم يا حبة عيني ينهبون وهم ناقمون، كما لو أن ذويهم لم يكونوا يعطونهم في طفولتهم خَرْجِيّة (مصروف جيب)! ولا عجب من انعدام التربية داخل الأسرة، فإذا كان رب البيت بالطبل ضاربٌ فشيمة أهل البيت كلُّهم الرقصُ.. ثم أن الحِدّاية ما بِتْحدّفش كتاكيت.. وفي النهاية فاقد الشيء لا يُعطيه!
إن الشباب اللبنانيين الذين تظاهروا رافعـين شعار العلمانية وإسقاط الطائفية السياسية هم من السذاجة والمراهقة بمكان إلى حد أنهم لا يدركون أن هناك من أراد بهم زكزكة المسيحيين في لبنان وإخافتهم لكون الأخـيرين يقفون عقبة كأداء ضد المشاريع الإقليمية التي تريد بلع هذا البلد وإلغائه ليبقى مجرد ساحة للمساومات والإبتزازات والصفقات الإقليمية مع الغرب.. ذلك أن المتضرر الوحيد من إلغاء الطائفية السياسية في لبنان هم المسيحيون، فهم بإلغائها سيتلاشون ويتلاشى لبنان معهم، إذ أنَّ سرَّ وجود لبنان كدولة هم مسيحيوه، فإن قضينا عليهم فما هو مـبرِّر وجود لبنان على الخريطة حينئذٍ؟!

                 مَنْ سيشفط التريليون؟!

لم يقل لنا الشباب اللبنانيون، الذين تظاهروا رافعـين شعار العلمانية، ما هو موقفهم من المسائل الجدية المطروحة على الساحة اللبنانية: فما هو موقفهم من استقلال لبنان.. وما هو موقفهم من السلاح غير االشرعي.. وما هو موقفهم من الدويلات التي تنافس الدولة وتتطاول عليها وتعيق نهوضها.. وما هو موقفهم من جعل لبنان ساحة مفتوحة للحروب والصراعات والمساومات والصفقات الإقليمية.. وما هو موقفهم من الفساد والفاسدين.. وغيرها العديد من المسائل.
ثم ما الذي لمَّ الشامي على المغربي، وما الذي جمع عباس بدرباس في مظاهرة سارت في شوارع بيروت مدَّعيةً بأن العلمانية هي الحل ثم رأيناها تنعطف فجأةً تحو وزارة الطاقة والكهرباء! فما علاقة العلمانية بالطاقة والكهرباء والمازوت والبنزين والغاز والتِرْبَنْتين؟!
هنا نقترح على الإعلامي اللبناني جورج  جرداق بأن يقدّم برنامجاً تلفزيونياً جديداً بعنوان: مَنْ سيشفط التريليون؟ والتريليون هذا، يا أعزائي القراء، إنما نقصد به كمية النفط والغاز التي تم اكتشافها في المياه الإقليمية جنوب لبنان والمُقدَّرة بكذا تريليون برميل!
وهكذا، هنيئاً لنا بغوغائيين جدد ظهروا البارحة على الساحة اللبنانية، لنصبح أمام مشهدٍ ثلاثيّ الأبعاد: علمانجية، زائد إسلامجية، زائد مَنْ لم يكن ذووهم يعطونهم في طفولتهم خرجيّة!

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 4 نيسان/ إبريل 2011، العدد 1487).







 ****************************************************************************
    إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:


                           http://www.alshiraa.com/      

هناك تعليق واحد: