2017/07/21

التقرير الثاني لبوريس نيمتسوف: "بوتين وغازبروم"/ الفصل الرابع: مكائد خط الأنابيب.



التقرير الثاني لبوريس نيمتسوف: "بوتين وغازبروم"/ الفصل الرابع: مكائد خط الأنابيب.



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الثاني:
بوتين وغازبروم
(موسكو – أيلول/ سبتمبر 2008)

تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)

نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2008)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)



Путин и Газпром

(The Nemtsov White Paper, Part II: Gazprom (the full text

Vladmir Putin: The Bottom Line


by Boris Nemtsov and Vladimir Milov
(September 2008)

(Translated from the Russian by Dave Essel (2008
(Translated from English to Arabic by Hussein Ahmad Sabra (2016



الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف، زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.


الفصل الرابع
مكائد خط الأنابيب



بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
في السنوات الأخيرة خصَّص بوتين وإدارة "غازبروم" قدراً كبيراً من الوقت والجهد لعددٍ من مشاريع خطوط أنابيب الغاز، مصحوبةً بالكثير من الضجة الدعائية بالإضافة إلى سياسة الألاعيب الصبيانية الخارجية الخطيرة. وقد أدى هذا إلى جعل العديد من الروس يعتقدون بأنَّ كل هذه الخطوط، التي تحمل أسماء "الشمالية" و"الجنوبية" و"التيار الأزرق" وغيرها من الخطوط، هي حجر الزاوية للمصالح الوطنية الروسية. لذا يخشى العديدون على مصير هذه المشاريع ويوافقون على أنَّ البلدان التي تقف علناً ضد خطوط الأنابيب ينبغي تصويرها كأعداء.
ومع ذلك، وبالفحص الدقيق، لا يوجد مشروع من بين هذه المشاريع، الطامحة إلى بناء خطوط أنابيب جديدة للتصدير ، يمثِّل أيَّ شيء من هذا، وإثباتُ ذلك أمرٌ سهل. ففي واقع الأمر أنَّ مكائد هذه المشاريع ليست أقل من مكائد تجريد أصول "غازبروم".
أولاً، وقبل كلِّ شيء، تجدر الإشارة إلى أنَّ لدى روسيا سابقاً نتائجَ مخيِّبة للآمال جرَّاء المكائد المحيطة بتنفيذ مشاريع خطوط الأنابيب الدولية واسعة النطاق.
إليكم أولاً خط أنابيب الغاز "بلُو ستريم" (التيار الأزرق/ BluestreamГолубо́й пото́к  الذي يمر عبر قاع البحر الأسود من روسيا إلى تركيا. ففي عام 1997، وقبل إبرام الإتفاق مع تركيا على بنائه، جَزَمَتْ "غازبروم" أنَّ هذا الخط سيكون محورَ المصالح الإستراتيجية لروسيا، وكان الهدف الرئيس المفترَض هو تجاوز الأراضي الجيورجية. وليس هناك أدنى شك في أنَّ مثل هذه المخاوف، كما الحاجة إليها، ومسائل الكفاءة، تمَّت تنحيتها جانباً وكأنها أمورٌ "غير مِهَنِيَّة".
لقد بُنِيَ الآن خط "بلُو ستريم"، وها هو يعمل بنصفِ سَعَتِهِ، وفي السنوات الأربع الأولى عمل بثلث سَعَتِه (السببُ أنَّ "غازبروم" – كما تنبَّأ العديد من الخبراء بمَنْ فيهم كُتَّابُ هذا التقرير – بالَغَتْ في تقدير الطلب التركي المحتمَل للغاز). لقد بلغت كلفة القسم التابع لــ"غازبروم" من خط الأنابيب 3 ملايين دولار لكل كيلومتر، مقابل المتوسط العالمي البالغ 1 – 1,5 مليون دولار. لقد وُهِبَ هذا المشروع إعفاءً من الضرائب المتوجِّبة عليه بقيمة أكثر من مليار دولار كمساعدةٍ من قبل الدولة في وقتٍ لم يكن مناسباً لميزانية الدولة (أي بين عامي 1998 و2002).
والآن يستمر الغاز المصدَّر عبر أنابيب "بلُو ستريم" بالتمتُّع بالإعفاء من رسوم التصدير وفقاً لاتفاقياتٍ دَولية تمَّت المصادقة عليها عام 1999 في وقتٍ كان بوتين ما يزال رئيساً للوزراء. وهذا الأمر يكلِّف الدولة من 600 إلى 700 مليون دولار سنوياً حسب سعر الغاز الحالي(*).
______________________________________
(*) المصدر: وزارة المالية الروسية، مذكَّرة توضيحية لمشروع قانون الموازنة الإتحادية لفترة 2008 – 2010.
_____________________________________
ما أن بدأ تشغيل خط أنابيب "بلُو ستريم" حتى نشب نزاعٌ خطير مع تركيا بشأن استخدامه، إذ طالبت تركيا – بنجاحٍ – بأن يتم تخفيض سعر الغاز المتَّفَق عليه وتخفيض الحد الأدنى للكميات التي يتم شراؤها، الأمر الذي يعني بالتالي تقليل دَخْل "غازبروم". ولاحقاً أصرَّت تركيا على أن يتم تحديد مسألة إعادة بيع الغاز الفائض الذي تريد "غازبروم" إيصاله عبر خط "بلُو ستريم" إلى أوروبا من أجل ملء خط الأنابيب. المفارقة القاسية هنا هي في أنه سَبَقَ وجرَت مناقشات حول فرع خط الأنابيب المحتمَل عبر جورجيا من أجل الإستفادة بشكلٍ أفضل من طاقة السَعَة، ولكن وعلى الرغم من ذلك – كما لاحظنا – فإنَّ تجاوز جيورجيا كان في المقام الأول القسمَ "الإستراتيجي" الرئيسَ بالنسبة لخطوط الأنابيب.
ونتيجةً لكل هذا جاء القرار ببناء خط أنابيبٍ جديد – "ساوث ستريم" – تحت البحر الأسود. ولكنَّ تجاوز تركيا الآن إنما جاء عقب ما أُعلن عنه من قبل الرئيس بوتين في العام الماضي [2007] من رفضٍ للنظر في بناء المرحلة الثانية من خط أنابيب "بلُو ستريم".
إنَّ الفوائد التي تعود على الدولة من "مشاريع البناء لهذا القَرْن" الجديدة الأخرى كانت –بعبارةٍ ملطَّفة – مشكوكاً فيها إلى حدٍّ ما.
والآن نحن مدفوعون إلى الإنخراط أكثر فأكثر في "مشاريع البناء لهذا القرن"، والتي يمكن القول إنها ضرورية لحماية مصالحنا الوطنية "الإستراتيجية". هذه المشاريع هي: خط أنابيب "نورد ستريم" تحت بحر البلطيق، وخط أنابيب "ساوث ستريم" تحت البحر الأسود، وخط أنابيب "ألتاي" إلى الصين. 
بالنظر إلى تجاربنا مع "بلُو ستريم"، أَوَليس من الحكمة أن نفكِّر كيف ستكون هذه المشاريع مفيدة لروسيا؟ 
ليس من الواضح على الإطلاق بأنها ستكون كذلك. دعونا نتناول "نورد ستريم" أولاً، فعلى الرغم من أنَّ "غازبروم" أكَّدت على مدى سنواتٍ أنَّ تكلفة بناء هذا الخط تحت بحر البلطيق "لن يتجاوز" 5 مليار دولار، فإنَّ الرقم المعترَف به رسمياً إنما يقف عند حدود 11,5 مليار دولار (7,4 مليار يورو). وفي اعتقادنا أنَّ القسم البحري من خط الأنابيب سيُكَلِّف في نهاية المطاف ما لا يقل عن 15 مليار دولار.
أما البديل من "نورد ستريم"، والذي رَفَضَتْهُ "غازبروم"، فكان من الممكن أن يكون إضافة أنبوب ثانٍ موازٍ لخط أنابيب يامال – أوروبا عبر روسيا البيضاء وبولندا بتكلفةٍ قدرُها 2,5 مليار دولار فقط. وكان هذا الخط سيسير بالتوازي مع الخط القديم عبر الأماكن المتوافرة فيها البنية التحتية وبدون تعقيدات البناء تحت البحر من جديد. ولكنَّ هذا تمَّ رفضُهُ جملةً وتفصيلاً.
في حين أنه سيتم نقل الغاز عبر خط "نورد ستريم" استناداً إلى السفن أو دفع الأجر. وهذا يعني أنَّ "غازبروم" ستدفع للشركة المشغِّلة تكاليف نقلِ 27,5 مليار مترٍ مكعَّب بدءاً من عام 2010 بغض النظر عما إذا تمَّ القيام بذلك أم لا، وتكاليفَ 55 مليار مترٍ مكعَّب بدءاً من عام 2010 على الأساس نفسه. وهذه "الزيادة" في التعرفة الجمركية، واللازمة من أجل المساعدة في سداد تكاليف الإستثمار، ستستمر حتى عام 2032. ويبدو من الإنصاف أن نقول إنَّ تكاليف النقل على هذا النحو لن تؤدي إلى أي توفير مقارنةً بالكلفة المفترَضة من عبور الخط عبر روسيا البيضاء وبولندا. وبالتالي فإنَّ على "غازيروم" أن تدفع جدِّياً المزيد من المال في سبيل الإستمتاع بتجاوز هذين البلدين.   
هذا هو ثمن وجود طموحاتٍ سياسية.
وعلاوةً على ذلك، ليس صحيحاً الإدعاء بأنَّ "نورد ستريم" ستُمَكِّن روسيا من تجاوز كل بلدان العبور، ذلك أنَّ خطَّ الأنابيب هذا يجب أن يَعْبُرَ إما قيعان البحار الإستونية أو الفنلندية، ومن ثمَّ قيعان البحار السويدية. وقد رفضت إستونيا إعطاء روسيا الإذنَ، كما أنَّ لدى فنلندا والسويد على حدٍّ سواء اعتراضاتٍ على مشاريع أنابيب "غازبروم".  
وبالتالي، وكما يتَّضح، فإنَّ خطَّ أنابيب "نورد ستريم" لا مجالَ له في أن يكون جيداً بالنسبة إلى روسيا على النحو الذي يتم العمل به، ولا وضعه التفصيلي واضحٌ أيضاً، وستكون الكلفة المالية والتشغيلية مرتفعة للغاية بالنسبة إلى "غازبروم"، والفوائد الإقتصادية ليست واضحة، والمخاطر جدِّية. وعلاوةً على ذلك، وعلى الرغم من حقيقة أنه كلَّ الحديث بحماسٍ عن المشروع قد تمَّ من خلال شروط بوتين، إلا أنَّ البدء في بناء القسم البحري من الخط لم يبدأ بعد.
والوضع ليس أفضل حالاً مع المشاريع الضخمة لخَطَّي الأنابيب الآخرَين: "ساوث ستريم" (التيار الشمالي /South StreamЮжный поток) و"ألتاي" (Altai/ Алтай). إنَّ خط أنابيب "ساوث ستريم"، الذي هو حتى الآن موجودٌ كفكرة فقط (ولم توضَع أي خططٍ مفصَّلة بشأنه)، من المفترض أن يساعد على تصحيح الأخطاء الجسيمة التي ارتُكِبَتْ في خط "بلُو ستريم" وإلغاء الإعتماد على عبور الغاز – المتَّجه نحو أوروبا – لتركيا، التي أثبتت أنها أبعد من أن تكون شريكاً مريحاً كما كانت "غازبروم تتوقَّع. 
من حيث المبدأ، من المفترض أن يمتد خط "ساوث ستريم" عبر قاع البحر الأسود من روسيا مباشرةً إلى بلغاريا ومن ثمَّ إلى الدول الأوروبية الأخرى. والفكرة ليست سيئة، فالبحر الأسود لا يؤدي إلى مشاكل بيئية كتلك التي يؤدي إليها بحر البلطيق. وفي حين نجد أنَّ خط "نورد ستريم" من المفترض أن يوفِّر كمياتٍ تسليمٍ جديدة إلى أسواقٍ جديدة، وأنَّ المرء يفترض أنَّ الهدف من هذا الخط ليس تجاوز أوكرانيا، منذ أن أصبح شمال غرب أوروبا سوقَه المستهدَف، حيث لا تُرسل أوكرانيا الغاز إليه، فإننا في المقابل نجد أنَّ "ساوث ستريم" هو على العكس من ذلك بحيث أنه يشكِّل ساحة مناورة ضد أوكرانيا لأنه سوف يزوِّد جنوب غرب أوروبا بالغاز والمزوَّدة حالياً بالممر الأوكراني. بيد أنَّ الجداول تختلف: إذ أنَّ 130 مليار متر مكعَّب تمر سنوياً عبر أوكرانيا، في حين أنَّ سَعَة خط أنابيب "ساوث ستريم" هي 30 مليار مترٍ مكعَّب. من هنا فإنَّ أوكرانيا سوف تحتفظ بمركزها المهيمن لسنواتٍ عديدة مقبلة.
من ناحيةٍ أخرى هناك مشاكلُ واضحة مع الخطة، عَنَيْنا بها التكلفة العالية والضرورة الحتمية للإتفاق على وُجهة طريق خط الأنابيب سواء مع أوكرانيا أو تركيا، لأنَّ الخط سوف يكون مُضْطَراً إلى المرور من خلال المنطقة الإقتصادية البحرية الخاصة بهذا البلد أو ذاك.  
لقد قُدِّرت تكاليف المشروع من قبل وزير الطاقة الروسي سيرجي شماتكو بأنها ستصل إلى أكثر من 20 مليار دولار (أُنظر: صحيفة "فيدوموستي" الروسية، "أنابيب بتكلفة 20 مليار دولار"، 30 تموز/ يوليو 2008). أما مَدُّ الأنابيب عبر قاع البحر الأسود فسوف يؤدي إلى المشاكل نفسها التي لدى أنابيب "نورد ستريم" في بحر البلطيق، وسوف يحتاج الأمر إلى الحصول على موافقة مَدِّ الأنابيب في المناطق الإقتصادية البحرية الخاصة إما في تركيا أو في أوكرانيا، أي البلدين نفسيهما والذي تمَّ إنشاء خط الأنابيب خِصِّيصاً لتجاوُزِهما! 
فهل لن يُصار إلى إيجاد الأرخص بالتفاوض طويل الأجل والإتفاقات المستقرَّة مع أوكرانيا؟ من وجهة نظرنا سيكون التوصل إلى اتفاقٍ مع الأوكرانيين أبسط بكثير من أن نُنْفِقَ المليارات على خطِّ أنابيب من شأنه أن يقلِّل اعتمادنا على الغاز العابر لأوكرانيا بنسبة 25% فقط. إنَّ كل ما هو مطلوب للوصول إلى مثل هذا الإتفاق هو القدرة على إجراء مفاوضاتٍ نكون فيها على استعدادٍ لإيجاد حلولٍ وسط من دون أن نعتمد فقط على الفُتُوَّة.     
أما في ما يتعلَّق بخط أنابيب الغاز من غرب سيبيريا إلى الصين [ألتاي/ Altai/ Алтай] فإنه حالةٌ من المغامرة بحتة. فعلى الرغم من إعلان "غازبروم" أن بناءه لن يكلِّف سوى من 4 إلى 5 مليار دولار، إلا أنَّ هذا أمرٌ يصعب تصديقه لأنَّ طوله سيبلغ 2800 كيلومتر، معظمها في مناطق جبلية ليس لدى "غازبروم" سوى خبرة قليلة بها. ويمكن للمرء أن يؤكِّد وهو مطمئنٌ أنَّ المشروع سيُكَلِّف ما لا يقل عن 10 مليار دولار (3 ملايين دولار لكل كيلومتر). كما يمثِّل المشروع تهديداً للبيئة في منطقة "ألتاي" وسيشمل ذلك إلحاق الضرر بهضبة جبال "أوكوك" العالية، وهي محمية بَرِّيَّة [للنباتات والحيوانات] فريدة من نوعها ومُدْرَجة من قبل منظمة الأونيسكو كموقعٍ للتراث العالمي.  
ومع ذلك، فالشيء الرئيس الذي نريد قوله عن هذا المشروع هو أنَّ التوقعات الإقتصادية مشكوكٍ فيها إلى حدٍّ كبير، وذلك لأنَّ الصين ليست مستعدة لدفع أسعارٍ مرتفعة في الغاز الروسي. فالفحم هو مصدر الطاقة المهيمن في الصين، ومن غير المرجَّح أنَّ جمهورية الصين الشعبية، التي تعتبر الإكتفاء الذاتي من الطاقة الهدفَ الرئيس لسياساتها المتعلِّقة بالطاقة، سوف توافق على دفع سعرٍ مرتفع في غازٍ مستورد طالما يُمْكِنُها استخدام الفحم الموجود لديها بتكلفةٍ أقل. وخلافاً للنفط، فإنَّ الصين لن تستورد الآن ولا في المستقبل كمياتٍ كبيرة من الغاز، وسوف تفضِّل الفحم الموجود لديها. وفي الواقع، تتوقَّع وكالة الطاقة الدولية أنَّ صافي واردات الصين من الغاز في عام 2015 لن تتجاوز 30 مليار متر مكعَّب سنوياً. 
لذا، فإنَّ الأمر هو أنَّ هذا العامل التقليدي قائمٌ على أنَّ الصين كانت على الدوام غير مَرِنة بتاتاً في مسألة السعر عند تفاوضها مع مورِّدي الغاز الروسي. وعندما عُقِدَت مفاوضاتٌ مع الصين في أعوام 1999 – 2002 حول توريد الغاز إلى الصين من حقل الغاز "كوفيكتا"، أصرَّ الصينيون على أنَّ السعر على الحدود الروسية – الصينية يجب أن لا يتجاوز الـــ40 دولاراً لكل ألف مترٍ مكعَّب، أي أقل مما كانت تدفعه أوكرانيا آنذاك!
في آذار/ مارس 2006 تمَّ التوقيع من قبل بوتين على مذكَّرة حول بناء خطِّ أنابيب للغاز لتزويد الصين بـــــ30 مليار متر مكعَّب سنوياً، ولكن لم يحدث أيُّ تقدُّمٍ في المحادثات منذ ذلك الحين، ويُقال إنَّ الطرفين لم يتوصَّلا إلى اتفاقٍ إلى صيغةٍ بخصوص السعر. ومن الواضح أنَّ الصينيين يعرضون سعراً غير مقبول بالنسبة إلى "غازبروم".
المستوى المحتمل قبوله بالنسبة لهم يمكن معرفته من خلال الإتفاق بين الصين وتركمانستان والذي ينص على تسليم الصين 30 مليار متر مكعَّب سنوياً بدءاً من عام 2010 عبر خط الأنابيب الذي تمَّ بناؤه حديثاً بين تركمانستان والصين. وعلى عكس ما هو عليه الحال بالنسبة إلى الخطوط الروسية، فإنَّ العمل على هذا الخط يسير على قدمٍ وساق، وقد تمَّ التوقيع على مذكرة حول بناء خط الأنابيب وتسليم 30 مليار مترٍ مكعَّب من قبل الحكومة الصينية ورئيس تركمانستان السابق سَبَرْمورات نيازوف في أوائل نيسان/ أبريل 2006، أي بعد ثلاثة أسابيع من توقيع المذكرة مع بوتين. ومن الواضح أنَّ المشاريع الروسية والتركمانية تتنافس مع بعضها البعض لأنَّ الصين، وكما ذُكِرَ أعلاه، ليست في حاجة إلى استيراد أكثر من 30 مليار مترٍ مكعَّب سنوياً في المستقبل المنظور، وبالتالي فإنَّ خطَّي الأنابيب الإثنين لا داعي لهما.
ويبدو بالتالي أنَّ تركمانستان كانت قادرة على تقديم عرضٍ أفضل للصين، وهو العرض الذي تضمَّن الوصول إلى حقول الغاز والسيطرة على خط الأنابيب. فمستوى الأسعار، وفق الإتفاق الذي تمَّ التوصل إليه في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2007، هو 192 دولاراً لكل ألف مترٍ مكعَّب. وهذه الأسعار هي أقل من أسعار "غازبروم" للغاز المصدَّر إلى أوكرانيا والتي يتم اتِّباعها حتى العام 2009.
السؤال الآن: لماذا نحاول أن نصل إلى السوق الصيني، الذي يُعَدُّ أسوأ الصفقات مقارنةً بصفقاتنا مع أوكرانيا؟ وهل سيحصل المزيد والمزيد من ذلك منذ أن أصبحت تركمانستان تتفوَّق علينا بشكلٍ واضح في هذه المسألة؟
أوليست تفوح من كل قصة الأنابيب إلى الصين رائحة عفنة متأتية من مكيدةٍ أخرى؟
وسؤالٌ كبيرٌ آخرُ وأكثرَ أهميةً يضع علامات استفهامٍ حول كل المشاريع العملاقة لخطوط الأنابيب: من أين ستحصل "غازبروم" على الغاز المفترض إرساله عبر هذه الأنابيب الجديدة؟ إنَّ مجموع الغاز الإضافي اللازم لتشغيل مشاريع الخطوط الثلاثة (نورد ستريم – ساوث ستريم – ألتاي) إذا ما تمَّ يناؤها، هو 115 مليار مترٍ مكعَّب سنوياً، وهو حجمٌ غير متوافر في حسابات الغاز الحالية. لقد سبق أن وَصَفْنا الصعوبات التي واجَهَت مسألة استخراج الغاز نتيجة ضعف الإستثمار المزمن على مر السنين. لقد ظلَّت "غازبروم" لفترةٍ طويلة وإلى الآن تتلاعب بسمعة حقلَي الغاز الجديدَين: "بوبانينكوفو" (Bobanenkovo) و"شتوكمان" (Shtokman)، اللذين يمكن أن يساعدا على ملء الفراغ في ميزان الغاز الناجم عن استنفاد حقول الغاز الحالية. ومع ذلك، عندما يتعلَّق الأمر بتطوير حقولٍ جديدة، فليس هناك ما نفخر به. 
الخاتمة التي تقفز إلى ذهننا هي التالية: إما أنَّ كل هذا الصخب حول المشاريع الجديدة للغاز هو مجرَّد مكيدة، وإما أنَّ علينا – نحن المستهلكين الروس – أن ندفع ثمن الزيادة في صادرات الغاز من خلال التقليل من استهلاك الغاز عن طريق الإستعاضة عنه بالفحم والطاقة الذرية، اللذين هما أغلى سعراً.

الفصل التالي:
الفصل السابق:

















 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق