2011/05/01

يا عزمي بشارة.. لماذا تريد تحرير فلسطين؟!



   لم تكد تمضي عدة أسابيع على دخول ياسر عرفات وجماعته إلى غزة وأريحا بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 13 أيلول/ سبتمبر عام 1993 حتى اعتقلت أجهزة أمن أبو عمار رئيسَ تحرير إحدى الصحف الفلسطينية، وهي التي كانت تصدر منذ أيام الإحتلال الإسرائيلي (وإسمها "النهار" إن لم نكن مخطئين).. لقد بقي هذا المسكين معتقلاً في أقبية زمرة ياسر عرفات سبعة أيام بلياليها (دون أن يَعرف سبب اعتقاله)، داس فيها هؤلاء الحثالة على كرامته ومسحوا بها البلاط،
 







إنزل إلى أسفل لتقرأ الموضوع كاملاً
 

        

           الصراع بين العرب وإسرائيل ثأرٌ حضاري.. أم ثأرٌ بدوي؟!
                   يا عزمي بشارة..
         لماذا تريد تحرير فلسطين؟!
   

   حسين احمد صبرا


المفكر الفلسطيني النقي الدكتور عزمي بشارة
 
     لم تكد تمضي أسابيع عدة على دخول ياسر عرفات وجماعته إلى غزة وأريحا بعد توقيع اتفاق أوسلو بيـن منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 13 أيلول/ سبتمبر عام 1993 حتى اعتقلت أجهزة أمن أبو عمار رئيسَ تحرير إحدى الصحف الفلسطينية، وهي التـي كانت تصدر منذ أيام الإحتلال الإسرائيلي (وإسمها "النهار" إن لم نكن مخطئيـن).. لقد بقي هذا المسكين معتقلاً في أقبية زمرة ياسر عرفات سبعة أيام بلياليها (دون أن يَعرف سبب إعتقاله)، داس فيها هؤلاء الحثالة على كرامته ومسحوا بها البلاط، وهات يا لَكْم وهات يا ضَرْب وهات يا سَحْل وهات يا إذلال، حتى أدموه وكسروا أضلعه..
     لماذا؟
     السبب، ببساطة ما بعدها بساطة، أن ياسر عرفات (جلَّ جلاله) قد أصدر بياناً.. وأنَّ صاحبنا المسكين قد أشكل عليه الأمر فظنَّ أنه ما يزال يعيش في ظل الإحتلال الإسرائيلي ولم ينتبه حضرة جنابه إلى أن هذا الجزء من فلسطين الذي يُصدر منه صحيفته قد تحرَّر الآن، فقام بنشر بيان أبو عمار في الصفحة الثامنة ولم ينشره في الصفحة الأولى!!
     من هنا نريد طرح السؤال التالي:
     لماذا نريد نحن  العرب تحرير فلسطين؟!
     هذا هو السؤال الذي نريد توجيهه إلى الدكتور عزمي بشارة، وهو المفكر الفلسطيني النقي،  وقد أفنـى عمره عيشاً في ظل الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين مناضلاً واقعياً حضارياً، وها هو الآن يجرِّب العيش خارجه، لندخل معه في مناقشة فكرية متواضعة نبسِّط من خلالها الأمور المعقدة ونعيدها إلى جذورها الأصلية.

                  تحرير فلسطين قضية مقدَّسة
                  أم أرض بالزائد أو بالناقص؟!

     إن أصل صراع العرب مع إسرائيل هو شعور الشعب العربي من المحيط إلى الخليج بأن كرامته قد هُدِرَت ومُسِحَت بأستيكة، وهذا ما يجب التركيـز عليه بشدة وليس على أي شيء آخر غيـره.. وأنَّ هذا الهدر للكرامة هو الذي جعل الشعب العربي يُعِدّ العدة ويتحين الفرصة للأخذ بالثأر.
     إن قضية اغتصاب أرضٍ عربية ليست هي أساس الصراع العربي- الإسرائيلي.. ولا هي في طرد جزء من شعبها وبقاء الجزء الآخر تحت نيـر الإحتلال.. ولا هي في  محاولة إلغاء هوية هذه الأرض.. ولا في عداء هذا الكيان المصطنَع للعرب.. ولا في أن هذا الكيان المصطنَع يهدِّد الوجود العربي كأمّة.. بل إن القضية هي قضية كرامة قبل أي شيء آخر، وهذا ما جعل الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يعتبرها قضيته المقدَّسة، وما يزال، وسيبقى على هذا الحال إلى أن تزول إسرائيل.. لماذا؟
     أولاً، لو أن القضية هي في اغتصاب أرضٍ عربية فإن لدى العرب ملاييـن من الكيلومترات المربعة كفيلة بأن تجعلهم يصبرون على اغتصاب حفنة تراب من أرضهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً..
     ثانياً، هنالك مساحات واسعة من الأراضي العربية تفوق بأضعاف مساحة فلسطين يحتلها الفرس والأتراك والأسبان ويمعنون في اضطهاد شعبها ومحو هويته العربية (تماماً كما تفعل إسرائيل)، ولكنها لم تصبح قضيةً أولى لدى العرب ولم تحظَ بقداسة..
    ثالثاً، ما من دولة عربية إلا ولديها مشاكل في ترسيم الحدود مع جاراتها العربية أو الأجنبية..
     رابعاً، لم يكن هناك أسهل لدى العرب من أن يَهَبوا الشعب الفلسطيني المطرود من أرضه مساحةً من أرضهم (وما أكبرها) ليعيشوا فيها (مؤقتاً إلى حيـن تحرير فلسطين) عيشة الملوك إذا ما خصصوا لهم جزءً يسيراً من مليارات الدولارات التي أُنفِقَت بحجة التسلُّح من أجل تحرير فلسطين..
     إذاً، القضية قضية كرامة وليست قضية أرض بالزائد أو بالناقص.. لماذا؟
     هناك أسباب عديدة، ولكنها تبقى ثانوية، ومنها اللحظة التاريخية التـي اغتُصبَت فيها فلسطين حيـن كان الشعب العربي يتوق للتحرر من نيـر الإستعمار (أو تحرَّر للتوّ) وكانت الوحدة العربية في طليعة أحلامه.. ومنها الموقع الجغرافي لفلسطين في قلب الوطن العربي.. ومنها أن لفلسطين رمزيةً قُدسية لدى العرب بمسلميهم ومسيحييهم لكونها مهد الديانة المسيحية وتضم المسجد الأقصى.. ولكن كل هذه الأسباب وغيرها تبقى أسباباً ثانوية كما ذكرنا..
     أما السبب الأساسي والرئيس فهو أن العرب قد صُدموا وهالهم ما جرى نظراً إلى أن عملية اغتصاب فلسطين قد استندت إلى جَلْيَطة وبَلْف وخرافة.. فجأةً وبلمح البصر إلتمَّت مجاميع من البشر من كل أصقاع المعمورة ومن قوميات وجنسيات وأعراق وثقافات لا حصر لها ولا جامع بينها ودنَّست أرض فلسطين، وزاد في الطين بلَّة أن هؤلاء المغتصبين يدينون باليهودية مبـرِّرين إنشاءهم لوطن قومي لليهود على أرضٍ فلسطين بأنه حق إلهي منصوص عليه في كتابهم المقدَّس التوراة.
     هذا هو الأمر الذي أشعر العرب بأن كرامتهم قد هُدِرت.. والكرامة المهدورة هي التي أعطت الصراع العربي- الإسرائيلي بُعداً إنسانياً وحضارياً، وجعلت بالتالي من قضية فلسطين قضية مقدَّسة وليست قضية أرضٍ بالزائد أو بالناقص.. وهي التي جعلت العرب يتنادون للأخذ بالثأر رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً، متعلميـن وأمييـن، مؤمنيـن وملحدين، مستنيرين وغوغائيين، رُفَّعاً وحثالة، مسالمين ومجرمين، بدواً ومتحضِّرين..
     ولكن كيف؟ هذا هو جوهر النقاش!

                      ثأر حضاري.. أم  ثأر بدوي؟

     نقولها وبصريح العبارة:
     إذا كانت قضية فلسطين هي فعلاً قضية مقدَّسة عندنا نحن العرب فإن سعينا لأن نأخذ بثأرنا يجب وبشكل حتمـي أن ينطلق من منطلق إنساني وحضاري، تماماً كما الله واحد!
     يعني، وبشكل أوضح، إذا ما كان ثأرنا من إسرائيل هو ثأر إنساني وحضاري فإن الأنظمة والأحزاب والجماعات والأفراد المنبرية لقيادة الصراع العربي- الإسرائيلي يجب أن تتمتع بمواصفات إنسانية وحضارية، فعلاً لا قولاً وجعيـراً.. وأي كلام خلاف ذلك هو كلام فارغ وقائم على الجَلْيَطة والبَلْف والخرافة، تماماً كالجَلْيَطة والبَلْف والخرافة التي قامت عليها إسرائيل نفسها! وإلا أصبح الثأر ثأراً بدوياً.. مجرم يثأر من مجرم.. سفّاح يثأر من سفّاح.. عنصري يثأر من عنصري.. حرامي يثأر من حرامي.. إبن الهِرْمة يثأر من إبن اللَّيْـهة..هذا قبل أن نبحث عن الحقيقة: هل هؤلاء يثأرون أم يتاجرون!!
     إن منطق الأمور كان يجب أن يدفعنا، نحن العرب، قبل الآن بوقت طويل لأن نتشبَّث بالبديهيات ونُطْبِق عليها بأصابعنا وأسناننا ونحاسب على أساسها، وأبسطها يتلخص بما يلي: كيف يجوز لمن يهدر كرامة قومه وشعبه وأهله وناسه أن ينبـري نيابةً عنهم للأخذ بالثأر لكرامتهم التي أهدرتها إسرائيل؟! أوليس عداؤنا لإسرائيل قائماً أصلاً على أنها كيان غاصب لأراضينا ومستحوذ على سلطاتنا وفاتك بأرواحنا وناهب لثرواتنا وهادر لكراماتنا ومانع لنهضتنا وتقدمنا ويعاملنا كالجرذان؟ فكيف يتصدَّر منا ساحةَ الصراع مع إسرائيل من هو يفعل بنا الفعلَ نفسه؟!
     فهل أن أمر هؤلاء يكمن في أنهم غائبون عن الوعي مثلاً، يعني كما نقول في حياتنا العادية: هذا الإنسان جعلته الظروف مجرماً ولكن قلبه كقلب العصفور؟ فهل المطلوب منا أن ننظر إليهم كما ننظر إلى فريد شوقي أو محمود المليجي أو استيفان روستي، شخصياتٌ مُحَبَّبة إلينا رغم أدائها لأدوار الشر؟.. أبداً، فأمرهم ليس بهذه السطحية.
     طيِّب، هل أن استحواذ هؤلاء على ساحة الصراع مع إسرائيل إن بالمواقف الرنانة أو بصواريخ "الفِشِنْك" هو عبارة عن "مِحِنْ" (مع الإعتذار من هذه العبارة)، يعني قتال من أجل القتال؟.. أيضاً لا.
     إذاً، ما القصة؟

                           هؤلاء حوَّلوا القضية
                        من مقدَّسة إلى مدنَّسة!


     الأمر يتلخص في أن غاية هؤلاء (أنظمةً وأحزاباً وتنظيمات وجماعات وأفراداً) هي السلطة وليس أي شيء آخر على الإطلاق.. وهم في سبيل السلطة سطوا على قضية فلسطين سطواً مسلحاً وجعلوها حكراً عليهم و"حارة  سَدّ" على كل العاقلين الحكماء والمخلصين الشرفاء..  وبات تحرير فلسطين عبارة عن اسطوانة يديرها على مسامعنا ويُشَنِّف بها آذاننا كل من يريد الإستيلاء الكُلّي على السلطة في ديارنا، حتى نزلوا بالقضية من مرتبة القداسة إلى مرتبة الدناسة..
     لقد شكل اغتصاب فلسطين فرصةً تاريخية للعرب جاءتهم على طبليّة من ذهب لكي يُعدّوا العدة للثأر الإنساني والحضاري من إسرائيل بأن يعكفوا على بناء أوطانهم ودولهم ومجتمعاتهم لينهضوا بها جيلاً بعد جيل رقيّاً وعدلاً وازدهاراً وعمراناً وحريةً وديمقراطيةً وانفتاحاً وعلماً وفكراً وثقافةً وفنوناً وكرامةً وحقوقاً للإنسان... ليبنوا دولاً قوية ومزدهرة ومجتمعات ناضجة ومتعافية ومتحضرة تعرف معنى الكرامة لتثأر لها في الوقت المناسب مهما طال الزمن..
     إلا أن أنصار الثأر البدوي بدأوا يطفون على السطح منذ مطلع الستينيات إلى أن سطوا على الصراع العربي- الإسرائيلي منذ ما بعد هزيمة ال67 وحتى يومنا هذا.. وانظر إليهم، يا دكتورنا القدير عزمي بشارة، كيف حوّلوا أوطانهم إلى مزارع عاثوا فيها فساداً ونهباً وتخريباً وتدميراً وقهراً وتنكيلاً وكتماً للأنفاس ودوساً على الكرامات وتحريضاً على الفـتن والإقتتال وسفك الدماء، فحالوا دون نهضة أوطانهم وازدهارها وتقدُّمها وأعادوها إلى مجاهل التاريخ، وكل ذلك بإسم تحرير فلسطين.. وكم كنا متفائلين حينما كنا نعتبـر (عن سذاجة وجهل) أن هؤلاء الذين سطوا على الصراع العربي- الإسرائيلي إنما ينظرون إلى شعوبهم على أنهم غَنَم، فإذا بنا نكتشف مؤخراً (ومتأخرين) أنهم إنما ينظرون إلى شعوبهم على أنهم جرذان!!
     وسنطرح أمامك، يا دكتورنا العزيز عزمي بشارة، كمّاً من التساؤلات، ربما هي نفسها تحتوي في طياتها على الإجابات:
     أولاً، لماذا أولُ رصاصة أُطلقَتْ على إسرائيل منذ أواسط الستينيات بحجة "المقاومة" كان هدفها إسقاط مشروع عبد الناصر القومي الحضاري، وقد نجح مُطلقوها بذلك فعلاً وورَّطوا عبد الناصر في حرب ال67.. ولماذا صواريخُ "الفِشِنْك" التـي يمتلكها الآن (بحجة المقاومة والممانعة) أزلام النظام الذي ورَّط عبد الناصر في حرب ال67 وأزلام حلفائه الفرس، هدفها تفتيت المجتمعات العربية وإثارة الفتـن والنعرات والحروب الطائفية والمذهبية بيـن أبنائها، وها هم يحققون نجاحات واسعة في ذلك.. لقد فشلت إسرائيل في ضرب مشروع عبد الناصر القومي الحضاري إلا بعد أن تآمر هؤلاء بأن أعطوها الحجة عن سابق عمد وتصميم وتحت ستار تحرير فلسطين.. وفشلت إسرائيل في تفتيت المجتمعات العربية بعدما أدى العداء الشعبي لها إلى توحيد مجتمعات العرب بكافة تشكيلاتها وتنويعاتها وأطيافها، إلى أن جاء هؤلاء وأمعنوا بالمجتمعات العربية تفتيتاً طائفياً وتمزيقاً مذهبياً وتحت ستار تحرير فلسطين.. وهكذا، وفي كل مرة، ينجح الذين سطوا على الصراع العربي- الإسرائيلي في ما تفشل فيه إسرائيل! أوليس من حقنا التساؤل: من وراء هؤلاء؟!
     ثانياً، ما معنـى أن كل الذين "يقاومون" إسرائيل الآن هم صنيعة أسوأ أنظمة عرفها تاريخ البشرية وأكثرها ظلماً وقهراً وفتكاً بشعوبها ودوساً على كراماتها ونهباً لثرواتها وقتلاً لمواطنيها كما تُقتل الجرذان؟!
     ثالثاً، ما معنـى أن الجبهات المفتوحة على مصراعيها بحجة "مقاومة" إسرائيل وتحرير فلسطين باتت الآن جبهات فارسية مُقْفَلة على الفرس وحكراً عليهم وحدهم دون غيرهم وممنوع على العرب أن يكون لهم أي دور فيها؟! فهل أن الفرس لا ينامون الليل ولا يغمض لهم جفن ما دامت هناك أرض عربية محتلة؟!
     رابعاً، ما معنى أن يكون الذين سطوا على الصراع العربي- الإسرائيلي حاجة استراتيجية لإسرائيل؟! فهل تم إيجادهم منذ الستينيات كوديعة؟! وفي هذه اللحظات بالذات هل هم محميّة، تخافُ إسرائيل في ظل الثورات المندلعة في الوطن العربي الآن من تهاويهم الواحد تلو الآخر خشية أن تصبح محاطة بأعداء جديين (لا وهمييـن) يسعون للثأر للكرامة العربية ثأراً حضارياً؟!
     خامساً، ما التفسير لكون جميع الجبهات "المقاومة" و"الممانعة" لإسرائيل هي جبهات هادئة ومُطْمَئنّة وتنام قريرة العين، ولا تشتعل إلا إذا ما كان الهدف منها إيصال رسائل أو عقد صفقات أو فرض مساومات أو الحصول على سمسرات؟!
     سادساً، ما معنى أنَّ ما من مرة وجَّه هؤلاء رصاصة واحدة نحو إسرائيل إلا واستداروا ليوجِّهوا ألف رصاصة نحو صدور شعوبهم وأبناء جِلدَتهم؟!
     وأخيراً وليس آخراً يُلحّ علينا هذا التساؤل:
     كيف حدث أن إسرائيل قد حوَّلت الأرض التي اغتصبتها إلى جنَّة، في حيـن أن ما تحرَّر من فلسطين حتى الآن قد عاث فيه أصحاب الأرض فساداً وتدميراً وسفكاً للدماء لم يسبق أن شهد له مثيلاً في أيام الإحتلال؟!
     من هنا سألنا الدكتور عزمي بشارة في مطلع هذه المقالة: لماذا تريد تحرير فلسطين؟ وبمعنى آخر، فلسطين هذه ماذا سنفعل بها فيما لو افترضنا جدلاً أنَّ البدوَ منّا قد "حرَّروها"؟! ففلسطين هذه ماذا سنستفيد منها إذا ما عادت إلينا أرضاً دون أن تعود معها الكرامة؟! دون أن يعني كلامنا هذا أننا نتمنى أن تبقى إسرائيل مستمرة في الوجود.. إطلاقاً، وإنما نريد أن نبحث عن حل.

                                هذا هو الحل!
     الحل هو بإقفال باب المتاجرة بالقضية الفلسطينية وإلى الأبد، وذلك بأن نعمل على استرداد الصراع العربي- الإسرائيلي من أيدي الذين سطوا عليه سطواً مسلحاً منذ الستينيات وحتى يومنا هذا لنعيد خوض الصراع مع إسرائيل من منطلق الثأر الإنساني الحضاري.. وأول ما يجب علينا فعله في هذا المجال هو أن نرفع الشعار التالي ليصبح ثابتة الثوابت، تماماً كما الوحي المنزَل:
     في أي معركة جدية لمحاربة إسرائيل ممنوعٌ منعاً باتاً على من يقاتلها أن يصل إلى السلطة، حزباً كان أم طائفة أوتنظيماً أو جماعةً أو أفراداً.. لنقول لكل واحد منهم ليلَ نهار وبالفم الملآن: إذا كنت أنت قاتلت إسرائيل لوجه الله فعلاً لاقولاً وجعيراً، إذاً تأخذ أجرَك من الله ولا تأتي وتركب على ظهورنا تريد بلع السلطة في كرشك وكأنك أتيت بما لم تستطعه الأوائلُ أو اخترعت البارود.. وحينها لن تجد يا دكتور عزمي بشارة أياً من هؤلاء الذين سطوا على الصراع العربي- الإسرائيلي يفكر ولو في المنام في مقاتلة إسرائيل، بل وستنتفي من قاموسهم عبارة تحرير فلسطين.. إلا أن هذا لا يعنـي أن هؤلاء سيُلقون سلاحهم أو أنهم لن يفكروا أبداً في حمل السلاح، بل على العكس تماماً ، ذلك أن سلاحهم سيكون هذه المرة موجهاً حصرياً صوب صدور قومهم وشعبهم وأبناء جِلدَتهم في سعي مستميت من قبلهم للسيطرة المطلقة على السلطة.. وعلى كل حال فإنهم يُدينون أنفسهم من أفواههم حينما يروّجون لهذه "التقريقة" بأن الأرضَ يحكمها مَنْ حرَّرها، أي انهم يعترفون صراحةً بأن قتالهم لإسرائيل غايته الرئيسة الوصول إلى السلطة.. من هنا فإن الثورات الشبابية المندلعة الآن في الوطن العربي والمؤمَّل منها أن تثأر من إسرائيل ثأراً إنسانياً وحضارياً ستصطدم أول ما ستصطدم بأصحاب الثأر البدوي هؤلاء..
     هذا ما أردنا أن نلفت عنايتك إليه يا دكتور عزمي بشارة، وهذا ما يجب على الثورات العربية الشبابية أن تستعد له جيداً في المستقبل القريب كيما يكون لتحرير فلسطين معنىً وقدسيّة. 

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في9 أيار/ مايو 2011، العدد 1492).


إقرأوا أيضاً:


************************************************************
              إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية في موقعها الإلكتروني التالي:
                                            www.alshiraa.com
                      

   
    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق