التقرير الرابع لبوريس نيمتسوف:
"ماذا جلبت 10 سنوات من حكم بوتين؟"/ الفصل الثامن: مليارات غير قانونية.
إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة
الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الرابع (النص
الكامل):
ماذا جلبت 10 سنوات
من حكم بوتين؟
(موسكو – 2010)
تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي
عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)
نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2010)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)
Путин.
Итоги. 10 лет
The Complete Nemtsov White Paper,
Volume IV
PUTIN: What 10 Years of Putin Have Brought
An independent expert report by
Vladimir Milov and Boris Nemtsov
Vladimir Milov and Boris Nemtsov
(Translated from the Russian to the English by Dave Essel (2010
(Translated from the English to the Arabic by Hussein Ahmad Sabra
(2016
الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف،
زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً
من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.
(ملاحظة: قبل
توزيع هذا التقرير قام الكرملين بمصادرة عشرات الآلاف من النسخ منه، مع الإشارة
إلى أنَّ نيمتسوف طبع منه مليون نسخة).
الفصل الثامن:
مليارات غير قانونية
بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
إنَّ العجز في صندوق المعاشات، وتدهور
الطُرُق، وعويل الفقراء (أُنظر الفصول السابقة) أدَّت كلُّها إلى جعل مشاريع بوتين
الياناصيبية تَظْهَر بكل فحشها المتزايد. دعونا نلقي نظرةً على ثلاثة من هذه
المشاريع بمزيدٍ من التفصيل: 1- الأولمبياد الشتوي في سوتشي عام 2014/ 2 – مشروع
أنابيب "ساوث ستريم" (تيار الجنوب/ South Stream/ Южный поток)/ 3 – خطوط
أنابيب "ألتاي" (Altai
pipelines)؛ وقمة قادة
"أبيك" (APEC/ التعاون الإقتصادي آسيا والمحيط الهادىء)
عام 2012 في فلاديفستوك.
--تنظيم دورة أولمبية شتوية في منطقة
شبه إستوائية
نتذكَّر نيكيتا خروتشوف كأمينٍ عام
للحزب الشيوعي (السوفياتي)، والذي حاول زراعة الذرة حول مورمانسك وفي سيبيريا وفي
الشرق الأقصى، وهذا ما أكسبه لقب "نيك كورن فليكس" (Cornflakes Nick).
إنَّ روسيا هي بلدٌ شتوي، ويصعب العثور
فيها على أماكن لا تجد فيها ثلوجاً أو جليداً. وقد وجد بوتين مكاناً من هذا
القبيل، ولكن هذا المكان هو منتجع سوتشي ذو المناخ شبه الإستوائي، ثم قرَّر أنْ
تُعْقَد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية هناك. ويتساءل المرء عن اللقب الذي
سيخترعه الروس ويُطْلقونه على بوتين: ربما "فلاد ثلج الصيف" (Summer Snow Vlad)، أو أي لقبٍ آخر؟ ومع ذلك فإنَّ الشيء الذي لا نشكُّ فيه هو أنَّ
هذه الألعاب الأولمبية الشتوية سوف تبقى طويلاً في الذاكرة الشعبية.
إنَّ الإبتهاج في البداية بقرار اللجنة
الأولمبية الدولية بإقامة دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي سرعان ما تلاشى ليحل
محلَّه الفزع بشكلٍ عام والمرارة الجدِّية على وجه الخصوص عند الكثيرين من سكان
البلدة لأنَّ بقاء المدينة كمنتجع أصبح فجأةً غير مؤكَّد وكذلك مستقبل وحياة
الآلاف من مواطنيها.
دعونا نتناول الأمور بالترتيب:
·
إنَّ الإنفاق على الألعاب الأولمبية سيتجاوز الــــ 15
مليار دولار، ونصف هذا المبلغ سيتم تأمينه من الميزانية الإتحادية. ومن أجل
المقارنة فإنَّ تكلفة أولمبياد فانكوفر [في كندا عام 2010] بلغت 2 مليار دولار،
وكذلك بلغت التكلفة هي نفسها تقريباً في مدينة سالت لايك [في ولاية أوتا في
الولايات المتحدة عام 2002] وفي تورينو [في إيطاليا عام 2006]. إنَّ ما يقرب من
نصف الإنفاق – 227 مليار روبل [7 مليار دولار] – سوف تُخَصَّص لبناء طريقٍ سريع
طوله 50 كيلومتراً من مدينة أدلر (حيث المطار) إلى مدينة كراسنايا بوليانا، وهو
الطريق الذي ستبلغ كلفة الكيلومتر الواحد منه 150 مليون دولار!
·
إنَّ معظم الألعاب الأولمبية ستُقام في المناطق المنخفضة
(المسمَّاة بلغة بوتين "إيميريتينسكي ريفييرا") [ريفييرا تعني
بالإيطالية "الساحل"، وتعني باللغة السياحية الساحل المشمس والمتنوِّع
من ناحية التضاريس والذي يحظى بشعبية لدى السُوَّاح، وكلمة
"إيميريتينسكي" هي باللغة الروسية نسبةً إلى وادي إيميريتي في سوتشي،
ويصبح التعبير بالعربية: "الريفييرا الإيميريتية"]، وليس بعيداً عن
شاطىء البحر الأسود، حيث من المقرَّر بناء 6 أماكن للتزلج على الجليد والبنية
التحتية المصاحبة لها، وهذا يتطلَّب طرد أكثر من 4 آلاف شخص من 400 منزل خاصة بهم
و32 مبنىً سكنياً. أما إعادة إيواء هؤلاء السكان فقد تحوَّل إلى كابوس: لقد أُقيمت
لهم منازلَ جديدة في قرية نيكراسوفسكا وذلك باستخدام مواد بناءٍ بلاستيكية رخيصة
وسامَّة (المواد نفسها التي تسبَّبت في وفاة 150 شخصاً في حريق الملهى الليلي
"خرومايا لوشتشاد" في مدينة بيرم الواقعة بالقرب من جبال الأورال). وكان
ثمن هذه المساكن الجديدة مليون دولار لكل واحدٍ منها. ومع ذلك فقد بلغت قيمة
المنازل [الجديدة] للمرحَّلين، الذين أُجبروا على المغادرة، من 300 إلى 400 ألف
دولار في أحسن الأحوال، وهذا كان التعويض الوحيد الذي قٌدِّمَ إليهم. وبالتالي لم
يُلْقَ الناسُ خارج منازلهم الخاصة حيث عاشوا فيها وعاش ذووهم فيها دائماً من قبل،
فحسب، بل ومن المرتقَب أن يدفعوا ثمنَ هذه المزية.
·
ستحتوي الملاعب الأولمبية على 200 ألف مقعد، في حين أنَّ
مجموع سكان سوتشي هو 400 ألف نسمة، أضف إلى ذلك أنَّ هذه الملاعب لن تُمْلأ مرةً
أخرى بعد أسبوعين من انتهاء دورة الألعاب الأولمبية. إنَّ الملعب الوحيد في سوتشي
اليوم – ملعب ميتريفيلي – يحتوي على 10 آلاف مقعد، ولم يُشْغَل خلال 40 عاماً من
بنائه سوى مرَّتين: كانت أول مرة عند حفل الإفتتاح، وثاني مرة والأخيرة أثناء حفل
(العازف والملحِّن والمغني البريطاني) إلتون جون. إنَّ فكرة بوتين يأن يتم تفكيك ثلاثة
ملاعب من أصل ستة ونقلها إلى أي مكانٍ آخر بعد دورة اللعاب الأولمبية، لم تَحُلَّ
أيَّ شيء. إنَّ سوتشي ليس لديها تقليدٌ بلَعِبِ هوكي الجليد أو التزلج أو التزحلق
على الجليد، ونتيجةً لذلك فإنَّ الأماكن التي تشتد الحاجة إليها في وسط روسيا ستظل
غير مرغوبٍ فيها وغير مستخدَمة في سوتشي، ومتروكة للتفسُّخ والخراب أو أن تتحوَّل
إلى أسواق للسلع المستعمَلة. أما الحفاظ على أماكن الجليد وغيرها من الأماكن
المرتبطة بطقس الشتاء في مكانٍ دافىء مثل سوتشي فستكون عملية مكلفة للغاية. إنَّ
كلفة تشغيل الحلبة الصغيرة للتزحلق على الجليد بالقرب من حديقة ريفييرا في سوتشي
تبلغ مليون دولار سنوياً.
·
إنَّ سوتشي، كمدينة، تعاني من نقصٍ في الطاقة، وتحتاج
سنوياً إلى حوالى 300 ميجاوات، في حين أنَّ الملاعب الأولمبية سوف تستهلك حوالى
600 ميجاوات، أي ضعف متطلبات المدينة. فمن الذي سيدفع ثمن هذا، وخاصةً حينما تنتهي
دورة الألعاب الأولمبية؟ إنَّ ميزانية سوتشي وإقليم كوبان لا يمكن أن تغطي حتى
تكاليف صيانة هذه الملاعب، والسلطات الإتحادية ستنسى الموقع الأولمبي مجرَّد أن
تنتهي المباريات، وسنشهد بالتأكيد إقامة نصب تذكاري حقيقي وطويل الأمد لأساليب بوتين
المتعمَّدة في التبذير.
·
تجري الإستعدادات الأولمبية مع تجاهلٍ كلّي للبيئة، إذ
يتم شق طريق أدلر – كراسنايا السريع من خلال محمية القوقاز الغربي الطبيعية
الفريدة من نوعها، ما سيؤدي إلى انقراض بعض أنواع الأشجار الفريدة وتدمير الضفة
اليسرى من نهر مزيمتي. إنَّ الجيولوجيا المعقَّدة (كنتيجة للعديد من عيوب تضاريس
صخور الكارستية/ Karst topography) أوجدت صعوباتٍ في بناء الأنفاق وشق مسار
الطريق، وقد ضايقت الإنهيارات الصخرية الجبلية عمليات البناء في جميع الأنحاء.
وكما نرى فإنَّ الطبيعة ذاتها تدافع عن نفسها ضد هذا المشروع الطائش والمدمِّر:
ففي منتصف كانون الأول/ ديسمبر عام 2009 هبَّت عاصفةٌ وجرفت إلى مكانٍ بعيدٍ جداً
ميناءَ الشحن الذي كان قد بناه أوليج ديريباسكا [أحد أصدقاء بوتين]، كما أنَّ
منحدر نهر مزيمتي اجتاح أليات بناء الطُرُق وغَمَرَها.
·
إنَّ تدفُّق العمال المهاجرين وكمياتٍ لا حصر لها من
المعدات والمواد المستورَدة بملايين الأطنان قد أساء إلى نظام النقل في المدينة،
والذي هو مُثْقَلٌ أصلاً ويتكوَّن من القليل من الطرقات إلى جانب الطريق الرئيس
على طول الساحل. إنَّ انهيار نظام النقل، والإزدحام، وضعف السياسة البيئية، هي
أمورٌ تجعل المصطافين يبتعدون عن سوتشي، وتَحْرِمُ المدينة من المصدر الوحيد
للدخل، كما تَحْرِمُ بقية شعب روسيا من واحدٍ من المنتجعات الصيفية المفضَّلة لديهم.
إنَّ السلطات تفضِّل أن تُؤْثِرَ
الصمتَ عندما تُسْأَل عما سيحدث للملاعب الأولمبية عقب انتهاء الدورة، وعما سيتم
القيام به للناس الذين طُردوا من أراضي إيميريتي المنخفضة، ولماذا تمَّ تخريب
البيئة وتخريب آخر منتجع صيفي في روسيا لصالح الألعاب الأولمبية. ولكن سيأتي يومٌ
يكونون فيه مُجْبَرين على تقديم ردودٍ والإجابة عن الغرض من حدوث كل ذلك. ونحن
نعتقد أنَّ بالإمكان تماماً تنظيم دورة ألعاب أولمبية من دون قصص رعب، شرط أن
تُفْعَل الأشياءُ بطريقةٍ إنسانية. ويمكنكم القراءة في تقريرنا "سوتشي ودورة
الألعاب الأولمبية" عن خطَّتنا التفصيلية لعقد دورة الألعاب الأولمبية في
كراسنايا بوليانا ونقل أجزاءٍ معيَّنة من الألعاب إلى أماكن أخرى في أنحاء روسيا (www.nemtsov.ru / www.milov.info).
-- خطوط
الأنابيب الملتوية
كان بوتين خلال أكثر من 10 سنوات من
حكمه يحاول أن يجعلنا نعتقد بأنَّ بناء خطوط الأنابيب العابرة للحدود الوطنية هي
مسألة ذات أهمية استراتيجية وجيوسياسية. إنَّ الدعاية الرسمية تتمنَّى بأن تجعل
خطوطُ الأنابيب الجديدة من روسيا ثانيةً دولةً عظمى وبأن تظل أوروبا والصين أكثر
اعتماداً على نفطنا وغازنا الطبيعي.
ومع ذلك، أُنظر إلى هذا عن كثب، حينها
يصبح واضحاً أنها مشاريع احتيالٍ بكل بساطة.
خُذ على سبيل المثال خطَّ الأنابيب
الشمالي "نورث ستريم" (تيار الشمال/North Stream / Северный поток/
وإسمه الحالي بالإنكليزية Nord
stream)، إذ تبلغ
طاقته في المرحلة الأولى 27,5 مليار متر مكعَّب في السنة وهذا يرجع إلى أنَّ طاقته
سترتفع لاحقاً إلى 55 مليار متر مكعَّب. وتبلغ التكلفة المعلنة رسمياً لهذا
المشروع 11,5 مليار دولار، على الرغم من أنه تكلَّف في الواقع ما لا يقل عن 15
مليار دولار. إنَّ حجة بوتين من وراء خط الأنابيب هذا هو أنه سوف يساعد روسيا على
التخلُّص من الإعتماد على مزاجية [رئيس روسيا البيضاء] ألكسندر لوكاتشنكو والتي لا
يمكن التنبؤ بها، ومن مشكلة مرور خط أنابيب روسيا البيضاء – بولندا. دعونا ننتقل
الآن إلى خط الأنابيب الجنوبي"ساوث ستريم" (South Stream/ Газопровод Южный поток)، حيث لديه
قدرة في المرحلة الأولى على استيعاب 30 مليار متر مكعَّب سنوياً، وترتفع إلى قدرة
نهائية تبلغ 66 مليار متر مكعَّب، وستبلغ كلفته ما لا يقل عن 25 مليار دولار نظراً
لمروره عبر قاع البحر الأسود عبر المياه الإقليمية لروسيا وتركيا وبلغاريا (في حين
تجاوَزَ أوكرانيا). لكنَّ هذا لن يلغي تماماً اعتمادنا على المرور بأوكرانيا بما
أنَّ 130 مليار متر مكعَّب تُضَخُّ إلى أوروبا سنوياً عبر هذا البلد. فحتى لو
استخدمنا خط أنابيب "ساوث ستريم" بسعته القصوى فسيبقى هناك من 60 إلى 70
مليار متر مكعَّب يجري ضخُّها عبر أوكرانيا.
إنَّ خط أنابيب ألتاي، البالغ طوله 2.3
ألف كيلومتر، يمتد عبر جبال المحمية الطبيعية في ألتاي. وقد تمَّ تحديد قدرته
بــــ30 مليار متر مكعَّب في السنة، وسوف تبلغ كلفته ما لا يقل عن 10 مليار دولار.
جميع خطوط الأنابيب الثلاثة هي عبارة
عن تصرفات غير مسؤولة لهذه المغامرة. فأولاً، وقبل كل شيء، لأنَّ الإنتاج في شركة
"غازبروم" ظلَّ راكداً في السنوات الثمانية الأخيرة (2001 – 2008) عند
540 – 550 مليار مترٍ مكعَّب سنوياً وانخفض بالفعل بشكلٍ حاد عام 2009 إلى ما دون
500 مليار (462 مليار متر مكعَّب على وجه الدقة).
إنَّ حقل الغاز الرئيس الذي صير إلى
الإنتاج منه في ظل بوتين هو حقل "زابوليارنوي" (Zapolyarnoe field/ полe в Заполярном). أما حقول
الغاز القديمة – "يورنجوي" (Urengoi) و"يامبور" (Yambur)
و"نديم" (Nadym) – فقد وصلت إلى نهاية عمرها الإنتاجي.
والتأخير أعاق افتتاح حقلَي "يامال" (Yamal)
و"شتوكمان" (Shtokman). وما تمَّ استثماره ليس كافياً لتحقيق أي
شيءٍ فعلي قريباً.
وبالتالي فإنَّ خطوط الأنابيب قد
بُنِيَت حيث لا وجود للغاز لكي يملأها لا الآن ولا في المستقبل المنظور. وما هو
ممكنٌ تصوُّره تماماً هو أنَّ مليارات الدولارات قد أُنفِقَت على خط أنابيبٍ
سيعلوه الصدأ، وستبقى فارغاً من الغاز، ولا مجال لتحصيل ما أُنفق عليه من أموال.
والمشكلة الثانية هي أنَّ شركة
"غازبروم" تعاني من صعوباتٍ مالية، وقد أدى فساد الإدارة وعدم كفاءتها
وتدخُّل بوتين المنعدم الخبرة في أنشطة الشركة إلى إيقاعها في ديونٍ هائلة وصلت
إلى نحو 50 مليار دولار، أي ما يعادل قيمة دورة المبيعات لعامٍ واحد.
إنَّ تجاوز مرور خط الأنابيب عبر روسيا
البيضاء ليس مجرَّد كلفة فائقة، بل إنَّ ذلك غيرُ مُجْدٍ تماماً. والحقيقة هي أنَّ
"غازبروم" تملك بالفعل 50% من "نظام نقل الغاز البيلاروسي" (BelTransGaz)، وبالتالي
هو آمنٌ تماماً من أي خطرٍ سياسي مرتبط بنقل الغاز.
وتشمل مشاريع نقل الغاز مخاطر هائلة في
ما يتعلَّق بالأسعار، وخطُّ الأنابيب إلى الصين مثالٌ واضحٌ بشكلٍ خاص. فالصين غير
معتادة على دفع الأسعار الأوروبية لغازها، بل ولم تدفع قط. والقدرة التنافسية
للإقتصاد الصيني لا تُستَمَدُّ فقط من العمالة الرخيصة ولكن أيضاً من الطاقة
الرخيصة والمتأتية بشكلٍ رئيس من الفحم. إنَّ مسألة أنَّ الصين سوف تدفع أكثر من
200 دولار في الألف مترٍ مكعَّب ليست ذات مصداقية أبداً، بل وحتى لو أنَّ الأسعار
كانت كذلك فإنَّ خط أنابيب ألتاي لن يكون مربحاً. وتجدر الإشارة عند هذه النقطة
إلى أنَّ "غازبروم" هي فعلياً تعاني من نقصٍ في الغاز ومُضْطَرَّة إلى
شرائه من تركمانيا، حيث تدفع 250 – 300 دولار مقابلَ كلِّ ألف مترٍ مكعَّب.
إرسالُ الغاز إلى أوروبا ينطوي أيضاً على مخاطرَ
مالية. ثلاثة من هذه المخاطر هي ذات أهمية خاصة:
1– في أوروبا يجري تداول المزيد
والمزيد من الغاز في السوق الفورية، وبأسعارٍ أقل بكثير من عقود غازبروم طويلة
الأجل تلك. وإذا ما حاولت غازبروم الإصرار على عقودٍ طويلة الأجل بأسعارٍ مرتفعة
فإنها تخاطر بفقدان السوق الأوروبية.
2 – أنَّ الغاز الصخري الرخيص، كالذي
يتم إنتاجُهُ الآن في الولايات المتحدة الأميركية، أدى إلى انخفاض ثمن الغاز بشكلٍ
حادٍّ هناك، ولا بد أن يحدث ذلك عاجلاً وليس آجلاً في أوروبا نفسها. كما أنَّ
مخزون الغاز الصخري الكبير في بولندا يعني أنَّ أسعار الغاز ستنخفض حتماً في
أوروباً في وقتٍ قريب جداً.
3 – أنَّ استهلاك الغاز قد بدأ ينخفض
نتيجة إدخال التقنيات الجديدة الموفِّرة للطاقة.
وهكذا، بتنا أمام حالةٍ يقترح فيها
بوتين إنفاق 50 مليار دولار على خطوط أنابيب الغاز حيث، أولاً، لا يوجد غازٌ
ليملأها؛ وثانياً، لم يُصَر إلى حل مشاكل بلدان العبور؛ وثالثاً، فاقموا مشاكل
غازبروم المالية الخطيرة؛ ورابعاً، أنهم بعيدون كل البعد عن احتمال استرداد
التكاليف.
--قمة "الأبيك" (APEC) عام 2012
(قمة "التعاون الإقتصادي لآسيا والمحيط الهادىء") قمة القادة في
فلاديفستوك
من المقرَّر أن يُعْقَدَ في مدينة
فلاديفستوك اجتماعٌ لدول "الأبيك" في عام 2012، وهذا الحدث الذي يجب أن
يتم في روسيا يبدو أمراً جيداً ما لم تكن هناك كلمة "ولكن"...
فوفقاً لوزارة المالية وصلت تكلفة
التحضير لهذه القمة إلى رقمٍ فلكي بلغ 284 مليار روبل (حوالى 9 مليار دولار)، منها
202 مليار روبل (6,3 مليار دولار) سيتم صرفُها من الميزانية الإتحادية مع بقية
الأموال الآتية من منطقة بريمورسكي (التي عاصمتُها فلاديفستوك) ومن مستثمرين في
القطاع الخاص.
وهكذا، فإنَّ ميزانية هذه القمة هي
أكبر من مجموع إنفاق روسيا السنوي على الطُرُق بالنسبة للبلد كلِّه، بل هو أيضاً
أكبر 4 مرات من إجمالي الميزانية السنوية لمنطقة بريمورسكي كراي.
والآن لدينا سؤال: كيف يحدث أنَّ قمةً
يمكن أن تبلغ كلفتُها ما يقرب من 10 مليار دولار أو 5 أضعاف كلفة أولمبياد فانكوفر
[في كندا عام 2010]؟ والجواب هو أنَّ بوتين أصدر مرسوماً يقضي بأن تُعْقَد القمة
في جزيرة روسكي، التي تفتقر تماماً إلى البنية التحتية وتحتاج إلى جسرٍ ليتم بناء
ذلك، ومن ثَمَّ تحتاج لهذا الغرض إلى محطاتٍ لتوليد الطاقة وإلى الفنادق ،
وهَلُمَّ جراً. وعلاوةً على ذلك فإنَّ ذلك يَتِمُّ في الوقت الذي تستطيع
فلاديفستوك نفسها أن تفعله بشكلٍ أحسن، وهي التي تعاني – كما هو الحال الآن – من
تداعي البنية التحتية والطُرُق الرديئة والمرافق المعطَّلة والمساكن المتهالكة.
سوف يمتدُّ جسران من الجزيرة نحو خليج
"زولوتوي روج" (Zolotoi
Rog/ Золотой Рог) وعلى مضيق
"فوستوتشني بوسفور" (Vostochny
Bosfor Straight/ Босфор Восточный). وستبلغ كلفة هذين الجسرين لوحدهما أكثر من 2 مليار دولار، على
الرغم من أنَّ الجسرين معاً لن يزيد طولهما عن 3 كيلومترات. ويكفي أن نقارن هذا مع
الصين، التي بَنَت في خليج هانجتشو جسراً بطول 35,6 كيلومتر بكلفة 2 مليار دولار،
بينما تمَّ بناء جسرٍ في فرنسا – بطول الجسرين اللذين لدينا – بكلفة 394 مليون
يورو.
وعلاوةً على ذلك فقد أصبحت القمة
المقبلة مشكلةً كبيرة للمواطنين في قلاديفستوك والمنطقة ككل، إذ اضطرَّت السلطات
الإقليمية إلى تقليص البرامج الإجتماعية، وتقليص زيادة رواتب المعلمين، وتقليص
الوجبات المدرسية، وتقليص مشاريع الإسكان للأُسَر الشابة، وغير ذلك الكثير، وذلك
من أجل تمويل هذا المشروع المكلف. ومن الواضح للجميع أن المستفيد الرئيس من مثل
هذه المشاريع هو بيروقراطية بوتين الفاسدة ورجال الأعمال المتحالفين معها، أولئك
الذين يتهافتون على كسب العقود الحكومية المربحة. وليس هناك طريقةٌ أخرى للتفسير
أنْ لماذا ينطوي البناء بالنسبة إلى الحكومة دائماً على أسعارٍ خيالية.
إنَّ المشاريع المذكورة أعلاه تبلغ
كلفتها نحو 75 مليار دولار. ولكن هناك أكثر من ذلك: فبمتناول يد بوتين عددٌ من
المشاريع الأخرى المُكْلِفة وغير الفاعلة تماماً، وأيُّ قائمة ننظر إليها لا بد
وأن تشمل مليارات الدولارات لخط أنابيب النفط بين سيبيريا والمحيط الهادىء والذي
بُنِيَ على عجل. فبعد بضعة أشهر فقط من وضعه قيد الخدمة لحقت به ثلاثة حوادث وتسرَّبت
منه مئات الأطنان من النفط. فهذا المشروع لن يسدِّد كلفتَهُ أبداً، كما أنَّ
الأضرار التي تسبَّب وسوف يتسبَّب بها تجاه البيئة لا تُحصى.
إنَّ مدينة العلوم المنوي إقامتها في
مدينة سكولكوفو [بالقرب من موسكو] هي أيضاً صفقة أخرى غير قانونية. ولمن لا يعرف
فإنَّ سكولكوفو هي المكان الذي تفضِّلُهُ القِلَّة الحاكمة، كما انَّ [صديق بوتين]
رومان أبراموفيتش يملك مساحاتٍ شاسعة من الأراضي هناك. وأسعار الأراضي في سكولكوفو
هي بمستوى أسعار [المنطقة السكنية الراقية في ضواحي جنوب غرب موسكو] روبليوفكا (Rublevka/ Рублёвка) (يبلغ سعر
المائة مترٍ مربَّع في روبليوفكا 150 – 250 ألف دولار)، وتتراوح أسعار العقارات في
سكولكوفو بدءاً من 15 ألف دولار للمتر المربَّع الواحد وما فوق. وهنا يجب أن نسأل
كيف سيتمكَّن العديد من المهندسين ومُعِدِّي البرامج الإلكترونية ومديري تكنولوجيا
المعلومات من المجيء إلى سكولكوفو وتحمُّل نفقات العيش في أغلى عقارات روسيا؟
وعلينا أن نسأل أيضاً أن كيف ستكون الشركات الصغيرة والمتوسطة قادرةً على تحمُّل
الإيجارات هناك؟
الفصل التالي:
الفصل السابق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق