التقرير الرابع لبوريس نيمتسوف:
"ماذا جلبت 10 سنوات من حكم بوتين؟"/ الفصل الثاني: البلد يحتضر.
إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة
الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الرابع (النص
الكامل):
ماذا جلبت 10 سنوات
من حكم بوتين؟
(موسكو – 2010)
تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي
عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)
نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2010)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)
Путин.
Итоги. 10 лет
The Complete Nemtsov White Paper,
Volume IV
PUTIN: What 10 Years of Putin Have Brought
An independent expert report by
Vladimir Milov and Boris Nemtsov
Vladimir Milov and Boris Nemtsov
(Translated from the Russian to the English by Dave Essel (2010
(Translated from the English to the Arabic by Hussein Ahmad Sabra
(2016
الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف،
زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً
من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.
(ملاحظة: قبل
توزيع هذا التقرير قام الكرملين بمصادرة عشرات الآلاف من النسخ منه، مع الإشارة
إلى أنَّ نيمتسوف طبع منه مليون نسخة).
الفصل الثاني:
البلد يحتضر
بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
إنَّ الأساطير البوتينية تَعِدُنا بأن
نشهد نجاحاتٍ على الصعيد الديمغرافي، وبأنَّ معدلات المواليد آخذةٌ بالإرتفاع،
وهلمَّ جراً، وهكذا دواليك. ويُضاف إلى ذلك انتشار أسطورةٍ أخرى ومفادها أنَّ
البلاد "كانت تحتضر في تسعينيات القرن العشرين". وهنا دعونا نلقي نظرةً
على الحقائق: ففي الأول من كانون الثاني/ يناير من عام 1992 كان عدد السكان 148,5
مليون نسمة، أما في الأول من كانون الثاني/ يناير من عام 2000 فقد انخفض عدد
السكان إلى 146,9 مليون نسمة (بيانات الجدول من اللجنة الحكومية للإحصاء " RosStat"). لذا فإنَّ عدد السكان انخفض بين
هذين التاريخين 1,6 مليون نسمة. ثم بلغ عدد السكان في الأول من كانون الثاني/
يناير عام 2010 – 141,9 مليون نسمة، ما يسجِّل مزيداً من الإنخفاض قَدْرُهُ 5
ملايين نسمة بين عامي 2000 و2010!
وبالتالي فإنَّ الحقيقة المرَّة هي
أنَّ روسيا قد خسرت 500 ألف شخصٍ سنوياً على مدى العقد الماضي، وهو المعدَّل الذي
لا يتحمَّل أي مقارنة حتى مع التسعينيات.
إنَّ السبب الرئيس في أنَّ عدد سكاننا
آخذٌ في الإنخفاض هو العدد الضخم للوفيات، فهناك 15 شخصاً من كل ألف شخصٍ يموتون
يومياً، وبالإمكان إيجاد روسيا في المرتبة الـ12 في قائمة الوفيات في العالم(*). وجيراننا على اللائحة نيجيريا وزيمبابوي وتشاد
والصومال. وها قد حافظنا على مستويات الوفيات الأفريقية في بلادنا لسنواتٍ عديدة
الآن.
_______________________________________
(*) المصدر: كتاب حقائق
العالم الصادر عن جهاز الإستخبارات الأميركية الـ"سي. آي. إي".
_______________________________________
أما عندما يتعلَّق الأمر بمتوسط العمر
المتوقَّع فإنَّ جيراننا يتغيَّرون، إذ أننا نأتي هنا في المرتبة 162 بمتوسط العمر
المتوقَّع 66 سنة، أي وراء غينيا الجديدة وهندوراس، بل وحتى العراق (المرتبة 144
مع متوسط العمر 70 سنة). والأمر الذي يصرخ بأعلى صوته في أرقام اللجنة الحكومية
للإحصاء هو العمر المتوقَّع للذكور: إذ يقف متوسط العمر عند حد 61,4 سنة! مع
الإشارة إلى أنَّ متوسط العمر المتوقَّع للذكور في دول الإتحاد الأوروبي هو 79
عاماً، وفي الولايات المتحدة 78 عاماً، وفي كندا 81 عاماً، وفي اليابان 82 عاماً.
إنَّ معدَّل المواليد في روسيا هو
طبيعي بشكلٍ أكثر أو أقل نسبةً إلى أي بلدٍ أوروبي، إذ يبلغ 11 ولادة يومياً لكل
ألف شخص (وهنا تذكَّروا أنَّ لدينا في هذه الأثناء 15 حالة وفاة يومياً لكل ألف
شخص).
إنَّ معدلات المواليد في البلدان
الأكثر فقراً مرتفعة جداً وخاصةً في التجمعات ذات الدخل المنخفض والتي تُشَجَّع
عندنا على إنجاب المزيد من الأطفال من خلال التدابير البوتينية من قبيل بَدَلِ
"رأس مال الولادة". إنَّ ذلك التشجيع ممكن أن تكون له عواقب سلبية،
ويؤدي إلى انخفاض المستوى العام للمعيشة، وانخفاض مستويات الرعاية للمولود الجديد،
وبالتالي ارتفاع معدلاتِ المَرَض (ومع ذلك، لاحظوا هنا أنَّ بَدَلَ "رأس مال
الولادة"، البالغ 250 ألف روبل، يمكِّن الواحد من شراء مجرَّد 3 أو 4 أمتار
مربَّعة من المساكن، هذا على أساس متوسط أسعار المساكن وفقاً للجنة الحكومية
للإحصاء).
في نيسان/ أبريل عام 2008 اضطُرَّت
وزيرة الصحة تاتيانا جوليكوفا للإعتراف بأنَّ زيادة معدلات المواليد قد أدَّت إلى
زيادة معدلات وفيات الأطفال الرُضَّع في 48 منطقة من البلاد (جاء ذلك في كلمةٍ لها
أمام الجلسة العامة للوزارة في 25 نيسان/ أبريل 2008).
هذه المشكلة مميتة إلى حدٍّ كبير،
والحكومة الروسية لا تهتم بسكانها، ففي كل عامٍ يولد 1,6 مليون رضيع سنوياً في حين
يموت 2,1 مليون من السكان.
لقد بدأت معدلات الوفيات الروسية في
الإرتفاع في سبعينيات القرن العشرين في ظل حكم ليونيد بريجنيف، واستمرَّت في
الإرتفاع وصولاً إلى منتصف التسعينيات. ففي عام 1995 بدأت الوفيات في الإنخفاض،
وقد انخفضت إلى ما دون المليونين سنوياً في عام 1998.
في عهد بوتين عادت معدلات الوفيات إلى
الإرتفاع مرةً أخرى ووصلت إلى ذروتها في عام 2003 عندما سجَّلت 2,37 مليون حالة
وفاة، ثم انخفض المعدَّل إلى أقل من مليوني شخص منذ ذلك الحين.
إرتفاع نسبة الوفيات في روسيا بشكلٍ
استثنائي هو نتيجة لسلسلة من الأسباب: إذ يتم تسجيل ما يقرب من 60% من الوفيات
بسبب أمراض القلب، و15% بسبب السرطان، و4% بسبب أمراض الجهاز التنفسي، و4% بسبب
أمراض الجهاز الهضمي.
وتتفوَّق روسيا في الوفيات الناجمة عن أسبابٍ
خارجية، والتي تبلغ 12,5%، أو أكثر من 260 ألف شخصٍ سنوياً. هذا هو تقريباً ضعف
العدد الذي كان في الصين أو البرازيل، ومن 4 إلى 5 أضعاف العدد في الدول الغربية.
أما الأسباب الخارجية الرئيسة للوفاة
في البلاد فهي حوادث القتل والإنتحار وحوادث السير. والتفسير الرئيس لارتفاع
الوفاة لأسبابٍ خارجية هو المستويات المنخفضة لإحتياطات السلامة الشخصية، وأنماط
الحياة الخاطئة، وسوء نوعية الحياة، والوضع غير الصحي بشكلٍ عام في البلاد.
وتحتل روسيا المرتبة 19 في العالم من
حيث معدل جرائم القتل فيها والبالغ 16,5 جريمة قتل من بين كل مائة ألف شخص.
وجاراتنا هنا هي الإكوادور وسويزلاند والعراق. أما بالنسبة لآوروبا فنحن في
المرتبة الأولى، كما أننا نتفوَّق على الولايات المتحدة الأميركية بهامشٍ واسع،
والتي يبلغ فيها المعدل 6 جرائم قتلٍ لكل 100 ألف شخص(*).
_______________________________________
(*) المصدر: تقرير
"العبء العالمي للعنف المسلَّح" [GBAV]، والذي صدر في عام 2008 من قبل إعلان جنيف حول العنف المسلَّح
والتنمية [www.genevadeclaration.org] وإحصاءات وطنية أخرى.
________________________________________
إنَّ الإنتحار هو المشكلة الأكثر
خطراً، إذ يحصل في روسيا 41 ألف حالة انتحار في كل عام، وهذه النسبة أعلى بمرَّتين
من أوروبا وبثلاث مرات من الولايات المتحدة الأميركية.
الكثير من الناس يموتون جراء حوادث
السير، فوفقاً لشرطة المرور الروسية كان هناك 30 ألف وفاة على الطُرُق وأكثر من
270 ألف جريح.
كما أنَّ من أسباب ارتفاع نسبة الموت
هو المستويات العالية للمرض بين السكان، والسبب الرئيس لهذه المشاكل الصحية هو
أسلوب حياتنا السيىء عموماً، والبيئة الرديئة، والأهم من ذلك أنَّ العلاج الطبي هو
دون المستوى المطلوب. وتبقى الصحة العامة المتردِّية مشكلةً خطيرة بحيث أنَّ بوتين
لم يكن قادراً على بذل المزيد من الجهد لتحسينها خلال العقد الماضي رغم مكاسبه
الوافرة.
ما هو مستوى تفكير الروس في ما قام به
بوتين وميدفيديف في هذا المجال؟ إنَّ مركز "ليفادا" (Levada Centre) للإحصاءات قام باستطلاعٍ للرأي لجمع الآراء حول الخدمات الصحية
العامة الوطنية في آب/ أغسطس عام 2008، ووجد التالي:
·
66% من الروس يعتقدون أنهم لن يحصلوا على علاجٍ طبي جيد
عندما يحتاجون إليه.
·
58% غير راضين عن نظام الصحة العامة في روسيا.
في
الواقع فإنَّ الإحصاءات تشير إلى أنَّ معدلات المرض شهدت ارتفاعاً في روسيا. وآخر
الإحصاءات من اللجنة الحكومية للإحصاء (RosStat) يعود بعيداً إلى عام 2007، ورغم ذلك
فإنَّها تُظْهِر ارتفاعاً مقارنةً بعام 2000، فـــ50% من المرضى مصابون بأمراض
القلب والأوعية الدموي (السبب الرئيس للوفاة في روسيا) بحيث ارتفع العدد من 2,4
مليون مريض إلى 3,7 مليون، و17% مصابون بأمراض السرطان وقد ارتفع عددهم من 1,2
مليون مريض إلى 1,4 مليون.
بالنسبة إلى الإنفاق على الصحة العامة
فإنَّ روسيا تحتل المرتبة بين المغرب والإكوادور (من المرتبة 112 إلى المرتبة
114)، إذ تُنفق 5,3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 9 إلى 11% بالنسبة لكثيرٍ
من بلدان أوروبا الغربية(*). وبلغت مخصصات مخطط
عام 2009 للصحة العامة والتربية البدنية والرياضية مجرَّد 325 مليار روبل (10
مليار دولار). وعلى سبيل المقارنة خُصِّص تريليون روبل – أي ثلاثة أضعاف المبلغ –
للإنفاق على تطبيق القانون وعلى الخدمات الخاصة.
_________________________________________
(*) المصدر: إحصاءات الصحة
العالمية، منظمة الصحة العالمية، 2009.
_________________________________________
خلاصة: إنَّ جهاز الدولة، والشركات
التابعة للدولة، والخدمات الخاصة، لَهِيَ أحبُّ إلى قلب بوتين كثيراً من الحالة
الصحية للشعب الروسي.
وقد حاولت السلطات الهرب بعيداً مع
عروضٍ لمرة واحدة منخفضة التكلفة مثل "المشروع الوطني للصحة" والذي
يفاخرون به كثيراً، وذلك بدلاً من الإصلاح المنهجي بإنشاء نظام تأمين صحي وطني خاص
بالعمل.
وإلى جانب النوعية الرديئة للرعاية
الطبية فإنَّ هنالك سبباً رئيساً آخر لارتفاع عدد الوفيات عند الروس ألا وهو إدمان
الكحول، بل وحتى السلطات نفسها تعترف بذلك. وهاكم مقتطفاً من القرار رقم 46،
الصادر في 29 حزيران/ يونيو 2009 عن رئيس قسم الصحة العامة ج.أونتشنكو بعنوان
"الإشراف على إنتاج الكحول":
"إنَّ استهلاك الفرد الحقيقي من
الكحول، بما في ذلك المواد المحتوية على الكحول كالعطور والمنتجات المنزلية وما
شابه، هو أكثر من 18 لتراً من الكحول الصافية لكل شخصٍ سنوياً. ووفقاً للإحصاءات
الطبية فإنَّ 2,8 مليون روسي – أو ما نسبته 2% من السكان – يعانون من مشاكل الكحول
الخطيرة والتي تؤثر على صحتهم... وقد وصل عدد الوفيات بسبب الكحول عام 2008 (وفق
بيانات اللجنة الحكومية للإحصاء) إلى 76,268 ألف شخص"...
أُلقوا مجرَّد نظرة في أرقام أونتشنكو!
18 لتراً من الكحول الصافية لكل شخصٍ سنوياً! وبالمناسبة فإنَّ الرقم الرسمي للجنة
الحكومية للإحصاء (RosStat) هو 9,8 لتر. أما الباقي من الكحول
المستهلَكة فيأتي من مصادر غير مضمونة: أنواعٌ عديدة من الكحول المهرَّبة والتي
تشكِّل مخاطر صحية.
وتعتبر منظمة الصحة العالمية أنَّ
استهلاك الكحول بكمياتٍ أكثر من 8 لترات للفرد في السنة هو مستوىً خطير ينجم عنه
ارتفاع عدد الوفيات. ولاحظوا أنَّ روسيا تستهلك أكثر من هذا المستوى بمرَّتين!
وتشير التقديرات إلى أنَّ الكحول هي السبب في الوفاة المبكرة لـــ700 ألف روسي
سنوياً(*).
________________________________________
(*) المصدر: أ. ف. نيمتسوف،
"الوفيات الناجمة عن الكحول في مناطق روسيا"، نشرة معلومات صادرة عن
"مركز الديمغرافيا والبيئة البشرية" التابع للأكاديمية الروسية فرع معهد
علوم الدراسات السكانية، العدد 78، عام 2003، ص 1 – 2.
_________________________________________
إنَّ واحداً من بين كل ثلاثة من الروس
يتوفَّى لأسبابٍ متعلِّقة بالكحول، وبذا فإنَّ الكحول ما تزال هي السبب الأكبر في
ارتفاع عدد الوفيات في روسيا.
وتجدر الإشارة، على سبيل المقارنة، إلى
أنَّ أرقام اللجنة الحكومية للإحصاء (RosStat) بالنسبة إلى معدل استهلاك الكحول لعام 1999
كان 8 لترات للفرد سنوياً، مع معدَّل استهلاكٍ حقيقي يبلغ 14,5 لتر سنوياً(*). إنَّ كُلاًّ من الأرقام الرسمية وغير الرسمية
يؤكِّد أنَّ استهلاك الكحول قد ارتفع بنحو 25% في ظل بوتين.
_______________________________________
(*) المصدر: أ. ف. نيمتسوف،
"الفتك اللاحق بمدمني الكحول الروس"، مجلة "بريرودا"، العدد
12، عام 2003، ص 11.
_______________________________________
كما يموت عشرات الآلاف من الروس بسبب
المخدِّرات، ففي حزيران/ يونيو 2009 تحدَّث رئيس لجنة مكافحة المخدرات فكتور
إيفانوف عن 30 حالة وفاة سنوياً بسبب المخدرات(*)،
وقد ذَكَرَ الحقائق المخيفة التالية:
_______________________________________
(*) المصدر: خطابٌ في اجتماع
لجنة مكافحة المخدرات، موسكو، 26 حزيران/ يونيو 2009.
________________________________________
·
يوجد في روسيا ما بين 2 مليون و2,5 مليون مدمن المخدرات
من الفئة العمرية الأساسية من 18 إلى 39 سنة.
·
متوسط سن الوفاة لمدمن المخدرات هو 28.
·
ينضم سنوياً إلى الجيش الروسي كـ"مجنَّدين
جدد" 80 ألفاً من مدمني المخدرات.
·
يبلغ عدد مدمني المخدرات في روسيا من 5 إلى 8 أضعاف
العدد في دولٍ مثل الإتحاد الأوروبي، ويُعتبر معدل استهلاك المخدرات المفرط في
روسيا من بين أعلى المعدلات في العالم.
في أيلول/ سبتمبر 2009 نشرت لجنة الأمم
المتحدة للمخدرات تقريراً الأفيون الأفغاني، والتي أشارت فيه إلى الأرقام المخيفة
التالية حول روسيا: فالبلاد تستهلك سنوياً من 75 إلى 80 طناً من الهيرويين
الأفغاني، وأنَّ عدد المدمنين ارتفع إلى عشرة أضعاف في آخر 10 سنوات، وأنَّ 30 ألف
شخصٍ يموتون من المخدرات كلَّ عام. هذا الرقم الأخير هو أكثر من خسائر الجيش
السوفياتي لمدة 10 سنوات من الحرب في أفغانستان. وينبغي للمرء مقارنة هذه الأرقام مع
الوفيات الأوروبية من المخدرات القوية والبالغ عددها من 5 إلى 8 آلاف حالة وفاة
سنوياً.
وعلاوةً على ذلك، فإنَّ كلَّ ذلك يحدث
بعد أن قام بوتين عام 2002 بإنشاء هيئة خاصة مسؤولة عن مكافحة انتشار المخدرات (GosNarkoKontrol).
ومشكلة روسيا الخطيرة الأخرى هي التدخين،
فهذه العادة منتشرة على نطاقٍ واسعٍ جداً. ووفقاً لهيئة المستهلك في روسيا (RosPotrebNadzor) فإنَّ 65% من الرجال و30% من النساء يدخِّنون، و80% من هؤلاء
الرجال و50% من هؤلاء النساء يبدأون بالتدخين بدءاً من سن المراهقة.
إنَّ التدخين هو السبب في 27% من وفيات
القلب والأوعية الدموية لدى الرجال، و90% من وفيات سرطان الرئة، و75% من الوفيات
الناجمة عن مشاكل أخرى في الجهاز التنفسي. كما أنَّ حوالى 25% من المدخنين يموتون
قبل الأوان: فالتدخين يقلِّل من متوسط العمر المتوقَّع من 10 إلى 15 سنة في
المتوسط(*).
_______________________________________
(*) المصدر: إحصاءات هيئة
المستهلك في روسيا [RosPotrebNadzor].
_______________________________________
وفي السنوات العشرة الأخيرة ارتفعت
مبيعات السجائر بنسبة 25%، سواء بالأرقام المطلَقة (430 مليار سيجارة عام 2009
مقارنةً مع 335 مليار سيجارة عام 2000)، أو الأرقام النسبية (3 آلاف سيجارة للشخص
الواحد سنوياً الآن مقارنةً بـــ2,4 ألف سيجارة عام 2000). وهذا يعني أنَّ الوضع
بات أسوأ جذرياً عما كان عليه في تسعينيات القرن العشرين عندما كان استهلاك
السجائر نصفَ ما هو عليه الآن.
فما الذي قام به بوتين لتصحيح هذا
الوضع، أي مكافحة إدمان الكحول وإدمان المخدرات والتدخين؟ لا شيء على الإطلاق.
إنَّ محاولات مكافحة إدمان الكحول من
خلال حَظْرها قد فشلت، سواء تحت حكم غورباتشوف أو في أيام القيصرية. واليوم
تتحدَّث الحكومة مرةً أخرى عن ضرورة مكافحة إدمان الكحول. ومع ذلك، تَحْدُثُ أغربُ
الأشياء في هذه القضية: فمن عام 2010 قرَّرت الحكومة أنَّ الضريبة على البيرة سوف
تتضاعف ثلاث مرات، أما الضريبة على الفودكا فستزداد بنسبة 10% فقط. ومن الواضح
أنَّ هذا سيؤدي إلى استبدال البيرة بالمشروبات الروحية، بما يعني أن إدمان الكحول
سوف يرتفع. فما الذي كانت تحاول السلطات تحقيقه: تحسين صحة الأمة أم تحسين الأرصدة
المصرفية للوبي الفودكا؟
فكيف ينبغي للمرء أن يكافح إدمانَ
الكحول؟ إنَّ ردَّنا هنا هو من خلال تنمية الطبقة المتوسطة: فاستهلاك الكحول هو
ظاهرة إجتماعية من جهة، وهو من التقاليد من جهةٍ أخرى. لقد توصَّلت الأبحاث إلى
وجود علاقة تبعية بين كمية الكحول المستهلَكة والدخل: فالفقراء يشربون اكثر
(ليتخلَّصوا من أحزانهم) والأغنياء يشربون أكثر (الإستهلاك من أجل التسلية)، في
حين أنَّ الطبقة المتوسطة تستهلك الكحول بدرجةٍ أقل وتعيش الحياة بأسلوبٍ أكثر
صحةً.
بل إنَّ هناك ظاهرة تُعرف بإسم
"المفارقة الفرنسية"، ففرنسا هي واحدة من اكثر الدول شُرْباً في العالم،
مع استهلاكٍ شخصي للكحول أكثر بــــ11 مرة من الولايات المتحدة الأميركية. ومع ذلك
فإنَّ المزيد من المواطنين الفرنسيين يعيشون لآمادٍ طويلة أكثر من أي مكانٍ آخر في
العالم، إذ يوجد في فرنسا 2546 مواطناً فوق سن المئة، ومتوسط العمر المتوقَّع لدى
سكانها هو 80 سنة. إنَّ كلَّ هذا نابعٌ من الثقافة الفرنسية في استهلاك الكحول،
بحث أنَّ الفرنسيين لا يستهلكون كمياتٍ كبيرة من الكحول، مع ميلهم إلى تناول النوع
الجيد من النبيذ.
بيد أنَّ شُرْبَ النوعية الجدية ليس
خياراً سوى لدى أولئك الذين يملكون المال لشرائها.
هذا هو السبب في إصرارنا على التالي:
فإلى جانب نَشْرِ خياراتِ أسلوبِ الحياة الأكثر صحةً، ينبغي أيضاً تشجيع ودعم
الطبقة المتوسطة. وللقيام بذلك سوف فإنَّ الأمر يحتاج بطبيعة الحال إلى تغيير
طبيعة السياسات الإقتصادية للبلاد (هذا الأمر ناقشناه بمزيدٍ من التفصيل في
قِسْمَي "روسيا: مواد أولية مُلْحَقة" و"بلدٌ يصرخ من عدم المساواة").
وبقدر ما تُعتبر مكافحة التدخين أمراً
مقلقاً، بقدر ما أننا لسنا في حاجة لابتكار حلول، بل إنَّ الأمر يحتاج ببساطة إلى
أن ننظر كيف تمَّ نجاح ذلك في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية على مدى العقود
الماضية.
إنَّ انخفاض عدد السكان سيكون واحدةً
من المشاكل على المدى الطويل، فروسيا قد فقدت مؤخراً مليونَ شخصٍ في السنة قادرين
على العمل، وسيستمر الأمر على هذا المعدَّل لبعض الوقت ف المستقبل القريب نتيجةً
لارتفاع معدلات الوفيات والشيخوخية الطبيعية للسكان. إنَّ فقدان الملايين من
الأشخاص القادرين على العمل يعادل انخفاضاً بنسبة 1,5 من الناتج المحلي الإجمالي،
كما أنه يقلِّل من المساهمات في الميزانية وصناديق التقاعد، وهذا بدوره يؤدي حتماً
إلى مشاكلَ في دفع المعاشات وما يترتب على ذلك من الزيادة في التوترات الإجتماعية.
لذا فإنَّ التناقص المزمن في عدد السكان يشكِّل تهديداً حقيقياً للتنمية
الإقتصادية في البلاد، ما سيؤدي على الأرجح إلى تدهور مستويات المعيشة، وربما
التشكيك في حجم البلاد وسلامة أراضيها.
إنَّ على السلطات أن تنظر لا محالة إلى
سياسة فاعلة تجاه الهجرة من أجل ملء الثغرات في قوة روسيا في اليد العاملة
المؤهَّلة وغير المؤهَّلة حفاظاً على روسيا كدولة.
ومع ذلك فقد حصل العكس، إذ وافق نظام
بوتين في عام 2002 على قانون الهجرة القمعي، الذي يزيد من أعداد المهاجرين غير
الشرعيين من ناحية، ويخفِّض من تدفُّق الناس الأصحاء والذين يحترمون القانون إلى
البلاد. ففي تسعينيات القرن الماضي تدفَّق إلى البلاد نحو 8 ملايين من مواطني
الإتحاد السوفياتي السابق الناطقين باللغة الروسية، ولكن بعد وصول بوتين إلى
السلطة انخفض هذا التدفُّق.
هذا الإنخفاض الحاد في عدد المهاجرين
خلال حكم بوتين هو واحدٌ من الأسباب التي أدت إلى الإنخفاض في أعداد سكان روسيا
بالمقارنة مع تسعينيات القرن الماضي.
الفصل التالي:
الفصل السابق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق