عام 1952 وقف الإخوان المسلمون موقفاً ثابتاً وصارماً وحازماً دون أدنى تراجُعٍ ضد قوانين الإصلاح الزراعي التي أقرَّها جمال عبد الناصر في 7 أيلول/ سبتمبر (أي بعد أقل من شهرين على قيام الثورة)، والسبب أنَّ الإصلاح الزراعي ليس هو الحل من وجهة عقيدة الإخوان المسلمين وإنما الحل هو بفرض الحجاب على جميع نساء مصر..
رفض عبد الناصر رفضاً قاطعاً هذا الحل "المناويشي" والخبيث، فقرَّر الإخوان المسلمون قتلَه.. إنَّ الرصاصات الأربع التي أطلقها الإخوان المسلمون على عبد الناصر وهو يخطب في ميدان المنشية في الإسكندرية في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1954، لو أنها أصابت عبد الناصر في مقتل لكان الإخوان المسلمون يحكمون مصر منذ ذلك الحين وَلَـمَا اضطُرّوا لأن
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
كتاب
حوار مع صديقي الإسلامجي
تأليف: حسين احمد صبرا
كي لا يتحوَّل الربيع العربي إلى خريف إسلامجي (3)
غداً سيغنّي عمرو دياب في ليالي القاهرة:
شوَّقنا أكتر "بالجزمة"!
حسين احمد صبرا
عام 1952 وقف الإخوان المسلمون موقفاً ثابتاً وصارماً وحازماً دون أدنى تراجُعٍ ضد قوانين الإصلاح الزراعي التي أقرَّها جمال عبد الناصر في 7 أيلول/ سبتمبر (أي بعد أقل من شهرين على قيام الثورة)، والسبب أنَّ الإصلاح الزراعي ليس هو الحل من وجهة عقيدة الإخوان المسلمين وإنما الحل هو بفرض الحجاب على جميع نساء مصر..
لمن لا يعلم فإنَّ قوانين الإصلاح الزراعي تلك قد حدَّدت الحد الأقصى لمُلكية الأراضي الزراعية للفرد الواحد بـ 200 فدّان، أي ما مساحته 840 ألف مترٍ مربَّع، في وقتٍ كان نصف في المائة (0,5%) من الملّاك يملكون 35% من الأراضي الزراعية، وفي وقتٍ كان معظم المواطنين المصريين فلّاحين ويعملون بالسُخرة.. وكانت الحصيلة النهائية أن تمَّت مصادرة حوالى 800 ألف فدّان تمَّ توزيعها على صغار الفلاحين بواقع 2 إلى 5 أفدنة لكل فلّاح، ليبلغ عدد المستفيدين من قوانين الإصلاح الزراعي تلك (حتى عام 1970 وبعد تخفيض الحد الأقصى للملكية إلى 50 فداناً) مليوناً ونصفَ مليون أسرةٍ مصرية (أي ما يقرب من ثلث الشعب المصري) كانوا قبل الثورة من المعدَمين.
رفض الإخوان المسلمون الإصلاح الزراعي واعتبروه ضد الإسلام، ورأوا في المقابل أنَّ الحل الإسلامي للأزمات التي كان يعاني منها الشعب المصري آنذاك هي في فرض الحجاب وإعفاء اللِحَى وحَفْوِ الشنبات..................................................................................................................
رفض عبد الناصر رفضاً قاطعاً هذا الحل "المناويشي" والخبيث، فقرَّر الإخوان المسلمون قتلَه.. إنَّ الرصاصات الأربع التي أطلقها الإخوان المسلمون على عبد الناصر وهو يخطب في ميدان المنشية في الإسكندرية في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1954، لو أنها أصابت عبد الناصر في مقتل لكان الإخوان المسلمون يحكمون مصر منذ ذلك الحين وَلَـمَا اضطُرّوا لأن يخوضوا كل هذه الصراعات الدموية مع السلطات الحاكمة في مصر على مدى أكثر من نصف قرنٍ في سبيل فرض الحجاب (كما يدَّعون)، وَلَـمَا احتاج الأمر لكل هذا التمويل العربي المفرط والإحتضان الغربي الواسع من قبل دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية وأجهزة استخباراتها لتنظيم الإخوان المسلمين كرمى سواد عيونهم وتحمُّساً منهم لتغطية شُعُور المسلمات..
الآن وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في مصر بفضل التمويل العربي إياه وبفضل الإحتضان المطلق لهم من قبل أميركا التي عمدت إلى تزكيتهم وحدهم دون غيرهم للسيطرة شبه المطلقة على السلطة حتى الآن، في وقتٍ لم يكن للإخوان المسلمين أيُّ فضلٍ على ثورات الربيع العربي الشعبية ضد الأنظمة الحاكمة لا في مصر ولا في باقي الدول العربية المنتفضة ضد الإستبداد والإستعباد والظلم والفساد.. فكيف سيحكم الإخوان المسلمون مصر الآن؟!
طُزّ في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر!
الصحافي سعيد شعيب وكتابه "حوار الطز" |
الصحافي اللامع عبد الله كمال |
هنا قال الصحافي سعيد شعيب: "أنا شخصياً مختلف مع سيادتك.. أنا اللي يحكمني مصري".
فإذ بالمرشد العام للإخوان المسلمين يغضب ويثور، قائلا: "يا حبيبي طز في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر"!
محمد مهدي عاكف.. وحوار الطز! |
لقد شكَّل نشر هذا الحديث فضيحة كبرى للإخوان المسلمين ليس فقط في السباب الذي طال مصر والمصريين وتاريخهم بل أيضاً بما كشفه علانيةً من انعدامٍ للروح الوطنية عند الإخوان المسلمين وبأنَّ مصر التي يزحفون على بطونهم ليلَ نهار وعلى مدى عقود ليحكموها هي ليست عندهم في المقام الأول ولا حتى في المقام الأخير بل إنها غير موجودة في حساباتهم أصلاً وطز فيها وفي شعبها وفي تاريخها وفي مقامها، وعلى حد تعبير محمد مهدي عاكف في الحديث المذكور: "الجنسية هي الإسلام.. ويا ريت مسلمو ماليزيا يحكمونا.. والأمير (المسلم) مكلَّف بأمور شرعية لا يقيمها إلا هو حتى ولو كان خمورجي وبتاع نسوان"! وهو طبعاً لم ينسَ أن يضفي على نفسه وعلى جماعته طابعاً إلهياً حينما تشبَّه بالرسول والخلفاء فيقول: "مسألة أن يظل المرشد العام (للإخوان المسلمين) في موقعه حتى يموت هذا أمرٌ طبيعي منذ الخلافة ومنذ أيام أيام الرسول"..
ومحمد مهدي عاكف، الذي ادَّعى بعد نشر الحوار بأنه حديثٌ "مفبرك" وهدَّدت جماعة الإخوان المسلمين باللجوء إلى القضاء، سرعان ما صمت هو وجماعته بعدما ظهر رئيس تحرير "روز اليوسف" على شاشة التلفزيون المصري (القناة الثانية) ضمن برنامج "البيت بيتك" في 10 نيسان/ إبريل 2006 ليبث مقاطع من الحوار المسجَّل تُثْبت بما لا يدع مجالاً للشك شتائمَ "الطزطزة" (الصحافي سعيد شعيب بات بعد هذا الحديث أشهر من نار على علم، وقد أصدر في أيار/ مايو 2010 كتاباً بعنوان "حديث الطز" تناول فيه بالتوثيق المعركة الإعلامية التي فجَّرها حديثُه مع مرشد الإخوان المسلمين، مع الإشارة إلى أن سعيد شعيب بات يشغل الآن منصب مدير التحرير في صحيفة "اليوم السابع" المصرية ويرئس مركز "صحافيون متَّحدون").
على أنَّ ما لفت انتباهنا هو مدافعة الإخوان المسلمين عن عبارات "الطز" التي تلفَّظ بها مرشدُهم، وفي السياق نفسه تماماً، بعدما عجزوا عن نفيها.. فبعد تحرّينا عن موقف الإخوان في موقعهم الإلكتروني الرسمي "إخوان أون لاين" وجدنا أنَّ رئيس تحرير الموقع (لعلَّه مجدي عبد اللطيف أو ربما أحمد عز الدين) كتب يؤيد هذه "الطزطزة" في 12 نيسان/ إبريل 2006، قائلاً: " إذا كان هناك عتبٌ على اللفظ – وهو في محله – فإنَّ الأمر لا يستحق هذه الضجة المفتعَلة لأنَّ الكلمة جاءت في معرض أنَّ مصلحة الأمة الإسلامية أكبر من مصلحة الأقطار، سواء كانت مصر أو غيرها، والإسلام فوق الإعتبارات القومية. وإذا كان هناك بعضُ مَنْ تأثروا بالعقلية الإستبدادية الإستعمارية الواردة، كما سمَّاها المرشد (عاكف)، وهم يفضلون أن يحكمهم ملحدٌ مصري على أن يحكمهم مسلمٌ ماليزي، فهؤلاء هم الذين يستحقون اللفظ السابق وليس الشعب المصري الذي جاهد وضحَّى كثيراً في سبيل أمَّته".
ثم يعود رئيس تحرير موقع "إخوان أون لاين" ليكتب بعد يومين، أي في 14 نيسان/ إبريل 2006 تحت عنوان "كَمْ مِنْ طُزٍّ فعلوها": "عن أي طُزٍّ يتحدَّثون وهي التي قيلت في إطار حلمٍ بسيادة الإسلام دين العدل والإخاء والسماحة، وبارتفاع رايته خفَّاقةً ليحيا الجميع تحت ظلالها، وبعز الإنسانية دون تفريقٍ بين عِرقٍ أو لونٍ أو دين؟! عن أي طُزٍّ يتحدَّثون وهي التي قيلت غيرةً على مجدٍ تليد لأمَّةٍ صرخت مواطنتُها "وا مُعْتَصِماه" فتحرَّكت لنصرتها جيوشٌ جَمَعَهم عَلَمٌ إسلاميُّ النجوم لا عَلَمَ الفُرقة والشتات، وحرَّكَتهم نخوةُ الخلافة لا خرائطَ الإنشقاقات والصراعات؟!".
بالجزمة!
ونبقى مع محمد مهدي عاكف.. فبعد مرور شهرٍ واحد على نشر حديث "الطز" الذي أدلى به المرشد العام وانكشفت فيه نظرة الإخوان المسلمين إلى مصر وشعبها بلسان كبيرهم، عادت "روز اليوسف" ونشرت في أيار/ مايو 2006 حديثاً آخر لمحمد مهدي عاكف نفسه هو عبارة عن دردشة مع أحد طلاب كلية الإعلام، ولم ينتبه عاكف حينها إلى أنَّ هذا الطالب يمسك بآلة تسجيل ويسجل ما يقول.. لقد سأل الطالبُ المرشدَ العام أن كيف سيتعاطى الإخوان المسلمون مع معارضيهم إذا ما وصلوا إلى الحكم، فأجابه محمد مهدي عاكف بأنه إذا ما قال أحدٌ كلاماً سيئاً ضدنا فسيضربه محبُّو الإخوان بالجزمة!
تلك كانت الفضيحة الثانية للإخوان المسلمين خلال شهرٍ واحد في ربيع عام 2006، حتى أنَّ مجلة "المصور" الحكومية صدرت آنذاك وعلى غلافها صورة يدٍ تُمسك بجزمة وتحتها العنوان التالي: "جزمة المرشد برنامج الإخوان لحكم مصر"..
وجدير بالذكر أنَّ محمد مهدي عاكف، الذي عُيِّن في منصب المرشد العام للإخوان المسلمين عام 2004 خلفاً لمأمون الهضيبي بعد وفاته، استقال من منصب المرشد عام 2010 في سابقة هي الأولى في تاريخ الإخوان المسلمين حيث درجت العادة أن يظل المرشد في منصبه إلى حين وفاته.. وقد خلفه الدكتور محمد بديع، الذي ما يزال إلى الآن في هذا المنصب.. وقد ظهر محمد بديع هذا في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2011 على شاشة قناة "المحور" ضمن برنامج "90 دقيقة" مع المذيع عمرو الليثي، وكالَ المديح لمحمد مهدي عاكف قائلاً: "كان عاكف في منصب المرشد - وليس ذلك مديحاً - أعلى من مستويات رئيس الجمهورية، ليس في السلطات ولكن في المسؤولية والأمانة"!
ما علينا.. المهم الآن أنَّ الإخوان المسلمين قد باتوا في السلطة الآن وعلى قاب قوسين أو أدنى من أن يُطْبِقوا عليها، وهم لا يُخفُون من الآن نيَّتهم في أسلمة كل شيء في مصر وفي المقدمة الفنُّ المصري انسجاماً مع الخلافة الإسلامية التي ينادي بها الإخوان المسلمون منذ أكثر من 80 عاماً.. وانسجاماً مع برنامج الإخوان المسلمين لحكم مصر فإننا سنستمع غداً إلى عمرو دياب وهو يغنِّي في ليالي القاهرة توشيحه الشهير، ذاك الذي يقول فيه: "شوَّقنا أكتر بالجزمة".. وسيقصد مناصرو الإخوان المرشدَ العام، على اعتبار أنَّ مستواه أعلى من مستوى رئيس الجمهورية، يستفتونه في ما عليهم أن يفعلوه مع من سيعارض الإخوان المسلمين.. عندئذٍ سيجيبهم المرشد العام قائلاً:
"إدِّيلُه بالبوكس ف مناخيره.. إدِّيلُه بالبوكس ف مناخيره.. إدِّيلُه بالجزمة ف نخاشيشه.. إدِّيلُه بونيَّة يَلَهْ ف كِرشُه.. إسحب لغاليغُه ومصارينُه.. خ خ خ خ.. مسا التماسي، شِدِّ نَفَس وِاكْتِمْ (إنتهت الفتوى).
الحديث التالي:
الحديث السابق:
ترقبوا قريباً كتاب:
"الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!"
(تأليف: حسين احمد صبرا)
************************************************************************************
***********************************************************************************
***********************************************************************************
*************************************************************************************
فهرس دراسة في اللغة والموسيقى:
"لهذه الأسباب اللهجة المصرية محبوبة"
(قيد الطبع)
***************************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق