الصفحة الرئيسة

2017/07/21

التقرير الثاني لبوريس نيمتسوف: "بوتين وغازبروم"/ الفصل الثالث: مكائد "غازبروم": تجريد الأصول.



التقرير الثاني لبوريس نيمتسوف: "بوتين وغازبروم"/ الفصل الثالث: مكائد "غازبروم": تجريد الأصول.





إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً




الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الثاني:
بوتين وغازبروم
(موسكو – أيلول/ سبتمبر 2008)

تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)

نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2008)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)



Путин и Газпром

(The Nemtsov White Paper, Part II: Gazprom (the full text

Vladmir Putin: The Bottom Line


by Boris Nemtsov and Vladimir Milov
(September 2008)

(Translated from the Russian by Dave Essel (2008
(Translated from English to Arabic by Hussein Ahmad Sabra (2016




الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف، زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.


الفصل الثالث
مكائد "غازبروم":
تجريد الأصول




بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
بدلاً من التركيز على مسؤوليات "غازبروم" الأساسية لضمان الدِقَّة في إمداد البلاد بالغاز وتطوير الإستخراج، فإنَّ بوتين وفريق الإدارة الذي عيَّنه في الشركة راحا يركِّزان جهودهما على الخِدَع والمكائد المتنوعة لإحداث موجة جديدة من نهب الأصول ومن تدفُّق الأموال من الشركة لصالح أصدقاء بوتين والجماعات المقرَّبة منه.
في البداية، كان بوتين حريصاً جداً على "غازبروم" بأنْ تُجَمِّعَ الأصول التي كانت قد أُخِذَت من الشركة ووُضِعَتْ ضمن اهتمامِ شركاتٍ خارجية (outside concerns) في ظل إدارة ريم فياخيريف لــ"غازبروم"، وقد شمل ذلك كمياتٍ من أسهم "غازبروم" الخاصة وأصولَ شركة "سيبور" (Sibur)، وهي كونسِرن بتروكيميائي. 
ومع ذلك، وما أنْ أُعيدَت معظم الأصول تحت مظلَّة الشركة حتى بدأ يحدث العكس، والأصولُ – التي هي في معظم الحالات الأصول نفسها التي تمَّت استعادتها – بدأت تصبح مرةً أخرى فاعلةً بعيداً عن "غازبروم". وإعادة انتخاب بوتين لولايةٍ ثانية كان علامةً على نقطة التحوُّل.   
وبالعودة إلى تسعينيات القرن الماضي، تجدر الإشارة إلى أنَّ انتقال هذه الأصول تمَّ القيام به علناً ودون إخفاء، كما نوقش على نطاقٍ واسعٍ في وسائل الإعلام المستقلة، في حين لم يتم الأمر على هذا النحو خلال ولاية بوتين الثانية. والآن وقد فَرَضَ الرقابة على حرية الصحافة فإنَّ الرأي العام بالكاد يعرف عن هذه الموجة الجديدة من تجريد الأصول. إنَّ الصحافة الإقتصادية، التي هي ليست تحت سيطرة بوتين، كَتَبَتْ عن ذلك، بيد أنَّ تداولها هو محدودٌ جداً وجمهورها ضَيِّقٌ للغاية، ما حالَ دون أن تصبح معروفةً على نطاقٍ واسع. والأسباب التي جعلت التلفزيون الروسي لا يذكر مثل هذه الأمور هي أسبابٌ واضحة. 
وهكذا، ونتيجةً لسلسلةٍ من الصفقات الغريبة التي جرت في وقتٍ كان بوتين يستخدم نفوذه لدى "غازبروم"، تمَّ تجريد الشركة من أصولٍ بقيمة مليارات الدولارات، مع الإشارة إلى أنَّ العديد من هذه الأصول تمَّ التفريط بها فقط من أجل أن تصبح تحت سيطرة صديقٍ شخصي لبوتين. وحدوثُ مثل هذه الصفقات ما يزال مستمراً: فعلى سبيل المثال أُعلن في نيسان/ أبريل 2008 أنَّ "غازبروم" قد جرَّدت نفسها على وجه السرعة من شركة "سيبور" (Sibur) البتروكيميائية، التي بيعَتْ لشركةٍ خارجية في قبرص بسعرٍ يَقِلُّ كثيراً عن سعر السوق. 
ونتيجةً لهذه الصفقات المشبوهة اختَفَت الأموال، التي كان بالإمكان استعمالها بطريقةٍ أخرى في استخراج الغاز والمساعدة في التغلب على أزمة الغاز التي وصفناها أعلاه.
ونقترح أدناه جَمْعَ المعلومات المتاحة عن مثل هذه المكائد بحيث يتمكَّن الروس من رؤية حجم تجريد الأصول الذي حَدَثَ في شركة "غازبروم" خلال حكم الرئيس بوتين. كما سنَعْرِضُ أيضاً للمبالغ التي كان بالإمكان توفيرها واستخدامها في تطوير صناعة استخراج الغاز في روسيا، واستُعْمِلَت في أمورٍ خلاف ذلك.

-         التلاعب بأسهم "غازبروم"

في أوائل عام 2000 كان أحد مشاريع بوتين على نطاقٍ واسع هو إعادة شراء أسهمٍ لـــ"غازبروم" كانت قد بيعَت من الشركة إبَّانَ قيادة ريم فياخيريف. وقد أُثيرَ صخبٌ شديد على وجه الخصوص حول إعادة شراء 4,8% من أسهم "غازبروم" من شركة "ستروي ترانس غاز" (Stroitransgaz).
ومع ذلك، وما أن عادت الأسهم مرةً أخرى إلى يد الشركة حتى سرعان ما بدأت تختفي في ظروفٍ غامضة. لقد حصلت العملية بالتدريج، لكنَّ أي شخص يرغب في معرفة كيفية حدوث ذلك بإمكانه الإطلاع على التقارير ربع  السنوية لـــ"غازبروم" والمُعَدَّة وفق معايير الحسابات الدولية. وتنشر هذه التقارير بياناتٍ عن عدد أسهم "غازبروم" والتي تحتفظ بها الشركات التابعة لها.
وهكذا، يُظْهِرُ التقرير ربع السنوي الصادر في 3 آذار/ مارس 2003 أنه في الربع الأول من عام 2003 امتلكت الشركات التابعة لـــ"غازبروم" 17,4% من أسهم "غازبروم". وحتى 3 كانون الأول/ ديسمبر 2007 فإنَّ التقرير ربع السنوي المماثل أورد أنَّ هذه الشركات التابعة امتلكت أيضاً 0,3% من هذه الأسهم. كما أنه خلال هذه الفترة الفاصلة [أي ما بين عامي 2003 و2007] اشترت شركة "روس نفط غاز" (Rosneftegaz) المملوكة من قبل الدولة 10,7% من هذه الأسهم المملوكة من قبل الشركات التابعة لـــ"غازبروم".
ولكن 17,4%  –  10,7%  –  0,3% = 6,4%. ومن ثُمَّ، ومنذ العام 2003، فإنَّ 6,4% من أسهم "غازبروم" سقطت بطريقةٍ ما من ميزانيتها العمومية. هذه القابلية نحو الإختفاء تعاظمت خلال عام 2007: ففي أول كانون الثاني/ يناير 2007 كانت الشركات التابعة لـــ"غازبروم" ما تزال تمتلك 3,5% من أسهمها، ولكن بحلول نهاية ذلك العام انخفضت إلى 0,3%. 
إنَّ بعضاً من حصص الأسهم تلك تمَّ استبعادها على ما يبدو من الميزانية العمومية لأمرٍ يتعلَّق بحقيقة أنَّ مؤشرات "غازفوند" (Gazfond) وصندوق التقاعد التابع للشركة (والذي بالمناسبة يسيطر عليه صديق بوتين، كوفالتشوك)، توقَّف الإعلانُ عنها في حسابات "غازبروم" الموحَّدة. وتوضِّح "غازبروم" أيضاً أنها تشتري وتبيع دورياً أسهمَها الخاصة في سوق الأوراق المالية. 
ومع ذلك، يمكننا أن نرى هنا أنه، شيئاً فشيئاً وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، قد تلاشت حصَّةٌ كبيرة من أسهم "غازبروم" من الدفاتر التجارية للشركات التابعة لها. تُرى أين ذَهَبَتْ؟ لا أحد يعرف.
لماذا هذا الأمر مهم؟ لأنَّ 6,4% من أسهم "غازبروم" تمثِّل كميةً كافية لإعطاء الواحد الحقَّ في المشاركة الحقيقية في إدارة الشركة. فالقيمة السوقية لمثل هذا الإمتلاك للأسهم هي في حدود 20 مليار دولار، وهو في الواقع الإمتلاك الثاني الأكثر قيمةً بعد امتلاك الدولة للأسهم في الشركة، ويعادل ذاك الذي في الشركة القابضة الأوروبية (E.ON Ruhrgas)، التي بالصدفة تمتلك أيضاً 6,4% من أسهم "غازبروم". إنَّ الأرباح المتأتية من مثل هذا الإمتلاك للأسهم، على أساس تصنيف "غازبروم" لعام 2007، هي أكثر من 170 مليون دولار في السنة. ومن ناحيةٍ أخرى، إذا ما أخذنا – كقاعدةٍ – الأرباحَ التي تدفعها شركات النفط الأخرى في روسيا، فإنَّ الأرباح ممكن أن تكون كبيرة بمقدارٍ يتراوح من 1,1 إلى 1,7 مليار دولار. إنَّ صاحب مثل هذا الإمتلاك للأسهم يستطيع أن يكون متأكداً من أنه يستطيع أن يضع مرشَّحَهُ في مجلس مديري "غازبروم" ويؤثِّر مباشرةً على إدارة هذه الشركة.  
فكيف يمكن لمثل هذا الإمتلاك للأصول أن يسمح بالخروج عن سيطرة الحكومة، وهو أمرٌ غير مفهوم. ففي عام 1998، على سبيل المثال، باعت الدولة 2,5% فقط من أسهم "غازبروم" في مزادٍ مفتوحٍ كلياً. في ذلك الوقت كانت التحضيرات لهذا وللبيع الفعلي قائمةً على نطاقٍ واسعٍ في التلفزيون الروسي، وفازت الشركة القابضة الأوروبية (E.ON Ruhrgas) في عمليةٍ شفافة. ومع ذلك فإنَّ الجزء الأكبر – في الوقت الحاضر – من الأسهم المملوكة من قبل الشركات التابعة لـــ"غازبروم" يمكن أن يختفي تماماً من دفاترها التجارية دون أن يعلم أحدٌ ما حَدَث. 
ولو أنَّ هذه الــــ6,5% من الأسهم الممتلَكة تمَّ بيعُها اليوم في سوقٍ مفتوحة فإنَّ "غازبروم" ستكسب 20 مليار دولار يمكن استخدامها في تطوير استخراج الغاز.
السؤال حول أين ذهبت هذه الأسهم ما يزال بدون إجابة.
صفقةٌ أخرى لــ"غازبروم" علينا أن نذكرها هنا أيضاً، ألا وهي: "شراء" الدولة لـــ10,7% من الأسهم الممتلَكة في "غازبروم"، مما يعطي حصة الدولة تلك القدرةَ على الهيمنة.    
إنَّ استعادة الدولة لسيطرتها على "غازبروم" – والتي فُقِدَتْ خلال فترة ريم فياخيريف – هو أمرٌ جيد، وحتى الإصلاحيون الليبراليون لم يعترضوا عليه. ولكن كيف تمَّ ذلك؟
 لقد كان باستطاعة الدولة أن تفعل هذا بشكلٍ غير مؤلم نسبياً ولكن ليس بثمنٍ باهظٍ عن طريق نقل الأسهم المملوكة من قبل الشركات التابعة لـــــ"غازبروم" إلى الشركة المالكة ثم تدفع مستحقات السندات.
وانطلاقاً من هذا، فقد كان بإمكان الدولة أن تزيد حصَّتها من 39,3% (وهذا يشمل حصة بنسبة 0,3% من شركة "روس غازيفيكاتسيا"/ Rosgasifikatsiya/ المملوكة من قبل الدولة) إلى ما يقرب من 48%، مما يمكِّنها بعد ذلك من شراء ما تبقى – أي 2% – بالإضافة إلى شراء حصة أكبر من ذلك بقليل [أي أكثر من 2% بقليل] هي ما تزال في حاجة إليها في السوق (في عام 2003 لم يكن هذا يكلِّف أكثر من 500 إلى 700 مليون دولار).
إنَّ اقتراحاً من هذا القبيل نوقش سابقاً من قبل الحكومة عام 2000. وكان من الواضح أنَّ دَفْعَ مبالغَ طائلة من الميزانية لإعادة شراء أسهم "غازبروم" ليس بالطبع معقولاً من الناحية الإقتصادية، إذ أَوَليس من الأفضل استخدام أموال الدولة لسد العجز في صندوق المعاشات؟
 ولكن لا، فالدولة فضَّلت أولاً الإنتظار حتى تَكْبُرَ القيمة السوقية لــ"غازبروم" وأن يكون سعر الأسهم التي سيتم إعادة شرائها قد ارتفع. وثانياً، وبدلاً من عملِ دفتر معاملة بالأسهم، قامت بشراء 10,7% من الإمتلاكات في "غازبروم" بأسعارٍ باهظة. وبالتالي فإنَّ عملية الشراء قد كلَّفت الدولة 7,2 مليار دولار، أي أكثر بـــ10 مرات مما لو اشترت 2% من "غازبروم" – كانت تحتاجها – في عام 2003.
إنَّ الواحد يشعر بأنَّ شخصاً ما تعمَّد أن يؤخِّر استعادة الدولة لحصة السيطرة في "غازبروم" من أجل إدخال المزيد من أموال الدولة في دفاتر "غازبروم" التجارية ومن ثمَّ استخدام هذه الأموال لشراء شركة "سيب نفط" (Sibneft) من [الملياردير الروسي] رومان أبراموفيتش (وبالمناسبة بسعرٍ مبالغٍ فيه – أُنظر عن ذلك أدناه). لقد كلَّفت الصفقةُ الموازنةَ العامة للدولة مجرَّد 6,5 مليار دولار! ويمكن للمرء أن يتساءل ما إذا كان اتفاقٌ من هذا النوع يندرج ضمن معنى "النفايات الجنائية لأموال الدولة"؟
وأخيراً، فإنَّ حصة الــــ10,7% لم يتمَّ نقلها قط إلى الإتحاد الروسي، وتستمر في العَوْمِ في الدفاتر التجارية لشركة "روس نفط غاز" (Rosneftegaz).

-         شراء "سيب نفط"

في أيلول/ سبتمبر – تشرين الأول/ أكتوبر 2005 اشترت "غازبروم" 75% من شركة "سيب نفط" (Sibneft) من [الشركة المسجَّلة في بريطانيا] "ميل هاوس كابيتال" (Millhouse Capital)، وهذه الأخيرة يملكها بشكلٍ أكيد رومان أبراموفيتش (على الرغم من أننا في تقريرنا "بوتين – النتيجة المالية" نَذْكُرُ أنَّ أصحابها الفعليين غير معروفين). 
لقد سبق وأن وصفنا هذه الصفقة بالتفصيل، لافتين الإنتباه إلى الكيفية التي تم بها رَفْعُ القيمة السوقية لــ"سيب نفط" قُبَيْلَ بَيْعِها (راجع مقالة في صحيفة "فيدوموستي" الروسية بعنوان: "تضخُّم قيمة سيب نفط"، 28 أيلول/ سبتمبر 2005). فلقد كان سعر السهم 3 دولارات في أوائل عام 2005، إلا أنه وصل إلى 4 دولارات عندما أُنجزت الصفقة.
اليوم، وبعد ثلاث سنوات من شراء "سيب نفط"، نستطيع أن نقول على وجه اليقين إنَّ دخول "غازبروم" قطاعَ النفط قد لاقى فشلاً، إذ انخفض متوسط إنتاج "سيب نفط" اليومي من 95,8 ألف طن في أيلول/ سبتمبر عام 2005 عندما تمَّ شراء الشركة، إلى 84,7 ألف طن يومياً في حزيران/ يونيو عام 2008، أي أنَّ الإنخفاض كان بنسبةٍ قَدْرُها 11,5% في أقل من 3 سنوات.
وقد استثمرت "غازبروم" 13,7 مليار دولار في المشروع، الذي هو فاشلٌ من ناحية المردود، وواضحٌ أيضاً ازدياد أجر شركات رومان أبراموفيتش من هذه العملية.
ولم يُشْرِف على هذه الصفقة أحدٌ إلا بوتين، ولا أحد تحمَّل مسؤولية الفشل – الذي لا معنى له – من شراء "سيب نفط".

-         "سوغاز"

كان بيع شركة "سوغاز" (Sogaz/ Согаз) المثالَ الأول على بيع أصول شركة "غازبروم" لأصدقاء بوتين. إنَّ "سوغاز"، التي هي بأحرفها الروسية "شركة تأمين صناعة الغاز"، هي واحدة من أكبر شركات التأمين في روسيا. وفي عام 2004 كانت "سوغاز" شركة التأمين السادسة الأكثر تقييماً في روسيا، مع عائدٍ جزيل بلغ حوالى 500 مليون دولار. 
إنَّ أعمال التأمين هي خارج اختصاص "غازبروم" القائم على استخراج ونقل ومعالجة الغاز وتزويد المستهلكين به. وخلال أعوام 2000 – 2002 ناقش بعضُ أعضاء الحكومة ومجموعاتٌ من الخبراء بشكلٍ فاعل حاجةَ "غازبروم" إلى تخليص نفسها من الأصول غير الأساسية، وكانت شركة "سوغاز" ضمن القائمة. وكان من المفترض آنذاك أن يسبق البيعَ أعمالٌ تحضيرية ناحية الشركة لزيادة قيمتها السوقية، بحيث تجري بشفافية، وبحيث تجلب إلى "غازبروم" مليارات الدولارات هي في حاجةٍ إليها للإستثمار في استخراج الغاز. 
ومع ذلك، باعت "غازبروم" في عام 2004 شركةَ "سوغاز"، عبر "بورصة موسكو للعملات بين البنوك" (Moscow Interbank Currency Bourse)، وذلك إلى إتحادِ شركاتٍ ومصارفَ مؤلفٍ من "إيفروفَيْننس موسناربنك" (Evrofinance Mosnarbank) و"سيفيرستال جروب" (Severstal Group) و"روسيا بنك" (Rossiya Bank). إنَّ التقرير ربع السنوي لـــ"سوغاز" للربع الأول من عام 2005 جعل الأمورَ واضحةً، إذ أورد أنَّ 51% من "سوغاز" تمَّ بيعها في وقتٍ لاحق إلى شركةٍ تسمَّى "أبروس" (Abros)، وهي شركة فرعية مملوكة 100% من قبل "بنك روسيا" (Rossiya Bank). ثم انتهَتْ نسبة 12,5% منها في آخر المطاف إلى يد شركة "أكت سيبت" (Aktsept)، التي تملك 3,93% من "روسيا بنك".
ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية فإنَّ شركة "أكت سيبت" (Aktsept) هي مملوكة بنسبة 99,99% من قبل ميخائيل شيلوموف، إبن خال الرئيس الروسي الثاني فلاديمير بوتين [ميخائيل شيلوموف هو تحديداً حفيد إيفان شيلوموف، الأخ الأكبر لوالدة بوتين].
لقد سبق أن كتبنا عن "روسيا بنك" (Rossiya Bank) في تقريرنا "بوتين – النتيجة المالية". فهذا المصرف تمَّ تأسيسه في عام 1990، والمستثمر الرئيس فيه هي مديرية إدارة فرع الحزي الشيوعي السوفياتي في منطقة لينينغراد. ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية فإنَّ المساهم الأكبر في هذا المصرف هو يوري كوفالتشوك، رئيسُ مجلس إدارته وصديقُ بوتين منذ أن كان الأخير يعمل في بطرسبورج [لينينغراد سابقاً]. ووفقاً لوسائل الإعلام، مرةً أخرى، فإنَّ يوري كوفالتشوك هو واحدٌ من رجال الأعمال المقرَّبين من بوتين. 
ومن الجدير ذكرُهُ بشكلٍ عابر أنَّ كوفالتشوك هو عضوٌ في السلط الدبلوماسي لتايلاند بعدما أصبح قنصل تايلاند الفخري في بطرسبورج، ويقع مكتبه داخل القنصلية التايلاندية، وهو الموقع الذي يتمتَّع بحصانةٍ دبلوماسية. 
وهكذا، فَقَدَت "غازبروم" السيطرة على واحدة من أكبر شركات التأمين في البلاد. وبعد وقوعها في أيدي مصرف "روسيا بنك" نَمَتْ أعمال "سوغاز" بسرعة: لقد ارتفع دَخْلُ أقساط التأمين من 500 مليون دولار عام 2004 إلى ما يقرب من 1,5 مليار دولار في عام 2007. ووفقاً لتقديرات الصحافة الروسية فإنَّ عامل النمو هذا كان سببُهُ الرئيس أنه بدأ التأمين على الشركات الكبيرة المملوكة من قبل الدولة (بما في فيها مؤسسة الدولة للطاقة الذرية "روس إينيرجو أتوم"{ Rosenergoatom}، وشركة "السكك الحديدية الروسية" { Russian Railways}، وغيرهما من الشركات) (التفاصيل الأشمل يمكن العثور عليها في هذا المقال: "مساعدو روسيا بنك: كيف بنى يوري كوفالتشوك إمبراطوريته"، صحيفة "فيدوموستي" الروسية، 24 تموز/ يوليو 2008). وفي مقابلاتٍ غير مسجَّلة على شرائط مع صحيفة "فيدوموستي"، أشار بعضُ زبائن "سوغاز" – رفضوا ذكرَ أسمائهم – إلى وجود دعمٍ رسمي لهذه الشركة. 
وفقاً لتقديرات إدارة "بنك روسيا" فإنَّ شراء "سوغاز" كلَّف حوالى 120 مليون دولار، على الرغم من أنَّ القيمة الحقيقية للشركة هو ربما 1,5 – 2 مليار دولار (أُنظر المقابلة مع رئيس مجلس إدارة "بنك روسيا" د. ليبيديف، إبقاء العين مفتوحة على الجوائز المجانية"، صحيفة "فيدوموستي" الروسية"، 17 حزيران/ يونيو 2008). إنَّ تجريدَ واحدة من أكبر شركات التأمين في روسيا بعيداً عن "غازبروم" بسعرٍ بخس، ثم تحويلَها مع دَخْلِها من كونها شركةً مملوكةً من قبل الدولة إلى شركةٍ يتم استخدامها، كان – على ما يبدو – استراتيجية عشيرة بوتين وجهاً لوجه مع "سوغاز". ولو أنه تمَّ إعداد "سوغاز" بشكلٍ جيد وصحيح قبل عرضها للبيع في السوق ثم تمَّ بيع الشركة نفسها في مزادٍ مفتوح، فإنَّ "غازبروم" ربما كانت جَنَتْ مليار دولار من عملية البيع. وبالتالي كان من الممكن حينها استثمار الأموال في تطوير استخراج الغاز. ولكن... 

-         "غازفوند" و"غازبروم بنك"

في آب/ أغسطس 2006 قامت شركة "سوغاز"، التي تمَّ تملُّكها بالفعل من قبل "بنك روسيا"، بشراء 75% زائداً سهماً واحداً من شركة "ليدر" (Lider)، الشركة التي يديرها صندوق "غازفوند" (Gazfond)، وهو صندوق "غازبروم" للتقاعد، مع الإشارة إلى انَّ "غازفوند" هو أكبر صندوق للمعاشات في البلاد غير مملوك من قبل الدولة، مع إحتياطي يبلغ أكثر من 6 مليار دولار (اعتباراً من أول تموز/ يوليو 2006). 
إنَّ هذه الأموال لا تنتمي إلى صندوق التقاعد، ولا إلى "ليدر" (الشركةُ التي تدير لهم هذه الأموال)، ولكن يُمكن استثمارها في أي مشروعٍ تقرِّره إدارة الشركة. وعندما اشترى أصحابُ "روسيا بنك" شركة "ليدر" فإنهم فعلوا ذلك بهدف السيطرة على صندوق التقاعد، والدليل على ذلك أنَّ يوري شالاموف (الذي هو إبن نيقولاي شالاموف، أحدِ المساهمين في "بنك روسيا" منذ أواخر عام 2004) أصبح رئيساً لــ"غازفوند".  
الشراء التالي الذي تَمَّ كان بأموال "غازفوند": لقد تمَّ الإستحواذ على حصةٍ مسيطِرةٍ في مصرف "غازبروم بنك" (Gazprombank)، أحد أكبر المصارف في البلاد (في الوقت الذي تمَّت عملية الشراء كان "غازبروم بنك" يمتلك ثالث أكبر الأصول في روسيا، على الرغم من أنَّ أصوله كانت في بعض الأحيان تصل إلى المرتبة الثانية بعد مصرف "سبير بنك"- Sberbank، مُحيلاً مصرفَ "فنيشت أورج بنك"- Vneshtorgbank، إلى المرتبة الثالثة).
في أوائل عام 2000 كانت الحكومة قد ناقشت احتمال بيع أصولٍ مالية من "غازبروم" – بما في ذلك "غازبروم بنك" – نقداً في المزاد العلني كجزءٍ من تَحَرُّكٍ عام لتجريد "غازبروم" من أصولها غير الأساسية. وفي وقتٍ متأخر من عام 2006 قَدَّر مجلسُ "غازبروم" مناقشةَ بيع حصةٍ كبيرة في "غازبروم بنك" للمستثمر الاستراتيجي "دريسدنر بنك" (Dresdner Bank). وعلى الرغم من أنَّ هذه الصفقة المقترَحة لم تكن شفَّافة للغاية، وأنَّ مصرف "دريسدنر بنك" يرأسُهُ ماتياس فارنيج، وهو أحد عناصر جهاز أمن الدولة "ستازي" (Stasi) وصديقٌ شخصي لبوتين منذ وقتٍ طويل، فإنَّ الغرض الحقيقي من إنجاز البيع كان المال.     
ومع ذلك، وافق مجلس إدارة "غازبروم" في أواخر عام 2006 على بيع كميةٍ من أسهم "غازبروم بنك" ليس من أجل المال ولكن في مقابل مساهمة "غازفوند" في شركة الطاقة الكهربائية "موس إينيرجو" (Mosenergo). لقد كان بإمكان "غازبروم" أن تمتلك أسهماً في "موس إينيرجو" أو أن تشتري أسهم هذه الشركة من البورصة، مثلما كان بإمكانها أن تبيع  أسهم "غازبروم بنك" بالفعل. لكنها صمَّمت بدلاً من ذلك على فكرة "المبادلة"، والتي بنتيجتها – كما أعلن المكتب الصحافي لـــ"غازبروم بنك" بحلول نيسان/ أبريل عام 2007 – يسيطر صندوق "غازفوند" الآن على المصرف بنسبة 50% زائداً سهماً واحداً. و"غازبروم بنك"، الذي يُقَدِّرُ عددٌ من الخبراء قيمته بــــ25 مليار دولار، تسلَّل من بين يَدَي "غازبروم" دون أن تحصل الأخيرة على الكثير من القيمة المالية الحقيقية لأصوله.

-         وسائل إعلام "غازبروم" (غازبروم – ميديا)

في سياق مقايضة الأصول، والتي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، حَدَثَ أنْ سُحِبَتْ وسائلُ "غازبروم" الإعلامية (غازبروم – ميديا/ Gazprom-media) – أكبرُ أملاكٍ إعلامية في روسيا – من السيطرة المباشرة لـــ"غازبروم" (وقد كتبنا عن ذلك في تقريرنا "بوتين – النتيجة المالية). إنَّ وسائل "غازبروم" الإعلامية تمتلك القناتين التلفزيونيَّتين "أن. تي. في" (NTV) و"تي. أن. تي" (TNT) وغيرهما من الأصول الإعلامية. لقد تمَّ نقل أسهمها إلى ملكية "غازبروم بنك" قبل سيطرة "غازفوند" على هذه الأسهم في المصرف، أو فلنقل ذلك بطريقةٍ أخرى: قبلَ أنْ تنتهي هذه الأسهم إلى امبراطورية أعمال "روسيا بنك" ويوري كوفالتشوك. وعندما انتقلت أسهم وسائل "غازبروم" الإعلامية وقناتَي "أن. تي. في" و"تي. أن. تي" في تموز/ يوليو  2005 إلى الدفاتر التجارية لــــ"غازبروم بنك" (في ذلك الوقت كان هذا مجرَّد عملية عادية داخل "غازبروم")، فإنَّ "غازبروم" دفعت 166 مليون دولار ثمن الأسهم بواسطة "غازبروم بنك".   
غير أنه لاحقاً وبعد سنتين فقط، وبعد أن انتقلت وسائل إعلام "غازبروم" – التي هي جزءٌ من أصول "غازبروم بنك" – إلى "روسيا بنك"، قام نائب رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف علناً بتقييم أصول وسائل إعلام "غازبروم" برَقَمٍ آخر وهو 7,5 مليار دولار. وهذا يعني أنَّ "غازبروم" تخلَّت عن أصولها مقابل مبلغٍ أقل من ثمنها الحقيقي بأضعافٍ مضاعَفة، يُقال بأنه أقل بـــــ7,3 مليار دولار!   
وإلى جانب سيطرته على وسائل "غازبروم" الإعلامية، يسيطر مصرف "روسيا بنك" اليوم على عددٍ من الأصول الإعلامية الكبيرة الأخرى، وهي أصول قناة "رين – تي. في" (Ren-TV) والقنوات التلفزيونية الخمسة التابعة لـــ"قناة بطرسبورج" (St. Petersburg Channel)، وأصول صحيفة "كمسمولسكايا برافدا" (Komsomolskaya Pravda) الأكثر توزيعاً في البلاد، وأصول العشرات من الشركات التلفزيونية والإذاعية والصحافية. وفي الفترة بين عامي 2005 و2007 حصلت مجموعة وسائل الإعلام هذه على الحق في البث في 41 منطقة في روسيا، ومن ثمَّ حصلت على الترددات المخصَّصة لـــــ29 منطقة أخرى. وبفقدان "غازبروم" لوسائل إعلامها فَقَدَت – كما قلنا – 7,3 مليار دولار.  

-         "روس أوكر إينيرجو"

سابقاً، في عام 2002، قامت عشيرة بوتين بوضع نظامٍ مشبوه، والذي بواسطته يُصار إلى استخدام وسطاءَ مُبْهَمين في إعادة بيع الغاز التركماني إلى أوكرانيا لإعادة تصديره لاحقاً جزئياً إلى أوروبا. وبالعودة إلى زمن [رئيس "غازبروم" السابق] ريم فياخيريف، فقد نُفِّذت عملياتٌ مشبوهة مماثلة من قبل شركةٍ تُدعى "إيتيرا" (Itera). وكان العديد من مساهمي "غازبروم" ومن المحلِّلين من خارج الشركة وقفوا بشدة ضد هذه المخططات، التي بموجبها – وبعِلْمٍ تام من "غازبروم" – اختفت نسبةٌ كبيرة من أرباح المبيعات ذاهبةً إلى جيوب شركاتٍ وسيطة ذات هياكل مُلْكِيَّة فائقة التعقيد، والتي أَدْرَجَتْ نفسَها في تشغيل الشركات البتروكيميائية المملوكة من قبل الدولة في روسيا وتركمانستان وأوكرانيا.     
في بداية رئاسة بوتين كانت هناك آمالٌ جدِّيَّة بأنه سيتم توقيف هؤلاء الوسطاء عن استخدام مثلَّث الغاز بين روسيا – تركمانستان – أوكرانيا، وبأنَّ "غازبروم" ستبدأ بالحصول على قيمةٍ تجاريةٍ كاملة من أنشطتها في هذا المجال.
على أنه، وفي وقتٍ مبكرٍ من عام 2003، فإنَّ شركة ريم فاخيريف المدلَّلة "إيتيرا" تم استبدالها بكل بساطة بوسيطٍ آخر وهو شركة "أورال ترانس غاز" (EuralTransGas)، التي تمَّ تسجيلها في المجر من قبل 4 أشخاص في عام 2002. وفي عام 2004، ووفقاً لِفاديم كلينر، من شركة "هيرميتاج لإدارة رأس المال" (Hermitage Capital Management/ وهي الشركة التي حُرِمَ رئيسُها بيل برودر لاحقاً من نيل تأشيرة دخول إلى الأراضي الروسية وتعرَّض موظفو الشركة للإضطهاد)، فإنَّ أحد المساهمين في "غازبروم" حاول الإحتجاج على تدفُّق رؤوس الأموال من الشركة، وعلى قيام "غازبروم" بإهداء وسيطتها – شركةِ "أورال ترانس غاز" – إرباحاً بقيمة 767 مليون دولار متأتية من إعادة بيع الغاز التركماني إلى أوكرانيا لاحقاً من أجل إعادة تصديره(*).
________________________________________
(*) المصدر: عَرَضٌ بعنوان "كيف يجب أن تُدار غازبروم وفق المصالح الوطنية لروسيا ومصالح مساهميها"، بقلم: فاديم كلينر، المرشَّح لمجلس غازبروم، حزيران/ يونيو 2005.
_________________________________________
بداية عام 2005 تخلَّت شركة "أورال ترانس غاز" عن دورها كوسيطٍ في مثلث الغاز بين روسيا – تركمانستان – أوكرانيا لصالح شركة "روس أوكر إينيرجو" (Rosukrenergo) المسجلة في سويسرا، والتي حصلت على الحق الحصري لإعادة بيع الغاز التركماني إلى أوكرانيا. وكان مؤسسو "روس أوكر إينيرجو" هم: مصرف "غازبروم بنك" (الذي لا مصالح له في الغاز) بنسبة 50% من التملُّك، بالإضافة إلى أشخاصٍ مجهولين. وكثيراً ما أُثيرت الشبهات حول مشاركة مجرمين كبار في شركتي "روس أوكر إينيرجو" و"أورال ترانس غاز". ولاحقاً اعترف اثنان من رجال الأعمال، هما ديمتري فيرتاش وإيفان فورسين بمشاركتهما في هاتين الشركتين. وعلى الرغم من أنَّ "غازبروم" تتلقَّى الآن – عبر مصرف "غازبروم بنك" –حصَّتَها من أرباح عملية إعادة بيع الغاز التركماني إلى أوكرانيا وتصديره لاحقاً إلى أوروبا، إلا أنَّ نسبةً من هذه الأرباح لم تكن تذهب إلى "غازبروم"، وقد بلغت هذه النسبة 478 مليون دولار في عام 2005 وذهبت إلى شريكٍ مجهول في "روس أوكر إينيرجو".
ويمكننا أن نرى بالتالي أنه في عامي 2004 و2005 أَهْدَتْ "غازبروم" ببساطةٍ 1,25 مليار دولار من أرباح تجارتها في الغاز التركماني مع أوكرانيا إلى بعض الوسطاء العاملين في الظل.
وفي النهاية تنامى بعد ذلك دورُ "روس أوكر إينيرجو" في كلِّ هذا. ووفق الإتفاق الشهير والسيىء بين روسيا وأوكرانيا في 4 كانون الثاني/ يناير 2006، أُعطيت "روس أوكر إينيرجو" الحق الحصري في إعادة بيع كل الغاز الروسي وآسيا الوسطى إلى أوكرانيا. هذا الإتفاق ألغى اتفاقياتٍ تعاقدية مباشرة بين "غازبروم" و"نافتوغاز أوكرانيا" (NaftogazUkrainy)، وكما سنُبَيِّن أدناه فإنَّ هذا المخطَّط لم يكن نجاحاً تجارياً لـــ"غازبروم". 
في أواخر عام 2006، وتحديداً قُبَيْلَ أن يكتسب "روسيا بنك" السيطرة على مصرف "غازبروم بنك"، اشترت "غازبروم" حصة 50% في "روس أوكر إينيرجو" من "غازبروم بنك" بـــــــ2,3 مليون يورو  (3,5 مليون دولار). وعلاوةً على ذلك، لم يمضِ وقتٌ طويل حتى دُفِعَت لـــ"غازبروم بنك" والمساهمين الخاصين في "روس أوكر إينيرجو" أرباحاً بقيمة 730 مليون دولار. من هنا يتبيَّن أنه قُبَيْلَ أن يقع "غازبروم بنك" تحت سيطرة "روسيا بنك" فإنَّ شركة "غازبروم" ضخَّت به المزيد من الأموال بقيمة مئات الملايين من الدولارات، بحيث أصبحت هذه الأموال ملكاً لـــ"روسيا بنك".

-         "سيبور"

لعلَّ قصة محاولة بيع شركة البتروكيميائيات الفاعلة "سيبور" (Sibur/ СИБУР) إلى الأفراد عام 2008 المثالُ الأكثر وقاحةً على تجريد أصول شركة "غازبروم" في السنوات الأخيرة. إنَّ "سيبور" هي أكبر شركة بتروكيميائيات في البلاد، وتتألَّف من 6 مصانع (من أصل 8) في سيبيريا الغربية لمعالجة غاز حقول النفط؛ ومن مصنع "توبولسك – نيفتيخيم" (Tobolsk-Neftekhim) الذي هو واحدٌ من أكبر مصانع البتروكيميائيات في البلاد؛ ومن 7 مصانع لإنتاج المطاط الصناعي؛ ومن 6 مصانع لإنتاج البوليمر [ومن ضمنها المواد البلاستيكية]؛ ومن مصنعين للأسمدة المعدنية. وقد بلغت قيمة تداولها 6 مليار دولار في عام 2007، وحقَّقت أرباحاً تشغيلية [أي قبل خصم الفوائد والضرائب] بقيمة 1,2 مليار دولار.    
إنَّ قضية استعادة السيطرة على "سيبور" بعد محاولةٍ من رئيسها السابق ياكوف جولدوفسكي لانتزاعها بعيداً عن "غازبروم"، كانت في فترة 2002 – 2003 أحد الموضوعات الكبيرة في حملة بوتين الدعائية حول عودة أصول "غازبروم" المفقودة في زمن [رئيس الشركة السابق] ريم فياخيريف. لقد تمَّ اعتقال جولدوفسكي في مكتب الإستقبال التابع لرئيس "غازبروم" ألكسي ميلر. وتمَّت إعادة "سيبور" إلى "غازبروم"، وسارع جولدوفسكي إلى الفرار إلى الخارج. وقد وجَّه بوتين ملاحظةً حَمَلَت إنذاراً إلى ميلر، إذ قال له: "علينا أن نكون أكثر حذراً بشأن مسائل المُلكية، فإنْ يوماً ستتثاءَبْ (ستتقاعَسْ) قليلاً وعلى نطاقٍ واسع جداً، ستَخْسَرْ أكثر من سيبور".  
ومع ذلك، يبدو أنه لم تتم إعادة "سيبور" إلى الحظيرة إلا لِتُسَلَّم مرةً أخرى إلى أشخاصٍ مجهولين. فلاحقاً، وبعد سنواتٍ قليلة، وَجَدَتْ "غازبروم" نفسَها مرةً أخرى تفقد سيطرتها على الشركة: أولاً، ومن خلال سلسلةٍ من التلاعبات، وَجَدَتْ "سيبور" نفسَها أنها لم تعد تحت سيطرة "غازبروم" المباشرة وأنها مملوكة من قبل مصرف "غازبروم بنك" (70% زائداً سهماً واحداً) ومن قبل صندوق "غازفوند" (25% زائداً سهماً واحداً. هذان الكيانان ["غازبروم بنك" و"غازفوند"]، بطبيعة الحال، انتقلا من سيطرة "غازبروم" إلى أيدي "روسيا بنك" (كما هو موضَّحٌ أعلاه). وبالإضافة إلى ذلك شَطَبَتْ "غازبروم" 40 مليار روبل [1,25 مليار دولار] ديوناً مستحقَّة على "سيبور".
وفي الختام جَرَتْ محاولةٌ في نيسان/ أبريل 2008 – وبكثيرٍ من التسرُّع – لتسليم "سيبور" إلى مجموعةٍ خاصة من الأفراد. ففي 22 نيسان/ أبريل من ذلك العام قام رئيس "سيبور" ديمتري كونوف وأربعةٌ آخرون من كبار المديرين بإبلاغ مجلس إدارة "سيبور" عن عزمهم على بدء محادثاتٍ مع مصرف "غازبروم بنك" بشأن نيَّة شركة "هيدرون هولدينج" القابضة المحدودة (Hidron Holdings Limited)، وهي شركة خارجية قبرصية، شراءَ غالبية حصة "سيبور". وتمَّ الإتفاق على السعر والشروط من قبل الطرفين في غضون خمسة أيامٍ فقط. ووفقاً لمصادر إعلامية روسية، كان من المقرَّر أن تشتري شركة "هيدرون" كامل حصة "غازبروم بنك" في "سيبور"، والبالغة 70%، بقيمة 3,8 مليار دولار استناداً إلى تقييمٍ أوَّلي للشركة.
ومع ذلك، فإنَّ العديد من المحلِّلين أشاروا إلى أنَّ التقييم العادل لـــ"سيبور" كان يجب أن يكون 6,5 مليار دولار.
إنَّ نصفَ القيمة تقريباً (25 مليار روبل [780 مليون دولار] من أصل 53 مليار روبل [1,6 مليار دولار])، والتي كان مديرو "سيبور" في طريقهم إلى دَفْعِهَا لـــ"غازبروم بنك" وفق الشروط التي وافقوا عليها، كان من المقرَّر أن يُقرضهم "غازبروم بنك" إياها لمدة ثلاث سنوات. وفي الواقع، كان "غازبروم بنك" في طريقه – من ضمن الصفقة – إلى تمويل مُشْتَرِيي "سيبور"! وبالإضافة إلى ذلك، كان الملاَّك الجدد قد تفاوضوا حول حقِّهم في أن يبيعوا لـــ"غازبروم" مرةً أخرى شركتين تابعتين لــ"سيبور" وهما "سيبور روسكي شيني" (سيبور للإطارات الهوائية الروسية/ Sibur Russian Tyres/ СИБУР  Русские шины) وشركة "سيبور مونودوبرينيا" (سيبور للأسمدة المعدنية/ Sibur-Mineral Fertilisers/ СИБУР-Минудобрения)، ومن الواضح أنهم سيبيعونهما بأعلى من سعرهما العادي.
ما هي الخدمات التي قدَّمها خمسةٌ من كبار مديري "سيبور" ليُصار إلى إعطائهم منحةً سخيَّة، في وقتٍ لم يعملوا في الشركة إلا لسنواتٍ قليلة؟ إنَّ هذا هو لغزٌ بحد ذاته. ولماذا سُمِحَ لهم بالقيام بعجلةٍ بالغة بشراء حصةٍ مسيطِرة في "سيبور" وفق هكذا شروطٍ جيدةٍ وبشكلٍ لا يُصَدَّق؟ إنَّ ديمتري كونوف لم يكن رئيساً للشركة سوى لأربع سنوات، منها 18 شهراً فقط في الصدارة. ولم يعمل الأربعةُ الآخرون في "سيبور" لأكثر من خمس سنوات. وبالإضافة إلى ذلك، لا أحدَ يعرف من هو المستفيد النهائي من شركة "هيدرون هولدينج" المشترية. وانطلاقاً من العَجَلة البالغة في إتمام الصفقة وشروطها الرائعة، هناك ما يدعو إلى الإعتقاد بأنَّ الهدف من ذلك هو "مكافأة"، ليس كونوف وشركائه، بل أحدِ الشخصيات الحكومية الرفيعة "على كل ما قدَّمه من عملٍ جيد".   
وطبعاً، ستخسر "غازبروم" وفق هذا الأمر ما لا يقل عن 3 مليار دولار.

-         مكائد تجريد أصول "غازبروم": إستنتاج

على مدى السنوات القليلة الماضية، وكنتيجةٍ لمكائد تجريد "غازبروم" من الأصول، فَقَدَت الشركة السيطرة على أصولٍ تتجاوز قيمتُها 60 مليار دولار ( أي ما يعادل 6,4% من أسهمها: في شركات "سيبور" و"سوغاز" "وغازبروم بنك" و"وسائل غازبروم الإعلامية"، وأصول صندوق "غازفوند" وهو أكبر صندوق غير حكومي لمعاشات التقاعد)، هذا بالإضافة إلى مبالغ نقدية بلغت تقريباً 20 مليار دولار تمَّ اقتطاعها من الشركة بحجة شراء أسهمٍ في شركة "سيب نفط" وبفعلِ مكائدَ شملت شركة "روس أوكر إينيرجو" التجارية.  
إنَّ قيمة ما خَسِرَتْهُ "غازبروم" في هذه الصفقات تعادل تقريباً، في تقديرنا، ثَمَنَ تجهيز حَقْلَي الغاز "شتوكمان" و"بوبانينكوفا" للإنتاج، بالإضافة إلى عددٍ من حقول الغاز الجديدة والكبيرة. لقد كان بالإمكان استخدام هذه الأموال لتطوير صناعات الغاز الجديدة وضمان تزويد المستهلكين الروس بالغاز بشكلٍ موثوق.
لكننا، بدلاً من ذلك، شَهِدْنا الجهودَ مكرَّسةً بصفةٍ رئيسة لتعزيز إمبراطورية مصرف "غازبروم بنك" التجارية عن طريق الإغارة على أصول شركة "غازبروم".

إمبراطورية مصرف "غازبروم بنك"، المبنية على أصولٍ تمَّ تجريد شركة "غازبروم" منها:


الفصل التالي:
الفصل السابق:























 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق