الصفحة الرئيسة

2011/06/02

كتاب "حوار مع صديقي الإسلامجي"- بين الحضارة والبداوة (2 من 5): الإسلامجية عندنا نسخة طبق الأصل من النصرانجية في أميركا!



أفضل طريقة ارتأيناها لإلقاء الضوء على الإسلامجية عندنا وإبرازهم بالحجم المكـبَّر هي عَقْد المقارنة بينهم وبين نسخة طبق الأصل منهم موجودة في الولايات المتحدة الأميركية، مع فارق طفيف وهو أن هذه النسخة هي على الديانة المسيحية.. هذه النسخة طبق الأصل إسمها في أميركا البروتستانت المحافظون.. ولتقريب الصورة فإن بإمكاننا تسميتهم بالمسيحيين السلفيين أو المتطرفين.. وإمعاناً منا في
         


 إنزل إلى أسفل لتقرأ الموضوع كاملاً
      
                                     كتاب
      حوار مع صديقي الإسلامجي
                                                 تأليف حسين احمد صبرا
   





                      بين الحضارة.. والبداوة (2 من 5)
             الإسلامجية عندنا
             نسخة طبق الأصل
        من النصرانجية في أميركا!



حسين احمد صبرا
أفضل طريقة ارتأيناها لإلقاء الضوء على الإسلامجية عندنا وإبرازهم بالحجم المكـبَّر هي عَقْد المقارنة بينهم وبين نسخة طبق الأصل منهم موجودة في الولايات المتحدة الأميركية، مع فارق طفيف وهو أن هذه النسخة هي على الديانة المسيحية.
هذه النسخة طبق الأصل إسمها في أميركا البروتستانت المحافظون.. ولتقريب الصورة فإن بإمكاننا تسميتهم بالمسيحيين السلفيين أو المتطرفين.. وإمعاناً منا في تقريب الصورة أكـثر، بما أننا نقارن الإسلامجية بهم، فإننا نرغب بأن نطلق عليهم من حين لآخر تسمية "النصرانجية"..
ونظراً لخبرتنا بالإسلامجية عندنا، أولئك الذين يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" (من السنة ومن الشيعة)، فإننا ومن خلال تتبُّعنا لأمر سلفيي الديانة المسيحية في الولايات المتحدة نستنتج التالي:
أولاً، أنهم أقلية بين الطوائف والمذاهب المسيحية الرئيسة في أميركا.. وقبل ذلك يجب أن نشير إلى أن أكـثر من 80% من سكان الولايات المتحدة هم من المسيحيين، وأن المذاهب البروتستانتية مجتمعةً تشكل الأغلبية بين هؤلاء المسيحيين.. ولكن إذا قمنا بتقسيم الطائفة المسيحية في أميركا إلى المذاهب الأكـثر عدداً وجدنا أن أتباع المذهب الكاثوليكي هم الأغلبية (أكـثر من 50 مليون تابع)، يليهم البروتستانت المعتدلون (المتحررون).. وفي المرتبة الأخـيرة يأتي البروتستانت المحافظون.. هؤلاء البروتستانت المحافظون هم الذين تخرُج من بينهم جماعات سلفية وأبرزها على الإطلاق "التجمع الجنوبي للبَبْتِسْت" (Baptist).. (الإنقسام المسيحي إلى كاثوليك وبروتستانت متحررين وبروتستانت محافظين سبق وأن بدأ تاريخياً في أوروبا الغربية ثم انتقل إلى أميركا وهو يسود كل العالم الغربي الآن).
ثانياً، أن البروتستانت السلفيين هؤلاء ورغم قلة عددهم فإنهم أكثر مَن يَنْشَط في بناء الكنائس في الولايات المتحدة وأكـثر من ينشط في مجال التبشير.
ثالثاً، أن ثقل الخزان البشري للسلفيين المسيحيين هؤلاء موجود في جنوب الولايات المتحدة وليس في شمالها، وأكثر ما يتركز في الولايات الواقعة جنوب شرق الولايات المتحدة (مثل ولايات تكساس،فلوريدا، جيورجيا، فرجينيا، ألاباما، كنتاكي، تِنْسي، ميسيسبي، أركنساس...)، تليها الولايات الواقعة في الجنوب الوسطي حيث سهول رعاة البقر الشهيرة، وصولاً إلى الجنوب الغربي.. ولعلكم لاحظتم أن تجمُّع "البَبْتِسْت" الذي أشرنا إليه قبل قليل يحمل صفة "الجنوبي" نسبةً إلى جنوب أميركا.. ولاحظوا أيضاً أن القس الأميركي تـيري جونز، الذي أحرق نسخةً من القرآن في 9 أيلول/ سبتمبر 2010، هو من ولاية فلوريدا (الجنوبية).
رابعاً، أن هذا الجنوب الأميركي، حيث ينشط السلفيون المسيحيون، بغلب عليه الطابع الريفي بامتياز، ولعلكم تلاحظون أن معظم المسلسلات التلفزيونية الأميركية التي يغلب عليها الطابع الريفي، وكل الأفلام السينمائية الأميركية عن رعاة البقر (الكاوبوي)، وكل الأفلام السينمائية الأميركية الـتي عالجت التمييز العنصري التاريخي من قبل البيض ضد السود قد تم تمثيلها هناك أو كان المقصود بها هذه الولايات الجنوبية بالذات.
خامساً، أن هذا الجنوب الأميركي، وبالأخص الجنوب الشرقي، حيث ينشط السلفيون المسيحيون، هو أكـثر المناطق في الولايات المتحدة الأميركية فقراً وبطالة (باستثناء ولايتي فرجينيا وفلوريدا مؤخراً).
سادساً، أن هذه الحضارة الـتي نراها الآن في أميركا والـتي جعلت منها مركز الثقل الحضاري في العالم أجمع وأقوى دولة عرفها تاريخ البشرية جمعاء، إنما صنعها شمال الولايات المتحدة وليس جنوبها الذي ليس له أي فضل على هذه الحضارة ولا بقيد أنملة!
سابعاً، وزيادةً في توضيح الصورة، فإن الشمال الأميركي، صانع الحضارة الأميركية، هو مجتمع صناعي بامتياز وذلك منذ بدايات تكوين الولايات المتحدة الأميركية قبل أكـثر من مائتي عام وإلى الآن، فيما الجنوب الأميركي، كما سبق وأشرنا، هو مجتمع ريفي زراعي بامتياز.
ثامناً، وتتمةً لما سبق، فإن جنوب الولايات المتحدة، وتحديداً الجنوب الشرقي، لم تصل إليه حضارة الشمال الأميركي إلا مؤخراً وخلال العقود الأخـيرة، ومع ذلك فإن التطور الحضاري فيه (ولا سيما الصناعي منه) ما يزال متخلفاً بأشواط عن حضارة الشمال.
تاسعاً، أن الشمال الأميركي هو الذي ألغى العبودية وأعلن في أواخر القرن الثامن عشر أن كل الناس قد خُلقوا متساوين، وأن الجنوب الأميركي هو الذي أصرَّ على العبودية وتجارة الرقيق السود، وأن الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت في ستينيات القرن التاسع عشر كانت بين الشمال الذي أصر على تطبيق إلغاء العبودية وإنشاء دولة كبرى وبين الجنوب الذي أصرَّ على العبودية وأراد الإستقواء على الدولة الكـبرى بالإستقلال عنها بدويلات (العنصرية ونزعات الإنفصال عند هؤلاء ما تزال مستمرة إلى الآن).
عاشراً، لا بد –برأينا- وأن نعطي لعامل المناخ دوراً أيضاً (كإضافة على العامل الريفي).. ذلك أن المناخ يكاد بمعظمه يختلف جذرياً عن المناخ في الشمال الأميركي والذي هو رطب، وبارد شتاءً ومعتدل صيفاً.. ففي الجنوب يسود في بعض المناطق مناخٌ استوائي يتمـيَّز بالحرارة الشديدة، وفي مناطق أخرى مناخ شبه قاحل، وفي مناطق ثالثة مناخ صحراوي قاحل.. ناهيك عن فيضانات الأنهر في بعض المناطق، والعواصف والأعاصير في مناطق أخرى.. وهذا ما لا بد –برأينا- وأن يكون له تأثير في طباع وأمزجة السكان ما قد ينعكس على طريقة تفكيرهم وردّات فعلهم وميلهم إلى العنف والتزمت، وهذا ما يمكن لنا أن نضيفه كعامل رديف إلى الطبيعة الريفية الزراعية للمجتمعات بشكل عام والتي نلمس كيف أنها تؤدي إلى الشطط في التفكـير وتكوين ما يمكن لنا أن نسميه بالبارانويا الجماعية (مستقبلاً سنحاول الخوض في الفارق بين الريف والمدينة بشكل عام وفي موضوع مستقل).

                 بين النص.. والعقل


إذاً، الصراع داخل الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ بدايات نشأتها في أواخر القرن الثامن عشر وإلى الآن، كان صراعاً بين مجتمع مسيحي واحد انقسم إلى فئتين: فئة مدينية صناعية تريد السير في ركب الحضارة (ومركزها الشمال)، وفئة ريفية زراعية آثرت البقاء في البداوة (ومركزها الجنوب).
هذا الصراع بين الحضارة والبداوة ما بين شمال أميركا وجنوبها انعكس بطبيعته على المفهوم الديني عند الطرفين، وتحديداً عند الطائفة التي تشكِّل مجتمعةً أغلبية المسيحيين الأمـيركيين من ناحية العدد، ألا وهي طائفة البروتستانت.
وهكذا، انقسم البروتستانت إلى مذهبين:
1-    بروتستانت متحررون (ونرغب بتسميتهم بالمعتدلين أو المستنيرين أو المعتزلة).
2-    بروتستانت محافظون (ونرغب بتسميتهم بالمتزمتين أو المتحجرين أو السلفيين أو النصرانجية).
البروتستانت المتحررون هؤلاء إنما تحرروا من النص الحرفي للإنجيل وتحرروا من سلطة الكنيسة وقرروا أن يفهموا الكتاب المقدس بالعقل لا بالنص، وهم بذلك نسخة طبق الأصل عن المعتزلة عند المسلمين السابقين، وعن المستنيرين عند المسلمين حالياً.
أما البروتستانت المحافظون فقد أصروا على أن يفهموا الكتاب المقدس بالنص وبالحرف وبالنقطة وبالفاصلة، وأصروا على سلطة الكنيسة، وهم بذلك نسخة طبق الأصل عن الإسلامجية عندنا.
ومن الضرورة بمكان الإشارة إلى أن أميركا التي نعرفها اليوم إنما هي بفضل الغلبة التي حققها البروتستانت "المعتزلة" هؤلاء، فنجحوا نجاحاً باهراً في بناء دولة حضارية متفرِّدة تستلهم روح الديانة المسيحية وجوهرها، والتي هي نفسها روح الإسلام وجوهره وروح اليهودية وجوهرها، فبنوا دولةً علمانية من الطراز الأول وأنشأوا دستوراً يمنع إنشاء أي حكم ديني فيها، وجعلوا من مسعاهم هذا مسعىً عالمياً.. ولا غرابة في أن معظم الرؤساء الأمـيركيين منذ إنشاء الولايات المتحدة وإلى الآن هم من البروتستانت المعتزلة (بغض النظر عن السياسة الأميركية الخارجية ولا سيما تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي والتي يتحمل وزرها البروتستانت المحافظون بالدرجة الأولى لما لهم من نفوذ وتأثير طاغيين).
من هنا أصبحت أميركا مركز الثقل الحضاري في العالم، فهي تضم الآن إلى مواطنيها الأصليين مواطنين من جميع الأديان والأعراق والقوميات والجنسيات والملل والنحل.. وقد كفلت حرية المعتقد للجميع كفالة مطلقة ولا سيما الديني منه، فباستطاعة أي مواطن اعتناق أي دين يشاء، والإنتقال من دين إلى آخر مـتى يشاء، أو اخـتراع دين جديد إذا شاء، أو عدم اعتناق أي دين من الأديان حسب ما يشاء.

                 عقلية رعاة البقر


إليكم أهم المفاهيم التي يعتنقها البروتستانت المحافظون (السلفيون أو النصرانجية)، وقارنوها بمفاهيم الإسلامجية عندنا:
أولاً، فَهْم الإنجيل بالنص والتمسك الحرفي لما جاء فيه على اعتبار أنه حرفياً كلام الله المعصوم.
ثانياً، التمسك بالسلطة المطلقة للكنيسة، تماماً كما كان الحال في أوروبا الغربية في القرون الوسطى.
ثالثاً، كل الأديان الأخرى هي أديان باطلة يقودها الشيطان، انطلاقاً من أن كل ما لا ينص على أن المسيح هو الله وأن الخلاص لا يأتي إلا منه، هو من الشيطان.
رابعاً، الرفض الكامل والشامل والساحق والماحق للعلمانية.
خامساً، الرفض التام لأي مساواة بين الرجل والمرأة في مختلف الحقوق.
سادساً، اعتبار أميركا بأنها غارقة في إتّباع المال والمِتَع المادية والجنس.
سابعاً، كل مَن يشجع على الإجهاض في أميركا هو وثني (أي كافر بالتعبير الإسلامجي).
ثامناً،المطالبة بوقف الهجرة إلى أميركا وبإلغاء منح الجنسية للمولودين على الأراضي الأميركية.
تاسعاً، أن الإسلام هو دين مهدِّد للنصرانية وهو أكذوبة ودين شرير جداً، يَهْدُم الروح ويقود إلى الهدم والموت، وأن النـبي محمد هو شيطان سيدخل جهنم، وأن إله المسلمين هو الشيطان وليس الله (على العموم فإن الإسلامجية هم الذين يقدِّمون الإسلام إلى العالم أجمع على هذا النحو!).
عاشراً، النشاط التبشيري منقطع النظـير والقائم على قدم وساق وبشكل حثيث ومستميت لجعل العالم كله مسيحياً.. وهم بعد الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 أيلول/ سبتمبر 2001 قد أيدوا الحرب ضد الإرهاب من منطلق أنها "حرب الأرواح"، وقد اعتـبروا هذه الهجمات الإرهابية فرصة ذهبية لمدّ "مملكات الرب إلى معاقل الظلام" (أي العالم الإسلامي)، وأن الإرساليات ينبغي أن "تَهْدُم المعقل الأخـير لمقاومة التبشير العالمي" (أي العالم الإسلامي).. وغـني عن القول أن جورج بوش الإبن، وهو من البروتستانت المتحررين، كان يجمع من حوله مستشارين من القساوسة البروتستانت السلفيين، ونكاد نكون متأكدين من أنهم هم الذين صاغوا له هذه العبارة الغبية، تلك التي أطلقها على الحرب ضد الإرهاب، عندما قام بوصفها بـ "الحرب الصليبية"!
حادي عشر، إمتلاك البروتستانت السلفيين لحوالى 300 ميليشيا مسلحة تُعرف بميليشيات اليمين المسيحي المتطرف، ويقتصر انتشارها على المناطق الزراعية في طول الولايات المتحدة وعرضها ولا سيما في جنوب البلاد، وهي مناهضة لمفهوم الدولة والفدرالية وكثـيراً ما تلجأ إلى العنف والعمليات الإرهابية على شاكلة تفجـير المقر الفدرالي في أوكلاهوما عام 1995.. (لاحظوا أن كل الإسلامجية عندنا هم عبارة عن ميليشيات مسلحة وهم ضد مفهوم الدولة بالمطلق).
ثاني عشر، من بـين البروتستانت السلفيين تبرز الجماعات ذات النفوذ الطاغي على الساسة الأمـيركيين والمسماة بالمسيحية الصهيونية، تلك الـتي تؤمن بأن اليهود هم شعب الله المختار ولهم حق إلـهي في أرض إسرائيل، والمروِّجة لنظرية المسيح المنتظر على النحو نفسه الذي يُرَوَّج عندنا لنظرية المهدي المنتظر.. ومن بينهم تـبرز جماعات النازيين الجدد الداعية إلى طرد اليهود من الولايات المتحدة.. ومن بينهم تـبرز الجماعات الداعية إلى طرد المسلمين من أميركا.. ومن بينهم تـبرز الجماعات الداعية إلى تطهـير أميركا من كل الأعراق ما عدا العرق الأبيض الأنكلو سكسوني الذين هم كلهم منه (أي البروتستانت السلفيون)..
وما علينا في الختام سوى أن نقارن، في ما يتعلق بما حصل في أميركا في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الإرهابية عام 2001، بين ردة فعل الكاثوليك الذين أوقفوا فوراً أيَّ هجوم لهم على الدين الإسلامي، ودعوا بالمشاركة مع البروتستانت المتحررين إلى حوار الأديان، وإقامة الصلوات المشتركة بين المسيحيين والمسلمين، ومشاركة المسلمين في الصوم في اليوم الأخـير من شهر رمضان، وتلبية دعواتهم على مآدب الإفطار، وتخصيص قاعات في معظم الجامعات الأميركية ليؤدي فيها الطلبة المسلمون صلواتهم أيام الجمعة... وبـين ردة فعل البروتستانت النصرانجية في أعقاب تلك الهجمات الإرهابية، إذ دعوا أميركا لأن تستدعي كلَّ مواطنيها من الخارج وتُلقي قنابل ذرية على عدد من العواصم العربية والإسلامية!!
          (نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 13 حزيران/ يونيو 2011، العدد رقم 1497). 
إقرأ الحلقات المتبقّية:
عودة إلى الحلقة الأولى:
 ******************************************************
                                   فهرس كتاب:       

  *********************************************************
                 (شعر: حسين احمد صبرا)
 **********************************************************
                  فهرس كتاب:
  *********************************************************
     إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:
                          www.alshiraa.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق