الصفحة الرئيسة

2017/07/24

التقرير الرابع لبوريس نيمتسوف: "ماذا جلبت 10 سنوات من حكم بوتين؟"/ الفصل الأول: الفساد يلتهم روسيا.



التقرير الرابع لبوريس نيمتسوف: "ماذا جلبت 10 سنوات من حكم بوتين؟"/ الفصل الأول: الفساد يلتهم روسيا.





إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة





الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الرابع (النص الكامل):
ماذا جلبت 10 سنوات
من حكم بوتين؟
(موسكو – 2010)

تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)

نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2010)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)



Путин. Итоги. 10 лет

The Complete Nemtsov White Paper, Volume IV

PUTIN: What 10 Years of Putin Have Brought
An independent expert report by
Vladimir Milov and Boris Nemtsov

(Translated from the Russian to the English by Dave Essel (2010
(Translated from the English to the Arabic by Hussein Ahmad Sabra (2016



الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف، زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.

(ملاحظة: قبل توزيع هذا التقرير قام الكرملين بمصادرة عشرات الآلاف من النسخ منه، مع الإشارة إلى أنَّ نيمتسوف طبع منه مليون نسخة).

الفصل الأول:
الفساد يلتهم روسيا



بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
لقد كان واحداً من أوخم نتائج حكم فلاديمير بوتين هو أنَّ روسيا قد غرقت في مستنقع الفساد. ويبقى الأسوأ من ذلك هو حقيقة أنَّ الفساد في المستويات العليا من السلطة في روسيا قد أصبح قانونياً بجميع النوايا والمقاصد. إنَّ أصدقاء بوتين القدماء قد أصبحوا من أصحاب مليارات الدولارات، من قبيل أولئك الذي لم يكونوا شيئاً قبل وصولهم إلى السلطة مثل جينادي تيمتشنكو، ويوري كوفالتشوك، والأخوَين روتنبرج. لذا، ليس من المستغرَب أنَّ هذا البلد قد بدأ يحاكي نموذج "قادة التسوية المؤقتة". 
بالعودة إلى عام 2000، فقد كنا في المرتبة 82 في تصنيف الفساد العالمي لمنظمة "الشفافية الدولية" (TI) (منظمة الشفافية الدولية هي منظمة غير حكومية تحارب الفساد وتقوم بإجراء بحوثٍ عن مستويات الفساد في العالم). وبحلول عام 2009 باتت روسيا في أسفل الجدول الدوري، لتحتل المرتبة 146. لقد أصبح مجاورونا في هذا المستوى الكاميرون والإكوادور وكينيا وسيراليون وتيمور الشرقية وزيمبابوي. أما جورجيا فقد احتلَّت مرتبةً أعلى منَّا في التصنيف وجاءت في المرتبة 61. 
في عهد بوتين قفزت السرقة من قبل المسؤولين من حالةٍ متأخرة إلى حالةٍ كارثية، وتُقَدِّرُ منظمة الشفافية الدولية القيمة النقدية لـــ"سوق الفساد" في روسيا بـــ300 مليار دولار. وهذا هو ربع الناتج المحلي الإجمالي في للبلاد!
إنَّ تصنيفات الفساد الدولية إنما يتم تأكيدها من خلال بيانات الحكومة الروسية. فوفقاً للجنة الحكومية للإحصاء (RosStat) ارتفع عدد الجرائم المسجَّلة في فئة "الفساد" بنسبة 87% بين عامي 2000 و2009 – من 7 آلاف إلى 13 ألف جريمة(*).
______________________________________
(*) المصدر: اللجنة الحكومية للإحصاء – العمل الإجرامي – الجرائم المسجَّلة حسب الفئة.
______________________________________
هذه الأرقام هي بالطبع مشكوكٌ فيها: ففي نهاية عام 2009 – ومرَّةً أخرى وفق اللجنة الحكومية للإحصاء – تضاعف جيشُ موظفي الدولة الروس ليصل عددهم إلى 870 ألفاً بعدما كان عام 1999 485 ألف موظف حكومياً. والواحد منَّا لا يمكنه أن يصدِّق بأنَّ 13 ألفاً فقط من أولئك الــ870 ألف بيروقراطي يتقاضى الرشى.  
إنَّ الغالبية العظمى من الفاسدين في روسيا لم تتم معاقبتهم، ووفقاً لرئيس المحكمة العليا للإتحاد الروسي فياتشيسلاف ليبيديف فإنَّ 25% فقط من المتَّهمين بتلقِّي الرشى صدرت بحقِّهم أحكاماً بالسجن عام 2008، في حين أنَّ 65% منهم حصلوا على أحكامٍ مع وقف التنفيذ! (من خطاب رئيس المحكمة العليا للإتحاد الروسي فياتشيسلاف ليبيديف في اجتماعٍ لرؤساء محاكم الإتحاد الروسي في 27 كانون الثاني/ يناير 2009، والذي ذُكِرَ في مقالٍ في صحيفة "كوميرسانت" في 28 كانون الثاني/ يناير 2009 بعنوان "الغالبية العظمى من المدانين بقبول الرشى هم رجال شرطة").
هذا هو دليلٌ واضح على كيفية عمل نظام العدالة في "محكمة باسماني" في روسيا: المسؤولون – الذين يأخذون الرشى – لديهم عملياً حصانة من العقاب الجدِّي.
ونحن بدورنا لم نتلقَّ ردوداً على هذه الأسئلة التي طرحناها في تقريرَينا السابقَين "بوتين – النتائج" و"بوتين وغازبروم".
n كيف حدث أن أصبح ما يلي خارجَ نطاق سيطرة شركة "غازبروم" (Gazprom/ газпром): "غازفوند" (أكبر صندوق للتقاعد في البلاد/ Gazfond)، "غازبروم بنك" (ثاني أكبر مصرف في روسيا/ Gazprombank)، "سوغاز" (شركة التأمين الكبرى/ Sogaz)، وسائل الإعلام التابعة لغازبروم (الممتلكات الإعلامية التي تشمل المحطتين التلفزيونيَّتين "أن. تي. في" (NTV) و"تي. أن. تي" (TNT) وغيرهما من أصول الوسائل الإعلامية الأخرى)؟ لماذا وكيف حدث أن كسب "بنك روسيا" (Rossiya Bank) السيطرة على هذه الأصول، وهو البنك الذي يكون صديق بوتين القديم يوري كوفالتشوك المساهمَ الرئيس فيه؟ أين اختفى أكثر من 6% من أسهم شركة "غازبروم"، وهي النسبة التي كانت ما تزال مسجَّلة على دفاتر الشركة في منتصف عام 2003؟
n لماذا تقاسَمَت "غازبروم" مئات الملايين من الدولارات من الأرباح السنوية من عبور الغاز وإعادة تصديره من آسيا الوسطى، مع شركتَي "أورال ترانس غاز (EuralTransGas) و"روس أوكر إنيرجو" (RosUkrEnergo)؟ مَنْ هم المستفيدون الحقيقيون من هاتين الشركتَين الوسيطتَين؟
n لماذا تَدْفَعُ الدولةُ لرومان أبراموفيتش 13,7 مليار دولار مقابل 75% من أسهم شركة "سيبنفط" (Sibneft)، والتي لم يكن هناك أي حاجة لأن تقوم الحكومة بتأميمها؟ من هنا يبرز السؤال التالي: لماذا قرَّرت شركة "غازبروم" عام 2009 أن تدفع مبلغاً إضافياً بقيمة 4 مليار دولار للشركة الإيطالية "إي. أن. أي" (ENI) مقابل 20% أخرى من أسهم شركة "سيبنفط"، في حين أنَّ "غازبروم" تمتلك بالفعل ثلاثة أرباع الشركة؟ مع الإشارة إلى أنَّ تمويل هذا الشراء أدى إلى زيادة أسعار الغاز بالنسبة للمستهلكين الروس.
n مَنْ هو المالك الحقيقي لــــ"ميل هاوس" (Millhouse)، الشركة التي يعمل من خلالها رومان أبراموفيتش؟
n لماذا تقوم شركات النفط المملوكة من قِبَل الدولة بتصدير نسبة كبيرة من النفط من خلال شركة "جونفور" (Gunvor)، التي يملكها صديق بوتين جينادي تيمتشنكو؟ كيف حَدَثَ أن قامت شركة "جونفور" باكتساب السيطرة على صادرات روسيا النفطية، في حين أنها كانت عام 2000 لاعباً صغيراً في سوق تجارة النفط؟
n مَنْ هو المالك الحقيقي لشركة "سورجوت نفط غاز" (SurgutNefteGaz)، أكبر مُزَوِّد للنفط لشركة "جونفور"؟ ونتيجةً لما نشرناه في تقريرَينا "بوتين – النتائج" و"بوتين وغازبروم" عن بعض الحقائق حول نقل أصولٍ من شركة "غازبروم" بقيمة أكثر من 60 مليار دولار، طالَبَ (المعارض الروسي) ألكسي نافالني بأن يقوم مكتب المدَّعي العام بالتحقيق في هذه المسألة. وبالفعل، فقد تلقَّى نافالني رداً، وهو أيضاً عبارة عن تَهَرُّبٍ من هذه القضية، إذ كَتَبَ مساعد المدَّعي العام قائلاً: "نحن لا نجد أي سببٍ لأن يقوم مكتب المدعي العام بالتحقيق في ذلك" (رسالة المرجع: 73/ 1 – 1222 – 2008 في 14/ 10/ 2008).
سابقاً، حينما نشرنا تقريرنا "بوتين – النتائج"، فإنَّ الحديث عن أصدقاء بوتين الشخصيين الأقوياء، الذين وصلوا إلى مرتبة المليارديرات (تيمتشنكو، والأخوَين كوفالتشوك، والأخوَين روتنبرج)، إنما كان عبارة عن نَشْرٍ للشائعات ليس إلا. أما الآن فإنَّ بالإمكان العثور على كل هؤلاء الأشخاص بصورة رسمية جداً في قائمة المليارديرات الروس. فوفقاً لمجلة "فوربس" (Forbes) الأميركية يحتلُّ جينادي تيمتشنكو المرتبة الـــ36 في قائمة أغنى الأغنياء في العالم عن ثروةٍ بلغت 1,9 مليار دولار. ويأتي يوري كوفالتشوك في المرتبة الــ67 عن ثروةٍ تقترب من مليار دولار. والأخوان أركادي وبوريس روتنبرج يحتلان المرتَبَتَين الـــ99 والـــ100 عن ثروةٍ مجتمعةٍ قدرُها 1,4 مليار دولار(*).
______________________________________
(*) المصدر: مجلة "فوربس"، تصنيف أغنى مئة رجل أعمال في روسيا لعام 2010.
______________________________________
لم يقم بوتين بالإستفادة فقط عبر أصدقائه المقرَّبين، بل وعبر أقاربهم أيضاً. فقد وُضِعَ نجلُ يوري كوفالتشوك – بوريس – البالغ 29 عاماً، على رأس وزارة المشاريع الوطنية في الحكومة الروسية، والتي تولاها من عام 2006 إلى عام 2009. وعندما طُوِيَت صفحة المشاريع الوطنية عُيِّن بوريس كوفالتشوك في منصب نائب مدير مؤسسة الدولة للطاقة الذرية "روس أتوم" (RosAtom)، وفي أواخر عام 2009 رئيساً لشركة "إنتر راو" (InterRAO)، وهي الشركة الحكومية المحتكرة لتصدير واستيراد الكهرباء. وفي الوقت نفسه فإنَّ شقيق يوري كوفالتشوك – ميخائيل – يرأس "معهد كورتشاكوف" (المؤسسة الروسية للبحوث والتطوير في مجال الطاقة النووية)، والتي قامت الدولة بتمويلها في السنوات الأخيرة بعشرات المليارات من الروبلات.
وكمثالٍ آخر عن المحسوبين على بوتين يأتي الأخوان المليارديران أركادي وبوريس روتنبرج. ففي وقتٍ مبكر من تسعينيات القرن العشرين قام أركادي روتنبرج بمساعدة بوتين على التدرُّب على رياضة الجودو حيث كان شريكاً له كنَدٍّ وهمي (وهذا هو السبب في أنه كثيراً ما يُشار إليه على أنه "مدرِّب بوتين على الجودو"). وجنباً إلى جنبٍ مع جينادي تيمتشينكو – المذكور أعلاه – أقام أركادي روتنبرج نادي الجودو "يافارا نيفا" (YavaraNeva) في بطرسبورج، وأصبح بوتين منذ ذلك الحين رئيسه الفخري.
لقد بنى الأخوان روتنبرج أعمالهما على توريد أنابيب النفط وتوفير خدمات البناء لشركة "غازبروم"، هذا على الرغم من أنهما لا فعلا ولا قدَّما شيئاً. وسابقاً في عامي 2003 و2004 كان بوريس روتنبرج الشريك الأصغر في شركة "غازتيجيد" (Gaztaged)، وهي شركة يبلغ حجم مبيعاتها حوالى مليار دولار، ومن خلالها تمَّ من خلالها توجيه مشتريات الأنابيب لشركة "غازبروم". ولاحقاً اكتسب أسهماً في شركة "سيبت" (SEPT) (مشروع أنابيب شمال أوروبا)، وهي شركة لتجارة الأنابيب ويبلغ حجم مبيعاتها حوالى 1,5 مليار دولار، والتي ستتولى توريد الأنابيب لمشروع خط أنابيب "نورث ستريم" (North Stream/ Северный поток) (خط أنابيب الغاز الشمالي من روسيا إلى ألمانيا). أما أركادي روتنبرج فيسيطر على شركة "ستروي غاز مونتاج" (StroiGasMontazh)، وهي مجموعة التي اشترت في عام 2008 أسهماً مسيطرة في 5 شركاتٍ تابعة لشركة "غازبروم" عاملة على خطوط أنابيب لمشروع "نورث ستريم" ومشروع "دجوبغا – لازاريفسكوي – سوتشي" (Dzhubga-Lazarevskoye-Sochi) الأولمبي، ومشاريع خطوط أنابيب أخرى(*).
________________________________________
(*) المصدر: مقال "الإقتسام الودّي لغنائم شركة غازبروم"، صحيفة "فيدوموستي" الروسية المستقلة، 9 آذار/ مارس 2010؛ "البناء العملاق من نصيب المدرِّب الشخصي"، صحيفة "كوميرسانت" الروسية، 2 أيلول/ سبتمبر 2008.
_______________________________________
إنَّ السيطرة على "غازبروم" – كما يمكننا أن نرى – أصبحت تشكِّل أحد المداخيل الصغيرة واللطيفة لفلاديمير بوتين وأصدقائه. وللأسف فإنَّ مستهلكي الغاز الروسي عليهم أن يدفعوا ثمن كل هذا: فالأسعار بالنسبة إليهم ارتفعت من متوسطٍ قدرُهُ 358 روبلاً لكل ألف مترٍ مكعَّب إلى أكثر من 2500 روبل في العام 2010.
هناك سببٌ للإعتقاد بأنَّ كل هؤلاء "التيمتشنكيين" و"الكوفالتشوكيين" و"الروتنبرجيين" ليسوا أكثر من مالكين شكليين لممتلكاتهم الضخمة، وأنَّ المستفيد النهائي والحقيقي هو بوتين نفسه.
في عام 2008 اعترف (السويدي) توربجون تورنكفيست – شريكُ تيمتشنكو في الشركة النفطية "جونفور" – في رسالةٍ إلى رئيس تحرير صحيفة "الغارديان" البريطانية" بأنَّ لدى جونفور "مستفيدٌ ثالث". ولكن مَنْ هو، لا أحدَ يعرف(*).
________________________________________
(*) المصدر: "مَنْ هو رقم ثلاثة في جونفور؟"، صحيفة "فيدوموستي"، 25 كانون الأول/ ديسمبر 2007؛ "من هو المساهم الثالث في جونفور؟"، صحيفة "نوفايا غازيتا"، 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2009.
________________________________________
إنَّ تيمتشنكو يشتري أصول النفط والغاز الرئيسة في روسيا، وأصبحت شركة "جونفور" شريكةً في ملكية شركة "روسنفط بنكر" (RosNeftBunker) التي تقوم ببناء محطة النفط في ميناء أوست – لوجا (Ust-Luga) (غرب مدينة بطرسبورج). كما تقوم "جونفور" ببناء مرفأ نفطي آخر في نوفوروسيسك (Novorossiisk) (على البحر الأسود). ويسيطر صندوق "موارد فولغا" (Volga Resources) التابع لتيمتشنكو على أكثر من 20% من "نوفاتيك" (Novatek) التي هي ثاني أكبر شركة لاستخراج الغاز في روسيا، وأيضاً على حوالى 80% من "ستروي ترانس غاز" (StroiTransGaz) التي هي واحدة من أكبر الشركات التي تعمل من باطن "غازبروم".
إنَّ شركات تيمتشنكو تُمسك بتراخيص العمل في حقل الغاز الضخم "أنجارو – لينسك" (Angaro-Lensk) (في منطقة إركوتسكايا جنوب شرق روسيا)، وأسهماً في حقل الغاز العملاق "يوجو – تامبيسك" (Yuzho-Tambeisk) في شبه جزيرة يامال (شمال غرب سيبيريا)، و30% من مشروع تطوير حقل "لاجانسك" (Lagansk) في بحر قزوين(*).
_______________________________________
(*) المصدر: "تيمتشنكو يوسِّع إمبراطوريته ويبدأ الحفر"، صحيفة "فيدوموستي"، 4 آذار/ مارس 2010.
_______________________________________
إذاً، ليس من المستغرب أنَّ الخبراء وأتباع السياسيين يتنافس بعضهم مع البعض الآخر على تقدير ثروة بوتين الشخصية، هل هي 20 مليار دولار أم 30 مليار دولار أم أكثر؟...
إنَّ المحسوبية – كنموذجٍ يُحتذى – موجودةٌ في كل مكانٍ الآن في روسيا بوتين. لم يكن هناك الكثير مما ينبغي سماعه عن الفساد الذي أحاط سابقاً بعمدة موسكو يوري لوجكوف في تسعينيات القرن العشرين. ولكن في عام 2000 أصبحت زوجُهُ إيلينا باتورينا مليارديرة وأغنى امرأة في روسيا، وقد كتبنا عن هذا في تقريرنا "لوجكوف – النتائج" في الإصدارَين الأول والثاني (أُنظر: http://nemtsov.ru/2010/04/luzhkov-itogi/).
تحتل باتورينا المرتبة 27 في قائمة مجلة "فوربس" الأميركية للمليارديرات الروس عن ثروةٍ تبلغ 2,9 مليار دولار.
إنَّ ديمتري باتروشيف، البالغ من العمر 34 سنة، والذي هو نجل مدير جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. أس. بي" سابقاً وأمين مجلس الأمن الروسي حالياً نيقولاي باتروشيف، هو نائب رئيس مصرف "فنيش تورج بنك" (VneshTorgBank). أما شقيقه الأصغر أندريه باتروشيف فهو مستشارٌ لرئيس مجلس إدارة شركة "روس نفط" (RosNeft) إيجور سيشين. وفي نيسان/ أبريل 2007حصل أندري باتروشيف بشكلٍ مشين على وسام الإستحقاق "لسنواتٍ من العمل الضميري"، وذلك من خلال أمرٍ حكومي من الرئيس بوتين (وكان في زمن القيصر يسمَّى أمراً إمبراطورياً، ورقم هذا الأمر الحكومي 545 بتاريخ 24/ 4/ 2007)، في وقتٍ لم يكن قد مضى على عمله في "روس نفط" سوى أقل من سنة واحدة بعد تخرُّجه من مدرسة الـ"أف. أس. بي" للتعليم العالي.
وسيرجي إيفانوف، البالغ من العمر 29 سنة، وهو الإبن الأصغر للنائب الأول لرئيس الحكومة سيرجي إيفانوف، جُعِلَ في شباط/ فبراير 2010 نائباً لرئيس مجلس إدارة مصرف "غازبروم بنك" (Gazprombank)، وهو ثاني أكبر مصرف في البلاد، وكان يعمل فيه من العام 2004. وألكسندر إيفانوف، الإبن الأكبر لسيرجي إيفانوف، هو مدير مصرف "فنيش إيكونوم بنك" (Vneshekonombank)، في حين أنَّ والده هو عضوٌ في لجنة الرقابة في المصرف(*). وبالمناسبة، فإنَّ ألكسندر هو  السائق الذي صدم بسيارته المواطنة الموسكوفية سفيتلانا بيريدزي في أيار/ مايو 2005، والتي توفيت في مكان الحادث متأثرةً بجراحها، وقد قرَّرت المحكمة إغلاق ملف القضية "لعدم وجود علَّة في تصرفات السائق".
_________________________________________
(*) المصدر: "حيِّزٌ للأولاد: إبن يوري كوفالتشوك قد يصبح رئيسَ شركة "إنتر راو" (InterRAO) للطاقة الكهربائية. كيف يعثر أولاد الأقوياء على وظائف في روسيا"، مجلة "فوربس" الأميركية، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009).
________________________________________
وستانسلاف شيميزوف، البالغ من العمر 37 سنة، وهو نجل رئيس شركة "روس تكنولوجي" (RosTekhnologii) سيرجي شيميزوف الذي هو واحدٌ من أقوى أصدقاء بوتين، يملك أسهماً في شركة "آي. دي. إي" لصناعة الأعمال (I.A.D. Business Industry) وباللغة الروسية صناعة التقنية النانوية (وهي شركة ذات غرض مزدوج لتقنية المعلومات مع مشاريع تدعمها الشركة المُصَدِّرة للسلاح "روس أوبورون إكسبورت/ RosOboronExport). كما يملك ستانسلاف شيميزوف أسهماً في العديد من شركات البناء، وهو أيضاً عضوٌ في مجلس إدارة شركة "أفتوفاز إنيرجو" (AvtoVAZ Energo)(*).
_________________________________________
(*) المصدر: رئيس شركة "روس أوبورن إكسبورت" سيرجي شيميزوف ليس ممَّن ينسون أصدقاءهم"، مجلة "فوربس" الأميركية، تشرين الأول/ أكتوبر 2007؛ "شركة "روس أوبورون إكسبورت" تتطلَّع إلى مالكها: شميزوف الأصغر ينضم إلى مجلس "أفتوفاز إنيرجو"، صحيفة "فيدوموستي"، 21 آب/ أغسطس 2007).
__________________________________________
وألكسي بوجدانتشيكوف، البالغ من العمر 31 سنة، وهو الإبن الأكبر لرئيس شركة "روس نفط" (RosNeft)، عمل في شركة "روس نفط" بدءاً من حزيران/ يونيو 2004 قبل أن ينتقل للعمل كمدير تطوير الأعمال في شركة استخراج الغاز "نوفاتيك" (Novatek)، وهي الشركة التي يسيطر عليها صديق بوتين جينادي تيمتشنكو.
وسيرجي، إبن محافظة مدينة بطرسبورج فالنتينا ماتفيينكو، والبالغ من العمر 37 سنة، أصبح المدبر العام لشركة "في. تي. بي. كابيتال" (VTB-Kapital) (وهي الآن شركة "في. تي. بي. للتنمية"/ VTB-Development)، وهي الشركة التي تشكِّل واقعياً ذراعَ التطوير العقاري لمصرف "فنيش تورج بنك" (VneshTorgBank). 
وبيتر، البالغ من العمر 32 سنة، وهو إبن رئيس الوزراء السابق ورئيس الإستخبارات الخارجية الحالي ميخائيل فرادكوف، هو عضوٌ في مجلس إدارة مصرف "فنيش إيكونوم بنك" (Vneshekonombank) ونائبُ رئيسه. 
عندما "عُيِّنَ في منصب الرئيس" في عام 2008 أعلن ديمتري ميدفيديف أنَّ "الحرب على الفساد" لها الأولوية بالنسبة إليه. ومنذ ذلك الحين – أي منذ العامين الماضيين – فإنَّ مرتبة روسيا العالمية في الفساد انخفضت (أي أنَّ الفساد زاد)، والرشوة متفشِّية، ومستويات الواسطة والمحسوبيات لم يسبق لها مثيل منذ تسعينيات القرن العشرين ويراها الجميع في إدارة أملاك الدولة وأرصدتها. إنَّ الحرب المزعومة ضد الفساد بدأت مع القرار القاضي بأن يُعلن موظفو الحكومة عن مداخيلهم وممتلكاتهم، ولكن من المستحيل أن نصدِّق ما يقوله قادة بلادنا عن أنفسهم. 
قصر ميوندورف للقيصر بوتين
لقد أعلن بوتين أنَّ دَخْلَهُ لعام 2009 بلغ 3,9 مليون روبل (125 ألف دولار. ومن هذا الدخل فإنَّ رئيسَ وزرائنا (أي بوتين) كان قادراً على إعطاء صبياً راعياً في منطقة تولا ساعةَ يدٍ بقيمة 10 آلاف دولار، وبعدها بأيامٍ قليلة نرى بوتين بطريقةٍ سحريةٍ – ليس إلا -  يلبس طرازاً جديداً من الساعة نفسها. وميدفيديف، الذي أعلن أنه حصل على دخلٍ يبلغ 3,3 مليون روبل (106 آلاف دولار) في عام 2009، نجده يتملَّك شقةً في مجمَّع "زولوتي كلوتشي" للشقق السكنية لصفوة النخبة، والتي تبلغ تكاليف صيانتها لوحدها 5 آلاف دولار شهرياً. كما يبلغ ثمن الساعة التي يلبسها ميدفيديف 32 ألف دولار. إنَّ بَدْلات الرئيس الروسي ورئيس الحكومة تأتي من "بريوني" (في روما) و"كيتون" (في نابولي) (ويبلغ ثمن الواحدة منها ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف يورو) وهي البَدْلات التي يفضِّلُها المليارديرات في روسيا. وفي مقابل خلفية الإخفاق في بناء الطرق والكثير من البنى التحتية في البلاد، فإنَّ قادة بلادنا يقومون ببناء واستعادة قصور الضيافة لأنفسهم العزيزة من الموازنة العامة للدولة (أُنظر: http://svpressa.ru/society/article/21459/). ولدينا بالفعل 13 منها مبعثرة حول البلاد! 
قصر قسطنطين للقيصر بوتين
إنَّ مقر الرئاسة، الذي تبلغ كلفته 7,7 مليار روبل (مجرَّد ربع مليار دولار)، يجري بناؤه في شبه جزيرة جاموف في مقاطعة بريمورسكي كراي، الفقيرة (والواقعة في أقصى شرق روسيا). كما تمَّ ترميم قصر قسطنطين بتكلفةٍ قدرُها حوالى 200 مليون دولار أثناء رئاسة بوتين المبكرة (2000 – 2008). لكنَّ الرقم القياسي لإستخدام الدولة "الفاعل" لواجبها يجب أن يكون معقوداً على قصر ميوندورف (Meyendorf Palace) في المنطقة السكنية الراقية في روبليوفكا (في ضواحي جنوب غرب موسكو)، وهو القصر العزيز على قلب ميدفيديف. لقد أُنفق أكثر من 100 مليون دولار لاستعادة هذه الممتلكات البالغة مساحتها 1,3 ألف مترٍ مربَّع، أي أكثر من 80 ألف دولار (وليس روبلاً) لكل مترٍ مربَّع (أُنظر: http://newtimes.ru/articles/detail/3625). إنه نصبٌ تذكاري للفساد في عصر ميدفيديف، مع الإشارة إلى أنَّ المقرَّات تكلِّف جميعها المليارات من الدولارات سنوياً ومن ميزانية الدولة.
لقد أكل الفساد كلَّ شيءٍ في أكبر المشاريع العملاقة في عهد بوتين. وحتى شركة "ترانس نفط" (Transneft) اعترفت بمشاكل الفساد في بناء خط أنابيب النفط شرق سيبيريا – المحيط الهادىء (ESPO)(*).
________________________________________
(*) المصدر: "الفساد يزدهر في "إسبو" (ESPO)"، وكالة انباء "روزبالت" الروسية، 2 تموز/ يوليو 2008.
_________________________________________
وفي آذار/ مارس 2010 حدثت فضيحة كبرى على مستوى القيادة العليا، مما أدى إلى استقالة نائب وزير المناطق سيرجي كروجليك جراء الإختلاسات في بناء المواقع الأولمبية(*).
_________________________________________
(*) المصدر: "سوء التقدير في العائدات"، صحيفة "كوميرسانت" الروسية، 6 نيسان/ أبريل 2010.
__________________________________________
وفي حين تتم الثرثرة حول خوض معارك "الثأر من القِلَّة الأوليجارشية الحاكمة"، شهدت روسيا إثراءً للـ"بوتين – قراطيين" الجدد والأقوياء، وقد تضاعف عدد المليارديرات في روسيا في عامٍ صعب هو العام 2009.
هذا النظام الإجرامي لا بد من تدميره، ونحن في حاجةٍ إلى خفضٍ جذري لسلطة الموظفين الحكوميين وتقليص صلاحياتهم. إنَّ الدولة تحتاج إلى التوقُّف عن التفكير بأنَّ لديها الحق في المهام غير الحكومية كالهيمنة على المؤسسات.
يجب وضع شروط للموظفين الحكوميين على جميع مستويات الخدمة. إنَّ هذا مطلوبٌ حتى لا تترسَّخ التحالفات مع مؤسسات القطاع الخاص. ويجب اعتماد المبدأ العالمي في ذلك، فالموظف المدني (في موقع القيادة العليا) يتقاعد بعد 8 سنوات من الخدمة، مع عدم وجود احتمال لـ"ولاية ثالثة" أو غيرها من المخادعات للبقاء في السلطة (مثل الإنتقال من منصب رئيس الجمهورية إلى منصب رئيس الوزراء). 
إنَّ الموظف، الذي يكون أسير تصرفات الفساد، يجب استبعاده مدى الحياة.
نحن في حاجة إلى تطبيق القانون الجديد بشكلٍ جذري وإلى جهازٍ مستقل للتحقيقات الفدرالية (Federal Investigation Service) بحيث لا يدع مجالاً أمام الناس بأن تكون لهم صلة بالفاسدين.
نريد رقابة مدنية صارمة على تصرفات الحكومة، وإلغاء الرقابة على القنوات التلفزيونية الإتحادية، وتوفير ظروفٍ طبيعية للمعارضة السياسية. ويجب أن تكون الناس قادرة على المناقشة بحرِّية لموضوعاتٍ مثل الفساد في الحكومة، وعلى الطلب بتوجيه اتهاماتٍ جنائية ضد المسؤولين الفاسدين.
وهناك شرطٌ مسبَقٌ هام في مكافحة الفساد وهو وجوب أن يكون لدى روسيا محاكم مستقلة. فطالما ما تزال المحاكم خاضعةً لسيطرة السلطة التنفيذية فلا أمل في النظر في قضايا الفساد بموضوعية ومعاقبة المذنب.

الفصل التالي:
الحديث السابق:











 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق