بعد خمسة أشهر على العدوان الإسرائيلي
على العرب في الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967، قال الرئيس الفرنسي العظيم شارل
ديغول لمعاونيه: "لقد خرج العرب بعد هزيمة 67 بمأساة، وأريد من أم كلثوم رفع
معنويات العرب في فرنسا".. وبالفعل، وعلى وجه السرعة، تمَّ توجيه دعوة رئاسية
فرنسية إلى كوكب الشرق أم كلثوم لإحياء سلسلة حفلات لها في فرنسا...
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
(4 من 4)
40 عاماً على رحيل كوكب الشرق
عندما غنَّت أم كلثوم في باريس:
هل رأى الحب سكارى بيننا
حسين احمد صبرا
بعد خمسة أشهر على العدوان الإسرائيلي
على العرب في الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967، قال الرئيس الفرنسي العظيم شارل
ديغول لمعاونيه: "لقد خرج العرب بعد هزيمة 67 بمأساة، وأريد من أم كلثوم رفع
معنويات العرب في فرنسا"..
وبالفعل، وعلى وجه السرعة، تمَّ توجيه
دعوة رئاسية فرنسية إلى كوكب الشرق أم كلثوم لإحياء سلسلة حفلات لها في فرنسا، وما
أن حلَّ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 حتى حطت في مطار "أورلي" في
باريس الطائرة المصرية التي أقلَّت أم كلثوم وحشداً كبيراً من الإعلاميين المصريين،
حيث استقبلها في المطار عددٌ كبير من المسؤولين الفرنسيين والسفراء العرب وحشدٌ
كبير من الإعلاميين من مختلف وسائل الإعلام الفرنسية والعربية والعالمية، وكان
الموعد المحدَّد للغناء يوم الإثنين في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، والحفلة
الثانية يوم الأربعاء في الخامس عشر منه..
في اليوم التالي لوصولها إلى العاصمة
الفرنسية وإقامتها في فندق جورج الخامس خرجت أم كلثوم لتتنزَّه في باريس فقصدت
حديقة اللوكسمبورغ الواقعة أمام مجلس الشيوخ الفرنسي في الحي اللاتيني، وكان
بصحبتها كلٌّ من ابن شقيقتها والدكتور علي السمَّان (رئيس الإتحاد العالمي لحوار
وثقافات الأديان) والذي كان يتقن الفرنسية.. قالت أم كلثوم لعلي السمَّان وهي
تتمشَّى في الحديقة الغنَّاء: "أنا حضرتُ إلى باريس لأنه واجب وطني، وكلنا
جنود في معركة واحدة، ولن نترك مصر أبداً فريسة لأي عدوان أو استعمار مهما كانت
قوَّته، وسنضحِّي بأرواحنا من أجل وطننا".. وطلبت كوكب الشرق منه أن يكتب
رسالة شكر للجنرال ديغول تُحَيّي فيها موقفه الشجاع بعدم تأييده لأميركا وإسرائيل
في عدوانهما الغاشم على مصر.. وبعدما فرغ السمَّان من كتابة الرسالة، وقَّعت عليها
أم كلثوم بالعبارة التالية: "أم كلثوم/ مواطنة مصرية".
يوم الإثنين في 13 تشرين الثاني/
نوفمبر 1967 صَدَحَ صوتُ أم كلثوم على خشبة مسرح الأولمبياد في ليلةٍ لم تنم فيها
باريس، غنَّت فيها كوكب الشرق أغنية "أمل حياتي" من ألحان موسيقار
الأجيال محمد عبد الوهاب (كلمات أحمد شفيق كامل)، والتي كانت قد غنَّتها لأول مرة
في 2/ 12/ 1965، ثم غنَّت "الأطلال" من ألحان العملاق الزاهد رياض
السنباطي (أشعار ابراهيم ناجي)، والتي غنَّتها لأول مرة في 7/ 4/ 1966، ثم ختمت
السهرة بأغنيتها الجديدة آنذاك "فات المعاد" من ألحان الموسيقار العبقري
بليغ حمدي (كلمات مرسي جميل عزيز)..
بعدها أحيت كوكب الشرق عدداً من
الحفلات في فرنسا، ومع انتهاء حفلاتها أرسل الرئيس الفرنسي شارل ديغول مبعوثاً
خاصاً من القصر الرئاسي ليقابل أم كلثوم ويحييها ويقول لها: "أنت ضمير
أُمَّة"، ثم سلَّمها رسالة من ديغول، واللافت في رسالة ديغول أنها مكتوبة بخط
يد واحدٍ من أشهر مناضلي فرنسا ضد الإحتلال الألماني وهو بترلان.. ثم قفلت أم
كلثوم عائدة إلى مصر في كانون الأول/ ديسمبر 1967، ليستقبلها جمال عبد الناصر في
بيته ويوجِّه لها الشكر على مجهودها الوطني الكبير من أجل مصر.. وقد تبرَّعت أم
كلثوم بريع حفلاتها في باريس بالعملة الصعبة للمجهود الحربي، الذي بدأ يقوم على
قدمٍ وساق من أجل تحرير الأرض المصرية التي احتلَّتها إسرائيل في عدوانها..
وبما أننا نتحدَّث عن حفلات أم كلثوم
في باريس فلا بد لنا من الإتيان على ذكر حادثة فريدة من نوعها حدثت مع أم كلثوم
أثناء غنائها الحفلة الأولى لها على مسرح الأولمبياد (يوم الإثنين في 13/ 11/
1967) حين كانت كوكب الشرق تغنّي – من ضمن ما غنَّت – أغنية "الأطلال"،
كما ذكرنا، وتحديداً حينما راحت تشدو مقطع "هل رأى الحبُّ سُكارى مثلنا/ كم
بَنَيْنا من خيالٍ حولنا/ ومَشَينا في طريقٍ مُقْمِرٍ/ تَثِبُ الفرحةُ فيه قبلنا/ وضَحِكْنا ضِحْكَ
طِفْلَينِ معاً/ وعَدَوْنا فسَبَقْنا ظِلَّنا".. وهو لحنٌ شديد الإطراب،
نَسَجَهُ السنباطي من مقام السيكاه وأبدع فيه أَيّما إبداع.. وفجأةً، صعد على خشبة
المسرح أحد الشبَّان الجزائريين، وكان سكراناً، وارتمى على الأرض ممسكاً بقَدَمَي
أم كلثوم يريد تقبيلهما، ولكن عندما حاولت كوكب الشرق التراجع إلى الخلف بسرعةٍ
محاولةً سحبَ قَدَمَيها من بين يدي هذا الشاب الجزائري إذ بها تهوي على الأرض،
ليتوقَّف العزف ويسارع بعض أعضاء الفرقة الموسيقية إلى إنهاض أم كلثوم من على
الأرض، وليأتي رجلا أمنٍ فرنسيان فيمسكان بالشاب الجزائري ويذهبان به إلى خارج
القاعة.. وقد نشرت الصحف الفرنسية في اليوم التالي صوراً لأم كلثوم وهي على واقعةً
على أرض المسرح (أُنظر الصور المرفقة مع هذا الموضوع)..
اللافت أكثر في الأمر ما رواه الإذاعي
الكبير الراحل جلال معوَّض، والذي كان يرافق كوكب الشرق في رحلتها تلك، إذ استمعنا
إليه عام 1984(وبعد خروجه من السجن بعدة سنوات، وقد حبسه السادات لمعارضته نظامَه)
وهو يروي لإذاعة القاهرة هذه الحادثة ويقول إنَّ أم كلثوم بعدما نهضت وتمالكت
نفسها واستعادت توازنها تابعت غناء مقطع "الأطلال"، الذي كانت تغنيه قبل
أن تقع، فإذ بها بذكائها المتَّقد وسرعة بَدِيهَتها الفريدة وعوض أن تغنّي
"هل رأى الحب سكارى مثلنا" راحت تغنّي: "هل رأى الحبُّ سكارى
بيننا"، وهي تقصد الشاب الجزائري السكران والذي جرى منه ما جرى.
(أغنية أم كلثوم "الأطلال" -
حفلة باريس متوافرة على اليوتيوب).
(أنظر الصور إلى في الأسفل).
(نُشر هذا الموضوع في مجلة
"الشراع" اللبنانية بتاريخ 3 آذار/ مارس 2015، العدد رقم 1686).
الحديث السابق:
1-
الشاب الجزائري مرتمياً على الأرض يحاول تقبيل قدمي أم كلثوم، فيما هي تحاول
الإنسحاب إلى الخلف
|
2-
أم كلثوم بعدما وقعت على الأرض، فيما الشاب الجزائري ما يزال يقبِّل قدميها
|
3-
بعض أعضاء الفرقة الموسيقية يساعدون أم كلثوم على النهوض
|
أم كلثوم أثناء غنائها على مسرح الأولمبياد في باريس عام 1967 |
عبد الناصر يقلد أم كلثوم وعبد الوهاب وسام الفنون من الدرجة الأولى |
أم كلثوم في باريس تقف أمام لوحة إعلانية عن حفلتها في قاعة الأولمبياد |
تجيب عن أسئلة الصحافيين ويبدو إلى يسارها د. على السمَّان |
أم كلثوم تزور دار الأوبرا الفرنسية |
أم كلثوم في باريس وإلى يمينها د. علي السمان |
أم كلثوم في باريس |
أم كلثوم تتنزَّه في حديقة اللكسمبورغ في باريس وإلى يمينها د. على السمَّان وإلى يسارها ابن شقيقتها |
أم كلثوم في حديقة اللكسمبورغ في باريس |
الجمهور داخلاً إلى مسرح الأولمبياد في باريس ليستمع إلى أم كلثوم |
د. على السمَّان |
جمهور حفلة أم كلثوم في باريس |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق