حسين احمد صبرا
لا نريد أن نسمع منكم غداً، يا ثوار ليبيا الأحرار، اسطوانة: نحن قاتلنا، نحن حرَّرنا، نحن انتصرنا، لتجعلوا منها سيرةَ عنترة بعد إسقاط القذافي وتركبوا على ظهر شعبكم بغية أن تبلعوا السلطة في كرشكم، كما يفعل حزب الله في لبنان وحماس في غزة، لتُدخلوا بلدكم بعدها في دوامة من العنف والتدمير وسفك الدماء والسلب والنهب أين منها ما فعله القذافي بليبيا..
إن كان على القتال فلا يوجد على سطح الكرة الأرضية برمَّتها في عصرنا الراهن من يقاتل بشراسة وبسالة أكثر من "المجاهدين الهَرْدَبَشْت" في أفغانستان.. فهؤلاء إن طلع عليهم صباحٌ دون أن يسفكوا دماً سترونهم يصابون حتماً بالإكتئاب.. فإن كنتم، يا ثوار ليبيا الأبطال، تقاتلون الآن لوجه الله (لا لوجه السلطة) فستأخذون أجركم من الله، وإياكم أن تأخذوه من العباد كي لا تُحبَط أعمالكم وتصبحوا في عداد الزعران والمجرمين والأوباش ليصبَّ التاريخ لعناته عليكم..
إن أسهل ما في الحروب ، على أنواعها، هو القتال بالسلاح.. وليس معنى أن يفهَم أحدُنا بالكاد بالخطط العسكرية وبالقتال في الجبهات أنه عبقري زمانه وما ولدت مثلَه ولاّدة وأتى بما لم تستطعه الأوائلُ وخلقَه الله وكَسَرَ القالب.. فعلى الكرة الأرضية لا يوجد "رامبو".. وآينشتاين، ليس إلاّه، كان يفهم بالذرَّة ولم يكن يفهم بشيء آخر غيرها.. لذا لا بد، يا ثوار ليبيا الأحرار، وأن تُسلِّموا أمور البلاد والعباد بعد انتصاركم المؤمَّل إلى مدنيين وطنيين، منهم من يفهم بالسياسة، ومنهم من يفهم بالإقتصاد، أو بالتخطيط، أو بالإدارة، أو بالصناعة، أو بالزراعة، أو بالسياحة.. وإن كان منكم من يفهم بأي شأن من تلك الشؤون فلا يوجد أي منطق يحول دون مشاركته في السلطة مثله مثل أي مدني آخر، شرط ألاّ تكون له ميزة عن الآخرين بل مثله مثلهم، وأن يترك أمر اعتزازه بماضيه المشرِّف لنفسه وللتاريخ ولا يجعله باباً للمتاجرة وحبلاً من مَسَد فيصبح "الماضي المقرِّف".. والأهم، أنه إذا ما فشل في أداء مهامه في السلطة عليه أن يذهب إلى بيته كالشاطر، تاركاً منصبه لمن هو أكثر جدارة وأكثر كفاءة..
على أن المهمة الأولى التي يجب عليكم أن تنفذوها بكل جدية وحزم ودون هوادة ولا رحمة فور انتصاركم مباشرةً هي سحب السلاح من أيدي المقاتلين والمواطنين، لأنه سيصبح حينها سلاحاً غير شرعي ويودي بليبيا إلى المهالك.. فالدولة الشرعية وحدها هي التي لها الحق الحصري بامتلاك السلاح، وإلا نمت في ليبيا ميليشيات مسلحة ستستقوي على الدولة وتعيق قيامها وتنشىء دويلاتها المِسْخ لتسود بعدها شريعة الغاب تحت مسميات "مُسْتَهْبِلة" ومنها مسميات "المقاومة" (بحجة أن القذافي قد يعود مرة أخرى)، لتسود بعدها شريعة الغاب فيتحول غداً ثوارُ اليوم الأبطال إلى زعران ومجرمين ولصوص وأوباش يوجهون سلاحهم القذِر إلى صدر الشعب الليبي الأعزل، وحينها سترون بأم أعينكم كيف سيعامِلون شعبهم وكأنه جرذان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق