الصفحة الرئيسة

2011/04/06

كتاب "على هامش ثورة شباب مصر" (3): زحمة يا دنيا زحمة.. مولد وصاحبه غايب!

      لقد بُحَّ صوت فاطمة عيد في النصف الثاني من الثمانينيات وهي تغنّي بطلب من الحكومة المصرية: عوضين ومحمدين، زينة الشباب الإتنين.. فلقد سعى نظام الرئيس حسني مبارك إلى إقناع الشعب المصري بضرورة تحديد النسل في محاولة للنهوض بالوضع الإقتصادي في مصر، وخاصةً أن الإحصاء السكاني الذي أُجري في مصر عام 1986 قد جاء بأرقامٍ يشيب لها الولدان!



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً




                                          كتاب
       على هامش ثورة شباب مصر
                                                       تأليف: حسين احمد صبرا





                                         

             
                  الفصل الأول
             وماذا عن تحديد النسل يا شباب ثورة مصر؟ (2من4)
        زحمة يا دنيا زحمة
       مولد وصاحبه غايب!

   
     حسين احمد صبرا

                                                                             لقد بُحَّ صوت فاطمة عيد في النصف الثاني من الثمانينيات وهي تغنّي بطلب من الحكومة المصـرية: عوضين ومحمدين، زينة الشباب الإتنين.. فلقد سعى نظام الرئيس حسني مبارك إلى إقناع الشعب المصـري بضـرورة تحديد النسل في محاولة للنهوض بالوضع الإقتصادي في مصـر، وخاصةً أن الإحصاء السكاني الذي أُجري في مصـر عام 1986 قد جاء بأرقام يشيب لها الولدان!
     ونبدأ بالإشارة أولاً إلى أن العادة قد درجت على إجراء الإحصاء السكاني في مصر كل عشـر سنوات وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشـر (عام 1897 تحديداً).. وكان أول إحصاء سكاني قد جرى في مصـر عام 1800 حيث بلغ عدد السكان 2،5 مليون نسمة، ومع أواخر القرن التاسع عشـر بلغ العدد 9،7 مليون نسمة.. وبحسبة بسيطة نجد أن معدل النسبة المئوية للزيادة السكانية طوال القرن التاسع عشـر قد بلغ 1،47% سنوياً.. واستمرت النسبة المئوية للزيادة السكانية معقولة في النصف الأول من القرن العشـرين، حيث قمنا بحسابها لنجد أن معدلها قد بلغ 1،42% سنوياً، أي زيادة بمعدل 183 ألف نسمة سنوياً على مدى خمسين عاماً ما بين 1897 و1947.
     وبما أن العدوان الثلاثي على مصـر عام 1956 قد حال دون إجراء التعداد السكاني الذي كان منتظراً عام 1957، فقد تمّ إرجاء الإحصاء بضع سنوات إلى أن أُجري في عام 1966.. وهنا اتضحت آثار الكارثة التي ما زالت مصر تعاني منها حتى وقتنا الحالي وربما إلى أمد غير منظور! فحسب إحصاء عام 1947 كان عدد السكان 18،9 مليون نسمة.. أما  في عام 1966 فقد بلغ 29،8 مليون نسمة أي بزيادة إجمالية بلغت خلال 19 عاماً 10،9 مليون نسمة، أي زيادة بلغ معدلها أكثر من نصف مليون نسمة سنوياً (576 ألفاً) وبنسبة مئوية بلغ معدلها 3% سنوياً!! ولا نجد لذلك سبباً إلا أن مصـر بعد ثورة عبد الناصر عام 1952 قد شهدت استقراراً اجتماعياً واقتصادياً لم تشهد له مثيلاً قط في تاريخها الحديث، فلقد ظهرت شريحة عريضة من صغار المالكين للأراضي الزراعية بفضل قوانين الإصلاح الزراعي، ما شجع الفلاحين – برأينا- على الإكثار من الإنجاب سعياً منهم لتجنب كلفة اليد العاملة الزراعية, كما ظهرت في المدن طبقة متوسطة عريضة لم تجد في الإكثار من الإنجاب ما يُثقل كاهلها وخاصةً مع توافر أماكن السكن وفرص العمل ومجانية التعليم والطبابة وما شابه ذلك.. ولعل آباء وأجداد شباب ثورة مصـر ما زالوا يتذكرون أن نتائج هذا الإحصاء قد أدت إلى إثارة القلق لدى عبد الناصر، الذي حذّر آنذاك من مخاطر هذه الزيادة السكانية، مع لفت الإنتباه إلى أنه في ذلك العام (أي 1966) كانت مصر تتعرض لحصار اقتصادي لئيم من قبل الولايات المتحدة الأميركية للضغط على قائد مصـر وأمة العرب، وقد شمل هذا الحصار أول ما شمل رغيف العيش، حيث أرادت أميركا تجويع الشعب المصـري، أي تجويع آباء وأجداد ملايين الشباب الذين ثاروا في 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011 في ميدان التحرير.
     أما إحصاء عام 1976 فقد أظهر تراجعاً طفيفاً في الزيادة السكانية حيث بلغ تعداد الشعب المصري 36،6 مليون نسمة أي بزيادة قدرها 6،7 مليون نسمة عن عام 1966، حيث بلغ معدل الزيادة ما بين عامي 1966 و1977: 677 ألف نسمة سنوياً، أي ما نسبته 2،27% سنوياً.. ونرى بأن السبب قد يعود إلى توتر الوضع السياسي وتراجع الوضع الإقتصادي في مصـر وخاصةً بسبب حربَي 1967 و1973..
 
         عصر المهلبية!

                                                                                                                    

     على أن الكارثة الحقيقية ظهرت في إحصاء عام 1986، حيث قفز عدد سكان مصـر فجأة إلى 48،2 مليون نسمة، أي بزيادة قدرها 11،6 مليون نسمة سنوياً، أي بنسبة مئوية بلغت 3،17% سنوياً!! ونُرجّح أن يكون السبب وراء هذا الإنفجار السكاني الكاسح الماسح هو سياسة الإنفتاح الإقتصادي التي انتهجها أنور السادات منذ عام 1975 والذي أسماه عام الرخاء بعد أن أعلن أن حرب أكتوبر 73 هي آخر الحروب.. على أن الأمور انقلبت رأساً على عقب بعدما شُرّعت أبواب الإقتصاد المصري على مصراعيه وبات بدون أسس ولا ضوابط ، حتى أن الكاتب المصري الكبير أحمد بهاء الدين سمّاه "إنفتاح السداح مداح"..لقد أصبح كلّه يتاجر في كلّه، وبات باستطاعة المصـريين تعبئة "الهواء" في زجاجات وبيعها، على حد تعبير فريد شوقي في فيلم عادل إمام " الغول" عام 1983 (تأليف وحيد حامد/ إخراج سمير سيف)..وبدأ الإستثمار ينحصـر في أي شيء يحقق ربحاً سريعاً، وكل ذلك على حساب الصناعة الوطنية الحقيقية، حتى نمت كالفطر طبقة سُميت ب"الهلّيبة" أو "المهلّباتية"، والمشتقة من طبق المهلبية، الذي بإمكان المرء أن "يلهَطَهُ" بسرعة ويجري.. وانتشرت تجارة السلع المستوردة حتى بات افتتاح "بوتيك" للملابس الجاهزة المستوردة رمزاً لتلك المرحلة.. وجُرفت الأراضي الزراعية الخصبة لتُبنى عليها عمارات ضخمة من الإسمنت المسلّح.. وفُتحت أبواب الهجرة للعمالة المصـرية ليهاجروا بالملايين بحثاً عن فرص العمل بالعملة الصعبة وخاصةً في دول الخليج العربي.. وانتعشت طبقة الحرفيين (سبّاك، بلاّط، نجّار، حداد، دهّان، ميكانيكي، معلّم بناء..). وكنتيجة لهذه المعمعة بدأ سكان الريف المصـري يزحفون أرتالاً أرتالاً نحو المدن تاركين أراضيهم الزراعية علّهم يحصلون على نصيب من سياسة "التهليب" واقتصاد السوق المفتوح على وسعه.. فازدحمت المدن المصـرية بالسكان وبشكلٍ خاص العاصمة، فاكتظت أحياء القاهرة وخاصةً الشعبية منها وعرفت مصـر ما يسمى ب"سكان السطوح"، ليغني أحمد عدوية في أواخر السبعينيات "زحمة يا دنيا زحمة، مولد وصاحبه غايب"!
                                                                       

والحقيقة تُقال أن "البِلية" جَرَت في أيدي المصـريين في البداية، وهذا ما شجّعهم على التناسل دون أي حساب منهم للعواقب التي تنتظرهم.. وبعد ما أظهره إحصاء عام 1986 من زيادة سكانية لم تشهد لها مصر مثيلاً قط من ذي قبل منذ أن بدأت تُجرى فيها الإحصاءات السكانية قبل نحو مائتي عام، سعى النظام المصـري الحاكم إلى إقناع الشعب المصـري بضـرورة تحديد النسل نظراً لما يُسفر عن هذه الزيادة السكانية من استنزاف للإقتصاد المصـري وإعاقة لأي محاولة جدية لتحسين الحياة المعيشية للمواطنين.. وكان من اللافت اعتراض الإسلامجية في مصـر على الدعوة الحكومية لتحديد النسل، بدءً من الإخوان المسلمين وانتهاءً بإمام الدجالين محمد متولي الشعراوي، وقد ادعوا أن تحديد النسل هو ضد الإسلام، وساقوا حديثاً منسوباً إلى الرسول: تناسلوا تناكحوا فإني مباهٍ بكم الأممَ يوم القيامة! وبما أن الإسلامجية يلوكون بألسنتهم ليلَ نهار بأن الإسلام هو الحل، وذلك في خضم زحفهم المستميت للوصول إلى السلطة، فقد قدموا حلاً للأزمة المعيشية الخانقة في مصـر ألا وهو التشجيع على زيادة النسل وبأمرٍ إلهي!!

          ولد وبنت!
     نجحت حملة التوعية لتحديد النسل نجاحاً محدوداً جداً، وهو بدون أدنى شك نجاحٌ مخيّب للآمال! فلقد بلغ تعداد السكان في إحصاء عام 1996: 61،5 مليون نسمة، أي بزيادة 13،2 مليون نسمة عن الإحصاء السابق عام 1986، بمعدل زيادة بلغ 1،32 مليون نسمة سنوياً، وبمعدل  زيادة مئوية قدرها 2،74% سنوياً (بلغت نسبة الزيادة المئوية السنوية لإحصاء عام 1986: 3،17% كما سبق وأشرنا)..

     واستمر الإنخفاض المحدود جداُ في نسبة الزيادة المئوية السنوية، حتى بلغت في آخر إحصاء أُجري في مصر عام 2006: 2،43%، رغم أن العبرة في النهاية هي في العدد الذي بلغته الزيادة السكانية خلال عشـر سنوات، إذ زاد عدد سكان مصر ما بين عامي 1996 و2006: 15 مليون ولد وبنت سنوياً! وبذا فإن عدد سكان أرض المحروسة قد بلغ عام 2006: 76،5 مليون بني آدم!! أي أن عدد سكان مصر قد تضاعف خلال ثلاثين عاماً (من 1976 إلى 2006) والحبل على الجرار!
     ما نلاحظه في هذا المجال أن الحملات الدعائية ركزت في خطابها على سكان الريف.. فقد بدأت عام 1987 بأغنية فاطمة عيد والتي تضمنت أسماءً ريفية: عوضين ومحمدين، زينة الشباب الإتنين.. وهي دعوة لأن تكتفي أسر الصعايدة والفلاحين بإنجاب اثنين فقط من الذكور (دون التطرق إلى عدد الإناث)، مع تذكيرنا بما يحظى به الذكر في المجتمعات الريفية (كما القبلية) من أهمية خاصة إن لناحية ما يشكله من قوة عضلية في الأعمال الزراعية ومن ثم وراثة الأرض عن أبيه، أو لناحية ما يشكله من عزوة تشد من عضد الأسرة تجاه التحديات (أو الطموحات السلطوية) أو في مواجهة أي أعداء محتملين، ليصبح السعي لإنجاب عدد كبير من الذكور أشبه بمن يسعى لإنشاء ميليشيا مسلحة! من هنا يمكن فهم مضمون آخِر حملة دعائية لتحديد النسل قامت بها الحكومة المصـرية عام 2010، حيث رأينا الفنان القدير سعيد طرابيك يقول لسكان الريف: العزوة مش في العدد، العزوة في مستقبل البنت والولد... هذا دون أن ننسـى أن أحداث مسلسل "وما زال النيل يجري" عام 1993 (إخراج محمد فاضل) قد جرت في الريف، وقد جاء إسهاماً من قِبل الأديب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة في الدعوة إلى تحديد النسل..
                                                                           
     على أن النيلة في ستين نيلة تكمن في أن الزيادة في الإنجاب لا تقتصـر فقط على سكان الريف وإنما تشمل سكان المدن أيضاً، وهو ما نلحظه حين نقرأ أرقام إحصاء عام 2006: إذ يبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة في الريف 4،37 فردٍ، ولا يختلف الحال في المدينة بكثير حيث يبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة في المدن 3،94 فردٍ.. إلا أن هذا لا ينفي كون الريف هو المساهم الأكبر في زيادة النسل، وخاصةً أن عدد سكان الريف يفوق عدد سكان المدن بأكثر من 10،68 مليون نسمة، حيث يبلغ عدد سكان الريف وفق إحصاء عام 2006: 41،63 مليون نسمة بما نسبته 57،36% من إجمالي عدد السكان، فيما يبلغ في المدن 30،94 مليون نسمة بما نسبته 42،64% (إلى جانب وجود حوالى 3،9 مليون مصري في الخارج).
     وللحديث تتمة، حيث نوجّه النصيحة لشباب ثورة مصر في الجزء الثالث من الفصل الأول لنقول لهم:
   
 (نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 21 آذار/ مارس 2011، العدد 1485)

 ***************************************************************************
                               فهرس كتاب
                  "على هامش ثورة شباب مصر"
******************************************************************************
                               فهرس كتاب
                   "حوار مع صديقي الإسلامجي"
******************************************************************************
                 
                  إقرأ قصيدة "مشايخ.. ومشايخ"
                                   (شعر: حسين احمد صبرا)
*****************************************************************************               
                              فهرس الكتب
******************************************************************************
                        إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية على موقعها الإلكتروني التالي:
                                  www.alshiraa.com
******************************************************************************

   

Slideshow of Cairo: TravelPod’s trip to Cairo, Egypt was created by TripAdvisor. See another Cairo slideshow. Create a free slideshow with music from your travel photos.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق