التقرير الرابع لبوريس نيمتسوف:
"ماذا جلبت 10 سنوات من حكم بوتين؟"/ الفصل الثالث: روسيا.. مواد أولية مُلْحَقة.
إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة
الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الرابع (النص
الكامل):
ماذا جلبت 10 سنوات
من حكم بوتين؟
(موسكو – 2010)
تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي
عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)
نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2010)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)
Путин.
Итоги. 10 лет
The Complete Nemtsov White Paper,
Volume IV
PUTIN: What 10 Years of Putin Have Brought
An independent expert report by
Vladimir Milov and Boris Nemtsov
Vladimir Milov and Boris Nemtsov
(Translated from the Russian to the English by Dave Essel (2010
(Translated from the English to the Arabic by Hussein Ahmad Sabra
(2016
الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف،
زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً
من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.
(ملاحظة: قبل
توزيع هذا التقرير قام الكرملين بمصادرة عشرات الآلاف من النسخ منه، مع الإشارة
إلى أنَّ نيمتسوف طبع منه مليون نسخة).
الفصل الثالث:
روسيا..
مواد أولية مُلْحَقة
بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
عندما صدرت الطبعة الأولى من تقريرنا
"بوتين
– النتجة المالية"، ثم الطبعة الثانية في شباط/ فبراير 2008، كان بوتين
يتباهى فَرِحاً بالنجاحات الإقتصادية. ففي 8 شباط/ فبراير 2008 كان يُلقي خطاباً
أمام جلسة مجلس الدولة وكان الحديث عن نتائج رئاسته، وقدَّم الكثير من الحقائق عن
أنَّ الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفع خلال فترته، وأنه في عام 2008 وحدَهُ جذبت
روسيا 83 مليار دولار إلى الإستثمار
الداخلي.
ولكننا حتى ذلك الحين حذَّرْنا من أنَّ
النموذج الإقتصادي الذي يبنيه بوتين كان مجرَّد فقاعة تخمينية ممكن أن تنفجر في أي
لحظة، وهذا هو ما حدث بالضبط بعد ستة أشهر من نشر تقريرنا: فقد اندلعت أزمة
إقتصادية كبيرة في روسيا عام 2008، وهي أزمةٌ أسوأ بكثير من أزمة المديونية عام
1998، بل كانت أزمةً لا نستطيع مقارنتها بأي أزمةٍ أخرى إلا بالأزمة التي ترافقت
مع فترة انهيار الإقتصاد السوفياتي وما حلَّ من كسادٍ إقتصادي بين عامي 1992
و1994.
في عام 2009 انخفض الناتج المحلي
الإجمالي بنسبة 7,9%، وهذا رقمٌ قياسي، مع الإشارة إلى أنَّ أزمة المديونية عام
1998 حدثت بعد انخفاضٍ أقل في الناتج المحلي الإجمالي وذلك بنسبة 5,3%. ويأتي هذا
الإنخفاض عام 2009 على قدم المساواة مع الفترة بين 1992 و1994.
لماذا انهار الإقتصاد البوتيني بسرعة؟
لقد حاول بوتين، ضمن محاولاته للتغطية على فشل سياساته الإقتصادية، أن يضع كلَّ
اللوم على الأزمة في أميركا. ولكنَّ هذا لا يساعد في التفسير أنْ لماذا كان معدَّل
التراجع في الإقتصاد الروسي أشدَّ وطأةً من التراجع الذي حدث في الدول الغربية
الرائدة أو في البلدان الأخرى في "البريك" (المجموعة الإقتصادية التي
تضم البرازيل وروسيا والهند والصين). لقد ظهرت روسيا باعتبارها واحداً من البلدان
الـ15 التي عانت أكثر من غيرها جراء تلك الأزمة.
(تراجع/ نمو الناتج الإجمالي المحلي في بلدانٍ مختلفة
عام 2009)
إنَّ التفسير الذي يُقَدَّم عادة هو
أنَّ روسيا كانت في عام 2009 ما تزال غارقةً في الإعتماد على النفط، أي الإعتماد
على صادرات النفط والغاز وعلى السعر العالمي للنفط. هنالك الكثير من الحقيقة في
ذلك، إلا أنَّ المملكة العربية السعودية، التي هي أكبر منتج للنفط في العالم
واقتصادها أكثر اعتماداً على النفط من روسيا، لم تعانِ في هذه الحالة من الإنخفاض
في الناتج المحلي الإجمالي، لا بل حقَّقت في الواقع نمواً طفيفاً بنسبة 0,2%.
إنَّ الإنخفاض في روسيا كان واحداً من
الأشد حدَّةً في رابطة الدول المستقلة (CIS). في الواقع فإنَّ 8 دول من أصل 12 دولة في
رابطة الدول المستقلة حقَّقت نمواً إقتصادياً فعلياً عام 2009! وبعيداً عن روسيا
فقد عانت أوكرانيا وأرمينيا ومولدافيا فقط من الإنخفاض.
ثم في حين أنَّ الإقتصاد حتى الآن
يتَّجه دائماً إلى أسفل، فإنَّ روسيا تحتفظ بنسبة تضخُّم مرتفعة نسبياً تصل إلى 9%
سنوياً، بينما الأسعار في أوروبا الغربية لا ترتفع على الإطلاق بل وتنخفض فعلياً
في الولايات المتحدة واليابان والصين.
تُرى، أيَّ نوعٍ من الإقتصاد المسخ
بناه بوتين في الحقيقة، بحيث أنه يمكن أن يُنتج كلاً من الكساد الإقتصادي العويص
وارتفاع معدلات التضخم معاً؟
خلال كل هذه السنوات كنا مضطرِّين إلى
الإستماع إلى كلامٍ فارغٍ لا نهايةَ له حول ضرورة "جعل الإقتصاد أقل اعتماداً
على المواد الخام"، فماذا حدث؟ فلننظر إلى الجدول أدناه حيث شكَّلت المواد
الخام 44% من الصادرات الروسية في عام 1999، وهي في الآونة الأخيرة شكَّلت من 66
إلى 69%، في حين انخفضت الصادرات من السلع والمعدات المصنَّعة من 11% إلى 5%.
المواد الخام والمنتجات عالية التقنية كعنصرٍ من صادرات
روسيا
بين عامي 1999 و2009
في الفترة التي حكم بوتين البلاد أصبحت
روسيا بالمواد الخام ملحقةً بالإقتصاد العالمي أكثر من أي وقتٍ مضى.
إنَّ "معجزة بوتين
الإقتصادية" خلال فترة رئاسته الثانية كانت مبنية على تدفُّق أموال المضاربة
قصيرة الأجل إلى روسيا من الخارج، وعندما تدفَّق أكثر من 140 مليار دولار بين عامي
2005 و2008 فإنَّ هذا لم يؤدِّ في الواقع إلى ارتفاع معدلات النمو الإقتصادي. غير
أنَّ هذا المال كان أساساً في شكل قروض. لذا، عندما بدأت الأزمة تدفَّقَت رؤوس
الأموال مرةً أخرى من روسيا إلى الخارج وانتهت "المعجزة الإقتصادية".
لقد كان نموذج بوتين في النمو متهالكاً
لأنه لم يَقُم على الإستثمار في تحديث الإنتاج، وزيادة إنتاجية العمل، ولم يُفْضِ
إلى تنمية الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة.
إنَّ اقتصاداً مثل هذا لا يمكن إلا أن
"يَرْفَعَ من رُكَبِهم" إذا ما حصلوا على حُقَنٍ مستمرة في مفاصلهم في
شكل قروضٍ رخيصة من الغرب.
إننا إذا ما نظرنا إلى الوراء فإنه
يمكننا بالتالي أن نرى بأنفسنا أنَّ الأساطير الرئيسة للنجاح الإقتصادي البوتيني
كانت أكاذيبَ صريحة. فمعدلات التنمية في روسيا لم تتميَّز بأي طريقة خاصة عن
التنمية في بلدان رابطة الدول المستقلة الأخرى، وهذا يعني أنَّ النمو الإقتصادي في
العقد الأول من القرن الواحد والعشرين على الأرجح نتيجةً لقيام بلدان الإتحاد
السوفياتي السابق بتخليص أنفسهم من الأشكال الإقتصادية السوفياتية. لقد كانت
معدلات النمو في روسيا، الغنية بالنفط، من بين أدنى المعدلات في رابطة الدول
المستقلة. وبالعودة إلى عام 2000 تمتَّعت روسيا بثاني أعلى معدل نمو في الناتج
الإجمالي المحلي في رابطة الدول المستقلة. وبحلول عام 2008 أصبحت في المرتبة
الثامنة. وبحلول عام 2009 أصبحنا في صدارة الدول ذات المعدَّل المنخفض.
وبعد أن مُنِحْنا هديةً رائعة من
السماء – نتيجة الإرتفاع غير المسبوق في أسعار النفط – كان ينبغي على الإقتصاد
الروسي أن ينمو أسرعَ بكثير. لقد كانت أسعار تصدير النفط في ظل حكم بوتين أعلى
بثلاث مرات عما كانت عليه في ظل حكم يلتسين (متوسط سعر برميل النفط 47 دولاراً بين
عامي 2000 و2009، ومن 60 إلى 90 دولاراً بين عامي 2006 و2009، مقابل 16,7 دولار في
تسعينيات القرن الماضي).
بأسعارٍ غير متوقَّعة كهذه، ينبغي على
اقتصادنا أن ينمو من 9 إلى 15% سنوياً، كحال جارتَينا المصدِّرتين للنفط كازخستان
وأذربيجان.
وعلاوةً على ذلك، ليس بوتين الذي
يتعيَّن علينا أن نشكره على النمو الإقتصادي الذي عرضنا له، ذلك أنَّ كل ما فعله
بوتين إنما كان عقبةً بوجه الإتجاهات الإيجابية التي ظهرت قبل وصوله إلى السلطة.
فاستئناف النمو الإقتصادي في روسيا في وقتٍ مبكر من عام 1997، ثم مرةً أخرى – بعد
التخلُّف – في عام 1999، عندما نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 6,4%،
إنما لم يكن لبوتين أي علاقة به.
إذا ما استُخدِمَ العقد الماضي (2000 –
2010) فقط لتحديث البلاد حقاً، وللقيام باستثماراتٍ طويلة الأجل في تحديث الصناعة،
ولبناء الطرق والمطارات، ولإنشاء جيشٍ حديثٍ ونظامٍ تقاعدي عصري... فإنَّ من
المحتمل ألا نُمْنَح مثل هذه الفرصة مرةً أخرى، وسيكون القيام بتغييرات مؤلمة
(كإصلاح معاشات التقاعد) أصعب بكثير.
لقد كان هنالك حاجةٌ إلى إصلاحاتٍ
هيكلية من أجل التحديث، ولكن تمَّ القيام بكلِّ شيءٍ بالمقلوب، من الخلف إلى
الأمام، ومن الداخل إلى الخارج: فقد تمَّت مصادرة الأصول – من شركة
"يوكوس" (Yukos) النفطية (التي كانت ملكاً للملياردير
السابق تيودور خودوركوفسكي)، إلى مشروع "سخالين-2" (Sakhalin-2) لتطوير
النفط والغاز في جزيرة سخالين، إلى شركة "أوروسيت" (Euroset) لتوزيع
الهواتف النقالة في روسيا، في حين أُنفق الكثير والكثير على الجهاز المتزايد
للدولة، وعلى الخدمات الخاصة، وعلى تمويل عملية إصلاح وتجديد الشركات التابعة
للدولة.
لقد بدأ بوتين الألفية الثالثة مع
فائضٍ في الميزانية، وانتهى العقد الأول مع وجود عجزٍ متزايد (والذي وصل في عام
2009 إلى 5,9% من الناتج المحلي الإجمالي). فكيف سنُصَلِّح الفجوات؟ لقد وَجَدَ
بوتين الإجابة: رَفْعُ مدفوعات الضمان الإجتماعي وسِنِّ التقاعد. وعادت روسيا إلى
الإقتراض من الخارج.
وفي الوقت نفسه، كما قد تبدو المفارقة،
يجري تخفيض الضرائب على قطاع النفط والغاز. ففي عام 2009 قدَّم بوتين إعفاءاتٍ
ضريبية لصناعة النفط تبلغ قيمتها أكثر من 6 مليار دولار ورَفَضَ مرةً أخرى زيادة
الضرائب على شركة "غازبروم" (Gazprom) على الرغم من أنَّ الشركة تدفع ضرائبَ أقل
بكثير مما تدفعه شركات النفط الروسية (لمزيدٍ من التفاصيل: أُنظر تقريرَنا
"بوتين وغازبروم"). لقد أعفى بوتين شركة "غازبروم" من 4 مليار
دولار سنوياً من الضرائب في صفقةٍ عُرِفَت بإسم "الغاز في مقابل أسطول البحر
الأسود"، ونحن – مواطني هذا البلد – مَنْ سيدفع ثمن ذلك عبر زيادة الضرائب
وفواتير المرافق.
إنَّ التدابير التي ادُّعِيَ بأنَّ
بوتين اتخذها بخصوص الأزمة هي مقزِّزة في تحيُّزها ومحسوبيَّتها، ذلك أنها تجعل
الأمر واضحاً تماماً بحيث أنَّ القطاع المصرفي وحلقة ضيِّقة من الشركات قد أُعطيا
الأولوية في الحصول على الجزء الأكبر من هذه المساعدات. وبدلاً من دعم الشعب قام
بوتين بتقديم المساعدات المالية إلى القلة الحاكمة (oligarch): أوليج
ديريباسكا ووصلت قيمتها إلى 4,5 مليار دولار، وإلى صديقه رومان أبراموفيتش بقيمة
1,8 مليار دولار، وفي الوقت نفسه تلقَّى صديقاه في شركة "روس نفط" (Rosneft) إيجور
سيتشين وبوغدانوفيتش 4,6 مليار دولار على شكل مساعداتٍ من بنوك الدولة.
أما نحن – شعبَ روسيا – فسوف نقوم بدفع
الثمن لتبقى الأدوات الفاسدة والتابعة وغير القابلة للإصلاح واقفةً على قدميها.
الفصل التالي:
الفصل السابق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق